مازالت خطورة الأوضاع في ليبيا محلك سر رغم ما توصل إليه مبعوث الأممالمتحدة «كوبلر» للتوفيق بين الاطراف المتصارعة وفقا لما يُعرف باتفاق «الصخيرات».. هذا الاتفاق يستهدف تشكيل حكومة وفاق وطني بالتعاون مع مجلس رئاسي يضم ممثلين لهذه الاطراف. وعلي ضوء ما يجري علي الساحة الليبية فان هذا الاتفاق ما زال يفتقر الي توافق عام خاصة من جانب مجلس النواب المنتخب الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرا له. كان من نتيجة ذلك تعطل الاتصالات ومباحثات إعلان اسماء حكومة الوفاق. يأتي ذلك في ظل ما يتم تداوله حاليا عن وجود استعدادات عسكرية من جانب الدول الغربية لتوجيه ضربات جوية الي تنظيم «داعش» بعد استفحال خطره وتمكنه من تحقيق توسعات وصلت الي بعض حقول البترول. تسعي الدول الغربية للاقدام علي هذه الضربة الاستباقية ضد هذا التنظيم بضغوط ايطالية من اجل تصفية داعش تجنبا لقيامه بعمليات ارهابية في الدول الاوروبية الواقعة علي الشاطئ المواجه للدولة الليبية.. وتقول تقارير وسائل الاعلام أن هذا التدخل مرهون بتشكيل الحكومة الليبية التوافقية لتقوم بإعطائه الضوء الاخضر لبدأ العمليات العسكرية. تشير الانباء الي ان هذه الدول الغربية تمارس ضغوطا علي الجزائر من اجل استخدام مجالها الجوي في عملياتها العسكرية المتوقعة في ليبيا. استنادا للموقف الجزائري فانه كان يعارض التدخل الغربي في ليبيا ضد حكم القذافي. إنه يري أن عدم الاستماع إلي التحذيرات الجزائرية بأن تدخل الناتو لتصفية هذا النظام سيؤدي إلي انهيار الدولة الليبية وانتشار التنظيمات الارهابية وفي مقدمتها تنظيم «داعش». وكرد علي رفض الاستماع لوجهة النظر الجزائرية منذ البداية فإن بوتفليقة يعارض هذا التدخل العسكري مطالبا بمزيد من الحوار الليبي - الليبي.. لحلحلة الازمة نحو الحل والتوافق الوطني. وبالطبع فإن هذا الاهتمام الغربي باحداث ليبيا لا يقتصر علي خطر «داعش» وإنما يتركز وبصفة اساسية علي ثروتها البترولية التي يهددها توسع هذا التنظيم بما يعني حصوله علي التمويل لعملياته وحرمان اوروبا من هذا المورد الاقرب اليهاجغرافيا للحصول علي الطاقة. في محاولة من جانب مبعوث الاممالمتحدة الي ليبيا «كوبلر» لاحتواء الموقف وتفعيل اتفاق «الصخيرات» قام بزيارة للجزائر لحثها علي بذل جهودها مع الاطراف الليبية من أجل تشكيل حكومة التوافق الوطني وتعاون الجميع معها. ستكون مهمة هذه الحكومة اتمام الفترة الانتقالية اللازمة لارساء دعائم مؤسسات الدولة الليبية للقيام بمسئولياتها. كان ضمن ما شهدته ساحة الصراع في الفترة الاخيرة.. مشاورات مصرية جزائرية تمثلت في لقاء سامح شكري وزير الخارجية المصرية مع نظيره الجزائري. هذه المشاورات تؤكد رغبة البلدين في التنسيق من أجل ايجاد حل للأزمة. في هذا الاطار فان مصر تولي أهمية كبيرة جدا لاستقرار ليبيا وضرورة قيام حكومة وطنية مسئولة تكون قادرة علي لم شمل الدولة الليبية. ويري الخبراء ان الدول الغربية التي كان لها دور اساسي في التدخل العسكري للناتو اقتصرت مهمتها آنذاك علي الخلاص من نظام القذافي دون ان تكون جاهزة بالبديل الذي يضمن استقرار ووحدة هذه الدولة. ماحدث في ليبيا يؤكد سوء النية المبيت القائم علي اشاعة الفوضي والتفكك والدمار بهذه الدولة في اطار مؤامرة كبري شملت العديد من الدول العربية. انها لم تضع في حسبانها ما يمكن ان تمثله اخطار هذه المؤامرة علي أمن واستقرار أوروبا الا بعد ان طالتها نيران الارهاب التي تتبناه التنظيمات الارهابية التي سمح لها بالسيطرة علي مقدرات الأمور في ليبيا وقبلها العراق وسوريا. هكذا انقلب السحر علي الساحر ولم يعد وحش الارهاب يهدد ليبيا والدول العربية الواقعة في دائرة التآمر. هذا الخطر إمتد الي عقر دار الدول الغربية التي لم تستجب الي التحذيرات والنصائح التي وجهتها اليها مصر علي مدي حوالي ثلاثةعقود من الزمن وشملت ايضا الأممالمتحدة. وتقديرا من جانب مصر خاصة بعد ثورتها يوم ٣٠ يونيو والخلاص من جماعة الارهاب الاخواني -التي تولد من رحمها التطرف الارهابي علي مستوي العالم - فإنها أولت اهتماما لخطورة سيطرة هذا التطرف علي مقاليد الأمور في الجارة الشقيقة ليبيا. كان هذا دافعا لها للتجاوب مع متطلبات مساعدة القوي الوطنية الليبية سياسيا وعسكريا من أجل اعادة الأمن والاستقرار للدولة الليبية حتي تتمكن من تحملها لمسئولياتها باعتبار ان ذلك لصالح الامن القومي المصري. علي مستوي الشعب المصري فان هناك إيمانا راسخا بان أمن واستقرار ليبيا. هو جزء أساسي لضمان الأمن القومي المصري. لا جدال ان هذه الدولة الجارة الشقيقة تمثل عمقا استراتيجيا للدولة المصرية الآمنة المستقرة كما ان مصر أيضا تعد عمقا استراتيجيا لها. انطلاقا من هذه الحقيقة الراسخة يأتي هذا الاهتمام البالغ من الشعب المصري لكل الأمور والتطورات علي الأرض الليبية.