صدر منذ أيام قليلة تقرير البنك الدولى لعام 2016 بخصوص تقييم وقياس جودة وكفاءة الإطار التنظيمى لمناخ الأعمال والاستثمار فى دول العالم. ويغطى التقرير 189 دولة. وقد جاء ترتيب مصر متأخراً بين دول العالم حيث احتلت مصر المرتبة ال (131) بشأن مناخ الاستثمار، فى حين كان ترتيب مصر فى تقرير عام 2015 رقم (126) على مستوى العالم، أى أن أداءنا فيما يتعلق بتشجيع مناخ الاستثمار قد ازداد سوءاً عن العام الماضى!! وقد صدر على هامش هذا التقرير تقرير آخر يتعلق بترتيب الدول على المستوى الإقليمى، ويعد دليلاً دامغاً على فشل سياسات تحسين مناخ الاستثمار. فمصر على مستوى الدول العربية جاءت فى أدنى المستويات حيث نحتل المستوى ال (14) من إجمالى (21) دولة عربية والدول التى سبقناها يخوض معظمها حرباً أهلية!! فالدول التى سبقناها فى الترتيب بفارق ضئيل فى معظم الأحوال هى الجزائر والسودان وسوريا واليمن والعراق وليبيا وجيبوتى. وقد جاء ترتيبنا من حيث جودة وكفاءة مناخ الاستثمار أقل مرتبة من جميع الدول العربية الأخرى بما فى ذلك فلسطين (قطاع غزة والضفة الغربية)!!! ففى حين احتلت الإمارات الترتيب ال (31) على مستوى العالم جاء ترتيب مصر ال (131) أى يفصلنا عن الإمارات مائة دولة!! وقد احتلت كل من تونس والمغرب المرتبتين ال (74) و(75) أى تقدما على مصر فى تقرير هذا العام بمراحل ويفصل بين مصر وكل من تونس والمغرب أكثر من (55) دولة!!! إن عدم القدرة على تشجيع الاستثمار يعنى ببساطة فشلنا فى خلق فرص عمل جديدة، ومن ثم ارتفاع معدلات البطالة، إن تضاؤل حجم الاستثمارات الخاصة يعنى إضعاف قدرتنا على التصنيع المحلي، واعتمادنا المستمر على الاستيراد، ومن ثم زيادة العجز فى الميزان التجارى، وإضعاف قوة العملة المصرية، وهو ما يعنى زيادة الأسعار وارتفاع التضخم، وزيادة العجز فى الموازنة أى استنزاف الموارد، وصعوبة تحسين الخدمات الاجتماعية للناس. فتحسين مناخ الاستثمار الخاص هو بوابة الإصلاح الاقتصادى، وتحقيق العدالة الاجتماعية.. علينا أن نعترف أننا فشلنا فى إصلاح مناخ الاستثمار فشلاً ذريعاً، وعلينا أن نعترف وندرك بأن العالم من حولنا يتقدم بسرعة بالغة، ونحن لازلنا منكبين على أنفسنا نتحدث بلغة لم يعد العالم الحديث حولنا يفهمها. إن تقرير البنك الدولى يعتمد فى قياسه لجودة وكفاءة مناخ الاستثمار على عشرة مقاييس. ليست هذه المقاييس وحدها كافية، ولكنها نقطة بداية لنا فى خطة الإصلاح، فلنقم باتخاذ هذه المعايير أهدافاً لنا لقياس مدى تقدمنا فى إصلاح مناخ الاستثمار، ولنقس كيف ينعكس هذا التقدم على حجم الاستثمارات سنوياً. هذه المعايير العشرة كالآتى: المعيار الأول، سرعة إجراءات البدء فى الاستثمار. وتحتل مصر المرتبة (73) على مستوى العالم. وبالمناسبة، كان ترتيب مصر العام الماضى (79) أى انخفض مستوانا بست درجات. فهذا المعيار العبرة فيه بتأسيس الشركة، وهو يعتد بنوع واحد من الشركات، وهو الشركات ذات المسئولية المحدودة. فهذا المعيار لا يأخذ بعين الاعتبار، تراخيص التشغيل الصناعى والتجارى. فلو كان هذا المعيار يأخذ فى حسبانه التراخيص ضمن التقييم لتأخر ترتيبنا أكثر من هذا بكثير.. والحقيقة، أن أول التحديات يجب أن تكون إعادة غربلة متطلبات التراخيص الصناعية والتجارية واختصارها، فهناك مصانع تعمل فى مدينة 6 أكتوبر والعاشر من رمضان منذ عشر سنوات ولاتزال تراخيصها مؤقتة، وبعضها ليست لديه تراخيص على الإطلاق!!! أما المعيار الثانى لقياس جودة مناخ الاستثمار فيتعلق بتراخيص بناء المنشآت الصناعية والتجارية ويأتى ترتيب مصر فى المرتبة (113) على مستوى العالم. ولا شك أن منظومة تراخيص البناء تحتاج إلى عملية إصلاح شاملة خاصة فيما يتعلق بالمحليات، فعدد الإجراءات يزيد على 20 إجراءً يمكن اختصارها إلى (8) إجراءات فقط كما هو الحال فى دولة الإمارات العربية، وبلغ متوسط مدة الحصول على ترخيص البناء إلى 180 يوماً، يجب أن نسعى إلى تخفيضه إلى 60 يوماً كما هو الحال فى الأردن، ولا أقول (40) يوماً كما هو الحال فى الإمارات. أما المعيار الثالث، فيتعلق بسرعة الحصول على الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المشروع. وتحتل مصر فى هذا الخصوص المرتبة ال (144) على مستوى العالم!! فى حين تحتل تركيا المرتبة ال (36) وقد حصلت مصر على (صفر) فى قياس شفافية التعريفة والثقة فى توريد الكهرباء اللازمة. أما المعيار الرابع، فهو تسجيل الملكية، وتحتل مصر المرتبة ال (111) على مستوى العالم. وعدم تسجيل ملكية المشروع وطول الإجراءات وتكلفتها يمثل عائقاً يحول دون التمويل المصرفى، ويعرقل إجراءات تراخيص المشروعات، ويعطل من الحصول على الطاقة، ألم يحن الوقت لتفعيل مشروع التسجيل العينى الذى بدأناه عام 1964، ولم نستكمله حتى الآن؟!! أما المعيار الخامس، فيقيس قدرة المشروعات للحصول على تمويل مصرفى، وقد احتلت مصر هذا العام الترتيب (79) بعد أن كان ترتيبها العام الماضى (71)، ولا شك أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمشروعات الصناعية بوجه عام تعانى الأمرين للحصول على التمويل المصرفى، وهو ما يعيق نمو المشروعات، وخاصة المحلية. ولا بد أن تكون سياسات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتعثرة بسبب الظروف الاقتصادية على أولويات أجندة الحكومة والبنك المركزى. أما المعيار السادس، فهو يتعلق بحماية حقوق الأقلية من المساهمين، وقد حققت مصر المرتبة (122)، ولا شك أن هناك تعديلات لازمة على قانون الشركات المصرية، ولا بد كذلك من إصدار قانون لشركات الأشخاص، فالقانون المطبق عليها صدر عام 1883!! أما المعيار السابع، فهو يتعلق بنظم سداد وتحصيل الضريبة وسعرها، فقد جاء ترتيب مصر ال (151) على مستوى العالم بعد أن كنا رقم (146) العام الماضى، فمدد الفحص، وأسس الفحص، ولا شك أن نظم الفحص الضريبى، وقواعد سداد الضريبة تحتاج إلى إصلاح شامل يمكن إتمامه فى أقل من عام. أما المعيار الثامن، وهو يحمل أسوأ ترتيب لمصر، وهو يتعلق بإجراءات التخليص الجمركى، وعمليات التصدير والاستيراد. فمصر ترتيبها جاء ال (157) على مستوى العالم فى حين كان ترتيب الإمارات رقم (101) وتركيا (62) والأردن (50). فالإجراءات الجمركية فى مصر واحدة من أسوأ وأبطأ الإجراءات على مستوى العالم، وهو ما يعيق حركة التجارة الداخلية والتصنيع، للأسف الجمارك كانت دائماً فى أدنى مستويات اهتمامات وزراء المالية المتعاقبين. آن الأوان لفتح هذا الملف، والنظر فيه بجدية فقد صار من أخطر معوقات الاستثمار. فتعطل إجراءات الفحص يهدر أموالاً طائلة ويشجع على التهريب، وكم من مصانع تعطل الإنتاج بها بسبب بطء إجراءات التخليص الجمركي، وقد صارت الموانئ المصرية مرتعاً للرشاوى والتهريب. أما المعيار التاسع، فيتعلق بإنفاذ العقود وكفاءة إجراءات التقاضي، وقد حصلت مصر على الترتيب (155) بين دول العالم. وهو ما يعنى ببساطة بطء العدالة، وضياع حقوق العباد، فمتوسط مدة تسوية أية منازعة تجارية فى المحاكم المصرية يصل إلى 3 أعوام ونصف طبقاً للتقرير.. وحتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا تنعقد محاكم الاستئناف على سبيل المثال (3) أيام فقط فى الشهر، ولماذا لا يكون انعقاد الجلسات (10) أيام فى الشهر مثلاً بدلاً من (3) ولماذا لا نعمل على إنشاء محاكم جديدة... سؤال بلا إجابة!! أما المعيار العاشر والأخير، فيتعلق بقواعد الإفلاس، وإقالة المشروعات من التعثر (الصلح الواقى من الإفلاس)، فقد جاء ترتيب مصر (119) على مستوى العالم، ولا أفهم لماذا لم يكن مشروع هذا القانون ضمن اهتمامات لجنة الإصلاح التشريعي، بالمناسبة توجد عشرات من مشروعات القوانين الجاهزة بشأن هذا الموضوع، ومنذ أكثر من خمس عشرة سنة. ألا تستحق مصر أفضل من هذا؟ بالتأكيد تستحق، ولكننا والله مقصرون.