شيء غريب وصادم أن تزعم الولايات المتحدة وذيولها الانتماء إلي عالم التمدن. إنها تستند في هذا الادعاء علي الثراء والتقدم التقني بينما هي تعلم يقيناً أن هذا التمدن مرهون بمدي سلوكها الإنساني وهذه الصفة المفقودة تفضحها مواقفها ومشاركتها فيما يصيب الشعوب الأخري من نكبات وكوارث. هذا الذي أقوله ويؤمن به كل العالم بعيداً عن النفاق يتمثل في تأييدها ورعايتها لكل الممارسات الإجرامية وغير الإنسانية التي تقوم بها ربيبتها وصنيعتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. كل الدنيا تعلم أن البداية تجسدت في مساندة مؤامرة تشريد الشعب العربي الفلسطيني عام 1947 بتقديم كل الدعم والمساندة لإقامة دولة إسرائيل علي أرض فلسطين وأضفاء الشرعية علي وجودها من خلال سيطرتها وتسلطها علي منظمة الأمم المتحدة. ومنذ هذا التاريخ وهي تواصل تآمرها لترسيخ هذا الوجود غير الشرعي في منطقة الشرق الأوسط مستخدمة في ذلك الأموال والضغوط والتسليح المجاني لخوض الحروب العدوانية. حدث كل هذا في نفس الوقت الذي كانت ومازالت تخدع وتضلل العالم بأنها الدولة التي تدافع عن متطلبات وحقوق الإنسان والحرية. كانت وسيلتها في ذلك استقطاب العديد من الدول ومنظمات المجتمع المدني بالرشاوي في الدول الضحية للعمل لحساب هذه السياسة القائمة علي التجرد من الإنسانية والحاملة كذباً وافتراء لشعار الدفاع عن الحريات. هذه التوجهات المفضوحة التي استخدمتها أمريكا لتغطية اضطلاعها بدور الاستعمار الجديد خلفاً للدول الاستعمارية الأوروبية القديمة كشفها وفضحها مواقفها العارية تماماً من الإنسانية بوقوفها المستمر إلي جانب جرائم إسرائيل ضد الإنسانية. إنها لم تخجل أبداً من القيام بهذا الدور البشع والذي ظهر جلياً في هذه الاعتداءات البربرية التي قامت وتقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. إنها لم تتورع عن وصف هذه الجرائم التي لم تشهد الإنسانية مثيلاً لها بأنها دفاع عن النفس، أي دفاع عن النفس هذا في مواجهة حق الفلسطينيين في الكفاح والنضال من أجل استعادة الحقوق السليبة. إن أمريكا التي لا تعرف التمدن الحقيقي ولا الإنسانية التي دعت إليها الأديان السماوية تتبني جرائم قتل الأطفال والنساء وتدمير المدارس والمنشآت.. إنها تتناسي بكل البجاحة أن الضحية شعب احتل هذا الكيان الذي صنعته.. أرضه ومقدراته. ليس هناك ما يقال في مواجهة هذا السقوط الأخلاقي الأمريكي سوي: بئس هذه الإنسانية الكاذبة.. وتلك الحريات التي لا وجود لها التي يتم استخدامها لسلب الشعوب حقها في الإنسانية والحرية