محاسن الهوارى تناولنا في الحلقة الأولى قصة مارييت الأثري الذي جاء مصر ليسرق الآثار في البداية ولم يكتف بالسرقة وإنما خرب ودمر وعاث فسادا في أثار سقارة . ثم تحول فجأة إلى محب لأثار مصر لدرجة تحديه إمبراطورة فرنسا أوجينى وذلك بعدم موافقته على إعطائها أثار مصر. وقد بدأت القصة حينما أرسلت مجموعة الأثار الرائعة التى جمعها مارييت للعرض بالمتحف العالمى بباريس،إستهوت تلك الآثار الإمبراطورة أوجينى فطلبتها من الخديوى إسماعيل الذى كان مفلسا كعادته ولم يجرؤ على أن يرد طلب الإمبراطورة فوافق على طلبها ولكنه رهن موافقته بموافقة مارييت إذ قال لها :هناك فى بولاق من هو أقوى مني وعليك أن توجهي طلبك إليه. وأظهر مارييت شجاعة وعنادا فرفض طلب الإمبراطورة واحتفظ بالآثاروخسر رعاية الإمبراطورة وواجه غضبها. توبة اللص وحسن الختام! وحتى اللحظة الأخيرة من عمره كان مارييت يحلم بالمتحف المصرى ويصف عالم الآثار ماسبيرو الساعات الأخيرة فى حياة مارييت بأنه " فى الليلة التى سبقت وفاته بقى حوالي نصف ساعة يخرج كلمات متقطعة من فمه خيل له أن حلمه قد تحقق وحاول أن يعبر عن مدى سروره بحلمه الذى تحقق.. وفى الساعات الأخيرة من عمره طفحت أساريره بالبشر عند سماعه أنباء عن انتصارات غير متوقعة إذ أخبره ماسبيرو أنه نفذ إلى داخل أهرام سقارة والتى كان يعتقد أنها خالية من النقوش مثل أهرام الجيزة المجاورة لها فوجد بها من النقوش ماتعرف الآن بنصوص الأهرام ".. ولابد أن نشير إلى أن مارييت كان باحثا إرتجاليا وكان يعمل يوما بيوم فلم تكن له مصادر دخل دائمة فلم يكن يعرف متى يجيئه مال وكانت موارده وفقا لأهواء الخديو عباس والخديوى إسماعيل ومع ذلك فقد تصدى للإمبراطورة ورفض طلبها. وبعد أن مات مارييت وضع قبره داخل المتحف المصرى تكريما له..وطالما دارت حول ذلك القبر الطرائف التى ذكر بعضها العالم ماسبيرو حيث ذكر أن شخصية كبيرة رأت قبر مارييت فسألت ماسبيرو :هل هذا القبر لأحد الفراعنة أم لشخصية حديثة؟ فأجاب ماسبيرو:إنه قبر مارييت مؤسس متحفنا. عندئذ ردت تلك الشخصية الهامة وقالت: لم أكن أعرف أن مؤسس متحفنا سيدة!. وربما كان هذا دليل على أن جهل اصحاب السلطة بالأثار وقيمتها لم يكن مقتصرا على الخديو سعيد والخديوى إسماعيل وغيرهم وإنما هو جهل طالما طال اصحاب السلطة على مدى التاريخ وربما كان هذا من حظ آثار مصر السيئ الذى طالما حلت به اللعنات ومنها لعنة الحملة الفرنسية التي سنتناولها في الحلقة القادمة