محافظ الإسكندرية يدلي بصوته في لجنة الحسن بن الهيثم بالعامرية غدًا    تفاصيل المشهد المعقد.. فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق يكشف أسرارا جديدة في "الجلسة سرية"    معهد الطب العدلي الإسرائيلي يؤكد: الرفات الذي سلمته كتائب القسام يعود للضابط هدارغولدن    من زيزو إلى بن شرقي.. الأهلي يتقدم على الزمالك بهدف عالمي في السوبر المصري    قرار بشأن 78 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية بالتجمع    مصرع شخص مجهول غرقًا بمعدية كوبري البترول في شبرا الخيمة    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    محافظ مطروح يتفقد مركز التدريب المدني.. ويؤكد الإعلان عن دورات تدريبية قريبا    تقرير الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية: أقبال كبير فى تصويت المصريين بالخارج    العربى الناصرى: المصريين بالخارج قدموا مشهد وطنى مشرف فى انتخابات مجلس النواب    إعصار فونج-وونج يصل إلى مقاطعة أورورا شمال شرقى الفلبين    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب    هل أصدر الرئيس الروسي تعليمات بالتحضير لتجارب نووية؟.. الكرملين يجيب    هيئة الرقابة المالية تعلن اعتماد وثيقة تأمين سند الملكية العقارية    رئيس الوزراء يتابع مستجدات مشروع مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالي    الشروط الجديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 وتحديث البيانات    ضبط صانعة محتوى في الجيزة لنشر فيديوهات خادشة للحياء على مواقع التواصل    الداخلية: تكثيف التواجد الأمني بمحيط لجان انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    دارالكتب تستعيد ذاكرة الطفولة في «أغنية الطفل بين الأمس واليوم»    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    بيلاقوا سعادتهم في جذب الاهتمام.. 5 أبراج بيحبوا لفت الانتباه    ماذا قال ياسر جلال بعد كلمته بمهرجان وهران في الجزائر؟    الشيخ خالد الجندي: ربنا بيوريك نتيجة استخارتك في تيسير الطريق أو توقفه    "الصحة" توقع خصم على شركة النظافة بمستشفى شبرا العام وتحويل مدير الاستقبال ومشرفة التمريض للتحقيق    المستشارة أمل عمار تدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات مجلس النواب 2025    بالتسابيح والإلحان.. بدء أنطلاق فعاليات اليوم الأول لإحتفالات دير مارجرجس بالرزيقات غرب الأقصر    وزير الصحة يبحث مع ممثلي «الصحة العالمية» تعزيز جهود مواجهة الكوارث والطوارئ    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    انعقاد لجنة اختيار القيادات بجامعة أسوان لاختيار عميد كلية تكنولوجيا المصايد والأسماك    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    استلام 790 شجرة تمهيداً لزراعتها بمختلف مراكز ومدن الشرقية    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    التنسيقية: إقبال كثيف في دول الخليج العربي على التصويت في النواب    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    الأهلي والزمالك.. تعرف على جوائز كأس السوبر المصري    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الشرق يستطيع أن يكون غرباً

العقيدة الدينية عندنا هي التي تأمرنا بأن نتوغل في العلم ما وسعنا الإيغال
من ينظر إلي خريطة العالم العربي اليوم من محيطه إلي خليجه لابد أن يشعر بالأسي لما يراه فيه من تمزق وحروب أهلية، وما فيه من صراعات مذهبية وطائفية مما يجعله مطمعاً لأوروبا وأمريكا.. ويجعل الدول ذات الميول الاستعمارية تحاول تغيير خريطة العالم العربي علي هواها، ووفقاً لمصالحها ومصالح إسرائيل.
العالم العربي ييمم وجهه شطر الماضي، بينما العالم يتطلع نحو المستقبل.. نحن نتمسك بشكليات في الدين ونبتعد عن جوهر هذا الدين.. بينما الغرب يسابق ظله ليعرف أسرار الكون، ويسبر أغواره، ويكتشف الجديد مما ينفع الإنسانية كلها، ونحن لانزال نسير نياماً!
فلم يكن غريباً أن نتخلف عن ركب التقدم والحضارة، ونسير معصوبي الأعين نحو مستقبل غامض.. نحاول أن نرجع إلي الماضي ولا نري المستقبل.
ولا يمكن أن نلصق هذا التخلف إلي الدين.. فصحيح الدين يدعو إلي التقدم والازدهار، وقراءة كتاب الكون في نفس الوقت الذي نقرأ فيه كتاب الله، وعندما عرف المسلمون هذه الحقيقة كان تقدمهم وازدهارهم واكتشافاتهم العلمية، التي بهرت زمنهم، وحاولوا السير علي منواله وعلي ضوء هداه.
وعندما سار البعض منا كالقطيع وراء أفكار وتفسيرات مختلف عليها، كان هذا التخلف المزري، وأصبحنا مطمعاً للقوي الكبري التي تحاول تشكيل منطقتنا العربية حسب مصالحهم وأهوائهم.. وتعمل علي بث الفتن والمؤامرات في منطقتنا العربية، ونجحوا أو أوشكوا أن ينجحوا في مخططاتهم بفضل غياب الوعي السليم في بلادنا.
وأذكر أنني حاورت المفكر الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود حول سر هذا التخلف الذي نعيش فيه، والواقع المُر الذي نستظل به، ووجود العالم العربي كله في دائرة العالم الثالث.
يومها قال لي الرجل بصوت حزين ما ملخصه:
نعم.. هناك تعليل واضح، وهو أن المسلمين يكتفون بحفظ القرآن وترديده، دون العمل بما يشير إليه من وجوب العلم بالكون ومظاهره.
فإذا تنبه المسلم بأن البحث العلمي في ظواهر الكون من ظاهرة الضوء إلي الصوت إلي الكهرباء والمغناطيسية والذرة وكل ما هناك إلي دينه.. إلي أن ذلك البحث علي أنه فرض ديني عليه لكان المسلم الآن هو صاحب العلم وجبروته.. ولكان هو الآن من صانعي الصاروخ وغزا الفضاء.. وكان هو الآن صاحب المصانع التي تأخذ من البلاد المتخلفة موادها الخام بأقل ثمن، ثم تردها إليها مصنوعات بأغلي ثمن فيكون الثراء من نصيبه والفقر من نصيب الآخرين.. لكن المسلم لم يعقل ذلك كله، وظن أن العبادة وحدها هي الأمر الإلهي.
فتسلط عليه من تسلط.. وحكمه من حكم، وسلب خيراته من سلب.. فكان موضعه في العالم الثالث.
وعندما سألته: هل تعتقد أن الشرق شرق والغرب غرب؟
قال: أنا أعتقد أن الشرق يستطيع أن يكون غرباً من الناحية الثقافية والعلمية والصناعية وكل شيء دون أن يكون في ذلك أي مساس بعقيدته الدينية، لأن العقيدة الدينية عندنا هي التي تأمرنا بأن نوغل في العلم ما وسعنا الإيغال.
انتقام امرأة
استوقفتني قصة قرأتها في »ألف ليلة وليلة»‬ عن زواج الحجاج بن يوسف الثقفي من هند بنت النعمان، وكانت هند هذه من أجمل نساء العرب، ولكنه فوجئ بها ذات يوم وكانت حاملاً، تنظر إلي نفسها في المرآة، وتعجب بجمالها، ولم تكن تدري أن الحجاج دخل المنزل علي حين فجأة، وسمعها وهي تقول:
وما هند إلا مُهرة عربية
سليلة أفراس يعاشرها بغل
فإن ولدت أنثي فلله درها
وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل!
وصعق الحجاج، وزوجته تطلق عليه لفظ »‬بغل» فلم يطق صبراً وطلقها!
وقصة زواج هند من الحجاج كما وردت في ألف ليلة وليلة أضاف إليها واضع هذه القصة في ألف ليلة وليلة ما تفتق عنه خيال الشارع العربي الذي كان يخاف الحجاج ويمقته لقسوته وظلمه، وعدم وجود الرحمة في قلبه ومن هنا فقد أضاف الكثير عن قصة زواج الحجاج بهند بهدف إسقاط هذه الكراهية التي يكرهها الناس له، ورسم خطوط القصة علي هواه بعيدة عن الواقع التاريخي!
فالقصة تروي غضب الحجاج، وكيف أعطي زوجته مؤخر صداقها وطلقها.. وما أن علمت هند بطلاقها من الحجاح حتي شعرت بسعادة غامرة، وأهدت الصداق الذي أرسله الحجاج مع مستشاره عبدالله بن طاهر له، وقالت: الحمد لله الذي أنقذني من كلب ثقيف! وانطلقت نحو البادية لتعيش متحررة من جبروت الحجاج.
ومرت الأيام وعلم الخليفة عبدالملك بن مروان بقصة هند، فأعجب بها وأراد أن يتزوجها، وأرسل إليها برغبته تلك، واشترطت هي شرطاً واحداً، وهو أن الذي يقود هودجها إلي قصر الخليفة الحجاج بن يوسف الثقفي نفسه، وأن يسير حافي القدمين!
وقبل الخليفة هذا الشرط.. ورضخ الحجاج لأمر الخليفة وكانت تغيظه طوال الرحلة، فقال لها:
لئن تضحكي مني فيا رُبّ ليلة
تركتك فيها تسكبين المدامعا
وردت عليه هي الأخري بأبيات من الشعر، تغيظه بها، وتعني هذه الأبيات أن روحها سلمت من أمراض الجسد الذي سببها لها الحجاج.
وعندما اقترب ركبها من قصر الخلافة بدمشق، أرادت أن تزيد من إذلاله فرمت بدينار علي الأرض، وقالت له:
لقد سقط مني درهم يا حجاج.. هيا التقطه واعطني إياه!
قال لها الحجاج:
إنه دينار يا سيدتي وليس بدرهم.
قالت له:
الحمد لله الذي أبدلني الدرهم بدينار!
هذه ملخص القصة كما وردت في ألف ليلة وليلة.. إنه الخيال الخصب الذي يعبر من خلاله الشعب عما يتمناه لمن يسومه سوء العذاب من أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي..!
مهما يكن من شيء فالرواة الذين يتناولون حياة الحجاج بن يوسف الخاصة، يقولون عنه إنه كان محباً لزوجاته، كريماً معهن، ولكنه لا يطيق أن تتدخل واحدة منهن في الأمور التي تمس عمله.
وكان يري أن جمال المرأة نعمة يضفي ظلاله علي الحياة، ويعطي للحياة الأسرية طعماً خاصاً.. وكان يقول:
المرأة ريحانة وليست كهرمانة.
بمعني أن علي الرجل أن يقدر جمال المرأة، ويشعر بقيمة هذا الجمال، علي ألا يكون هذا الجمال وسيلة لتفرض المرأة سلطانها علي الرجل.
ومن هنا نري أن الخيال لعب دوراً مهماً في قصة زواج الحجاج من هند، بعيداً عن الواقع.. ولكن يعكس كراهية الناس للسلطة الظالمة الباطشة، فلم ينس الناس ما فعله الحجاج بكل من كانت تسول له نفسه الخروج عن طاعة الحكم الأموي، حتي أنه ضرب الكعبة نفسها بالمنجنيق عندما حارب عبدالله بن الزبير وانتصر عليه، وارتكب جريمة الاعتداء علي بيت الله الحرام.. من هنا فقد جسد الناس هذه الكراهية بأن هذا الرجل الذي قهر أعداءه قهرته امرأة وأذلته!
مع أنيس منصور
في مثل هذه الأيام.. وعلي وجه التحديد في 21 من أكتوبر عام 2011 رحل عن دنيانا الكاتب الكبير أنيس منصور.. والحديث عن أنيس منصور أديباً أو مفكراً أو عاشقاً للفلسفة، ومحباً للرحلات حديث يطول.. فله باع كبير في كل هذه الميادين، أما القريبون منه فقد كانوا يعرفون عنه خفة الدم، وجمال الحديث فهو يأخذك من موضوع إلي موضوع بسهولة ويسر.. كما أنهم يعرفون عنه أنه كان شغوفاً بالمقالب.
وأذكر أنني طلبته ذات يوم في مكتبه بالأهرام وقلت له:
أريد أن أراك.
ليه؟
من غير ليه
وضحك وقال سوف أمر عليك غداً في مبني أخبار اليوم الساعة الثانية عشرة..
وارتسمت في ذهني علامة استفهام.. هل هو جاد فيما يقول أم أنه يريد أن يتخلص مني بطريقته المألوفة.. وتركني وأنا لا أعرف هل هو جاد أم يمزح؟
ورحت أتساءل فيما بيني وبين نفسي، وإذا كان جاداً ففي أي مكان استقبله؟
ودخلت علي رئيس تحرير آخر ساعة حينئذ الأستاذ محمود صلاح، وأخبرته أن الأستاذ أنيس سوف يزور آخر ساعة غداً، وأريد أن تكون المقابلة في مكتبك، ورحب الرجل، ورفع سماعة التليفون، وسأل الأستاذ أنيس:
هل ستزورنا غداً؟
وأجاب بالإيجاب.
وفي اليوم التالي كنا ننتظره عند باب أخبار اليوم، وجاء الرجل في موعده بالدقيقة والثانية، وعندما دخل مبني أخبار اليوم كان يتلفت يميناً وشمالاً، ويتأمل العاملين.. وفي حجرة رئيس التحرير جلس الكاتب الكبير أكثر من ساعتين يتحدث في السياسة والأدب والثقافة، وعندما انتهت الزيارة ظلت علامة الاستفهام في ذهني لا إجابه لها: لماذا جاء إلي مبني الأخبار، ولم يقابلني في مكتبه بالأهرام، ولم أقتنع أنه جاء لزيارتي هو.. وسألته بعد ذلك عن سر زيارته لي في أخبار اليوم وليس في الأهرام؟
ضحك يومها وقال: إنه الحنين.. الحنين إلي هذا المبني الذي عشت فيه أجمل أيام عمري.
ابتسمت وأنا أقول له: الآن وضحت الرؤية.. وضحك وهو يحدثني عن المناخ الصحفي الرائع لهذا المبني الذي لا ينساه أبداً إنسان عمل فيه.
كلمات مضيئة
لا يقل أحدنا للآخر: تعال نضيع وقتنا، ولا أن الوقت طويل، ولا ماذا أعمل بهذا الوقت كله، فالشمس قد نظم الله مواعيد شروقها وغروبها، وكذلك القمر والنجوم، وكذلك الطيور علي قمم الأشجار، والوقت صديق وعدو وأمهر لاعب بالسيف، وأقدر مبارز يقتل بضربة واحدة، وعندما تطول أعمارنا نعرف قيمة ما أنفقنا من وقت فنذهل كما تطل علي الأرض من أعلي قمة الجبل.
الأديب محمد عبدالحليم عبدالله
العقيدة الدينية عندنا هي التي تأمرنا بأن نتوغل في العلم ما وسعنا الإيغال
من ينظر إلي خريطة العالم العربي اليوم من محيطه إلي خليجه لابد أن يشعر بالأسي لما يراه فيه من تمزق وحروب أهلية، وما فيه من صراعات مذهبية وطائفية مما يجعله مطمعاً لأوروبا وأمريكا.. ويجعل الدول ذات الميول الاستعمارية تحاول تغيير خريطة العالم العربي علي هواها، ووفقاً لمصالحها ومصالح إسرائيل.
العالم العربي ييمم وجهه شطر الماضي، بينما العالم يتطلع نحو المستقبل.. نحن نتمسك بشكليات في الدين ونبتعد عن جوهر هذا الدين.. بينما الغرب يسابق ظله ليعرف أسرار الكون، ويسبر أغواره، ويكتشف الجديد مما ينفع الإنسانية كلها، ونحن لانزال نسير نياماً!
فلم يكن غريباً أن نتخلف عن ركب التقدم والحضارة، ونسير معصوبي الأعين نحو مستقبل غامض.. نحاول أن نرجع إلي الماضي ولا نري المستقبل.
ولا يمكن أن نلصق هذا التخلف إلي الدين.. فصحيح الدين يدعو إلي التقدم والازدهار، وقراءة كتاب الكون في نفس الوقت الذي نقرأ فيه كتاب الله، وعندما عرف المسلمون هذه الحقيقة كان تقدمهم وازدهارهم واكتشافاتهم العلمية، التي بهرت زمنهم، وحاولوا السير علي منواله وعلي ضوء هداه.
وعندما سار البعض منا كالقطيع وراء أفكار وتفسيرات مختلف عليها، كان هذا التخلف المزري، وأصبحنا مطمعاً للقوي الكبري التي تحاول تشكيل منطقتنا العربية حسب مصالحهم وأهوائهم.. وتعمل علي بث الفتن والمؤامرات في منطقتنا العربية، ونجحوا أو أوشكوا أن ينجحوا في مخططاتهم بفضل غياب الوعي السليم في بلادنا.
وأذكر أنني حاورت المفكر الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود حول سر هذا التخلف الذي نعيش فيه، والواقع المُر الذي نستظل به، ووجود العالم العربي كله في دائرة العالم الثالث.
يومها قال لي الرجل بصوت حزين ما ملخصه:
نعم.. هناك تعليل واضح، وهو أن المسلمين يكتفون بحفظ القرآن وترديده، دون العمل بما يشير إليه من وجوب العلم بالكون ومظاهره.
فإذا تنبه المسلم بأن البحث العلمي في ظواهر الكون من ظاهرة الضوء إلي الصوت إلي الكهرباء والمغناطيسية والذرة وكل ما هناك إلي دينه.. إلي أن ذلك البحث علي أنه فرض ديني عليه لكان المسلم الآن هو صاحب العلم وجبروته.. ولكان هو الآن من صانعي الصاروخ وغزا الفضاء.. وكان هو الآن صاحب المصانع التي تأخذ من البلاد المتخلفة موادها الخام بأقل ثمن، ثم تردها إليها مصنوعات بأغلي ثمن فيكون الثراء من نصيبه والفقر من نصيب الآخرين.. لكن المسلم لم يعقل ذلك كله، وظن أن العبادة وحدها هي الأمر الإلهي.
فتسلط عليه من تسلط.. وحكمه من حكم، وسلب خيراته من سلب.. فكان موضعه في العالم الثالث.
وعندما سألته: هل تعتقد أن الشرق شرق والغرب غرب؟
قال: أنا أعتقد أن الشرق يستطيع أن يكون غرباً من الناحية الثقافية والعلمية والصناعية وكل شيء دون أن يكون في ذلك أي مساس بعقيدته الدينية، لأن العقيدة الدينية عندنا هي التي تأمرنا بأن نوغل في العلم ما وسعنا الإيغال.
انتقام امرأة
استوقفتني قصة قرأتها في »ألف ليلة وليلة»‬ عن زواج الحجاج بن يوسف الثقفي من هند بنت النعمان، وكانت هند هذه من أجمل نساء العرب، ولكنه فوجئ بها ذات يوم وكانت حاملاً، تنظر إلي نفسها في المرآة، وتعجب بجمالها، ولم تكن تدري أن الحجاج دخل المنزل علي حين فجأة، وسمعها وهي تقول:
وما هند إلا مُهرة عربية
سليلة أفراس يعاشرها بغل
فإن ولدت أنثي فلله درها
وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل!
وصعق الحجاج، وزوجته تطلق عليه لفظ »‬بغل» فلم يطق صبراً وطلقها!
وقصة زواج هند من الحجاج كما وردت في ألف ليلة وليلة أضاف إليها واضع هذه القصة في ألف ليلة وليلة ما تفتق عنه خيال الشارع العربي الذي كان يخاف الحجاج ويمقته لقسوته وظلمه، وعدم وجود الرحمة في قلبه ومن هنا فقد أضاف الكثير عن قصة زواج الحجاج بهند بهدف إسقاط هذه الكراهية التي يكرهها الناس له، ورسم خطوط القصة علي هواه بعيدة عن الواقع التاريخي!
فالقصة تروي غضب الحجاج، وكيف أعطي زوجته مؤخر صداقها وطلقها.. وما أن علمت هند بطلاقها من الحجاح حتي شعرت بسعادة غامرة، وأهدت الصداق الذي أرسله الحجاج مع مستشاره عبدالله بن طاهر له، وقالت: الحمد لله الذي أنقذني من كلب ثقيف! وانطلقت نحو البادية لتعيش متحررة من جبروت الحجاج.
ومرت الأيام وعلم الخليفة عبدالملك بن مروان بقصة هند، فأعجب بها وأراد أن يتزوجها، وأرسل إليها برغبته تلك، واشترطت هي شرطاً واحداً، وهو أن الذي يقود هودجها إلي قصر الخليفة الحجاج بن يوسف الثقفي نفسه، وأن يسير حافي القدمين!
وقبل الخليفة هذا الشرط.. ورضخ الحجاج لأمر الخليفة وكانت تغيظه طوال الرحلة، فقال لها:
لئن تضحكي مني فيا رُبّ ليلة
تركتك فيها تسكبين المدامعا
وردت عليه هي الأخري بأبيات من الشعر، تغيظه بها، وتعني هذه الأبيات أن روحها سلمت من أمراض الجسد الذي سببها لها الحجاج.
وعندما اقترب ركبها من قصر الخلافة بدمشق، أرادت أن تزيد من إذلاله فرمت بدينار علي الأرض، وقالت له:
لقد سقط مني درهم يا حجاج.. هيا التقطه واعطني إياه!
قال لها الحجاج:
إنه دينار يا سيدتي وليس بدرهم.
قالت له:
الحمد لله الذي أبدلني الدرهم بدينار!
هذه ملخص القصة كما وردت في ألف ليلة وليلة.. إنه الخيال الخصب الذي يعبر من خلاله الشعب عما يتمناه لمن يسومه سوء العذاب من أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي..!
مهما يكن من شيء فالرواة الذين يتناولون حياة الحجاج بن يوسف الخاصة، يقولون عنه إنه كان محباً لزوجاته، كريماً معهن، ولكنه لا يطيق أن تتدخل واحدة منهن في الأمور التي تمس عمله.
وكان يري أن جمال المرأة نعمة يضفي ظلاله علي الحياة، ويعطي للحياة الأسرية طعماً خاصاً.. وكان يقول:
المرأة ريحانة وليست كهرمانة.
بمعني أن علي الرجل أن يقدر جمال المرأة، ويشعر بقيمة هذا الجمال، علي ألا يكون هذا الجمال وسيلة لتفرض المرأة سلطانها علي الرجل.
ومن هنا نري أن الخيال لعب دوراً مهماً في قصة زواج الحجاج من هند، بعيداً عن الواقع.. ولكن يعكس كراهية الناس للسلطة الظالمة الباطشة، فلم ينس الناس ما فعله الحجاج بكل من كانت تسول له نفسه الخروج عن طاعة الحكم الأموي، حتي أنه ضرب الكعبة نفسها بالمنجنيق عندما حارب عبدالله بن الزبير وانتصر عليه، وارتكب جريمة الاعتداء علي بيت الله الحرام.. من هنا فقد جسد الناس هذه الكراهية بأن هذا الرجل الذي قهر أعداءه قهرته امرأة وأذلته!
مع أنيس منصور
في مثل هذه الأيام.. وعلي وجه التحديد في 21 من أكتوبر عام 2011 رحل عن دنيانا الكاتب الكبير أنيس منصور.. والحديث عن أنيس منصور أديباً أو مفكراً أو عاشقاً للفلسفة، ومحباً للرحلات حديث يطول.. فله باع كبير في كل هذه الميادين، أما القريبون منه فقد كانوا يعرفون عنه خفة الدم، وجمال الحديث فهو يأخذك من موضوع إلي موضوع بسهولة ويسر.. كما أنهم يعرفون عنه أنه كان شغوفاً بالمقالب.
وأذكر أنني طلبته ذات يوم في مكتبه بالأهرام وقلت له:
أريد أن أراك.
ليه؟
من غير ليه
وضحك وقال سوف أمر عليك غداً في مبني أخبار اليوم الساعة الثانية عشرة..
وارتسمت في ذهني علامة استفهام.. هل هو جاد فيما يقول أم أنه يريد أن يتخلص مني بطريقته المألوفة.. وتركني وأنا لا أعرف هل هو جاد أم يمزح؟
ورحت أتساءل فيما بيني وبين نفسي، وإذا كان جاداً ففي أي مكان استقبله؟
ودخلت علي رئيس تحرير آخر ساعة حينئذ الأستاذ محمود صلاح، وأخبرته أن الأستاذ أنيس سوف يزور آخر ساعة غداً، وأريد أن تكون المقابلة في مكتبك، ورحب الرجل، ورفع سماعة التليفون، وسأل الأستاذ أنيس:
هل ستزورنا غداً؟
وأجاب بالإيجاب.
وفي اليوم التالي كنا ننتظره عند باب أخبار اليوم، وجاء الرجل في موعده بالدقيقة والثانية، وعندما دخل مبني أخبار اليوم كان يتلفت يميناً وشمالاً، ويتأمل العاملين.. وفي حجرة رئيس التحرير جلس الكاتب الكبير أكثر من ساعتين يتحدث في السياسة والأدب والثقافة، وعندما انتهت الزيارة ظلت علامة الاستفهام في ذهني لا إجابه لها: لماذا جاء إلي مبني الأخبار، ولم يقابلني في مكتبه بالأهرام، ولم أقتنع أنه جاء لزيارتي هو.. وسألته بعد ذلك عن سر زيارته لي في أخبار اليوم وليس في الأهرام؟
ضحك يومها وقال: إنه الحنين.. الحنين إلي هذا المبني الذي عشت فيه أجمل أيام عمري.
ابتسمت وأنا أقول له: الآن وضحت الرؤية.. وضحك وهو يحدثني عن المناخ الصحفي الرائع لهذا المبني الذي لا ينساه أبداً إنسان عمل فيه.
كلمات مضيئة
لا يقل أحدنا للآخر: تعال نضيع وقتنا، ولا أن الوقت طويل، ولا ماذا أعمل بهذا الوقت كله، فالشمس قد نظم الله مواعيد شروقها وغروبها، وكذلك القمر والنجوم، وكذلك الطيور علي قمم الأشجار، والوقت صديق وعدو وأمهر لاعب بالسيف، وأقدر مبارز يقتل بضربة واحدة، وعندما تطول أعمارنا نعرف قيمة ما أنفقنا من وقت فنذهل كما تطل علي الأرض من أعلي قمة الجبل.
الأديب محمد عبدالحليم عبدالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.