الحكومة المؤقتة في بنجلاديش تعلن إجراء الانتخابات العامة في أبريل 2026    خطة طوارئ طبية لتأمين المواطنين فى احتفالات عيد الأضحى بالقاهرة    اليونيسيف: استخدام الجوع كسلاح في غزة جريمة حرب    صفقات الأهلي من الزمالك ترفع قيمته التسويقية 11 مليون دولار    تشكيل المغرب الرسمي لمواجهة تونس وديًا    الدمايطة يحتفلون بعيد الأضحى في الحدائق ورأس البر    نجم هوليوود جيمي فوكس يشارك في إنتاج فيلم "هابي بيرث داي ل نيللي كريم    ترامب يدرس بيع سيارته طراز تسلا بعد خلافه مع إيلون ماسك    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    مانشستر سيتي يستهدف ضم نجم ميلان.. صفقة نارية تتخطى 60 مليون يورو    المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يصوت بالإجماع لصالح رفع عضوية فلسطين إلى دولة مراقب    مصرع مسن أسفل عجلات قطار في الإسماعيلية    حريق مخلفات كرتون وسيارات قديمة بقطعة أرض بالهرم    رواتب مجزية| 25 صورة ترصد آلاف فرص العمل الجديدة.. قدم الآن    تركي آل الشيخ يكشف حقيقة ظهور زيزو في فيلم 7Dogs    منى الشاذلي تضع تامر عاشور في موقف صعب.. والأخير يعلق (فيديو)    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    دراسة تكشف مفاجأة بشأن زيت الزيتون: قد يعرض للسمنة    مواعيد مواجهات الوداد المغربى فى كأس العالم للأندية 2025    المملكة المتحدة : تحديد جلسة لمحاكمة 3 أشخاص في افتعال حرائق استهدفت رئيس الوزراء البريطاني    نشاط وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في اسبوع    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ مايقرب من ثلاث سنوات    نائب محافظ قنا يتابع جاهزية مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ خلال عيد الأضحى    ترامب يدعو مجلس الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة    مصطفى حمدى يكتب: هل يسابق «نجم الجيل» الزمن فى عصر ال «تيك توك»؟!    ياسر جلال يحتفل بعيد الأضحى بصحبة مصطفى أبوسريع أمام مسجد الشرطة (فيديو)    أحمد العوضي من مسقط رأسه بعين شمس: «ضحينا وسط أهل بلدي»    أنشطة توعوية للثقافة برأس غارب وسفاجا احتفاء بالحج وعيد الأضحى    العودة من بعيد.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى دولة مراقب في منظمة العمل الدولية    في أول أيام عيد الأضحى.. غرفة الأزمات بصحة المنوفية تنعقد لمتابعة المنشآت الصحية    بحر وبهجة في العيد.. الإسكندرية تستقبل المصطافين بإقبال متوسط وشواطئ مستعدة    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    تفاصيل تواجد زيزو في اتحاد الكرة ودور أحمد مجاهد.. رئيس تحرير مجلة الأهلي يكشف    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    الفتة.. من موائد الفراعنة إلى طبق الأعياد في مصر الحديثة    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    الطرق الصحيحة لتجميد وطهي اللحوم    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    سعر الريال السعودي مع بداية التعاملات في أول أيام عيد الأضحي 2025    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    "إكسترا نيوز" ترصد مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى في مصر الجديدة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيق الحياة ورائحة الزمن (14)
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 28 - 10 - 2014

الرئيس الأسبق »مبارك»‬ كان يضع دائمًا »‬فيتو» علي التحاقي بمناصب تنفيذية هامة بدعوي أن ولائي لنظامه غير مضمون وأنني أغازل المعارضة ومنفتح في الحديث وغير كتوم من وجهة نظره
ذات مساءٍ في مدينة »‬الدوحة» كان الرئيس الأسبق »‬مبارك» في زيارةٍ رسمية عندما كان حاكم »‬قطر» هوالشيخ خليفة بن حمد» جد الأمير الحالي »‬الشيخ تميم»، وبعدما انتهت أعمال اليوم الطويل من مباحثاتٍ ومآدب هرعت للقاء شخصيةٍ مصرية تستحق التقدير أعني بها »‬د.حسن كامل» الذي كان مستشارًا بالخارجية المصرية حين قامت الثورة عام 1952 حيث جري إقصاؤه في »‬حملة التطهير» للعناصر التي كانت مرتبطة بالقصر الملكي، كان الرجل يومها في النصف الثاني من ثمانينيات عمره ولكنه يتمتع بيقظةٍ عقلية وذاكرة فوتوغرافية أذهلتني، وكنت أعرف عنه الكثير مما قرأته عن فترة الدكتور »‬محمد صلاح الدين» وزير خارجية الوفد في الحكومات الأخيرة قبل الثورة وقد ترك الرجل مصر بعد إبعاده عن »‬السلك الدبلوماسي» المصري فاستقدمته العائلة الحاكمة في »‬قطر» وأكرمته كثيرًا حتي أصبح مستشارًا لأمير البلاد، ولقد رأيت كيف يقدمونه في »‬بروتوكول الدولة» علي كافة المسؤولين القطريين احترامًا له وتقديرًا لإسهامه في خدمة بلادهم علي صعيد السياستين الخارجية والداخلية، وحكي لي الرجل يومها أنه تخرج من كلية »‬الحقوق» عام 1928 ولكن أهم ما ذكره لي هوأن الملك »‬فاروق» أوفده إلي »‬طهران» ليلتقي بالامبراطورة الشابة »‬فوزية» بنت الملك »‬أحمد فؤاد» حيث كان شقيقها يريد أن يعرف مشكلتها مع زوجها »‬شاه إيران» وطبيعة الخلاف بينهما، وقال لي »‬د.حسن كامل» ليلتها ونحن نجلس في بهوالفندق الكبير لأكثر من ساعتين كيف انتحت الأميرة الراحلة »‬فوزية» بالمبعوث الدبلوماسي المصري في حديقة القصر الامبراطوري وقالت له: إن الشاه يلهو مع النساء أمامها ولا يجد حرجًا من ذلك ولا يحترم وجود الامبراطورة! والغريب كما يقول ذلك الدبلوماسي الراحل أنه عندما أبلغ »‬فاروق» بتلك الرسالة السرية قال له ملك »‬مصر والسودان» إنني أفعل ذلك أيضًا! فماهومباح لشقيقها مباح أيضًا لزوجها!! وعندما سألني الرئيس الأسبق في صباح اليوم التالي عن ما فعلته بالمساء قلت له إنني كنت أجلس إلي تلك الشخصية الفريدة التي تخرجت من كلية الحقوق في عام ميلادك أنت! وحكيت له ما سمعت منه، فعبر الرئيس الأسبق عن ملاحظته تقديرهم الشديد للدكتور »‬حسن كامل» مستشار الأمير وأنه نموذج مشرِّف لمكانة المصري خارج بلاده، أقول ذلك وفي جعبتي عشرات القصص والنوادر من تجوالي في دول العالم المختلفة، ولازلت أتذكر كيف قام »‬الكوريون الشماليون» بحقننا بمادة وقائية قبل أن نتشرف بمصافحة زعيمهم الأوحد »‬كيم إيل سونج»! فالعالم ذاخرٌ بالغرائب مليءٌ بالعجائب، ولقد تركزت اهتماماتي في مرحلة معينة علي الوطن العربي شعوبه ومشكلاته وقضاياه وحكامه، لذلك تطلعت دائمًا إلي العمل في »‬جامعة الدول العربية» ولكن الرئيس الأسبق »‬مبارك» كان يضع دائمًا »‬فيتو» علي التحاقي بمناصب تنفيذية هامة بدعوي أن ولائي لنظامه غير مضمون وأنني أغازل المعارضة ومنفتح في الحديث وغير كتوم من وجهة نظره، وعندما اقترح عليه وزير الخارجية الأسبق »‬أحمد أبوالغيط» عام 2010 وهوصديق عمرٍ لي يتميز بالوفاء إعدادي للترشح لمنصب أمين عام »‬جامعة الدول العربية» بحكم شعبيتي في دوائر الحكم في عدد من العواصم العربية رفض الرئيس الأسبق الاقتراح ولم يتحمس له، حتي قام »‬المجلس العسكري» بعد ثورة 25 يناير 2011 بترشيحي رسميًا لذلك المنصب الرفيع خلفًا للسيد »‬عمروموسي» رغم انتقادات المعارضة الإخوانية وغيرها لذلك وإلصاق كلمة »‬الفلول» بكل من يريدون إبعاده في تعميم أحمق لا يعي الحقيقة! وقد اعترضت دولتان علي ترشيحي هما »‬قطر» لأنهم يرون أني لست الشخص المناسب لتمرير سياساتهم، ودولة »‬السودان» حيث يتذكرون أنني انتقدت نظام »‬البشير» بشدة وهذا صحيح بسبب سياسته التي أدت إلي تقسيم »‬السودان» الذي كان أكبر دولة إفريقية مساحةً علي الإطلاق! وبارك وزير الخارجية حينذاك الدكتور »‬نبيل العربي» ترشيحي بل واعتبرني في بيانه الرسمي المرشح الأوفق لذلك المنصب القومي الذي ارتبط تاريخيًا باهتماماتي وقناعاتي، وذات يومٍ كنت أدخل أنا والدكتور »‬حازم الببلاوي» أحد مطاعم فندق »‬الفورسيزونز» »‬بالقاهرة» فوجدت السيدين »‬عمروموسي» و»نبيل العربي» يجلسان منفردين وهما صديقان قديمان وزميلان تمتزج لديهما روح المحبة بمشاعر المنافسة، فقلت لهما أمام الدكتور »‬الببلاوي» إنني واثقٌ أنكما تتحدثان عن من تريدانه أمينًا جديدًا »‬لجامعة الدول العربية» إذ لا يمكن أن يجلس »‬أمين عام جامعة الدول العربية» مع »‬وزير خارجية مصر» في هذا التوقيت دون أن يكون ذلك هوالموضوع الأساسي في الحديث، ولقد أبدي كل منهما حماسه ظاهريًا لترشيحي، وبدأت جولة لدول المشرق العربي والمغرب العربي زرت فيها عشر دول حيث قابلت رؤساء جمهوريات وروؤساء حكومات ووزراء خارجية وأقيمت لي مآدب الترحيب في عدد من العواصم وقدرت يومها موقف »‬الجزائر» و»المغرب» و»العراق» و»سوريا» و»لبنان» و»الأردن» وقبلهم »‬المملكة العربية السعودية» التي أسهمت بجهد كبير في ترشيحي لذلك المنصب بل واتصل بي بعض المندوبين الدائمين لجامعة الدول العربية في القاهرة ليؤكدوا لي أن أصواتهم معي في حالة »‬الاقتراع السري» لأنهم لايجاهرون بالاختلاف مع »‬قطر» لأسباب تتصل بالمعونات المادية التي تحصل عليها بلادهم، وكان من المفترض أن نأخذ بنظام التصويت الذي يقره »‬ميثاق الجامعة» بدلاً من أن يجتمع وزيرا خارجيتي »‬مصر» و»قطر» ليعلنا سحب مرشحيهما للمنصب وترشيح وزير خارجية مصر »‬د.نبيل العربي» له! وكنت متأكدًا من قبل أن الرجل لا يتطلع إلي ذلك المنصب مكتفيًا بوصوله إلي منصب »‬وزير الخارجية» لأكبر دولةٍ عربية، ولكن علي ما يبدوفإن »‬المجلس العسكري» لم يكن يستطيع الدفاع عن المرشح الرسمي وعليه أن يبتلع الإهانة القطرية بسبب ظروف »‬مصر الثورة» فضلاً عن أن أداء »‬الدكتور العربي» وتوجهاته السياسية لم تكن محل رضاء المجلس العسكري خصوصًا عندما قال إن إغلاق »‬معبر رفح» هوجريمة حرب وعندما دعا بشدة إلي عودة العلاقات مع »‬طهران» وهما أمران لم تكن موضع قبول الحكومة المصرية حينذاك رغم أننا قد لا نختلف كثيرًا معه في هذا الشأن! وبذلك شاءت الأقدار ألا أصل إلي ذلك المنصب الذي كنت أراني أهلاً له، بعد أن أطاحت سيدة من نظام »‬القذافي» برغبتي في الوصول إلي رئاسة »‬البرلمان العربي» قبل ذلك بسنواتٍ قليلة! والسبب دائمًا هوأن »‬الثروة العربية» تتحكم أحيانًا في الخيارات القومية!! وهكذا شاءت الأقدار أيضًا لصاحب كتاب »‬تجديد الفكر القومي» ومندوب مصر لدي »‬جامعة الدول العربية» ومساعد أول وزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط والشئون العربية أن يظل بعيدًا عن منصبٍ حلم به وأعد نفسه له! ولكن ليس كل ما يريده المرء يدركه، ورب ضارةٍ نافعة خصوصًا وأن أداء »‬الجامعة العربية» في السنوات الأخيرة لم يرتفع إلي المستوي القومي الصحيح ولم يعبِّر عن الإرادة العربية الحقيقية، إنني لا أبكي علي اللبن المسكوب وأظن أن في حياتي عشرات المواقف التي أتشرف بها وأعتز بأنها تعلوفوق هامات المناصب وأصحابها، ولقد فوجئت منذ أيامٍ بمقال منشور للكاتبة الصحفية الأستاذة »‬نشوي الحوفي» ذكرت فيه أنها كانت تقلٍّب في كتابٍ تحت الطبع للسفير »‬هاني خلاف» مساعد وزير الخارجية الأسبق وزوج شقيقة الراحل »‬أسامة الباز» فوجدت فيه رسالةً من الدبلوماسي الشاب »‬مصطفي الفقي» سكرتير أول السفارة المصرية في »‬نيودلهي» آنذاك بتاريخ 17 نوفمبر 1981 موجهًا إلي أخيه الكبير ومعلمه »‬أسامة الباز» متضمنًا نصائح ذلك الدبلوماسي الشاب للرئيس الجديد »‬محمد حسني مبارك» بعد أسابيع قليلة من اغتيال الرئيس الراحل »‬السادات» ومن يقرأ ما ورد في الخطاب تصيبه الدهشة فهويحذر من تزاوج السلطة والثروة كما يحذر من احتفاظ رئيس الجمهورية برئاسة »‬الحزب الوطني» ويطلب عودة »‬البابا شنودة» من منفاه ويقترح تعيين الشيخ »‬محمد متولي الشعراوي» شيخًا للأزهر نظرًا لمكانته وشعبيته وغير ذلك من النصائح التي يشعر من يقرأها أن تلك الرسالة تاريخية بالمعني الكامل خصوصًا وأنها صدرت منذ ثلث قرن حتي إن الكاتبة النابهة اختارت عنوان مقالتها ليكون »‬نصائح الفقي للرئيس السيسي من 33 سنة» للتدليل علي صلاحية ما جاء فيها لكي توضع أمام كل حاكم جديد لهذا البلد العظيم »‬مصر» .. إن في الجعبة الكثير مما يُروي ولكننا لا نسرد تاريخًا بقدر ما نستلهم عبرًا، ونلتقط أفكارًا، ونسجِّل مواقف ومشاعر لزمنٍ مضي ولن يعود!
الرئيس الأسبق »مبارك»‬ كان يضع دائمًا »‬فيتو» علي التحاقي بمناصب تنفيذية هامة بدعوي أن ولائي لنظامه غير مضمون وأنني أغازل المعارضة ومنفتح في الحديث وغير كتوم من وجهة نظره
ذات مساءٍ في مدينة »‬الدوحة» كان الرئيس الأسبق »‬مبارك» في زيارةٍ رسمية عندما كان حاكم »‬قطر» هوالشيخ خليفة بن حمد» جد الأمير الحالي »‬الشيخ تميم»، وبعدما انتهت أعمال اليوم الطويل من مباحثاتٍ ومآدب هرعت للقاء شخصيةٍ مصرية تستحق التقدير أعني بها »‬د.حسن كامل» الذي كان مستشارًا بالخارجية المصرية حين قامت الثورة عام 1952 حيث جري إقصاؤه في »‬حملة التطهير» للعناصر التي كانت مرتبطة بالقصر الملكي، كان الرجل يومها في النصف الثاني من ثمانينيات عمره ولكنه يتمتع بيقظةٍ عقلية وذاكرة فوتوغرافية أذهلتني، وكنت أعرف عنه الكثير مما قرأته عن فترة الدكتور »‬محمد صلاح الدين» وزير خارجية الوفد في الحكومات الأخيرة قبل الثورة وقد ترك الرجل مصر بعد إبعاده عن »‬السلك الدبلوماسي» المصري فاستقدمته العائلة الحاكمة في »‬قطر» وأكرمته كثيرًا حتي أصبح مستشارًا لأمير البلاد، ولقد رأيت كيف يقدمونه في »‬بروتوكول الدولة» علي كافة المسؤولين القطريين احترامًا له وتقديرًا لإسهامه في خدمة بلادهم علي صعيد السياستين الخارجية والداخلية، وحكي لي الرجل يومها أنه تخرج من كلية »‬الحقوق» عام 1928 ولكن أهم ما ذكره لي هوأن الملك »‬فاروق» أوفده إلي »‬طهران» ليلتقي بالامبراطورة الشابة »‬فوزية» بنت الملك »‬أحمد فؤاد» حيث كان شقيقها يريد أن يعرف مشكلتها مع زوجها »‬شاه إيران» وطبيعة الخلاف بينهما، وقال لي »‬د.حسن كامل» ليلتها ونحن نجلس في بهوالفندق الكبير لأكثر من ساعتين كيف انتحت الأميرة الراحلة »‬فوزية» بالمبعوث الدبلوماسي المصري في حديقة القصر الامبراطوري وقالت له: إن الشاه يلهو مع النساء أمامها ولا يجد حرجًا من ذلك ولا يحترم وجود الامبراطورة! والغريب كما يقول ذلك الدبلوماسي الراحل أنه عندما أبلغ »‬فاروق» بتلك الرسالة السرية قال له ملك »‬مصر والسودان» إنني أفعل ذلك أيضًا! فماهومباح لشقيقها مباح أيضًا لزوجها!! وعندما سألني الرئيس الأسبق في صباح اليوم التالي عن ما فعلته بالمساء قلت له إنني كنت أجلس إلي تلك الشخصية الفريدة التي تخرجت من كلية الحقوق في عام ميلادك أنت! وحكيت له ما سمعت منه، فعبر الرئيس الأسبق عن ملاحظته تقديرهم الشديد للدكتور »‬حسن كامل» مستشار الأمير وأنه نموذج مشرِّف لمكانة المصري خارج بلاده، أقول ذلك وفي جعبتي عشرات القصص والنوادر من تجوالي في دول العالم المختلفة، ولازلت أتذكر كيف قام »‬الكوريون الشماليون» بحقننا بمادة وقائية قبل أن نتشرف بمصافحة زعيمهم الأوحد »‬كيم إيل سونج»! فالعالم ذاخرٌ بالغرائب مليءٌ بالعجائب، ولقد تركزت اهتماماتي في مرحلة معينة علي الوطن العربي شعوبه ومشكلاته وقضاياه وحكامه، لذلك تطلعت دائمًا إلي العمل في »‬جامعة الدول العربية» ولكن الرئيس الأسبق »‬مبارك» كان يضع دائمًا »‬فيتو» علي التحاقي بمناصب تنفيذية هامة بدعوي أن ولائي لنظامه غير مضمون وأنني أغازل المعارضة ومنفتح في الحديث وغير كتوم من وجهة نظره، وعندما اقترح عليه وزير الخارجية الأسبق »‬أحمد أبوالغيط» عام 2010 وهوصديق عمرٍ لي يتميز بالوفاء إعدادي للترشح لمنصب أمين عام »‬جامعة الدول العربية» بحكم شعبيتي في دوائر الحكم في عدد من العواصم العربية رفض الرئيس الأسبق الاقتراح ولم يتحمس له، حتي قام »‬المجلس العسكري» بعد ثورة 25 يناير 2011 بترشيحي رسميًا لذلك المنصب الرفيع خلفًا للسيد »‬عمروموسي» رغم انتقادات المعارضة الإخوانية وغيرها لذلك وإلصاق كلمة »‬الفلول» بكل من يريدون إبعاده في تعميم أحمق لا يعي الحقيقة! وقد اعترضت دولتان علي ترشيحي هما »‬قطر» لأنهم يرون أني لست الشخص المناسب لتمرير سياساتهم، ودولة »‬السودان» حيث يتذكرون أنني انتقدت نظام »‬البشير» بشدة وهذا صحيح بسبب سياسته التي أدت إلي تقسيم »‬السودان» الذي كان أكبر دولة إفريقية مساحةً علي الإطلاق! وبارك وزير الخارجية حينذاك الدكتور »‬نبيل العربي» ترشيحي بل واعتبرني في بيانه الرسمي المرشح الأوفق لذلك المنصب القومي الذي ارتبط تاريخيًا باهتماماتي وقناعاتي، وذات يومٍ كنت أدخل أنا والدكتور »‬حازم الببلاوي» أحد مطاعم فندق »‬الفورسيزونز» »‬بالقاهرة» فوجدت السيدين »‬عمروموسي» و»نبيل العربي» يجلسان منفردين وهما صديقان قديمان وزميلان تمتزج لديهما روح المحبة بمشاعر المنافسة، فقلت لهما أمام الدكتور »‬الببلاوي» إنني واثقٌ أنكما تتحدثان عن من تريدانه أمينًا جديدًا »‬لجامعة الدول العربية» إذ لا يمكن أن يجلس »‬أمين عام جامعة الدول العربية» مع »‬وزير خارجية مصر» في هذا التوقيت دون أن يكون ذلك هوالموضوع الأساسي في الحديث، ولقد أبدي كل منهما حماسه ظاهريًا لترشيحي، وبدأت جولة لدول المشرق العربي والمغرب العربي زرت فيها عشر دول حيث قابلت رؤساء جمهوريات وروؤساء حكومات ووزراء خارجية وأقيمت لي مآدب الترحيب في عدد من العواصم وقدرت يومها موقف »‬الجزائر» و»المغرب» و»العراق» و»سوريا» و»لبنان» و»الأردن» وقبلهم »‬المملكة العربية السعودية» التي أسهمت بجهد كبير في ترشيحي لذلك المنصب بل واتصل بي بعض المندوبين الدائمين لجامعة الدول العربية في القاهرة ليؤكدوا لي أن أصواتهم معي في حالة »‬الاقتراع السري» لأنهم لايجاهرون بالاختلاف مع »‬قطر» لأسباب تتصل بالمعونات المادية التي تحصل عليها بلادهم، وكان من المفترض أن نأخذ بنظام التصويت الذي يقره »‬ميثاق الجامعة» بدلاً من أن يجتمع وزيرا خارجيتي »‬مصر» و»قطر» ليعلنا سحب مرشحيهما للمنصب وترشيح وزير خارجية مصر »‬د.نبيل العربي» له! وكنت متأكدًا من قبل أن الرجل لا يتطلع إلي ذلك المنصب مكتفيًا بوصوله إلي منصب »‬وزير الخارجية» لأكبر دولةٍ عربية، ولكن علي ما يبدوفإن »‬المجلس العسكري» لم يكن يستطيع الدفاع عن المرشح الرسمي وعليه أن يبتلع الإهانة القطرية بسبب ظروف »‬مصر الثورة» فضلاً عن أن أداء »‬الدكتور العربي» وتوجهاته السياسية لم تكن محل رضاء المجلس العسكري خصوصًا عندما قال إن إغلاق »‬معبر رفح» هوجريمة حرب وعندما دعا بشدة إلي عودة العلاقات مع »‬طهران» وهما أمران لم تكن موضع قبول الحكومة المصرية حينذاك رغم أننا قد لا نختلف كثيرًا معه في هذا الشأن! وبذلك شاءت الأقدار ألا أصل إلي ذلك المنصب الذي كنت أراني أهلاً له، بعد أن أطاحت سيدة من نظام »‬القذافي» برغبتي في الوصول إلي رئاسة »‬البرلمان العربي» قبل ذلك بسنواتٍ قليلة! والسبب دائمًا هوأن »‬الثروة العربية» تتحكم أحيانًا في الخيارات القومية!! وهكذا شاءت الأقدار أيضًا لصاحب كتاب »‬تجديد الفكر القومي» ومندوب مصر لدي »‬جامعة الدول العربية» ومساعد أول وزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط والشئون العربية أن يظل بعيدًا عن منصبٍ حلم به وأعد نفسه له! ولكن ليس كل ما يريده المرء يدركه، ورب ضارةٍ نافعة خصوصًا وأن أداء »‬الجامعة العربية» في السنوات الأخيرة لم يرتفع إلي المستوي القومي الصحيح ولم يعبِّر عن الإرادة العربية الحقيقية، إنني لا أبكي علي اللبن المسكوب وأظن أن في حياتي عشرات المواقف التي أتشرف بها وأعتز بأنها تعلوفوق هامات المناصب وأصحابها، ولقد فوجئت منذ أيامٍ بمقال منشور للكاتبة الصحفية الأستاذة »‬نشوي الحوفي» ذكرت فيه أنها كانت تقلٍّب في كتابٍ تحت الطبع للسفير »‬هاني خلاف» مساعد وزير الخارجية الأسبق وزوج شقيقة الراحل »‬أسامة الباز» فوجدت فيه رسالةً من الدبلوماسي الشاب »‬مصطفي الفقي» سكرتير أول السفارة المصرية في »‬نيودلهي» آنذاك بتاريخ 17 نوفمبر 1981 موجهًا إلي أخيه الكبير ومعلمه »‬أسامة الباز» متضمنًا نصائح ذلك الدبلوماسي الشاب للرئيس الجديد »‬محمد حسني مبارك» بعد أسابيع قليلة من اغتيال الرئيس الراحل »‬السادات» ومن يقرأ ما ورد في الخطاب تصيبه الدهشة فهويحذر من تزاوج السلطة والثروة كما يحذر من احتفاظ رئيس الجمهورية برئاسة »‬الحزب الوطني» ويطلب عودة »‬البابا شنودة» من منفاه ويقترح تعيين الشيخ »‬محمد متولي الشعراوي» شيخًا للأزهر نظرًا لمكانته وشعبيته وغير ذلك من النصائح التي يشعر من يقرأها أن تلك الرسالة تاريخية بالمعني الكامل خصوصًا وأنها صدرت منذ ثلث قرن حتي إن الكاتبة النابهة اختارت عنوان مقالتها ليكون »‬نصائح الفقي للرئيس السيسي من 33 سنة» للتدليل علي صلاحية ما جاء فيها لكي توضع أمام كل حاكم جديد لهذا البلد العظيم »‬مصر» .. إن في الجعبة الكثير مما يُروي ولكننا لا نسرد تاريخًا بقدر ما نستلهم عبرًا، ونلتقط أفكارًا، ونسجِّل مواقف ومشاعر لزمنٍ مضي ولن يعود!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.