سلاسل من الجبال المتلاحمة والتي تصل إلى ما فوق السحاب، والثلوج تزين قممها كالتاج فوق رأس العروس في يوم الزفاف، رحالة بدأها كليم الله موسى وسار على نفس خطاه الآلاف من محبي المغامرة والمتعة والهدوء، لتسلق نفس الجبل الذي كلم عليه موسى ربه. تجهز الجميع لصعود جبل موسى في ليلة رأس السنة ليبدءون السنة الجديدة فوق جبل كليم الله، ومع الساعة ال11:30 مساءً بدأت رحلة صعود الجبل الذي يعد ثاني أعلى قمة جبلية في مصر بعد جبل سانت كترين الذي يقع خلفه مباشرة. ومع بداية السير على الطريق لصعود الجبل لتتجسد أمام الجميع تجربة نبي الله موسى عليه السلام وهو في رحلة الصعود للجبل نفسه ولكن منذ آلاف السنين ليمتلئ الجميع بالإصرار على المرور بنفس التجربة الجسدية والروحية التي عايشها موسى عندما خاطبه الله. طريق غير ممهد، وصخور، وثلوج تملأ الطريق إلى قمة الجبل، والجميع لا يزال يملك الإصرار على الصعود، وسط سماء صافية وقمر غاب عن الحضور ليزيد من ظلمة الليل، ومشاق الطريق، ولكن الجميع يرتدي أحذيته وعلى أتم الاستعداد لبرد الجبل القارص وصخوره الحادة، عكس موسى والذي صعد للجبل وحيدًا. وفي منتصف الطريق ومع الدقائق الأولى للسنة الجديدة بدأت أعداد المجموعات التي تصعد الجبل معاً في التناقص، وسقط عدد منهم بفعل الاختناق نتيجة لقلة الأكسجين وزيادة ضغط الهواء، بينما انسحب البعض الآخر من منتصف الطريق للقمة، فيما استكمل الباقي الطريق نحو المجهول، نحو القمة التي لا يرونها من الظلام. ووسط الطريق إلى القمة يتوقف البعض بالاستراحات التي أنشئها البدو في منصف الجبل لخدمة من يهون صعود الجبال، والذين أكدوا على انخفاض معدلات السائحين الذي يصعدون للجبل منذ ثورة ال25 من يناير، وزاد الانخفاض بعد ال30 من يونيو. وبعد التوقف لدقائق في الاستراحات المخصصة للراحة يواصل الجميع الرحلة وسط زيادة الإصرار على الوصول نحوها، والذي يزيد من كل دقيقة تمر ومع زيادة التعب والإرهاق يحفزون بعضهم على الصعود بالهتاف طارة وبالعد تارة أخرى. ومع مرور قرابة الثلاث ساعات تصل المجموعة الأولى لقمة الجبل ليشاهدوا منظر السماء الصافية والتي تزينها النجوم التي ملأتها في غياب القمر الذي رفض الاحتفال بالعام الجديد معهم، تبدأ لذة الانتصار في إشباع الجميع بها. ومع تواصل وصول المجموعات الأخرى تزدحم قمة جبل كليم الله بالبشر، معها تزداد درجات الحرارة في الانخفاض، لتصل إلى عدد من الدرجات تحت الصفر ليتراص الجميع حول حلقات النار التي أشعلها بعض منهم ليتغلبوا على درجات الحرارة المنخفضة والتي تعجز الملابس عن إزاحتها بعيداً عن الأجساد. وخلال لحظات لم تكن بالطويلة ينسل الخيط الأول من الضوء في الأفق ليبدأ مظهر السماء ليتشابه بالشفق الأحمر في لحظات الغروب، ويتزاحم الجميع لرؤية السماء في لحظاتها الأولى التي ترتفع فيها إلى السماء لتزينها من وتبدد غيوم الليل المظلم وتبث دفئها في نفوس الجميع وسط خمول من جمال وروعة المنظر الذي تعجز كل الكلمات عن وصفه. وبعد ساعات من النشوة التي ملكت نفوس الجميع من منظر الشروق، بدأت رحلة هبوط الجبل والتي كانت متعتها لا تقارن من صورة سلاسل الجبال المتراصة حول جبل موسى، وزاد من جمالها الوادي المنبسط أسفل الجبل لزيد من عظمة المشهد. وخلال الهبوط يلفت نظر الجميع كومة هائلة من الصخور المحطمة المسحوقة والتي يوجد أعلاها الكنيسة اليونانية والتي قال عنها أحد البدو المتواجدين بالمنطقة بأنها الجبل الذي خر صاعقًا عندما تجسد الله تعالى أمامه في قصة موسى الشهيرة. وبعد الخطوات الأخيرة لهبوط الجبل يحضر في نفس الجميع المعاني التي تكبدها موسى خلال رحلته الروحية عندما أراد أن يرى الله تعالي بعينيه، ومدى التعب الذي لم يمنعه في الوصول إلى أعلى نقطة في الجبل ليصل إلى ما يريد، ومتعة الوصول إلى المبتغى هي نفسها التي شعر ببهائها الجميع مع انتهاء رحلة صعود وهبوط جبل كليم الله موسى.