عاجل | أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر.. أرقام قياسية يحققها المعدن الأصفر    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025    بعد ليلة دامية، القوات السورية والفصائل الكردية تتوصل إلى اتفاق في حلب    مشيرة إسماعيل: عشت أجواء حرب أكتوبر وسط الجنود على الجبهة وحضرت كل المعارك من تاني يوم (فيديو)    ماجد الكدواني: شخصيتي في «فيها إيه يعني» تشبهني.. إنسان عاوز يرضي الكل    نائب رئيس حزب المؤتمر: الشراكة المصرية السعودية ركيزة استقرار الشرق الأوسط    استطلاعات رأي: غالبية الفرنسيين يؤيدون استقالة ماكرون من منصبه    بعثة منتخب مصر تصل إلى المغرب لمواجهة جيبوتي في تصفيات كأس العالم (صور)    «بعد 3 ماتشات في الدوري».. إبراهيم سعيد: الغرور أصاب الزمالك واحتفلوا بالدوري مبكرا    أبو ريدة يصل المغرب ويستقبل بعثة منتخب مصر استعدادًا لمواجهة جيبوتي    بلاغ كاذب.. حقيقة احتجاز طفل داخل ماسورة غاز بناهيا | صور    تحميل التقييمات الأسبوعية 2025-2026 لجميع المراحل الدراسية (PDF).. رابط مباشر    بعد تغيير أسعار الفائدة.. أعلى عائد على شهادات الادخار المتاحة حاليًا بالبنوك (تفاصيل)    وزيرة التخطيط: هدفنا تحسين جودة حياة المواطن.. وسقف الاستثمارات الحكومية رفع مساهمة القطاع الخاص ل57%    "القاهرة الدولي للمونودراما" يكرّم رياض الخولي ورافايل بينيتو.. ويعلن جوائز الدورة الثامنة    «وهم».. عرض جديد يضيء خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن مهرجان نقابة المهن التمثيلية    غادة عادل: شخصيتي في «فيها إيه يعني» هدية من ربنا لايمكن أرفضها    جريمة في قلب التاريخ.. سرقة لوحة أثرية من سقارة بطريقة غامضة    قرار جديد بشأن البلوجر دونا محمد بتهمة نشر فيديوهات خادشة    تحرك أمني عاجل بعد بلاغ وجود أطفال داخل ماسورة غاز في الجيزة (صور)    توتر متجدد بين موسكو وواشنطن بعد تصريحات ترامب حول تسليح أوكرانيا    النيابة الإدارية تُهنئ الرئيس السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر    منسيات 6 أكتوبر .. الاحتفاء بالفريق "الشاذلي" يُنسب إلى "مرسي" و"المزرعة الصينية" تفتقد القائد "عبد رب النبي حافظ"    التموين: صادرات السكر البني إلى دول الكوميسا بلغت 40 ألف طن العام الماضي    البيت الأبيض يرفض تأكيد أو نفي إرسال قوات أمريكية إلى فنزويلا    ترامب يُعلن عن مفاوضات مع الديمقراطيين لإنهاء الإغلاق الحكومي في البلاد    أيمن عاشور: خالد العناني أول عربي يفوز بمنصب المدير العام لليونسكو بتصويت غير مسبوق منذ 80 عاماً    الأهلي يكافئ الشحات بعقده الجديد    اشتغالة تطوير الإعلام!    تسليم التابلت لطلاب أولى ثانوي 2025-2026.. تعرف على رسوم التأمين وخطوات الاستلام    محافظ الفيوم يشهد احتفالية الذكرى ال52 لانتصارات أكتوبر المجيدة    حزب "المصريين": كلمة السيسي في ذكرى نصر أكتوبر اتسمت بقوة التأثير وعمق الرسالة    «عيدك في الجنة يا نور عيني».. الناجية من«جريمة نبروه» تحيي ذكرى ميلاد ابنة زوجها برسالة مؤثرة    هدد خطيبته بنشر صورها على الواتساب.. السجن عامين مع الغرامة لشاب في قنا    بالصور.. إزالة 500 حالة إشغال بشارعي اللبيني والمريوطية فيصل    شواطئ مطروح ليلة اكتمال القمر وطقس معتدل    أسعار الحديد في أسيوط اليوم الثلاثاء 7102025    وثائقي أمريكي يكشف أسرار حرب أكتوبر: تفاصيل نجاح استراتيجية السادات في خداع إسرائيل وانهيار أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»    روسيا: إسقاط 8 مسيّرات وصواريخ أوكرانية في هجمات ليلية    عيار 21 الآن يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 7-10-2025 في الصاغة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025    تعرف على موعد بدء تدريبات المعلمين الجدد ضمن مسابقة 30 الف معلم بقنا    «أكتوبر صوت النصر».. الجيزة تحتفل بذكرى الانتصار ال52 بروح وطنية في مراكز الشباب    بعض الأخبار سيئة.. حظ برج الدلو اليوم 7 أكتوبر    نائب وزير الصحة يحيل الطاقم الإداري بمستشفى كفر الشيخ للتحقيق    «هيفضل طازة ومش هيسود طول السنة».. أفضل طريقة لتخزين الرمان    ميثاق حقوق طفل السكر.. وعن سلامة صحة الأطفال    بمكونات في المنزل.. خطوات فعالة لتنظيف شباك المطبخ    ميدو: صلاح يتعرض لحملة شرسة لتشويه صورته    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يخوض مرانه الأول بالمغرب    الصباحي يوضح قانونية تغيير مسدد ركلة الجزاء بعد قرار الإعادة    مواقيت الصلاه غدا الثلاثاء 7 اكتوبر 2025فى المنيا.....تعرف عليها بدقه    للمرأة الحامل، أطعمة مهدئة للمعدة تناوليها بعد التقيؤ    هل الزواج العُرفي يكون شرعيًا حال اكتمال جميع الشروط؟.. نقيب المأذونين يوضح    أمين الفتوى: وحدة الصف والوعي بقيمة الوطن هما سر النصر في أكتوبر المجيد    هاني تمام: حب الوطن من الإيمان وحسن التخطيط والثقة بالله سر النصر في أكتوبر    هل يحق للزوج الحصول على أموال زوجته؟.. أمين الفتوى يجيب    حوار| من الطائرة الانتحارية إلى صيحات النصر.. بطل الصاعقة يكشف كواليس حرب الاستنزاف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب الديني وثلاث معضلات كبري

إذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول : إن كلا الرأيين قد يكونا علي صواب، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح
لاشك أن الخطاب الديني قد صار حديث الساعة، حديث المثقفين، حديث العامة والخاصة، ولا شك أن ذلك كله يأتي نتيجة لما أصاب هذا الخطاب في السنوات الأخيرة من سطو وتسلّق عليه، أو محاولات لاختطافه، أو المتاجرة به، وما تبع ذلك من استخدام الدين من قبل أدعيائه المتاجرين به غطاء لعمالتهم وأعمالهم المشبوهة ضد أوطانهم في أعمال عنف أو تخريب، بل تجاوز الأمر ذلك إلي أعمال قتالية تهدف بأسلوب مباشر وصريح وفج إلي إسقاط دولهم وأوطانهم، وتفتيتها وتمزيقها، وتحويلها إلي بؤر وجماعات متصارعة تصارعًا لا يرجي الخلاص منه في القريب العاجل إلا برحمة من الله (عزّ وجل)، ويقظة منّا جميعًا، أفرادًا ودولاً، وإدراكًا لحجم المخططات والمؤامرات التي تستهدف أمتنا ومنطقتنا العربية علي وجه الخصوص.
ولا ينكر أحد أن حجم الإجرام والتخريب الذي يقوم به بعض المنتسبين إلي الجماعات والتيارات التي تتخذ من الدين ستارًا وشعارًا قد فاق كل التصورات، وتجاوز كل معاني الإنسانية إلي درجة يوصف معها من يقوم بهذا الإفساد والتخريب بالخيانة للدين والوطن معًا، مما جعل بعض الكتّاب يتجاوز باتهامه المخربين والمفسدين إلي الخطاب الديني نفسه، ما بين عاقل يفرق بين الغث والثمين، وآخر يعمم الأحكام بلا إنصاف ولا رويّة، لأن الفتنة أحيانًا تجعل الحليم حيران.
وأري أن الخطاب الديني تكتنفه ثلاث معضلات كبري، الأولي : هي معضلة الجمود، من هؤلاء المنغلقين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أن باب الاجتهاد قد أغلق، وأن الأمة لم ولن تلد مجتهدًا بعد، وأنها عقمت عقمًا لا براء منه، متناسين أو متجاهلين أن الله ( عز وجل ) لم يخص بالعلم ولا بالفقه قومًا دون قوم، أو زمانًا دون زمان، وأن الخير في أمة محمد (صلي الله عليه وسلم) إلي يوم القيامة.
المعضلة الثانية : معضلة الخوف من الإسلام، أو ما يعرف ب » الإسلام فوبيا »‬، مما يجعل بعض هؤلاء المتخوفين يظن خطأ أن علاج التشدد إنما يكون بالذهاب إلي النقيض الآخر، مما يعود بنا إلي عقود من الصراع حدث فيها خلط كبير بين مواجهة التطرف وأهمية التدين، حيث توهم بعض المتخوفين من الإسلام أن محاربة التطرف تقتضي وتستلزم تجفيف منابع التدين، فاصطدموا بالفطرة الإنسانية، »‬ فطرة الله التي فطر الناس عليها »‬، ونسوا أن أفضل طريق لمواجهة التطرف هي نشر سماحة الأديان، وتحصين الناس وبخاصة الناشئة والشباب بصحيح الدين، وأنك لا تستطيع أن تقضي علي التطرف من جذوره إلا إذا عملت بنفس القدر والنسبة علي مواجهة التسيب والانحلال والإلحاد الذي صار موجهًا لخلخلة مجتمعاتنا شأن التشدد سواء بسواء، ومن هنا كان وعي الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ووزارة الشباب والرياضة بخطورة الإلحاد والتسيب، فأطلقت وزارتا الأوقاف والشباب مبادرة مشتركة لمواجهة الإلحاد تحت عنوان »‬ بالعقل كده »‬، إيمانًا منهما بخطورة الإلحاد علي أمن الوطن واستقراره ونسيجه الاجتماعي.
وفي هذا نؤكد أن المساس بثوابت العقيدة والتجرؤ عليها وإنكار ما استقر منها في وجدان الأمة لا يخدم سوي قوي التطرف والإرهاب خاصة في ظل الظروف التي نمر بها، لأن الجماعات المتطرفة تستغل مثل هذه السقطات لترويج شائعات التفريط في الثوابت مما ينبغي التنبه له والحذر منه، فإذا أردنا أن نقضي علي التشدد من جذوره فلابد أن نقضي علي التسيب من جذوره، فلكل فعل رد فعل مساو له في النسبة ومضاد له في الاتجاه.
المعضلة الثالثة : هي الخوف من التجديد أو التجاوز فيه، فلا شك أن التجديد يحتاج إلي شجاعة وجرأة محسوبة، وحسن تقدير للأمور في آن واحد، كما أنه يحتاج من صاحبه إلي إخلاص النيّة لله بما يعينه علي حسن الفهم وعلي تحمل النقد والسهام اللاذعة.
ولكي نقطع الطريق علي أي مزايدات فإنني أؤكد علي الثوابت والأمور التالية :
1- أن ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلومًا من الدين بالضرورة كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه، فهي أمور توقيفية لا تتغير بتغيّر الزمان ولا المكان والأحوال، فمجال الاجتهاد هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي الثبوت والدلالة.
2- مع تقديرنا الكامل لآراء الأئمة المجتهدين فإننا ندرك أن بعض الفتاوي ناسبت عصرها وزمانها، أو مكانها، أو أحوال المستفتين، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغير وجه المصلحة فيه، وأن المفتي به في عصر معين، وفي بيئة معينة، وفي ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولي منه في الإفتاء به إذا تغيّر العصر، أو تغيّرت البيئة، أو تغيّرت الظروف، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة.
3- أننا نؤمن بالرأي والرأي الآخر، وبإمكانية تعدد الصواب في بعض القضايا الخلافيّة، في ضوء تعدد ظروف الفتوي وملابساتها ومقدماتها، وإذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول : إن كلا الرأيين قد يكونا علي صواب، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح، فنأخذ بما نراه راجحًا مع عدم تخطئتنا لما نراه مرجوحًا، ما دام صاحبه أهلا للاجتهاد، ولرأيه حظ من النظر والدليل الشرعي المعتبر، فالأقوال الراجحة ليست معصومة، والأقوال المرجوحة ليست مهدرة ولا مهدومة.
4- أن تسارع وتيرة الحياة العصرية في شتي الجوانب العلمية والاقتصادية والتكنولوجية، إضافة إلي التقلبات والتكتلات والتحالفات والمتغيّرات السياسية، كل ذلك يحتم علي العلماء والفقهاء إعادة النظر في ضوء كل هذه المتغيّرات، ويعلم الجميع أن الإقدام علي هذا الأمر ليس سهلا ولا يسيرًا، ويحتاج إلي جهود ضخمة من الأفراد والمؤسسات، غير أننا في النهاية لابد أن ننطلق إلي الأمام، وأن نأخذ زمام المبادرة للخروج من دائرة الجمود.
مع التأكيد مرة أخري أن هذا التجديد ينبغي ألا يتجاوز ثوابت الشرع، وأن ينضبط بميزاني الشرع والعقل، وألا يترك نهبًا لغير المؤهلين وغير المتخصصين أو المتطاولين الذين يريدون هدم الثوابت تحت دعوي التجديد، فالميزان دقيق، والمرحلة في غاية الدقة والخطورة، لما يكتنفها من تحديات في الداخل والخارج، فالمتخصص المؤهل إذا اجتهد فأخطأ له أجر، وإن اجتهد فأصاب فله أجران، الأول لاجتهاده والآخر لإصابته، أما من تجرأ علي الفتوي بغير علم، فإن أصاب فعليه وزر، وإن أخطأ فعليه وزران، الأول لاقتحامه ما ليس له بأهله، والآخر لما يترتب علي خطئه من آثار كان المجتمع والدين معًا في غني عنها، في ظل أوقات تحتاج إلي من يبني لا من يهدم.
إذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول : إن كلا الرأيين قد يكونا علي صواب، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح
لاشك أن الخطاب الديني قد صار حديث الساعة، حديث المثقفين، حديث العامة والخاصة، ولا شك أن ذلك كله يأتي نتيجة لما أصاب هذا الخطاب في السنوات الأخيرة من سطو وتسلّق عليه، أو محاولات لاختطافه، أو المتاجرة به، وما تبع ذلك من استخدام الدين من قبل أدعيائه المتاجرين به غطاء لعمالتهم وأعمالهم المشبوهة ضد أوطانهم في أعمال عنف أو تخريب، بل تجاوز الأمر ذلك إلي أعمال قتالية تهدف بأسلوب مباشر وصريح وفج إلي إسقاط دولهم وأوطانهم، وتفتيتها وتمزيقها، وتحويلها إلي بؤر وجماعات متصارعة تصارعًا لا يرجي الخلاص منه في القريب العاجل إلا برحمة من الله (عزّ وجل)، ويقظة منّا جميعًا، أفرادًا ودولاً، وإدراكًا لحجم المخططات والمؤامرات التي تستهدف أمتنا ومنطقتنا العربية علي وجه الخصوص.
ولا ينكر أحد أن حجم الإجرام والتخريب الذي يقوم به بعض المنتسبين إلي الجماعات والتيارات التي تتخذ من الدين ستارًا وشعارًا قد فاق كل التصورات، وتجاوز كل معاني الإنسانية إلي درجة يوصف معها من يقوم بهذا الإفساد والتخريب بالخيانة للدين والوطن معًا، مما جعل بعض الكتّاب يتجاوز باتهامه المخربين والمفسدين إلي الخطاب الديني نفسه، ما بين عاقل يفرق بين الغث والثمين، وآخر يعمم الأحكام بلا إنصاف ولا رويّة، لأن الفتنة أحيانًا تجعل الحليم حيران.
وأري أن الخطاب الديني تكتنفه ثلاث معضلات كبري، الأولي : هي معضلة الجمود، من هؤلاء المنغلقين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أن باب الاجتهاد قد أغلق، وأن الأمة لم ولن تلد مجتهدًا بعد، وأنها عقمت عقمًا لا براء منه، متناسين أو متجاهلين أن الله ( عز وجل ) لم يخص بالعلم ولا بالفقه قومًا دون قوم، أو زمانًا دون زمان، وأن الخير في أمة محمد (صلي الله عليه وسلم) إلي يوم القيامة.
المعضلة الثانية : معضلة الخوف من الإسلام، أو ما يعرف ب » الإسلام فوبيا »‬، مما يجعل بعض هؤلاء المتخوفين يظن خطأ أن علاج التشدد إنما يكون بالذهاب إلي النقيض الآخر، مما يعود بنا إلي عقود من الصراع حدث فيها خلط كبير بين مواجهة التطرف وأهمية التدين، حيث توهم بعض المتخوفين من الإسلام أن محاربة التطرف تقتضي وتستلزم تجفيف منابع التدين، فاصطدموا بالفطرة الإنسانية، »‬ فطرة الله التي فطر الناس عليها »‬، ونسوا أن أفضل طريق لمواجهة التطرف هي نشر سماحة الأديان، وتحصين الناس وبخاصة الناشئة والشباب بصحيح الدين، وأنك لا تستطيع أن تقضي علي التطرف من جذوره إلا إذا عملت بنفس القدر والنسبة علي مواجهة التسيب والانحلال والإلحاد الذي صار موجهًا لخلخلة مجتمعاتنا شأن التشدد سواء بسواء، ومن هنا كان وعي الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ووزارة الشباب والرياضة بخطورة الإلحاد والتسيب، فأطلقت وزارتا الأوقاف والشباب مبادرة مشتركة لمواجهة الإلحاد تحت عنوان »‬ بالعقل كده »‬، إيمانًا منهما بخطورة الإلحاد علي أمن الوطن واستقراره ونسيجه الاجتماعي.
وفي هذا نؤكد أن المساس بثوابت العقيدة والتجرؤ عليها وإنكار ما استقر منها في وجدان الأمة لا يخدم سوي قوي التطرف والإرهاب خاصة في ظل الظروف التي نمر بها، لأن الجماعات المتطرفة تستغل مثل هذه السقطات لترويج شائعات التفريط في الثوابت مما ينبغي التنبه له والحذر منه، فإذا أردنا أن نقضي علي التشدد من جذوره فلابد أن نقضي علي التسيب من جذوره، فلكل فعل رد فعل مساو له في النسبة ومضاد له في الاتجاه.
المعضلة الثالثة : هي الخوف من التجديد أو التجاوز فيه، فلا شك أن التجديد يحتاج إلي شجاعة وجرأة محسوبة، وحسن تقدير للأمور في آن واحد، كما أنه يحتاج من صاحبه إلي إخلاص النيّة لله بما يعينه علي حسن الفهم وعلي تحمل النقد والسهام اللاذعة.
ولكي نقطع الطريق علي أي مزايدات فإنني أؤكد علي الثوابت والأمور التالية :
1- أن ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلومًا من الدين بالضرورة كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه، فهي أمور توقيفية لا تتغير بتغيّر الزمان ولا المكان والأحوال، فمجال الاجتهاد هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي الثبوت والدلالة.
2- مع تقديرنا الكامل لآراء الأئمة المجتهدين فإننا ندرك أن بعض الفتاوي ناسبت عصرها وزمانها، أو مكانها، أو أحوال المستفتين، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغير وجه المصلحة فيه، وأن المفتي به في عصر معين، وفي بيئة معينة، وفي ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولي منه في الإفتاء به إذا تغيّر العصر، أو تغيّرت البيئة، أو تغيّرت الظروف، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة.
3- أننا نؤمن بالرأي والرأي الآخر، وبإمكانية تعدد الصواب في بعض القضايا الخلافيّة، في ضوء تعدد ظروف الفتوي وملابساتها ومقدماتها، وإذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول : إن كلا الرأيين قد يكونا علي صواب، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح، فنأخذ بما نراه راجحًا مع عدم تخطئتنا لما نراه مرجوحًا، ما دام صاحبه أهلا للاجتهاد، ولرأيه حظ من النظر والدليل الشرعي المعتبر، فالأقوال الراجحة ليست معصومة، والأقوال المرجوحة ليست مهدرة ولا مهدومة.
4- أن تسارع وتيرة الحياة العصرية في شتي الجوانب العلمية والاقتصادية والتكنولوجية، إضافة إلي التقلبات والتكتلات والتحالفات والمتغيّرات السياسية، كل ذلك يحتم علي العلماء والفقهاء إعادة النظر في ضوء كل هذه المتغيّرات، ويعلم الجميع أن الإقدام علي هذا الأمر ليس سهلا ولا يسيرًا، ويحتاج إلي جهود ضخمة من الأفراد والمؤسسات، غير أننا في النهاية لابد أن ننطلق إلي الأمام، وأن نأخذ زمام المبادرة للخروج من دائرة الجمود.
مع التأكيد مرة أخري أن هذا التجديد ينبغي ألا يتجاوز ثوابت الشرع، وأن ينضبط بميزاني الشرع والعقل، وألا يترك نهبًا لغير المؤهلين وغير المتخصصين أو المتطاولين الذين يريدون هدم الثوابت تحت دعوي التجديد، فالميزان دقيق، والمرحلة في غاية الدقة والخطورة، لما يكتنفها من تحديات في الداخل والخارج، فالمتخصص المؤهل إذا اجتهد فأخطأ له أجر، وإن اجتهد فأصاب فله أجران، الأول لاجتهاده والآخر لإصابته، أما من تجرأ علي الفتوي بغير علم، فإن أصاب فعليه وزر، وإن أخطأ فعليه وزران، الأول لاقتحامه ما ليس له بأهله، والآخر لما يترتب علي خطئه من آثار كان المجتمع والدين معًا في غني عنها، في ظل أوقات تحتاج إلي من يبني لا من يهدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.