أصبحت ظاهرتا التطرف والإرهاب التهديد الرئيسي للسلم والأمن العالميين والدوليين بعد أن بات لا يفرق بين دول أو مجتمعات نامية وأخرى متقدمة؛ وقد امتد بتعدياته في جميع المناطق على الساحة العالمية. وصارت عمليات عناصره وتنظيماته نجدها في شرق وغرب آسيا وشمال وشرق وغرب ووسط أفريقيا وفى أوروبا والولايات المتحدة الأفريقية. ويزيد من تهديد "تطرف الإرهاب" عن مخاطر "الصراع المسلح"، حقائق تطور منظمته التي باتت تصهر جميع تنظيماته في بوتقة واحدة تسعى لهدم وإسقاط الدول وعرقلة جهود التنمية لتحقيق طموحات وآمال الشعوب على الساحة العالمية بصفة عامة وداخل فضاء الساحل والصحراء بصفة خاصة. ورغم كثافة الجهود الحالية على مختلف المستويات وبكافة الأصعدة، في مكافحة التطرف والإرهاب؛ إلا أن المؤشرات ما زالت تشير إلى اتساع النطاق الجغرافي لعناصره وتنظيماته خاصة في منطقة الساحل والصحراء ارتباطاً بالعديد من الأسباب والدوافع؛ الأمر الذي يتطلب تضافر وتكاتف الجهود الوطنية والمجتمع الدولي في إطار استراتيجية شاملة لا تعتمد فقط على النواحي الأمنية والعسكرية "ذات العائد الايجابي فقط في المدى القريب"، وإنما تأخذ بأبعادها التنمية الاقتصادية والبشرية والتعليمية والثقافية إلى جانب تجديد الخطاب الديني. وفقاً لما تقدم سيتم من خلال التقرير تناول النقاط الآتية: أ- الأسباب والدوافع الرئيسية لانتشار ظاهرتي التطرف والإرهاب. ب- اتجاهات التطور للتنظيمات الإرهابية في فضاء الساحل والصحراء. ج- خريطة التنظيمات الإرهابية في فضاء الساحل والصحراء. د- الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء . ه - الرؤية المصرية لتطوير جهود ومكافحة التطرف والإرهاب في الساحل والصحراء "الترتيبات الإستخباراتية والعملياتية لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب". أولا: الأسباب والدوافع الرئيسية لانتشار ظاهرتين التطرف والإرهاب: تعدد الأسباب والدوافع الرئيسية لانتشار ظاهرتي التطرف والإرهاب والتي يمكن إيجادها في الآتي: - تعثر جهود التسوية السياسية السلمية للقضايا والأزمات على الساحة الدولية والإقليمية الأمر الذي يؤدى إلى الإحساس بالإحباط لدى الشعوب ويصب في صالح الاتجاهات المتطرفة. - الانتقائية في إستراتيجية التعامل مع التنظيمات الإرهابية رغم حقائق وحدة المنابع والأخطار وضرورة التعامل الشامل لسرعة أثرها ومنعها من التمدد بمناطق أخرى، ومن أمثلة ذلك تركيز العالم على مواجهة تنظيم القاعدة في العراق أدى لانتشاره في الشرق الأوسط وظهور داعش في العراق وسوريا وتركيز المواجهة عليهما رتب لانتقال داعش إلى ليبيا وفضاء الساحل والصحراء. - تحول "القاعدة" و"داعش" إلى فكر أكثر منه تنظيم تستمد منه الجماعات والتنظيمات المحلية مبادئ وقواعد للأعمال الإرهابية، وساهم في تحقيق ذلك التطور في شبكات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة المعلومات الدولية. - الطبيعة الجغرافية الصحراوية والجبلية والتركيبة الديموجرافية، والكثافة السكانية لفضاء "س و ص" الذي يوفر ملاذات أمنية للتنظيمات والجماعات الإرهابية. - محدودية إجراءات التعاون والتنسيق بين دول فضاء "س و ص "، في تأمين الحدود ومراقبة المنافذ الحدودية لمنع عمليات التهريب وقوف حركة وانتقالات العناصر المتطرفة وتدفق الأموال والأسلحة. - انتشار عصابات الجريمة المنظمة التي ترتبط أنشطتها بعمليات الجماعات المتطرفة الإرهابية "الاختطاف، وتجارة السلاح والمخدرات". - محدودية خطط التعاون والتكامل في مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية بين دول فضاء الساحل والصحراء. ثانيًا اتجاهات تطور تنظيمات الإرهابية في فضاء الساحل والصحراء : شهدت السنوات الماضية تطور كبيرًا في اتجاهات التنظيمات الإرهابية وبصفة خاصة في فضاء الساحل والصحراء والذي يأتي في مقدمته: 1- في مجال العقيدة والأهداف "الإطار الفكري": تتبنى التنظيمات الإرهابية فكر إقامة "دولة الخلافة" عبر إقامة الإمارات والولايات التي تعلن عنها التنظيمات المحلية بدعوة تطبيق الشريعة وفقاً للفكر المتطرف الذي تدعو له وذلك كبديل لتحقيق مصالح سياسية أو مكاسب اقتصادية بمعنى التحول من محاولة تحقيق المكاسب إلى فكر هدم الدول وإسقاط أنظمة الحكم . 2- في مجال الهيكل التنظيمي (الإطار التنظيمي): أ- الانتقال من بناء المجموعات التنظيمية الصغيرة التي تعمل بالنظام السري إلى تشكيل الكيانات الإرهابية التي تتقارب في تنظيمها من الدول بتوفير هياكل سياسية واقتصادية وعسكرية ولوجيستية تعمل بشكل علني لتأسيس الإمارات. ب- يتميز الإطار التنظيمي بالمركزية في القيادة واللامركزية في الميدان، ويضم بصفة عامة القيادة العليا "تنظيم داعش القاعدة " والوحدات الميدانية في الدول الأخرى، الجناح العسكري – الوحدة الإعلامية والاتصالات، مصادر التمويل عبر أنشطة تجارية مشروعة زغير مشروعة، تبرعات، فدية رهائن، السيطرة على موارد طبيعية. 3- التطور في القدرات والإمكانيات بما يتناسب مع المهام الجديدة : بعد أن كانت الأنشطة الإرهابية تقتصر على عمليات "الاختطاف، والاغتيال، والتخريب" بما يتطلبه ذلك من إمكانيات الأسلحة الخفية والعبوات ووسائل الاتصال المحدودة، صارت قادرة على إدارة عمليات غير متكافئة ومختلطة مع القوات النظامية للدول وما يحتاجه ذلك من إمكانيات تعتمد على الأسلحة المتوسطة والثقيلة ووسائل الاتصال المتقدمة ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة . 4- الانتشار الجغرافي الواسع للتنظيمات الإرهابية: بعد أن صارت عابرة للحدود سواء عبر التنظيمات المحلية التي تقوم بإعلان ولائها خاصة لتنظيم داعش أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أشارت التقديرات الدولية مؤخرًا إلى أن داعش أصبح يتبعه في الوقت الحالي نحو 50 تنظيم ينتمون لحوالي "21" دولة في مختلف المسارح الدولية "الإفريقية، الأوروبية، الأسيوية، الأمريكية". ثالثا: خريطة التنظيمات الإرهابية في فضاء الساحل والصحراء: 1- اتساع خريطة التنظيمات الإرهابية في فضاء الساحل والصحراء والتي تنتمي جميعها لفكر واحد يقوم على الاستئثار وتكفير المجتمعات وترويع المواطنين – وفى هذا الإطار نرصد الآتي: أ- التواجد الإرهابي لتنظيم أنصار بيت المقدس، في منطقة محدودة بشمال شرق سيناء في مصر. ب- حركة شباب المجاهدين في الصومال والذي يمتد نشاطها لدول الجوار في جيبوتي، وكينيا، وإثيوبيا، واريتريا، وأوغندا، وتنزانيا. ج- تنظيمات داعش، والقاعدة، وأنصار الشريعة في ليبيا، إلى جانب الجماعة الليبية المقاتلة. د- تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "جماعات المرابطون، وجند الله في بلاد المغرب، والموقعون بالدم، وفي تونس والمغرب ودول الجوار. ه- الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة في المغرب، والخلايا التابعة لداعش. و- جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، موريتانيا. ز- أنصار الدين، التوحيد والجهاد، أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية، أزواد في مالي. ح- أهل السنة للدعوة والجهاد "بوكو حرام" في نيجيريا وامتداد أنشطتها إلى دول الجوار "النيجر، تشاد، الكاميرون، بوركينا فاسو". ط- حركة تحرير دلتا النيجر في النيجر. 2- يزيد من مخاطر هذه الخريطة الاتجاه العام، للتنسيق والتعاون فيما بينهم ومحاولة توحيد هذه التنظيمات والجماعات تحت قيادة واحدة.