أخشى أن ننجرَ إلى التضحية بما أسماه البعض «دولة أمناء الشرطة» لكى يعيش الفساد ويترعرع فى جنبات وزارة الداخلية وفى كل مكان، داهمنى هذا الهاجس وأنا أتابع حملة «المواطنين الشرفاء» فى وسائل الإعلام وغيرها ضد «كل» أمناء الشرطة وكأنهم سبب كل البلاء والفساد، وما يثير الريبة والاستغراب أن هذه الأصوات هى نفسها التى كانت منذ بضعة أيام فقط تهاجم الأطباء وتشوههم لأنهم ثاروا لكرامتهم وكرامتنا جميعاً احتجاجاً على اعتداء أمناء شرطة قسم المطرية على زملائهم، بل تطوع هؤلاء لفتح «متعسِف» لملفات أخطاء الأطباء سعياً لتبرير جريمة أمناء الشرطة. مِن السهل كيل الاتهامات لجميع أمناء الشرطة و»تلبيسهم القضية» برمتها ولكن ذلك ظلم بَيِّن وتعميمٌ مُخِل..فالعيب ليس فى أمناء أو مندوبى أو أفراد الشرطة كأشخاص وإنما فى المنظومة الأمنية ككل وخاصةً العقيدة الشُرَطية الفاسدة التى تُرَبِى أفراد الشرطة على أنهم «أسياد البلد» ومعشر الشعب عبيد إحسانتهم ولا يَصلُح معهم إلا «الكُرباج» وكل مواطن مُتهم حتى تثبت إدانته!!..ومِن هنا كانت الُمطالبة بتطهير الشرطة بعد ثورة 25 يناير التى اندلعت أساساً ضد ممارسات أمنية قمعية بلغت حد تعذيب المواطنين حتى الموت فى بعض أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز..وعلينا ألا ننسى أن نظام مبارك سقط لأنه قتل السياسة وخنق حرية الرأى والإبداع وأطلق يد الأجهزة الأمنية لتتحول مصر إلى دولة بوليسية قمعية بامتياز، وذلك مقابل حماية كرسى الرئيس والتمهيد للتوريث..ولكن عندما أراد الشعبُ إسقاط النظام لم تستطع الترسانة الأمنية بكل جبروتها ووحشيتها الصمود أمام الزحف المقدس للجماهير..وهذا هو الدرس الذى يتعين أن يعيه جيداً النظام الحالى وأى نظام قادم..ثورة يناير غيرت الشعب وبعثت فيه إحساساً بالكرامة أرادوا له أن يُوأد.. وأقرب وأبلغ دليل على ذلك أحداث الدرب الأحمر التى أثبتت أن الشعب لم يعد يقبل الظلم والقمع، كما دقت ناقوس خطر عظيم استجاب له رئيس الجمهورية الذى أكد « أنه يتعين مواجهة تلك التصرفات بالقانون لوقفها بشكل رادع ومحاسبة مرتكبيها وهو الأمر الذى قد يقتضى إدخال بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء الأمنى فى الشارع المصرى بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز فى حق المواطنين».. وأرى أن إصلاح المنظومة الأمنية يبدأ بتعديل قواعد الالتحاق بأكاديمية ومعاهد الشرطة والقضاء على آفة التوريث والمحسوبية وتغيير المناهج مع التركيز على مواد حقوق الإنسان وتعليم وتدريب صغار وكبار الضباط على أن كرامة المواطنين خط أحمر وأن الشعب هو السيد وهو مصدر كل السلطات وأنهم جميعاً مجرد خدم فى بلاط صاحب الجلالة الشعب الذى يدفع رواتبهم وذلك ينسحب على جميع المسئولين فى الدولة، ومَن لا يقبل خدمة الشعب بتواضع وفخر فليسعه بيته. ولمن يريد الإصلاح هناك خطة جاهزة لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية صاغها «ائتلاف ضباط شرفاء» بقيادة العميد متقاعد الدكتور محمد محفوظ والعقيد متقاعد محمد عبد الرحمن بالتنسيق مع ثلاث منظمات حقوقية ويمكن الاسترشاد بها على الاقل فى أى عملية جادة للتطوير.. وأخيراً..نقول إنه إذا كان الناس قد ضجوا من فساد وتجاوزات بعض أمناء ومندوبى الشرطة، وأقول بعض لأن التعميم خطيئة كُبرى، فيجب ألا ننسى أن هؤلاء ينفذون أوامر الضباط من القيادات الصُغرى والكُبرى وبعض هذه القيادات فاسدون ويقاومون كل محاولات التطهير والإصلاح كما يرفضون إخضاع ميزانية الوزارة لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات لأن ذلك سيفضح كل مخالفاتهم وجرائمهم فى حق الأمن والشعب والوطن..وذلك هو مَربَط الفرس.