محافظ البحيرة تعتمد تنسيق القبول للمرحلة الأولى بالصف الأول الثانوي العام    (CIB) يتسلم تكريمًا من اتحاد بنوك مصر تقديرًا لدور قطاعه القانوني في دعم قضايا القطاع المصرفي    المنيا تستعيد 6000 فدان بعد 30 عاما من التعديات: مشروع بيئي وتنموي يُبعث من جديد في الظهير الصحراوي    استشهاد 67 فلسطينيا جراء غارات إسرائيلية على مناطق عدة بالقطاع اليوم الأربعاء    نجم آرسنال وبرشلونة السابق ينضم إلى جهاز أرني سلوت في ليفربول    تصادم بين سيارة نقل وميكروباص على الطريق الإقليمي بالصف (صور)    ننشر النص الكامل لتعديلات قانون التعليم الجديد    حالة الطقس غدا الخميس 3-7-2025 في محافظة الفيوم    الجونة يعلن رحيل محمد مصطفى عن قطاع الناشئين    الشعب الجمهوري: انتخابات الشيوخ تأكيد على نضوج التجربة الديمقراطية وتعزيز لمناخ الاستقرار السياسي    الإيقاف يحرم بيلينجهام من مواجهة شقيقه جود في مباراة ريال مدريد ودورتموند بكأس العالم للأندية    حادث غرق الحفار ادم مارين 12 بالبحر الأحمر يكشف فشل أجهزة حكومة الانقلاب    فيلم "ريستارت" لتامر حسني يقترب من 85 مليون جنيه في 5 أسابيع    مصر تحصد ذهبية كأس العالم للشطرنج تحت 12 عاما بجورجيا    استمرار الكشف الطبي على المتقدمين للترشح ب انتخابات مجلس الشيوخ في الشرقية    حصاد البورصة خلال أسبوع.. هبوط المؤشر الرئيسى ليغلق عند مستوى 32820.49 نقطة    وزيرة البيئة تكرّم أبطال المناخ من المزارعين.. وتؤكد دعم الدولة ل شهادات الكربون    التعليم العالي: فتح باب التقدم لبرامج التعاون العلمي بين مصر واليابان (التفاصيل )    أحمد عبد القادر يقترب من الرحيل عن الأهلي والانتقال إلى زد    مصر تصدر أول مواصفة دولية للتمر المجدول.. ومطالب بزيادة المساحة المزروعة للتصدير    «النواب» يسأل الحكومة عن إرسالها قانون التعليم متأخرًا.. و«فوزي»: هناك إصلاحات و«الوقت مزنوق»    تغيرات مناخية غير متوقعة.. أمطار الصيف من الإسكندرية للقاهرة وسط اتهامات ب الكيمتريل وتأثير مثلث نيكسوس    حالة الطقس اليوم في السعودية وتحذيرات من تأثير العوالق الترابية على حركة المرور    فرق الطوارئ تواصل سحب تجمعات مياه الأمطار من شوارع وميادين المنوفية    سفارة كندا في القاهرة تحتفل بالعيد الوطني بحضور دبلوماسي    تحولات مهمة ونفقات غير متوقعة.. اعرف حظ برج الجوزاء في يوليو 2025    «الإفتاء» توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا    يوم عاشوراء 2025.. كل ما تريد معرفته عن موعده وفضل صيامه    الصين: تربطنا بمصر شراكة استراتيجية.. وزيارة رئيس الوزراء تشيانج لتنمية العلاقة والتعاون    منظومة التأمين الصحى الشامل تدخل يومها الثاني في أسوان.. و13 منفذًا لخدمة المستفيدين    تحتوي على مواد خطرة وقابلة للاشتعال.. إزالة وإخلاء مخازن مخالفة في الطالبية ب الجيزة    زيارة مفاجئة تكشف سوء حالة النظافة ب مستشفى بلقاس في الدقهلية    خطوة واحدة تفصل الزمالك عن إعلان التعاقد مع الفلسطينى آدم كايد    مانشستر سيتى يبدأ فترة الإعداد للموسم الجديد 28 يوليو    غلق 4 محلات بدمنهور فى البحيرة لمخالفة تعليمات ترشيد الكهرباء    وزير الأوقاف يجتمع بقيادات وزارة شئون المسلمين بالفلبين لبحث مذكرات التفاهم    سيكو سيكو يتخطى ال 188 مليون جنيه منذ طرحه فى السينمات    الإعلام الحكومى بغزة يدعو لفتح تحقيق جنائى بشأن استهداف منتظرى المساعدات    حزب المصريين: خطاب 3 يوليو نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث    فضل شاكر يدعم شيرين عبد الوهاب برسالة مؤثرة: «مارح نتركك»    محافظ الفيوم يعتمد درجات تنسيق القبول بالمدارس الثانوية والدبلومات للعام الدراسي 2026/2025    كشف لغز مقتل فتاه على يد والدتها بمركز أخميم بسوهاج    409 مشروع تخرج بختام العام الجامعي بكلية الألسن جامعة قناة السويس    ندوة أدبية ب«روض الفرج» تحتفي بسيد درويش شاعرًا    "إعلام المنوفية" تفوز في مسابقة الإبداع الاعلامي وتناقش مشاريع تخرج الدفعة 2025/2024    "الزراعة" تستعرض تقريرا حول الجهود البحثية والخدمية والميدانية ل"بحوث الصحراء" خلال يونيو    3 مصابين في حادث تصادم على طريق الإسماعيلية بالسويس    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة الموقف التنفيذي لمشروع حدائق تلال الفسطاط    شهادات جنود الاحتلال.. قتل متعمد وجرائم حرب فى غزة    "عمل تمثيلية وإحساسنا كان كوبري".. مفاجأة جديدة بشأن انتقال إمام عاشور للأهلي    رئيس «المصالح الإيرانية»: طهران لن تتنازل عن شرط موافقة الكونجرس على أي «اتفاق نووي»    عالم سعودي يكشف عن 4 مراتب لصيام عاشوراء: المرتبة الأولى الأفضل    رئيس جامعة المنيا يفاجئ مستشفيات الجامعة بعد منتصف الليل للاطمئنان على انتظام العمل    آخر ما كتبه المطرب أحمد عامر قبل وفاته بساعتين    وزارة البترول: تفعيل خطة الطوارئ فور انقلاب بارج بحري بخليج السويس    التشكيل الرسمي لمباراة بوروسيا دورتموند ومونتيري في مونديال الأندية    من دعاء النبي.. الدعاء المستحب بعد الوضوء    أمين «البحوث الإسلامية»: الهجرة النبويَّة تأسيسٌ لمجتمع قيمي ينهض على الوعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
قناة السويس الثانية

خطاب يبدو تلقائياً، ولكنك تلمح خلفه عقلية مدبرة منظمة تكشف عن كل صغيرة وكبيرة بعمق وسلاسة وخفة ظل.. ورجولة ثورية!!
الثلاثاء:
كان لابد أن أشارك في هذه المناسبة التي ستقام في نفس المدينة التي أقيم بإحدي قراها الآن، خاصة أني أترصد تلك المفاجأة التي وعد بها وبأن يفجرها بعد انتهاء شهر رمضان والعيد والمرض يشتد من أسبوع لآخر وحالتي الصحية تتردي، ولكن حافزي الي الحضور كان أقوي، وإن ظل الشد والجذب في داخلي خوفاً من افتضاح وضعي الصحي الحقيقي.
أعرف النادي الذي ستقام به الاحتفالية، وهو واحد من أهم النوادي العديدة في المدينة، وأعرف أيضاً أنه أشبه بتل صاعد لا يمكن لمن في مثل حالتي أن يعتليه إلا بالسيارة، وأعرف أن وسائل التأمين الخاصة جداً لن تسمح لي بمثل هذه الرفاهية لكنها سمحت أخيراً فقد جاءت سيارة من هيئة قناة السويس لتحملني إلي هناك، وسمح للسيارة أن تصل بي إلي أبواب قاعة الاحتفالية لأصبح نقطة في بحر الأحباب، تعانقنا طويلاً وتضاحكنا وكان ثمة طيور أمل تحلق في القاعة، هكذا كان إحساسي علي الأقل.
يعتقد البعض أن حدتي في النقد أحياناً تضعني في صفوف المعاداة، ولكني واحد ممن يبصرون هموم الوطن جيداً، وأري بوضوح أسوار الحصار حول مصر ومن يسهمون في إقامتها من الداخل والخارج وأنه لا مجال لخلاف ونحن في ساعات المعارك التي ما إن تعبر من إحداها حتي تجد أن الأخري تنتظر خطواتك الجديدة، فشكراً لهيئة قناة السويس، وشكراً لمن لم يعق دخولي إلي ذلك الحدث الذي لو كنت اكتفيت بما أذيع في التليفزيون دون الحضور لكنت »اتنقطت»‬.. وانغرست بين إخواني الأدباء وكتاب السياسة والفنانين انتظاراً.
إذن.. فهذه هي مفاجأته الكبري التي ألمح إليها من قبل دون إفصاح، جاء يحملها في سر السر، مغلقاً عليها جيبه الداخلي، ليفجرها بيننا كقنبلة ألوان تنثر الأمل وتبعثره في صور متتابعة من الحلم لتطبيقه بتحاوره مع أهل الإدارات العملية الذين سوف يحولون الحلم إلي واقعيته التي ستتجسد علي الرمال التي قضي بها أجدادنا الذين راحوا ضحية ما نحيا فيه من خير، فبضرب السياحة صارت قناة السويس الأم التي نستند إلي أكتافها في امتنان لا حدود له نتذكره أو لا نتذكره لأجدادنا الغلابة من ذوي »‬الجلاليب» الذين ماتوا جوعاً وعطشاً وتعباً وقسوة وظلماً لا حدود له. راح الأمل يرسل ببالوناته في فضاء القاعة ليعود بنا إلي زمن معجزات الإنسان المصري الحديث.. معجزات السد العالي ومعجزة حرب أكتوبر!!
أما الرئيس »‬عبدالفتاح السيسي» فقد كان خطابه أشبه بتعميد جديد، خطاب محدد رصين بما هو واضح وضوح الشمس، وما هو خفي يطل بعيون مبتسمة لتلمح خلال ابتساماتها جدية التحذير وأمانة التنبيه وهو (يشهِّد الشعب المصري علي بعضه البعض)، وأظن أن الرسائل وصلت إلي أهلها بكامل وضوحها الغامض، فبقدر ما كان الخطاب تلقائياً أو هكذا يبدو فإنك كنت تلمح خلفه عقلية مدبرة منظمة تكشف عن كل صغيرة وكبيرة بعمق وسلاسة، وخفة ظل ورجولة ثورية مارسها بصورة متتابعة علي مدي الخطاب ولم تفلت من يده خيوط موضوعه.
شيئاً فشيئاً ولحظة بعد لحظة كان نهر الوطنية يعلو ويعلو ويفيض لنخلع أقنعتنا الواقية التي تحرسنا في مواجهة الحكام وتضيق المسافة بيننا وبين الرئيس لنظهر بوجوهنا الحقيقية الآمنة المصدقة، ألقينا بالأقنعة بعد أن لم تعد ثمة حاجة لنا بها، ظهر وجه مصر الحقيقي وتجلي في ذلك النادي العريق علي ضفة قناة السويس الغربية، وجه مصر النيلي الناضج الذي طالما تغنينا بملامحه السمراء الذي شكلته آلاف السنين من مسيرة شاقة لم تنهك البدن ولم تهزم الروح، الروح المصرية التي احتفي بها خطاب الرئيس وأعلي من شأنها كثيراً دون ابتذال لكلمات الحب الرخيصة أو مداهنة المشاعر التي يمارسها المحترفون: »‬أنتم المصريون نحن المصريون أنا أخاطب الشعب المصري المصريون لن يقبلوا مثل تلك ال..».. الخ.
قُدّم لنا فيلمان تسجيليان عن قناة السويس وخطة المشروع الجديد، فيلمان علي مستوي راق من التقنية والكفاءة، وانطلق الفريق »‬مهاب مميش» في شرحه للمشروع وأفاض. رجل حقيقي، نسيه زمن قديم عظيم في هذا المكان، ويستحق أن يقود ما هو أكبر من ذلك، ولكن أهمية موقعه والكفاءة التي يدير بها تلك الهيئة ذات التاريخ كانت وستكون دائماً في حاجة إلي مثله: كفاءة وعلماً ومحبة لمصر.
هذه هي الكوادر العالمة العارفة التي حمت مصر علي طول تاريخها والتي نتمني أن نبحث عن أمثالهم فقد شبعت مصر من »‬البكاشين» »‬أهل القول وفعل ما فيش».
لم أر السيسي علي هذا القدر من »‬السلطنة» الفكرية وتماسك الخطاب وتحرره والاتجاه إلي أهدافه بمباشرة لنجدنا معه في كل ما قال وما أوحي به، أحسسنا خلال الخطاب الذي يبدو كخط فاصل بين زمنين، زمن البحث عن وضع مريح علي كرسي الرئاسة وسط كل ما يواجه مصر من مشكلات الإرهاب وضعف الاقتصاد وتجريب المراحل الأولي، وبين رئيس استقر في جلسته وملك مفاتيح مستقبل مصر إذ تحس أنك عدت إلي زمن السد والتصنيع الثقيل.
نعم »‬تسلطن» الرئيس وطنياً في خطابه، أحسست أن عبدالناصر كان واقفاً في زاوية القاعة يبتسم، هذا هو الواقع الذي حلمنا به بعد ثورتين لم ير مثلهما في التاريخ الحديث لم تسفرا عن طريق لغد قامتا من أجله، إلا في ذلك النهار بالغ الحرارة والرئيس يبثنا نشيده الوطني فنحس أن قناة السويس القابعة علي بعد أمتار تهتز طرباً وتحتضن شهداءها القدامي والمتناثرين علي طرقات التاريخ ومسالك الأزمنة دفاعاً عنها وعن هذا البلد الأمين.
منذ وقت غير محدود لم تحتشد كل تلك المشاعر وأنا جالس أستمع إلي الرئيس السيسي، لم أكن وحدي في ذلك وإنما اللحظة الساحرة صعدت بالجميع فكنت تستمع إلي أنفاس من حولك وأمامك وخلفك.
حتي الهتافات المحترفة عدل منها الرئيس وأكسبها جماعية تليق برجل مؤمن ببلده وأهلها، مؤمن بأن بناء مصر لا يتم إلا بأيدي أبنائها وجنيهاتهم مهما كانت متواضعة، القنال قنالنا، ولا نريد يداً أجنبية تمتد إلي جوهر فكرة أمننا القومي (قناة السويس) قديمها وجديدها.
نهر الوطنية
لن أتحدث عن المشروع أو أعمل علي شرحه فخطاب الرئيس وشرح »‬مميش» لم يتركا ثغرة تدعوك للحيرة أو تصعّد لديك أسئلة غامضة أو قابلة للإجابة، كأنهما عفواً تمرنا علي هذا المشهد من قبل فأدياه بمنتهي السلاسة والانضباط والألفة، ما همني هو إحساسي بأن نبعاً وطنياً يفجر ماءه من تحت أقدام الشعب المصري ليعلو هذا الماء شيئاً فشيئاً حتي يتجاوز صدورنا.
أحسست في تلك اللحظات أن الوطنية لم تعد مواقف فردية وإنما الوطن كله يغمره هذا (الحب الوطني) الذي افتقدناه منذ أزمنة تبدو وكأنها دهور، أحسست وكأن السيسي يعيد نسيم الانتماء ومحبة الوطن إلي الشباب الذي افتقد هذا النسيم الذي لطالما تشممناه في صبانا وشبابنا والذي لم يتح لشبابنا أن يتنفسه لحظة واحدة.
كأن الرئيس يتشبث بهذا النسيم ليعيده لأبناء الوطن في لحظة ساحرة وبحنكة بدا أنه كان مخفيها عنا ، وأن ملامحه الحقيقية تتشكل علي مهل ويوما بعد يوم يسفر عنها قليلا فقليلا أنه لا يتحدث عن الشباب فقط، بل عن أجيال جديدة كسرت قشرة بيضتها منذ قليل، جاء بها لتمثل جيلها في تلك اللحظة التاريخية، وتدوس معه الأزرار لتختلط الأصابع المحنكة بالغضة في لحظات التفجير والبدء.
كل شيء كان موفقاً عدا أمرين: كان الجو بالخارج حاراً والرطوبة مرتفعة بصورة أفقدتني القدرة علي التنفس والتي أقيم في الاسماعيلية من أجل الهرب منها، ولكن رجل القوات المسلحة المصرية ليس لديه وقت لرفاهية التفكير في الطقس أو الاهتمام به فالحروب لا تختار الطقس الجميل بل إنها تتفجر في أسوأ الظروف وهذا ما تعلمه رجلنا من القوات المسلحة، بل هذا ما تعلمته في سلاح المدفعية خلال فترة تجنيدي القديمة جداً.
أما الأمر الثاني فلن أناقشه هنا ولن أفسد به اللحظة وهو الخاص بمحظوظية عبدالناصر في أن الإعلام كان معه علي طول الخط وأن علي الإعلام أن يفعل نفس الشيء مع الرئيس السيسي وهي قضية ليست بهذه البساطة والمجانية التي اختطفها الرئيس في خطابه وقت أن كانت لحظة الإنجاز تغمرنا، وحين خرجنا فإن كثيرا من المواقع الصحفية لم تركز إلا علي هذه الجملة التي بالنسبة لي كانت خارج سياق الاحتفالية ونسيجاً مغايراً لكل الثوب الرائع الذي لا يمكن أن نعكره بجملة من بين مئات الجمل، لكنني ولا شك سوف أعود لمناقشتها فيما بعد، وأظن أنها ليست من داخله وإنما من همس المحيطين كفانا الله شر الذين يوسوسون في صدور الناس.
هذا يوم عظيم يليق بأمة عظيمة
وهذا أول إنجازاتنا في زمن نأمل أن نزحمه بإنجازاتنا، وأتمني في مثل هذا اليوم 5 أغسطس من العام القادم أن أكون مازلت علي قيد الحياة، لأشارك في الاحتفال بالتحدي المصري علي ضفاف نهر الوطنية والمياه تجري في مجراها الجديد..!!
أغنية للوطن
الجمعة:
لشدّ ما يحتاج الوطن الآن إلي أغنيات من جنس الفترة انعكاساً لها ومحركة لأحداثها وتلعب دورها المهم في التفاف الجماهير حول أمتها ولمّها من البعثرة والضياع والهيافة لتعود لتلعب دورها المأمول في الإنجاز بهمة من يسبقه الزمن ويرغب في اللحاق به وتجاوزه.
فالأغنية مازالت أبسط أنواع الفنون وأخطرها، تضيء الرؤية أمام من تعلم أو تثقف ومن لم يتح له فرص التعليم نتيجة للأخطاء المقصودة للأنظمة التي وإن كانت لم تحرم أحداً من التعليم، فإنها أضاعت العملية التعليمية بمجملها.
مازالت الأغنية خلافاً لبقية الفنون الأخري تخلق جماهيريتها بصدق الكلمة وحلاوة النغمة وصدق أداء المؤدي.
الأغنية هي فن جميل قليل الوزن، مُمَوْسقْ، طيار، يتسلل إلي القلوب والعقول في يسر خالقاً مناخاً وجدانياً وفكرياً يوحد ولا يفرق ويلم شتات الأمة لتتحلق حول قضاياها المصيرية دون تعقيد أو منغصات.
هي هذا الفن الذي يحوم من حولك كفراشات الربيع الساحرة التي لا تدري من أين جاءت أين تختفي، لحظة. إشراقة إذا ما استغلت في خير جلبته لأمتها، وإذا ما استغلت في الهيافة قوضت تماسك المجتمعات وأغرقتها في الهيافة كما نري من حولنا، فكأن المجتمع يعيش حالة شيزوفرينيا واضحة المعالم، هنا المهمومون بالوطن الذين يقفون في وجه من يتربصون به ويريدون تقويضه، يقاتلون أعداءه ويتصدون لمؤامراتهم، وهنا ذلك الكرنفال من الهيافة وعدم وضع أي اعتبار لحياة المواطنين، إنما يحاول أهل الفن الرخيص جرجرة المجتمع إلي هيافتهم ومجونهم وجهلهم الذي أكسبهم المكانة الهايفة طبعاً والمال والشهرة الكاذبة.
هؤلاء يبنون، والآخرون يهدمون، ينوبون عن الأعداء في هدم القيم وبعزقة الوقت وصرف الوطن عن جديته.
الأغنية ذلك الفن البسيط الذي يحوم في الهواء من حولك لا تراه وإنما ينفذ إلي عقلك ووجدانك، فإذا كان نافعاً أفاد، وإذا كان ضاراً هدم، أنت تضبط نفسك تدندن بأغنيات لم تجلس إليها، ولا تتذكر متي حفظتها ومتي تسللت واندست بين صفحات ذاكرتك.
مناسبة جديدة بأغنيات قديمة
كان بودي بعد خطاب الرئيس بالاسماعيلية بعد التفجيرات التي تعلن بدء المشروع القومي العظيم أن أستمع إلي أغنية لمطرب جاد، أغنية وطنية حية (طازة) تليق بالمناسبة وتهبها جدة وجدية الخطو نحو (زمن وطني جديد) إلا أن الأغنية التي انطلقت كان قد مضي علي إبداعها حوالي نصف قرن. لا شك أنها أعادتنا لزمن البناء والتنمية وإن كانت تحمل »‬صدأ» السنين التي مرت، وعفواً للتعبير بينما أري مصر حافلة بشعراء جيدين وملحنين تتبدي مواهبهم في تيترات المسلسلات أو أغنيات لمطربات يملكن مالاً أو خلفهن شركات تتبناهن وهن لسن مصريات في الأغلب الأعم.
فالأغنية ليست كالقصيدة، القصيدة لا تحتاج منك لأكثر من ورقة وقلم ولحظة مواتية، بينما الأغنية فن مموّل كالسينما والمسرح وغيرهما، لكي تنجح أغنية يجب أن تمولهاوتدفع أجور من كتب ومن لحن ومن غني والفرقة الموسيقية والكورال وإيجار الاستديو، وكثير من التفاصيل، فهي فن مكلف لو كنا نستطيع أن نموله نحن لما صبرنا حتي الآن، إذ أن هذا المشروع العبقري يحتاج إلي التفاف الشعب حوله وإيقاظ الناس علي فكرة التنمية من جديد فقد ذهبت كلمات مثل المشروعات القومية والتنمية، والبناء إلي غير رجعة.. وعلينا أن نعيد مرة أخري إيمان الناس بها من جديد في فن راق يليق بها، وليس مثل فن الأغنية يصلح مبشراً بها وشادياً بحلم الغد الذي نتمناه!!
محمود درويش.. الحلم!!
السبت:
كلما قرأت قصيدة قرأتها من قبل لمحمود درويش أكتشف وكأني لم أقرأ القصيدة، وكأني لم أعرف محمود درويش صديقي وأنه شخص آخر خلاف الذي أعرفه.
إن شعر درويش أكبر شعراء العربية شعر مسحور يطوف بك حول ما لا تعرف ويعود بك إلي المكان الذي اختطفك منه، شعر محلق لا يجلس إليك ولكنه يطير بك ومن لهفتك علي تتبع الصور تحتك وأنت في الأجواء تجد أنك لم تعانق القصيدة تماماً ولم تعرف درويش أبداً.
كنا صديقين منذ أول يوم حطت فيه قدماه علي أرض مصر، بل إنه كان صديقي قبل ذلك فقد كان ينتظر شعري يومياً في الراديو المصري وهو في الأرض المحتلة لدرجة أنه عقد صداقته بي ونحن نحاول أن نتعرف إلي شعره هو وإخوانه سميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهما الذين رأيتهم بعد ذلك مراراً ببيتي بالقاهرة.
رحم الله الأستاذ (رجاء النقاش) صاحب المبادرة الأولي في التعرف إلي هذه الباقة من شعراء فلسطين، لكن درويش بانفلاته من المحاصرة الضيقة التقليدية من الحدود التي أقامها السياسيون للقضية وخروجه إلي عالمنا أسفر عن وجه حقيقي لشاعر أعطي عمره للقضية الحلم في مرثية لم يعرف مثلها الشعر العربي، كلما قرأته تكتشف أنك لم تقرؤه من قبل، وأن درويش الذي تعرفه ليس هو درويش الحقيقي، لأن محمود درويش وشعره جناحان لحلم تتأكد في كل لحظة استيقاظ أنك لم تقرأ هذا الشعر ولم تتعرف إلي هذا الذي ليس شاباً وليس كهلاً.. صديقك الشاعر محمود درويش الذي لا يفوته طوال الوقت معرفة سر وجوده علي هذه الأرض مؤقت، مثل وجوده الشفاف في القصيدة مؤقت، تنقضي بانقضائها فلا يسكن الدنيا ثقيلاً »‬رزيلاً» كأنه عُيّن فيها من قبل الرب أزلياً، يغلق عليه باب وجوده فلا نأخذ منه سمناً أو عسلاً وإنما ثقل وغلظة وسدّ أبواب!!
رحم الله حبيبنا الغالي محمود درويش شاعرا لا يجود بمثله الزمان.
خطاب يبدو تلقائياً، ولكنك تلمح خلفه عقلية مدبرة منظمة تكشف عن كل صغيرة وكبيرة بعمق وسلاسة وخفة ظل.. ورجولة ثورية!!
الثلاثاء:
كان لابد أن أشارك في هذه المناسبة التي ستقام في نفس المدينة التي أقيم بإحدي قراها الآن، خاصة أني أترصد تلك المفاجأة التي وعد بها وبأن يفجرها بعد انتهاء شهر رمضان والعيد والمرض يشتد من أسبوع لآخر وحالتي الصحية تتردي، ولكن حافزي الي الحضور كان أقوي، وإن ظل الشد والجذب في داخلي خوفاً من افتضاح وضعي الصحي الحقيقي.
أعرف النادي الذي ستقام به الاحتفالية، وهو واحد من أهم النوادي العديدة في المدينة، وأعرف أيضاً أنه أشبه بتل صاعد لا يمكن لمن في مثل حالتي أن يعتليه إلا بالسيارة، وأعرف أن وسائل التأمين الخاصة جداً لن تسمح لي بمثل هذه الرفاهية لكنها سمحت أخيراً فقد جاءت سيارة من هيئة قناة السويس لتحملني إلي هناك، وسمح للسيارة أن تصل بي إلي أبواب قاعة الاحتفالية لأصبح نقطة في بحر الأحباب، تعانقنا طويلاً وتضاحكنا وكان ثمة طيور أمل تحلق في القاعة، هكذا كان إحساسي علي الأقل.
يعتقد البعض أن حدتي في النقد أحياناً تضعني في صفوف المعاداة، ولكني واحد ممن يبصرون هموم الوطن جيداً، وأري بوضوح أسوار الحصار حول مصر ومن يسهمون في إقامتها من الداخل والخارج وأنه لا مجال لخلاف ونحن في ساعات المعارك التي ما إن تعبر من إحداها حتي تجد أن الأخري تنتظر خطواتك الجديدة، فشكراً لهيئة قناة السويس، وشكراً لمن لم يعق دخولي إلي ذلك الحدث الذي لو كنت اكتفيت بما أذيع في التليفزيون دون الحضور لكنت »اتنقطت»‬.. وانغرست بين إخواني الأدباء وكتاب السياسة والفنانين انتظاراً.
إذن.. فهذه هي مفاجأته الكبري التي ألمح إليها من قبل دون إفصاح، جاء يحملها في سر السر، مغلقاً عليها جيبه الداخلي، ليفجرها بيننا كقنبلة ألوان تنثر الأمل وتبعثره في صور متتابعة من الحلم لتطبيقه بتحاوره مع أهل الإدارات العملية الذين سوف يحولون الحلم إلي واقعيته التي ستتجسد علي الرمال التي قضي بها أجدادنا الذين راحوا ضحية ما نحيا فيه من خير، فبضرب السياحة صارت قناة السويس الأم التي نستند إلي أكتافها في امتنان لا حدود له نتذكره أو لا نتذكره لأجدادنا الغلابة من ذوي »‬الجلاليب» الذين ماتوا جوعاً وعطشاً وتعباً وقسوة وظلماً لا حدود له. راح الأمل يرسل ببالوناته في فضاء القاعة ليعود بنا إلي زمن معجزات الإنسان المصري الحديث.. معجزات السد العالي ومعجزة حرب أكتوبر!!
أما الرئيس »‬عبدالفتاح السيسي» فقد كان خطابه أشبه بتعميد جديد، خطاب محدد رصين بما هو واضح وضوح الشمس، وما هو خفي يطل بعيون مبتسمة لتلمح خلال ابتساماتها جدية التحذير وأمانة التنبيه وهو (يشهِّد الشعب المصري علي بعضه البعض)، وأظن أن الرسائل وصلت إلي أهلها بكامل وضوحها الغامض، فبقدر ما كان الخطاب تلقائياً أو هكذا يبدو فإنك كنت تلمح خلفه عقلية مدبرة منظمة تكشف عن كل صغيرة وكبيرة بعمق وسلاسة، وخفة ظل ورجولة ثورية مارسها بصورة متتابعة علي مدي الخطاب ولم تفلت من يده خيوط موضوعه.
شيئاً فشيئاً ولحظة بعد لحظة كان نهر الوطنية يعلو ويعلو ويفيض لنخلع أقنعتنا الواقية التي تحرسنا في مواجهة الحكام وتضيق المسافة بيننا وبين الرئيس لنظهر بوجوهنا الحقيقية الآمنة المصدقة، ألقينا بالأقنعة بعد أن لم تعد ثمة حاجة لنا بها، ظهر وجه مصر الحقيقي وتجلي في ذلك النادي العريق علي ضفة قناة السويس الغربية، وجه مصر النيلي الناضج الذي طالما تغنينا بملامحه السمراء الذي شكلته آلاف السنين من مسيرة شاقة لم تنهك البدن ولم تهزم الروح، الروح المصرية التي احتفي بها خطاب الرئيس وأعلي من شأنها كثيراً دون ابتذال لكلمات الحب الرخيصة أو مداهنة المشاعر التي يمارسها المحترفون: »‬أنتم المصريون نحن المصريون أنا أخاطب الشعب المصري المصريون لن يقبلوا مثل تلك ال..».. الخ.
قُدّم لنا فيلمان تسجيليان عن قناة السويس وخطة المشروع الجديد، فيلمان علي مستوي راق من التقنية والكفاءة، وانطلق الفريق »‬مهاب مميش» في شرحه للمشروع وأفاض. رجل حقيقي، نسيه زمن قديم عظيم في هذا المكان، ويستحق أن يقود ما هو أكبر من ذلك، ولكن أهمية موقعه والكفاءة التي يدير بها تلك الهيئة ذات التاريخ كانت وستكون دائماً في حاجة إلي مثله: كفاءة وعلماً ومحبة لمصر.
هذه هي الكوادر العالمة العارفة التي حمت مصر علي طول تاريخها والتي نتمني أن نبحث عن أمثالهم فقد شبعت مصر من »‬البكاشين» »‬أهل القول وفعل ما فيش».
لم أر السيسي علي هذا القدر من »‬السلطنة» الفكرية وتماسك الخطاب وتحرره والاتجاه إلي أهدافه بمباشرة لنجدنا معه في كل ما قال وما أوحي به، أحسسنا خلال الخطاب الذي يبدو كخط فاصل بين زمنين، زمن البحث عن وضع مريح علي كرسي الرئاسة وسط كل ما يواجه مصر من مشكلات الإرهاب وضعف الاقتصاد وتجريب المراحل الأولي، وبين رئيس استقر في جلسته وملك مفاتيح مستقبل مصر إذ تحس أنك عدت إلي زمن السد والتصنيع الثقيل.
نعم »‬تسلطن» الرئيس وطنياً في خطابه، أحسست أن عبدالناصر كان واقفاً في زاوية القاعة يبتسم، هذا هو الواقع الذي حلمنا به بعد ثورتين لم ير مثلهما في التاريخ الحديث لم تسفرا عن طريق لغد قامتا من أجله، إلا في ذلك النهار بالغ الحرارة والرئيس يبثنا نشيده الوطني فنحس أن قناة السويس القابعة علي بعد أمتار تهتز طرباً وتحتضن شهداءها القدامي والمتناثرين علي طرقات التاريخ ومسالك الأزمنة دفاعاً عنها وعن هذا البلد الأمين.
منذ وقت غير محدود لم تحتشد كل تلك المشاعر وأنا جالس أستمع إلي الرئيس السيسي، لم أكن وحدي في ذلك وإنما اللحظة الساحرة صعدت بالجميع فكنت تستمع إلي أنفاس من حولك وأمامك وخلفك.
حتي الهتافات المحترفة عدل منها الرئيس وأكسبها جماعية تليق برجل مؤمن ببلده وأهلها، مؤمن بأن بناء مصر لا يتم إلا بأيدي أبنائها وجنيهاتهم مهما كانت متواضعة، القنال قنالنا، ولا نريد يداً أجنبية تمتد إلي جوهر فكرة أمننا القومي (قناة السويس) قديمها وجديدها.
نهر الوطنية
لن أتحدث عن المشروع أو أعمل علي شرحه فخطاب الرئيس وشرح »‬مميش» لم يتركا ثغرة تدعوك للحيرة أو تصعّد لديك أسئلة غامضة أو قابلة للإجابة، كأنهما عفواً تمرنا علي هذا المشهد من قبل فأدياه بمنتهي السلاسة والانضباط والألفة، ما همني هو إحساسي بأن نبعاً وطنياً يفجر ماءه من تحت أقدام الشعب المصري ليعلو هذا الماء شيئاً فشيئاً حتي يتجاوز صدورنا.
أحسست في تلك اللحظات أن الوطنية لم تعد مواقف فردية وإنما الوطن كله يغمره هذا (الحب الوطني) الذي افتقدناه منذ أزمنة تبدو وكأنها دهور، أحسست وكأن السيسي يعيد نسيم الانتماء ومحبة الوطن إلي الشباب الذي افتقد هذا النسيم الذي لطالما تشممناه في صبانا وشبابنا والذي لم يتح لشبابنا أن يتنفسه لحظة واحدة.
كأن الرئيس يتشبث بهذا النسيم ليعيده لأبناء الوطن في لحظة ساحرة وبحنكة بدا أنه كان مخفيها عنا ، وأن ملامحه الحقيقية تتشكل علي مهل ويوما بعد يوم يسفر عنها قليلا فقليلا أنه لا يتحدث عن الشباب فقط، بل عن أجيال جديدة كسرت قشرة بيضتها منذ قليل، جاء بها لتمثل جيلها في تلك اللحظة التاريخية، وتدوس معه الأزرار لتختلط الأصابع المحنكة بالغضة في لحظات التفجير والبدء.
كل شيء كان موفقاً عدا أمرين: كان الجو بالخارج حاراً والرطوبة مرتفعة بصورة أفقدتني القدرة علي التنفس والتي أقيم في الاسماعيلية من أجل الهرب منها، ولكن رجل القوات المسلحة المصرية ليس لديه وقت لرفاهية التفكير في الطقس أو الاهتمام به فالحروب لا تختار الطقس الجميل بل إنها تتفجر في أسوأ الظروف وهذا ما تعلمه رجلنا من القوات المسلحة، بل هذا ما تعلمته في سلاح المدفعية خلال فترة تجنيدي القديمة جداً.
أما الأمر الثاني فلن أناقشه هنا ولن أفسد به اللحظة وهو الخاص بمحظوظية عبدالناصر في أن الإعلام كان معه علي طول الخط وأن علي الإعلام أن يفعل نفس الشيء مع الرئيس السيسي وهي قضية ليست بهذه البساطة والمجانية التي اختطفها الرئيس في خطابه وقت أن كانت لحظة الإنجاز تغمرنا، وحين خرجنا فإن كثيرا من المواقع الصحفية لم تركز إلا علي هذه الجملة التي بالنسبة لي كانت خارج سياق الاحتفالية ونسيجاً مغايراً لكل الثوب الرائع الذي لا يمكن أن نعكره بجملة من بين مئات الجمل، لكنني ولا شك سوف أعود لمناقشتها فيما بعد، وأظن أنها ليست من داخله وإنما من همس المحيطين كفانا الله شر الذين يوسوسون في صدور الناس.
هذا يوم عظيم يليق بأمة عظيمة
وهذا أول إنجازاتنا في زمن نأمل أن نزحمه بإنجازاتنا، وأتمني في مثل هذا اليوم 5 أغسطس من العام القادم أن أكون مازلت علي قيد الحياة، لأشارك في الاحتفال بالتحدي المصري علي ضفاف نهر الوطنية والمياه تجري في مجراها الجديد..!!
أغنية للوطن
الجمعة:
لشدّ ما يحتاج الوطن الآن إلي أغنيات من جنس الفترة انعكاساً لها ومحركة لأحداثها وتلعب دورها المهم في التفاف الجماهير حول أمتها ولمّها من البعثرة والضياع والهيافة لتعود لتلعب دورها المأمول في الإنجاز بهمة من يسبقه الزمن ويرغب في اللحاق به وتجاوزه.
فالأغنية مازالت أبسط أنواع الفنون وأخطرها، تضيء الرؤية أمام من تعلم أو تثقف ومن لم يتح له فرص التعليم نتيجة للأخطاء المقصودة للأنظمة التي وإن كانت لم تحرم أحداً من التعليم، فإنها أضاعت العملية التعليمية بمجملها.
مازالت الأغنية خلافاً لبقية الفنون الأخري تخلق جماهيريتها بصدق الكلمة وحلاوة النغمة وصدق أداء المؤدي.
الأغنية هي فن جميل قليل الوزن، مُمَوْسقْ، طيار، يتسلل إلي القلوب والعقول في يسر خالقاً مناخاً وجدانياً وفكرياً يوحد ولا يفرق ويلم شتات الأمة لتتحلق حول قضاياها المصيرية دون تعقيد أو منغصات.
هي هذا الفن الذي يحوم من حولك كفراشات الربيع الساحرة التي لا تدري من أين جاءت أين تختفي، لحظة. إشراقة إذا ما استغلت في خير جلبته لأمتها، وإذا ما استغلت في الهيافة قوضت تماسك المجتمعات وأغرقتها في الهيافة كما نري من حولنا، فكأن المجتمع يعيش حالة شيزوفرينيا واضحة المعالم، هنا المهمومون بالوطن الذين يقفون في وجه من يتربصون به ويريدون تقويضه، يقاتلون أعداءه ويتصدون لمؤامراتهم، وهنا ذلك الكرنفال من الهيافة وعدم وضع أي اعتبار لحياة المواطنين، إنما يحاول أهل الفن الرخيص جرجرة المجتمع إلي هيافتهم ومجونهم وجهلهم الذي أكسبهم المكانة الهايفة طبعاً والمال والشهرة الكاذبة.
هؤلاء يبنون، والآخرون يهدمون، ينوبون عن الأعداء في هدم القيم وبعزقة الوقت وصرف الوطن عن جديته.
الأغنية ذلك الفن البسيط الذي يحوم في الهواء من حولك لا تراه وإنما ينفذ إلي عقلك ووجدانك، فإذا كان نافعاً أفاد، وإذا كان ضاراً هدم، أنت تضبط نفسك تدندن بأغنيات لم تجلس إليها، ولا تتذكر متي حفظتها ومتي تسللت واندست بين صفحات ذاكرتك.
مناسبة جديدة بأغنيات قديمة
كان بودي بعد خطاب الرئيس بالاسماعيلية بعد التفجيرات التي تعلن بدء المشروع القومي العظيم أن أستمع إلي أغنية لمطرب جاد، أغنية وطنية حية (طازة) تليق بالمناسبة وتهبها جدة وجدية الخطو نحو (زمن وطني جديد) إلا أن الأغنية التي انطلقت كان قد مضي علي إبداعها حوالي نصف قرن. لا شك أنها أعادتنا لزمن البناء والتنمية وإن كانت تحمل »‬صدأ» السنين التي مرت، وعفواً للتعبير بينما أري مصر حافلة بشعراء جيدين وملحنين تتبدي مواهبهم في تيترات المسلسلات أو أغنيات لمطربات يملكن مالاً أو خلفهن شركات تتبناهن وهن لسن مصريات في الأغلب الأعم.
فالأغنية ليست كالقصيدة، القصيدة لا تحتاج منك لأكثر من ورقة وقلم ولحظة مواتية، بينما الأغنية فن مموّل كالسينما والمسرح وغيرهما، لكي تنجح أغنية يجب أن تمولهاوتدفع أجور من كتب ومن لحن ومن غني والفرقة الموسيقية والكورال وإيجار الاستديو، وكثير من التفاصيل، فهي فن مكلف لو كنا نستطيع أن نموله نحن لما صبرنا حتي الآن، إذ أن هذا المشروع العبقري يحتاج إلي التفاف الشعب حوله وإيقاظ الناس علي فكرة التنمية من جديد فقد ذهبت كلمات مثل المشروعات القومية والتنمية، والبناء إلي غير رجعة.. وعلينا أن نعيد مرة أخري إيمان الناس بها من جديد في فن راق يليق بها، وليس مثل فن الأغنية يصلح مبشراً بها وشادياً بحلم الغد الذي نتمناه!!
محمود درويش.. الحلم!!
السبت:
كلما قرأت قصيدة قرأتها من قبل لمحمود درويش أكتشف وكأني لم أقرأ القصيدة، وكأني لم أعرف محمود درويش صديقي وأنه شخص آخر خلاف الذي أعرفه.
إن شعر درويش أكبر شعراء العربية شعر مسحور يطوف بك حول ما لا تعرف ويعود بك إلي المكان الذي اختطفك منه، شعر محلق لا يجلس إليك ولكنه يطير بك ومن لهفتك علي تتبع الصور تحتك وأنت في الأجواء تجد أنك لم تعانق القصيدة تماماً ولم تعرف درويش أبداً.
كنا صديقين منذ أول يوم حطت فيه قدماه علي أرض مصر، بل إنه كان صديقي قبل ذلك فقد كان ينتظر شعري يومياً في الراديو المصري وهو في الأرض المحتلة لدرجة أنه عقد صداقته بي ونحن نحاول أن نتعرف إلي شعره هو وإخوانه سميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهما الذين رأيتهم بعد ذلك مراراً ببيتي بالقاهرة.
رحم الله الأستاذ (رجاء النقاش) صاحب المبادرة الأولي في التعرف إلي هذه الباقة من شعراء فلسطين، لكن درويش بانفلاته من المحاصرة الضيقة التقليدية من الحدود التي أقامها السياسيون للقضية وخروجه إلي عالمنا أسفر عن وجه حقيقي لشاعر أعطي عمره للقضية الحلم في مرثية لم يعرف مثلها الشعر العربي، كلما قرأته تكتشف أنك لم تقرؤه من قبل، وأن درويش الذي تعرفه ليس هو درويش الحقيقي، لأن محمود درويش وشعره جناحان لحلم تتأكد في كل لحظة استيقاظ أنك لم تقرأ هذا الشعر ولم تتعرف إلي هذا الذي ليس شاباً وليس كهلاً.. صديقك الشاعر محمود درويش الذي لا يفوته طوال الوقت معرفة سر وجوده علي هذه الأرض مؤقت، مثل وجوده الشفاف في القصيدة مؤقت، تنقضي بانقضائها فلا يسكن الدنيا ثقيلاً »‬رزيلاً» كأنه عُيّن فيها من قبل الرب أزلياً، يغلق عليه باب وجوده فلا نأخذ منه سمناً أو عسلاً وإنما ثقل وغلظة وسدّ أبواب!!
رحم الله حبيبنا الغالي محمود درويش شاعرا لا يجود بمثله الزمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.