تبقى العلاقات المصرية الإماراتية إحدى الركائز العربية التي تستند إليها دفة الأمة العربية لحمايتها من العواصف العاتية التي تحاول زلزلة كيانها ، ويبقى المفكرين الوطنيين الغيورين على الأمة وقوميتها ويعرفون معنى العروبة هم السند لقضيانا وتبنى الدفاع عن الحق ونصرة حقوق الشعوب ، وإذا كانت أمتنا تزخر بالأحداث والمشاكل والصراعات ،فإنها في المقابل غنية بالعقول الشابة المتفتحة التي درست وتعمقت ، وتتواصل مع الغرب لتبرز تماسك الأمة . وسالم الكتبى أحد المفكرين الشباب الذين عشقوا مصر ووثقوا أنه بدونها لا تقوى مفاصل العروبة ، وكأنه واحد من أبناءها الذين ولدوا على ضفاف نيلها، وتربوا في شوارعها ، جاب العالم يدافع عن قضيتها ، وسخر قلمه لينشر آراءه الناضجة في كبرى الصحف العالمية ، ومراكز الأبحاث ، ولم تخلو ندوة أو حلقة نقاشية إلا وكانت مصر حاضرة على لسانه ، يدافع ويوضح ، ويشرح ويوصف ، ويتباهى بجيشها العظيم ، أمثال سالم الكتبي قليلون لكنهم بفكرهم الراقي وحضورهم القوى في المحافل الدولية مؤثرين ، تحدث الكتبى عن مصر والإمارات وتعمق في الخطر الذي يحيط بالأمة. وكشف الأسباب ووضح الحلول ، وتكلم عن خطر داعش ومخطط إيران ، صال وجال بفكر مرتب وتحليل عميق ، لكنه كان حاسما رغم الأخطار مؤكدا على حقيقة ثابتة وركيزة قوية بالأدلة والبراهين أن علاقة مصر والإمارات أزلية وقوية ولن تزلزلها أية أحداث فهي علاقة أصيلة وراسخة بين الشعوب رسختها سياسات حكيمة لحكام الإمارات الذين يعرفون قدر مصر وشعبها .. وإلى نص الحوار : • تشير بعض بعض التقارير والتحليلات الإعلامية إلى تراجع نسبي في الدعم الإماراتي بصفة خاصة والخليجي بصفة عامة لمصر على خلفية تراجع أسعار النفط ومعاناة الاقتصادات الخليجية جراء ذلك، فهل ترون أن هذه التقارير تنطلق من واقع حقيقي؟ لقد أعلنت القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، منذ وقوع ثورة 30 يونيو 2013 مساندتها ودعمها الكامل لخيارات الشعب المصري، حيث التزمت دولة الإمارات ولا تزال بدعم مصر الشقيقة إيماناً وثقة في أن أمن واستقرار مصر يمثل ركيزة أساسية لأمن واستقرار المنطقة العربية بأكملها، وعندما عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لوفد مصري زائر للإمارات عن إمكانية اقتسام "لقمة الخبز" مع الأشقاء في مصر لم يكن يعبر سوى عن مكنون الذات وميراث أصيل تجاه مصر وشعبها العريق غرسه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في أولاده ومن ثم الشعب الإماراتي بأكمله، وبالتالي فإن المسألة هنا تتجاوز الحسابات الاقتصادية الضيقة لتطال المصالح الإستراتيجية والروابط الأخوية التاريخية التي تربط الشعبين الإماراتي والمصري، وهي أمور يصعب إخضاعها لحسابات الأرقام والمصالح الضيقة، ومن ثم فإن ترديد مثل هذه التقارير والتحليلات ليس له أساس واقعي، فالإمارات ملتزمة بما وعدت به، وقيادتها الرشيدة فخورة بوقوفها إلى جانب الشعب المصري الشقيق وواثقة من أن مصر قادرة على تجاوز ماتواجهه من تحديات وصعوبات بفضل سواعد أبنائها المخلصين. • على خلفية التوتر الأخير في العلاقات السعودية الإيرانية، كيف تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذه الأزمة وماهو موقفها حيالها؟ لقد أكد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، موقف دولة الإمارات العربية المتحدة حيال التوتر في العلاقات السعودية الإيرانية والاستغلال السياسي الإيراني البغيض لحادثة تدافع الحجاج في منى، والانتهازية السافرة التي طغت على الخطاب والأداء السياسي الإيراني في التعامل مع الحادث، حيث أكد سموه أن دولة الإمارات تؤمن بأن أمن واستقرار دول المنطقة يرتبط بمدى التعاون الإيجابي فيما بينها، وركنه الأساسي احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي. واستنكر سمو الشيخ عبد الله سموه بشكل مبطن تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حيث قال سموه : أرى أن سجل إيران لا يؤهلها للحديث عن سلامة الحجاج وحقوق الإنسان، وسياساتها لا تسمح لها أن تتناول مسائل الاستقرار في الخليج العربي والشرق الأوسط، مؤكد أن دولة الإمارات ستقف مع المملكة العربية السعودية بحزم في مواجهة أي محاولات إيرانية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهذا الموقف قد وضع النقاط على الحروف وقطع الطريق على أي تأويلات أو تفسيرات غير دقيقة حول الموقف الإماراتي، لاسيما أن الإعلام الموالي لبعض الجماعات الإرهابية كالإخوان المسلمين يحاول الوقيعة بين دولة الإمارات والسعودية، وينشر تقارير بين الفينة والأخرى تزعم انتفاء الجدية والمصداقية في الموقف الإماراتي الداعم للشقيقة السعودية، وكانت وسائل إعلام عدة ناطقة باسم الإخوان المسلمين أو موالية لهم قد زعمت خلال بدايات عملية "عاصفة الحزم" أن الإمارات لا تساند السعودية بقوة في هذه العملية وأنها تدفعها إلى خوض الحرب لاستنزافها وإشغالها، فيما أثبتت الأحداث فيما بعد جدية دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة وثباتها على موقفها القوي المؤيد والداعم بشدة للأشقاء في المملكة العربية السعودية، فنحن نؤمن بوحدة مصير شعوب دول مجلس التعاون كما نؤمن بأن أمن واستقرار دول مجلس التعاون الست يرتبط عضوياً بأمن كل دولة من دوله. • ماهي نظرتكم لمستقبل الوضع في اليمن، وما هي حسابات دولة الإمارات من وراء المشاركة في العمليات العسكرية وتمسكها بهذه المشاركة رغم وقوع ضحايا من أفراد القوات المسلحة الإماراتية في اليمن؟ دعني أقول لك أن دولة الامارات تتمنى أن تنتهي الأزمة اليمنية في أقرب وقت ممكن، ونعمل على ذلك بالفعل لأننا ندرك معاناة الشعب اليمني الشقيق منذ نشوب التمرد الحوثي الذي قلب حياة اليمنيين رأساً على عقب، والإشكالية في اليمن أن هناك قوى وتيارات لا تريد أن تفيق من غيها ولا تريد لهذا البلد الشقيق أمناً ولا سلاماً، وبصراحة أكثر فالحوثيين وميلشيات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح تريد أن تحكم اليمن بالحديد والنار أو تحيل حياة اليمنيين إلى جحيم !!! وهذا أمر مرفوض من الشعوب الخليجية التي لا تقبل الضيم والظلم لهذا الشعب الأبي الأصيل. أما بالنسبة إلى موقف دولة الإمارات العربية المتحدة ومشاركتها في العمليات العسكرية باليمن، فهو قرار تاريخي يعكس شهامة القيادة الإماراتية ووفائها لعروبتها وقيمها وثوابتها، فنجدة الأشقاء في اليمن والاستجابة لاستغاثتهم وإنقاذهم من العدوان الحوثي لم يكن بحاجة إلى تفكير مستفيض، والشعب الإماراتي بتكوينه القبلي الأصيل يدرك حتمية نجدة الأشقاء في اليمن من همجية الحوثيين وميلشياتهم الدموية، وبالتالي تجد أن التضحيات البشرية الغالية التي قدمتها الإمارات على أرض اليمن لن تثني القيادة الإماراتية عن موقفها بل تزيدها إصراراً وتمسكاً بتحقيق أهدافها في اليمن، لاسيما أن الشعب الإماراتي يقدم مساندة كاملة وقوية لقرار قيادته ويؤكد كل يوم ثقته في قراراتها وسياساتها الرشيدة. والمؤكد أن مشاركة الإمارات في التحالف العربي الداعم للشرعية الدستورية في اليمن يعبر عن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى لما يحيق بالأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول مجلس التعاون ومايهددها من أخطار جراء تمادي وكلاء إيران من الحوثيين في اليمن وغيرهم في الاعتداء على سيادة الدول العربية ومحاولة تقسيمها وتفكيكها وبث الفتن والوقيعة بين شعوبها، لاسيما بعدما تباهي قادة إيران علناً باحتلال أربعة عواصم عربية • ماهي رؤيتكم للطموحات الإيرانية في المنطقة؟ وهل تعتقدون أن إيران تمتلك رغبة حقيقية في التعاون الإقليمي مع الدول العربية والخليجية؟ اعتقد أن إيران ماقبل الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1"تختلف عن إيران مابعد التوقيع على هذا الاتفاق، ولعلك تلاحظ ارتفاع نبرة الخطاب السياسي الإيراني وميله إلى التهديد الصريح لدول إقليمية مثل المملكة العربية السعودية في أزمة تدافع الحجيج في منى مؤخرا، حيث تفوه قادة إيران بإساءات وتهديدات وتلويح باستخدام القوة العسكرية ضد المملكة العربية السعودية بشكل غير معتاد في الخطاب السياسي الإيراني الذي كان يميل إلى المناورة وإخفاء النوايا من قبل توقيع هذا الاتفاق. ولنتفق على أن نوايا إيران تجاه جوارها العربي لم تتغير بل تغيرت البيئة والمعطيات الإستراتيجية فظهرت النوايا الفارسية القومية على حقيقتها وعدائها وكراهيتها الشديدة للعرب، ومن هنا لا أعتقد أن إيران جادة في أي حديث عن تعاون اقليمي حقيقي مع دول الجوار العربي، فهي تريد سيطرة ونفوذ وهيمنة لا تعاون وحسن جوار وعلاقات ندية، وهذا الأمر واضح في تحركات إيران خلال الفترة الأخيرة، حيث أسهمت إيران بل لعبت الدور الأبرز في إنهاء نفوذ وتماسك الدولة العراقية ودفعت وكلائها إلى التنكيل بالشعب اليمني وشاركت بقوة في تحويل سورية إلى ساحة للفوضى والحرب ودفع ملايين السوريين إلى الفرار والهروب بحثاً عن مأوى. والآن هي تتدخل بشكل فج في مملكة البحرين الشقيقة وتحاول إثارة الفوضى بها عن طريق الشيعة البحرينيين، كما نتوقع أن تقوم بتصدير المؤامرات والخطط الإجرامية إلى دول أخرى مثل السعودية والكويت وغيرهما من دول مجلس التعاون. ومن هنا لا يمكن النظر بارتياح إلى مواقف إيران وتوجهاتها حيال جوارها الخليجي، فإيران لا تريد سوى الهيمنة واستعادة أمجاد الماضي تحت شعارات دينية شأنها في ذلك شأن التنظيمات الإرهابية التي تتلحف بالدين وتتخذ منه ستاراً لتحقيق أغراضها السياسية الذاتية. • ماهو تقييمكم للمشهد السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، وكيف ترون مستقبل هذه المنطقة في ظل ماتموج به من اضطرابات وحروب وصراعات؟ اعتقد أن المشهد الشرق أوسطي لم يزل يحمل الكثير من المفاجآت، ومسارات الأحداث لا تزال حبلى بأمور يصعب توقعها أو التنبؤ بها في ظل احتدام لعبة التنافس الدولي على السيطرة والنفوذ في دول عدة بالمنطقة، وبالدرجة ذاتها يصعب توقع معالم المستقبل القريب في المنطقة بسبب تداخل عوامل عدة تلعب أدوار بارزة في توجيه دفة الأمور، منها الصراعات المذهبية والعرقية المحتدمة في بعض الدول العربية التي تغذيها الطموحات التوسعية لبعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، وهناك أيضا حسابات المصالح الخاصة بالقوى الكبرى التي تسعى إلى إعادة تقسيم مناطق السيطرة والنفوذ وفق معايير جديدة تناسب توازنات القوى العالمية الراهنة، وهناك أيضا دور التنظيمات الإرهابية التي تمثل أحد أدوات اختراق الأمن الوطني للدول العربية، وهناك ضغوط الإعلام ضمن مايعرف بحروب الجيل الرابع التي يستخدم فيها الإعلام وتقنياته وتطبيقاته مثل وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها في تفكيك منظومات القيم الثقافية والمجتمعية السائدة في الدول، ومن ثم تهيئة البيئة أمام الاضطرابات وفورة عوامل التفكك الداخلي الكامنة في بعض المجتمعات العربية القديمة. • هناك توقعات من جانب البعض بنشوب حرب دينية شيعية سنية في المنطقة خلال الفترة المقبلة، فما هو تقديركم لصحة مثل هذه التوقعات؟ اعتقد أن التوترات المذهبية والعرقية بشكل عام في المنطقة باتت عاملاً أساسياً في الأزمات المشتعلة بالشرق الأوسط، واعتقد أيضا أن هناك عوامل داخلية وخارجية معقدة تؤجج هذه التوترات وتصب الزيت على نارها المتأججة، ولكن تحول هذه التوترات إلى حروب واسعة النطاق أو عالمية الطابع يظل رهن اعتبارات عدة أهمها مصالح القوى الكبرى في مثل هذه الصراعات، وقدرة الدول العربية المؤثرة مثل مصر والسعودية والإمارات ودول المغرب العربي على استعادة زمام المبادرة ولعب دور الاطفائي لأزمات المنطقة بأسرع وقت ممكن، ولكن بشكل عام لا أحد عاقل يتمنى نشوب مثل هذه الصراعات التي يمكن أن تأكل الأخضر واليابس في المنطقة، فالصراعات الدينية تحديداً من أخطر الصراعات العسكرية، ويصعب السيطرة عليها وتمتلك فرص واحتمالات عالية للتوسع والانتشار وتناقل كرة النار من منطقة لأخرى، ولهذا من الجنون أن تدفع أي قوة أو طرف ما باتجاه إثارة مثل هذه الصراعات الدموية، التي يمكن أن تحيل حياة العالم أجمع إلى جحيم بحكم الكتل البشرية الهائلة التي يمكن أن تنجرف باتجاه حدود أوروبا وتهدد أمنها واستقرارها. • ماهو تقييمكم لخطر تنظيم داعش؟ ورؤيتكم لفاعلية الجهود الدولية الرامية إلى القضاء على هذا التنظيم في العراق وسورية؟ إن خطر تنظيم داعش ليس في عدد أفراده ولا ما يقال عن قوة ميلشياته والجرأة التي يتميز بها وغير ذلك من عناصر درامية ودعائية مثيرة أحاطت بمسيرة صعود هذا التنظيم منذ بروزه في الإعلام، ولكن الخطر في أفكار هذا التنظيم ونجاحه في تقديم نموذج مشوه للدين الاسلامي الحنيف، وهذا النموذج قوبل بترحاب في بعض الدوائر العالمية المعادية للإسلام، ووجدت في ممارسات داعش وسلوكياته فرصة ثمينة للدعاية المسيئة للإسلام من داخله، واكتشفت هذه الدوائر أن فيديو دموي واحد يبثه تنظيم داعش لمشاهد الذبح والقتل وسفك الدماء يحقق نتائج أفضل من إنفاق مليارات الدولارات على الدعايات المسيئة للدين الإسلامي. ومن ثم فإن هذا التنظيم يجد رعاية ودعم غير رسميين من الدوائر المعادية للإسلام في العالم أجمع وهذه هي خطورته الحقيقية، أي كونه يمثل النموذج الذي تحتاج إزالة اثاره عشرات وربما مئات السنوات من الجهد المتواصل، أما بالنسبة للجهود الرامية إلى القضاء على التنظيم فهي جهود مترددة في أحسن التقديرات، فالتنظيم لا يمثل خطراً حقيقياً على الدول الغربية التي تقود العمليات العسكرية ضده، كما أنه يحقق للجميع أهدافهم من تفكيك وتقسيم لدول عربية كبرى، ومن ثم فإن هذا التنظيم سيبقى حتى تتبلور أفكار القوى الدولية الكبرى ويتم الاتفاق على صيغ تقاسم المصالح في منطقة الشرق الأوسط ووقتها يمكن الإجهاز على داعش في أيام معدودات.