لاشك أننا أمام عصر جديد بكل المقاييس سياسيًّا وفكريًّا وعلميًّا وتربويًّا بكل ما تحمله كلمة التجديد من معانٍ، وأنطلق من ثلاثة محاور :المحور السياسي:ولن أطيل فيه كثيرًا فإن له رجاله المتخصصين القادرين على التحليل أكثر وأكثر، غير أننى أعبر فقط عما لمسته فى رؤية السيد رئيس الجمهورية أثناء لقائه برئيس وأعضاء مجلس الوزراء من همة و عزيمة غير عاديين ولا مألوفين فى حياتنا المعاصرة، وحرص وإصرار على التجديد والابتكار والتفكير فى حلول غير نمطية ولا تقليدية، واقتحام ما كان يراه بعض الناس فى السابق حُلمًا بعيد المدى، أو حتى مجرد خيال، أو مجالاً غير قابل للاقتحام، كل ذلك قد أضحى مجالاً للدراسة العلمية، بل للتطبيق، بل للاقتحام فى جسارة وجرأة غير مسبوقة. المحور الفكري: وهو محور التجديد فى نمط التفكير والسلوك ، والخروج من دائرة المحاكاة أو الجمود، وإسقاط ما كان مناسبًا لزمان أو مكان أو حالة معينة على جميع الأزمنة والأمكنة والأحوال، من غير إعمال للعقل أو إفساح المجال أمام الاجتهاد المشروع فى إطار النصوص الشرعية الثابتة التى يستطيع المجتهد أن يُخْرج من خلالها بالبيان الشرعى الذى يناسب الزمان والمكان والحال ، فحيثما تكون المصلحة فثمّة شرع الله ، فذلك عمل الفقيه المجتهد الذى تنطلق رؤاه الفكرية فى ضوء فقه الواقع ، وفقه المتاح ، وفقه الأولويات ، وفقه المقاصد ، وسعة الأفق، وإذا كان بعض سلفنا الصالح يقول : رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب، فإننا نقول : قد يكون كلا الرأيين على صواب غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح، فالأقوال الراجحة ليست معصومة، والأقوال المرجوحة ليست مهدومة ، طالما أن لصاحبها حظًا من النظر والدليل الشرعى المعتبر وهنا أؤكد : أننى سأبذل ما فى وسعى ليمسك الناس سماحة الإسلام بأيديهم، وأتخذ من المنهج العقلى فى التفكير الذى ينتهج فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر منطلقًا لتجديد الخطاب الديني، إذ يشرفنى أن أكون منتميًا إلى مدرسته العلمية العقلية الحضارية فى التفكير والنظرة إلى الأمور، ومن واقع مسئوليتى عن الدعوة فى وزارة الأوقاف، وعن الدعوة والإعلام الدينى بالأزهر الشريف كونى عضو المكتب الفنى لشيخ الأزهر لهذا الشأن، وعضو لجنة التعريف بالإسلام بمجمع البحوث الذى يشرف برئاسة فضيلة الإمام الأكبر، وأشرف بعضويتى فيه، من واقع هذه المسئولية ومن خلال هذا العبق الأزهرى السهل السمح البعيد كل البعد عن التشدد والتطرف، بل الرافض لهما كل الرفض، أنطلق بإذن الله تعالى، وستكون بداية الانطلاق العملى بإعلان مؤتمر علمى دولى متخصص يتبناه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف تحت عنوان: التطرف والغلو بين أغاليط المضللين وتفنيد العلماء المحققين » .
المحور الإدارى والتنظيمي: سواء فى إدارة واستثمار أموال الوقف، أم فى إدارة ملفات الدعوة، فإننى أؤكد أننا سنعمل على تطوير أنفسنا وبذل المزيد من الجهد ، والإفادة من معطيات العصر العلمية والإدارية والاقتصادية وأننا سنفسح المجال أمام الشباب ليأخذوا دورهم ، ويسهموا بأفكارهم وطاقاتهم إلى جانب الخبرات التى لا غنى عنها فى إدارة ملفات الوزارة ، فنحن نؤمن بالتواصل بين الأجيال وتكامل خبرات الشيوخ مع طاقات الشباب ، ولهذا وجّهنا بتشكيل مكتب للتطوير والتجديد، ويتكون من عشرة أعضاء من الشباب ممن هم تحت سن الأربعين، ليكونوا حلقة وصل جيدة بين الوزارة وجميع العاملين بها ، ممثلين لزملائهم وبخاصة الأئمة، وستكون الأولوية للحاصلين على درجة الدكتوراة أو الماجستير، لإعدادهم وتكوينهم تكوينًا فنيًا وإداريًا من جهة ، وإسهامهم فى برامج الجودة والتطوير ودعم اتخاذ القرار من جهة أخرى، كما أننا سنكثّف برامج التدريب للأئمة والخطباء، لتشمل إلى جانب كتب التراث ، وبناء الثقافات الإسلامية الصحيحة فى الفقه، والتفسير، والحديث، وعلوم القرآن، ومصطلح الحديث، والسيرة والأخلاق ، واللغة العربية التى لا غنى عنها لخطيب ولا متحدث، لتشمل إلى جانب ذلك كله جوانب الثقافة العصرية فى اللغات، وعلوم الحاسب الآلي، وما يلزم من الثقافة الاقتصادية، والاجتماعية، والتاريخية، والحضارية، والدراسات النفسية، والطبية، والقانونية فى الجوانب التى تتصل بعمل الإمام ، وتحكم تواصله مع المجتمع، بحيث لا يبدو الإمام أو الخطيب غريبًا على مجتمعه، أو مغيّبًا عن قضاياه العصرية، فالحكم على الشيء فرع عن تصوّره، لذا فإننا نسعى لتوسيع مدارك الأئمة والخطباء، ليضعوا نصب أعينهم متغيرات العصر، ويراعوا أحوال المدعوين والمستفتين فى مجالى الدعوة والفتوى . لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة