"يكفيني فخرا يا حضرات السادة، إن صناعة السينما قد تقدمت هذا التقدم الكبير، وأن أكون أنا الفدية والقربان"، كانت هذه كلمات ألقتها الفنانة عزيزة أمير في المؤتمر الأول للسينما المصرية عام 1936. يصادف 28 فبراير من كل عام، الذكرى السنوية لرحيل الرائدة الأولى للسينما المصرية الفنانة والمنتجة عزيزة أمير، التي توفيت منذ 64 عاما، تحديدا عام 1952. اقترن اسم عزيزة أمير بتاريخ السينما المصرية كمؤسسة لهذه الصناعة في مصر وفي البلاد العربية، فهي صاحبة الفيلم السينمائي المصري والعربي الأول، وكانت أول سيدة مصرية جرأت على اقتحام ميدان الإنتاج السينمائي وذلك بالفيلم الصامت "ليلى" الذي عرض بدار سينما "متروبول" في 16 نوفمبر عام 1927. لم يكن لها الفضل في تأسيس صناعة السينما المصرية، واكتشاف النجوم والمواهب في شتى فروع الفن السينمائي فحسب، وإنما في مقدرتها الفنية وخبرتها في الإنتاج والتأليف أيضا، بجانب براعتها في التمثيل. ولدت مفيدة محمد غنيمي هو الاسم الحقيقي لها - ولدت في 17 ديسمبر 1901، وعاشت بمحافظة الإسكندرية بعد وفاة والدها، ونشأت عزيزة أمير يتيمة، حيث مات والدها بعد 15 يوم من ميلادها، وأمضت طفولتها في الإسكندرية، ثم انتقلت مع أسرتها إلى القاهرة، وعاشت في شارع خيرت بالقرب من حي السيدة زينب، وتعلمت القراءة والكتابة ومبادئ العزف على البيانو لأنها كانت تتمنى أن تصبح موسيقية، ثم تعلمت فيما بعد اللغة الفرنسية. وبالرغم من أنها لم تحصل على شهادة دراسية، فإنها كانت على قسط من الثقافة، فقد نشأت تحت رعاية شخصية سياسية معروفة، كان صاحبها عضوا في البرلمان وله نشاط أدبي، صدرت له عدة مؤلفات، وكان ينشر مقالاته في الصحف، ويقال بأنها قد تزوجت من هذا الرجل، إلا أن هذا الزواج لم يستمر طويلا، لأنه كان يكبرها بسنوات وكان متزوجا بأخرى وله منها أبناء، فانفصلت عنه. وقد اهتم هذا الرجل بتعليمها بحكم صلات القرابة بينه وبين أسرتها، كما اصطحبها في رحلة مع أسرته إلى أوروبا ساعدت على اتساع مداركها وأفق تفكيرها، فأحبت الأدب والفن، وترددت على المسارح واستوديوهات السينما، كما تعرفت أثناء رحلتها إلى أوربا بالمخرج العالمي دافيدوارك جريفيت، الذي أنشأ السينما في هوليوود، حيث عرض عليها الظهور في أحد أفلامه العالمية. وفي عام 1925 اتجهت للاشتغال بالمسرح، عندما قرأت في الصحف بأن يوسف وهبي يطلب وجوها جديدة لفرقة رمسيس، فأرسلت إليه خطاب وأرفقت به صورة، وأبدت فيه رغبتها بالعمل في المسرح، بل إنها رفضت أن تصعد السلم درجة درجة وطلبت منه أن يعطيها دور بطولة، فأعجب يوسف وهبي بثقتها في نفسها، ودفع بها إلى خشبة المسرح في دور العروس الخجولة في مسرحية بعنوان "الجاه المزيف"، وعملت معه موسم واحد فقط، ثم أنتقلت بين فرقتي "شركة ترقية التمثيل العربي" و"نجيب الريحاني"، حيث مثلت في الفرقة الأولى مسرحيات "ليون الأفريقي"، "إحسان بيك"، "المجاهدون"، "فرانسيسكو"، "الشرف الياباني"، ومع الفرقة الأخرى مثلت مسرحية "الآنسة بطاطا". ثم عادت إلى فرقة رمسيس وقامت ببطولة مسرحية "أولاد الذوات"، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي، كانت مرشحة لتمثيل دورها فيه، إلا أن الدور قد ذهب إلى الفنانة أمينة رزق. كان آخر دور مثلته عزيزة أمير على المسرح هو دور "بريسكا" في مسرحية "أهل الكهف" لتوفيق الحكيم، والتي افتتحت بها الفرقة القومية موسمها الأول في عام 1935. بدأت حكاية عزيزة أمير مع حب السينما حينما مرضت فترة ولازمت فيها الفراش، فاشترى لها زوجها آلة عرض سينمائية صغيرة تشاهد عليها الأفلام الأجنبية للترفيه عنها في تلك الفترة، لكنها طلبت منه أن يشتري لها آلة تصوير سينمائية صغيرة لتصور بها أفلاما عائلية على طريقة الهواة، ومن ثم تشاهدها على شاشة العرض في البيت، وبدأت بتصوير فيلم مدته خمس دقائق ظهرت فيه مع أفراد العائلة والصديقات اللواتي كان من بينهن زينات صدقي وأمينة رزق وأمينة محمد،وكتبت في مقدمته تصوير وإخراج عزيزة أمير. بدأ اتجاه تفكير عزيزة أمير إلى الإنتاج السينمائي بداية عام 1926، وكان بفيلم "ليلى" وقد اشترك بالتمثيل فيه مع عزيزة أمير وأحمد علام، كل من عمر وصفي، أحمد جلال، حسين فوزي، ماري منصور، والراقصة بمبة كشر. حضر ليلة العرض الأول لفيلم " ليلى" زعيم الاقتصاد المصري محمد طلعت حرب وأمير الشعراء أحمد شوقي والموسيقار الشاب محمد عبد الوهاب، بالإضافة إلى رجال الصحافة والفن والأدب، ربحت من الفيلم أضعاف تكاليفه، وذلك بسبب ريادته بالنسبة للسينما المصرية والعربية، فقد عرض في جميع دور السينما الموجودة في مصر، إضافة إلى عرضه في الدول العربية الأخرى. فبعد إنتاجها للفيلم الأول "ليلى" عام 1927، تبعته بفيلم "بنت النيل" الذي عرض 2 ديسمبر عام 1928، وفي بداية الثلاثينات قامت بإنتاج فيلم ثالث بعنوان "كفري عن خطيئتك" الذي عرض 23 من مارس عام 1933، والذي تكبدت فيه خسائر كبيرة، فقد كان فيلما صامتا عرض في عهد الفيلم الناطق. توقفت عزيزة أمير عن الإنتاج من جراء خسارتها بعد فيلم "كفري عن خطيئتك"، وأخذت تراقب تطور الحركة السينمائية التي أنشأتها، فقد تكونت شركات إنتاج كثيرة منها "لوتس فيلم" و"رمسيس فيلم" و"فنار فيلم" و"عبد الوهاب فيلم" و"مصر للتمثيل والسينما" التي أنشأت أستوديو مصر عام 1935. أعاد فيلم "بياعة التفاح" إلى الإنتاج السينمائي، وكان أول أفلامها الناطقة، وقد أسندت إخراجه إلى المخرج الشاب حسين فوزي، الذي بدأ معها في فيلمها الأول، إضافة إلى أنه عاونها في كتابة سيناريو فيلمها الجديد عن قصة من تأليفها، وكان هذا أول فيلم يشترك فيه الشاعر الشعبي "بيرم التونسي" بعد عودته من المنفى في باريس، فقد كتب حوار الفيلم وأغانيه، وقام فيه بالغناء مطربها المفضل الذي قدمته في كل أفلامها "حسن مختار صقر" كما قدمت فيه وجه جديد هو "محمود ذوالفقار" الذي قام أمامها بدور البطولة مع أنور وجدي. تزوجت عزيزة أمير محمود ذو الفقار وأصبح شريكها في الحياة والأفلام، وأقام معها في فيلا التفاح التي شيدتها في الهرم، بعد أن درت عليها الأفلام التي أنتجتها في هذه المرحلة أرباح طائلة عوضت خسائرها في الماضي. واستمرت عزيزة أمير في الإنتاج باسم شركتها "إيزيس فيلم"، فأنتجت خمسة وعشرين فيلم، كان آخرها فيلم "آمنت بالله" الذي عرض 3 نوفمبر عام 1952. على الرغم من أنها تزوجت أكثر من مرة، وكان أملها أن تصبح أم، لكنها كانت دائما تعزي نفسها، وتقول:" لقد أنجبت بنتا واحدة اسمها السينما المصرية".