وزير الري لوفد أفريقي: مصر لجأت لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي لمواجهة فجوة الاحتياجات المائية    مصادر: القائمة الوطنية من أجل مصر تقدم أوراق ترشحها لخوض انتخابات مجلس الشيوخ    الضرائب: تمهد الطريق أمام المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لتحقيق طفرة في النمو    «المشاط» تتابع مع البنك الأوروبي خطوات الاستفادة من برنامج خفض الانبعاثات بقطاع الصناعة    مبعوث ترامب للشرق الأوسط : نقاط الخلاف بين حماس وإسرائيل انخفضت إلى واحدة فقط    مرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تخطط لاحتجاز سكان غزة قسرا في معسكر اعتقال فوق أنقاض رفح    رئيس الوزراء الصيني: نحرص على بذل الجهود للتعاون مع مصر في كافة المجالات    ليفربول يحدد شرطه لبيع دياز    عودة التواصل تدريجيا في الخدمات المرتبطة بالإنترنت والاتصالات في المنيا    ختام هادىء لامتحانات الثانوية الأزهرية بمطروح    «الداخلية»: ضبط 323 قضية مخدرات و196 قطعة سلاح وتنفيذ 83 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    «حدوتة حب مصر».. قصور الثقافة تحتفي بمسيرة أحمد منيب بحضور أبنائه غدًا    ولي العهد السعودى يؤكد لوزير الخارجية الإيراني دعم المملكة لحوار تسوية الخلافات    انتظام العمل بالبنوك وتقديم الخدمات المصرفية حتى 5 مساء    عودة خدمات فوري إلى كفاءتها التشغيلية بعد حريق سنترال رمسيس    وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس اجتماع اللجنة العليا للأسر البديلة الكافلة    لاول مرة مساعد رقمى يتنبأ بالخطر بالمحطات النووية قبل وقوعه ب30 دقيقة    الجدول الزمنى لإجراء لانتخابات الشيوخ مع بداية خامس أيام تلقى أوراق الترشح    دليل اختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة.. مكتب التنسيق يوضح كيفية التسجيل.. محظورات خلال أداء الامتحانات.. و7 خطوات لسداد الرسوم    علاء فاروق: صندوق التكافل ركيزة أساسية لدعم صغار المزارعين    وزير الإنتاج الحربي يستقبل محافظ جنوب سيناء لبحث تعزيز التعاون المشترك    مبيعات فيلم ريستارت تصل إلى 676 ألف تذكرة في 6 أسابيع    بالأسماء، تعيينات قيادات جديدة بكليات ومراكز جامعة القاهرة    كارثة داخل غرفة العمليات في المغرب، أطباء يرقصون على أنغام الشعبي أثناء عملية جراحية (فيديو)    طب قصر العيني تستضيف الامتحان الإكلينيكي للزمالة المصرية في تخصص الأنف والأذن والحنجرة    فيديو.. السفير حسام زكي: حزب الله ارتكب خطايا كبيرة ولا يمكن تناسي إساءاته    هربا من الحر للموت.. وفاة طالبين غرقًا داخل ترعة في قنا    إحباط ترويج ربع طن مخدرات ب34 مليون جنيه| صور    ارتياح بين طلاب الأزهر بالفيوم بعد امتحان التفسير: 'نهاية هادئة لماراثون صعب"    الاستماع لأقوال شهود عيان لكشف ملابسات مقتل سيدة على يد طليقها بأكتوبر    مصرع طفلة أسفل عجلات سيارة في الشرقية    سول تعيد 6 صياديين من كوريا الشمالية إلى بلادهم بعد إنقاذهم في البحر    ارتفاع في الطماطم.. أسعار الخضار اليوم الأربعاء في أسواق مرسى مطروح    انطلاق منافسات تتابع الناشئين والناشئات ببطولة العالم للتتابعات للخماسي الحديث    ما بين السينما والدراما.. نجوم في بلاتوهات التصوير    الثانية هذا العام.. محمد عساف يكسر صمته الغنائي في ليلة من أجل غزة بمهرجان قرطاج الدولي    9 يوليو 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    أوكرانيا: روسيا أطلقت 728 طائرة مسيرة و13 صاروخا خلال الليل    تشغيل وحدة القسطرة القلبية بمستشفى طنطا العام وإجراء 12 عملية    وزير الصحة يبحث مع المدير الإقليمي للصحة العالمية التعاون في ملفات المبادرات والتحول الرقمي    مدرب الزمالك السابق يحذر الإدارة من التسرع في ضم نجم بيراميدز: "تحققوا من إصاباته أولًا"    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم سياحة وفنادق    60 فيلمًا و120 مسرحية.. ذكرى رحيل عبد المنعم مدبولى في كاريكاتير اليوم السابع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 9-7-2025 في محافظة قنا    اغفروا لها هذا الخطأ.. «ليزا نيلسون» تقبل اعتذار مها الصغير    بعد تجديد رونالدو.. عرض من النصر السعودي لضم وسام أبو علي (تفاصيل)    دعاء الفجر| اللهم ارزقني الرضا وراحة البال    الاتحاد المنستيري يرفض استعادة الجفالي.. والزمالك يتحرك لإعارته وتوفير مكان للاعب أجنبي    البابا تواضروس الثاني يلتقي الدارسين وأعضاء هيئة تدريس الكلية الإكليريكية بالإسكندرية    الخارجية الإيرانية: تلقينا رسائل من واشنطن للعودة إلى المفاوضات    بعد ترميمهما.. وزير السياحة ومحافظ القاهرة يفتتحان قبتين نادرتين بالفسطاط    الفيفا يفتتح مكتبا داخل برج ترامب استعدادا لمونديال 2026    الرمادي يفجر مفاجأة بشأن طلب مشاركة زيزو في نهائي الكأس    مدرب الزمالك السابق: يجب أن نمنح جون إدوارد الثقة الكاملة    غالبًا ما تمر دون ملاحظتها.. 7 أعراض خفية لسرطان المعدة    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة    أمينة الفتوى: «النار عدو لكم فلا تتركوا وسائل التدفئة مشتعلة أثناء النوم»    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاة الجزيرة
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 26 - 09 - 2013

ولأن كريستينا عاشت في الاسكندرية طفولتها وانطلاقةشبابها اجادت اللغة العربية وحظيت بخفة دم المصريين..
لكنها تعمدت ألا تنخرط فى علاقات أو تقيم صداقات أوتشتبك فى خلافات أو تختلط بجيران أو جارات. شاب وحيدلفت انتباهها وحظى بإعجابها وكأن الإسكندرية لم تنجب غيره أو كأنه لا شبيه له فى كل مدن وبلاد البحر الابيضالمتوسط!..
لم تبادر أبدا بالحديث معه فهى انثى والمرأة أبدالا تبدأ الخطوة الأولى ولو كانت تموت حبا!.. ولم يتطفل هو
عليها فلم تكن له خبرة أو تجربة أو حتى نزوة.. يراها فيرتبك ويتلعثم ويتلون وجهه وتتخبط قدماه فأين هو وأين هي؟!..
وكيف يختصر المسافات بين القمة التى تتربع عليها بسطوةالجمال وفتنة الانوثة ونفوذ المال وعراقة الاسرة..
وبين السفح الذى يقبع فيه، مجرد طالب بالسنة الثالثة بكلية التجارة، يعمل فى شهور الصيف فى كافتيريا الشاطئمن الرابعة صباحا حتى منتصف النهار..
يتولى وحده توصيل السخانات بالكهرباء ونشر الشماسى والمقاعد بطول الشاطئ، وتجهيز البوفيه والمثلجات
وعمل السندوتشات.. ومن مكاسبه فى موسم الصيف ينفق على والده العجوز الضرير، وعلى دراسته، وملابسه، وطعامه واجرة مسكنه.. لم يشعر يوما بالذل مثلما أراد أن يكلمهاذات صباح بعد ان خرجت من البحر وغيرت ملابسها واسرع إليها بكوب النسكافيه المعتاد.. ساعتها شجعته نظرات منها حانية ورسائل ترحاب بثتها عيناها، لكنه خاف أن ينطق بما يشعر، امسك عليه لسانه، خشى ان تكون كريستينا تنصب له فخا لتسخر منه أو أن تكون نارا اذا اقترب منها احترق.
ويبدو ان الحناء اليونانية كانت اكثر ذكاءً فقرأت افكار محمود وقررت أن تجد حلا للمأزق.. نادت عليه ذات صباح بعد ان تعمدت ألا تخلع ملابس البحر.. استلقت فوق مقعدها بالبكينى بينما وقف هو أمامها يتحاشى أن تفلت منه ولو نظرة.. سألته وكأنها اطلقت قنبلة من طرف لسانها :
.. هل تعيش قصة حب يامحمود؟!.. أجب بلا خوف..!
.. أنا لا أخاف..!
..انت الخوف نفسه!
..هل هكذا يكون حديث الصباح..؟!
اسمع يامحمود.. لم يعد لدينا وقت لنطبق قوانين العلاقات بين الرجل والمرأة.. ثلاثة مواسم صيف وأنا انتظر منك كلمة لم تقلها أبدا.. كنت تتركنى فى جحيم الفراق بعد أن تغلق الكافتيريا أبوابها مع أول أيام الشتاء.. تحملتك عاما بعد عام..والآن حكم علينا الزمن بما لم يخطر لى أو لك على بال أو خاطر!!
سألها وقد اختلطت فى اعماقه مشاعر الخوف والفرح : .. بماذا حكم الزمن.. لم أفهم!
سأغادر مصر مع أمى إلى اليونان بعد غد.. الباخرة سوف تبحر بنا من ميناء الإسكندرية العاشرة صباحا.. لم
يعد امامنا وقت للكلام.. الوداع فرض نفسه.. ولا يمكن أن اغادر مصر قبل أن اعترف لك أنك حبى الأول.. وربما يكون الأخير..وربما حينما أعود لوطنى لأول مرة ينبض قلبى هناك بحب جديد، وتجد أنت فى وطنك من تشارك حياتك.
انخلع قلب محمود.. جف ريقه وملأت المرارة حلقه وهو يبحث عن كلمات تتشبث بحبيبة العمر وترجوها وتتوسل
إليها ألا تقسوا عليه بفراقها.. وقرأت كريستينا فى عينيه سر صمته المفاجئ فاستطردت تسأله :
هل تجيد السباحة فى الظلام؟!
ماذا تقصدين؟!
أريد أن أطفئ نار هذا الحب قبل أن نفترق!!
وما علاقة السباحة فى الظلام بنار الحب؟!
فجر الغد سوف تعرف الاجابة.. الرابعة صباحا كن
مستعدا!!
ابتسمت كريستينا فى دلال مثير ولم تزد كلمة واحدة.. دخلت كابينتها وغيرت ملابس البحر وعادت اكثر فتنة
وسحرا!.. لوحت بيدها لمحمود ومضت فى خطى واثقة بعيدا عن الشاطئ والكافتيريا والرمال ودون ان تلتفت خلفها حيث وقف محمود يضرب اخماسا فى أسداس يحاول أن يفك شفرة السباحة فى الظلام!!
لم تعرف عينا محمود طعم النوم.. استغرب الحلم الذى يعيشه.. كريستينا التى تهز الاسكندرية هزا تعترف بحبه..تلوم صمته.. يعز عليها فراقه.. انه اجمل حلم فوق ارض الواقع.. لكن ماذا تقصد بسباحة الظلام؟!.. نظر فى ساعته..
الوقت يمضى فى بطء وعقارب الساعة كأنها تحمل جبالا فوقها..وقف أمام البحر كأنه يبحث عن الاجابة بين أمواجه.. لماذا الرابعة صباحا؟!.. لقد اعتادت كريستينا ان تنزل البحر فى الخامسة صباحا مع أول ضوء النهار.. وكانت تعوم حتى تختفي.. وتعود قبل ان يزدحم الشاطئ برواده ومريديه.. فلماذا قدمت موعدها الليلة؟!
ومضى الوقت بصعوبة.. الليلة حالكة الظلام.. القمر اختفي.. والبحر يبدو كبقعة سوداء صاخبة الصوت!..
عقارب الساعة تقترب من الرابعة.. نفذ محمود وصية كريستينا.. ارتدى لباس البحر ووقف مستعدا ضاربا عرض
الحائط بعمله اليومى فى تجهيز الكافتيريا والشاطئ!..
ها هى كريستينا تظهر فتنير الشاطئ.. اشارت لمحمود بابتسامة رقيقة.. فتحت كابينتها.. دخلت وعادت بالبكينى
لتزيد الشاطئ ضياءً لمن يرى!!.. سألها محمود بعد ان جذبته من يده نحو البحر :
إلى اين ؟!
سوف اعرفك على المكان الذى استمتع فيه مع مطلع كل صباح.. انها جزيرة لا تصل اليها العيون.. جزيرة رائعة
فى حضن البحر تتكسر فوقها الأمواج وكأنها ترحب بضيوف الجزيرة!
سمعت عنها.. لكنها منطقة دوامات خطيرة ياكريستينا؟!
اسبح معى ولا تخاف.. وانت معى لا تشقى ولا تموت!
وحملهما الموج ودفع بهما الريح فى سباق لذيذ اصطدم خلاله جسد كريستينا بمحمود مرات ومرات.. لكن الظلام لم يتح لأحدهما ان يعرف من كان صاحب اللمسة الأولى!.. كانت دقات قلب محمود تتلاحق خوفا من منطقة الدوامات التى لم يسمع عنها أو منها خيرا من قبل..
لكنه وصل اليها بسلام وصعدت كريستينا الجزيرة الصغيرة، ثم مدت يدها إلى محمود حتى رفعته الى جوارها.. وقبل ان ينطق بادرته قائلة :هنا سنعوض كل مافات.. وما هو آت!!
فجأة.. غطتهما موجة لم يفق بعدها محمود من عناق طويل وقبلات يصعب حصرها.. ويبدو أن البحر أراد أن
يستر ما يحدث فوق الجزيرة بمزيد من الأمواج!!.. ويبدو أن الامواج تعبت ولم يتعب لا محمود ولا كريستينا!
انتبه محمود إلى اشراقة النهار بعد أن انسحبت ظلمة الليل.. وقف كالمخمور، تأمل جسد كريستينا يلمع تحت
اشعة الشمس.. لا يمكن أن يكون جسد امرأة، أنه قارة للانوثة مليئة ببلدان الجمال ومدن الاثارة.. سألته وهى لا زالت مستلقية : سوف تشعر بعد الآن أن نار الحب خمدت.. وسوف يرتاح ضميرى لأنى سأفارقك دون أن يتعذب ضميرى !
هبت كريستينا واقفه.. ادركت اخيرا أن محمود سوف يفقد عمله بعد ان تأخر عن موعده، لكنها قبل أن تغادر جزيرتها امسكت بصخرة صغيرة ذات سن حاد وراحت تحفر فوق الجزيرة اسم محمود واسمها وتاريخ اللقاء 24 يناير 1989..
ودعها محمود فى اليوم التالى بدموعه.. كان عزاؤه الوحيد أنها وعدته بالاتصال به بعد أن حصلت منه على كل العناوينالتى يتواجد فيها وأرقام الهواتف التى يمكن أن يرد عليها..
ابحرت الباخرة امام عينيه الباكيتين وبين حقيقة صورة كريستينا وفى انفه عطرها الذى امتزج به ماء البحر وهو
يستر جسديهما فوق الجزير.
تخرج محمود ومضت ايام وشهور يبحث فيها عن وظيفة مهما كانت ضآلتها بعد أن كان ملكا متوجا فوق الجزيرة !..
كان يؤنب نفسه لأنه لم يحصل على اية عناوين لكريستينا..لكن شعاع الأمل يضئ فجأة فى حياته مع أول برقية تصله من أثينا : محمود.. لقد أخطأت فى حساباتي.. لم تنطفئ النيران فوق الجزيرة وإنما ازدادت اشتعالا.. لن اعوضك لا فى اثيناولا فى أى مكان بالعالم .. أبى توفى وأمى عاجزة عن إدارة ثروتنا واملاكنا بمفردها.
.. رشحتك لها ووافقت دون تردد.. ليس مطلوبا منك سوى أن تجهز جواز سفرك وسوف تصلك دعوة بالزيارة.
.. والترتيبات كلها جهزتها لك
قبل أن يكتمل شهر كان محمود فى اثينا.. رحبت به أم كريستينا الابنة الوحيدة المدللة.. ادار عمله ببراعة ومهارة
يحسد عليها.. وفى السفارة المصرية تم زواجه المدنى من كريستينا.. انقطعت اخباره عن مصر التى لم يزرها غير مرة واحدة فى السنوات العشرة الأولى ليحضر جنازة والده.. لم تتغير مصر.. زار الشاطئ.. الكافتيريا انتقلت الى مستأجر جديد.. لكن قلبه لم يطاوعه للوصول إلى الجزيرة وحده.. اشترى شاليه فى الصف الأول المواجه للبحر.. كان يعرف أنه سيعود يوما إلى مصر ويستثمر فيها امواله، لكن متعته الوحيدة ستكون فى هذا الشاليه حينما يجمع بينه وبين كريستينا الزوجة وكريستينا الابنة التى بلغت من العمر ثمانى سنوات.. كان حريصا على أن يعلمها العربية وأن تتقن السباحة.. وكانت الصغيرةلا تنام إلا على حكاية الجزيرة التى كان محمود يحذف منها ما لا يجب أن تسمعه صغيرته!!
برز نجم محمود فى اثينا كرجل أعمال مصرى لم ينس لحظة واحدة ان يكون سفيرا لبلاده.. وبرزت كريستينا
الزوجة كواحدة من ابرع عازفات الكمان فى الحفلات التى يقيمها رجال السلك الدبلوماسى .. لكن من يضمن الدنيا ؟! .. ومن يثق فيها..؟!
نشرت صحف اثينا يوم 24 يناير عام 2009 حادثا مروعا لقى فيه محمود وكريستينا مصرعهما.. وبقيت
كريستينا الابنة مع جدتها تعيشان على الذكريات.. ورثت الحسناء الشابة ثروة والديها وأدارت مشاريعهما بكفاءة عالية.. لكنها كانت تختلى بنفسها كل ليلة قبل ان تستسلم للنوم لتراجع بعض الأوراق المهمة بخط يد والدها..
هذه ورقة كان يشرح لها فيها موقع الكافتيريا بشاطئ العجمي.. وهذه ورقة أخرى رسم عليها الجزيرة التى شهدت أول ايام الحب بينه وبين كريستينا الام.. كانت من عادة محمود وهو يحدث ابنته أن يخط بقلمه على اية ورقة امامه اشكالا واسماء وتواريخا وكأنه يؤرخ لما يحكيه.. ولان كريستينا الابنة كانت تذوب حبا فى أبيها لم تهمل تلك الأوراق واحتفظت بها بين الجلد واللحم!
ذات يوم قررت ان تنفذ قرارا تحمست له كثيرا.. حجزت على الطائرة التى ستصل مطار القاهرة مساء يوم 20 يناير 2010 .. وحجزت عبر النت جناحا بأرقى فنادق العجمي.. وبدأت تعد الايام والساعات وتحلم بيوم وصولها الى مصر!
هبطت الطائرة فى الموعد المحدد.. شعرت كريستينا براحة غير مسبوقة وهى تتنسم هواء مصر لاول مرة.. تنظر الى وجوه المصريين فتشعر كأن بينها وبينهم صلة قرابة..
استقلت سيارة خاصة إلى الساحل الشمالي..وفى الجناح المحجوز بالفندق الشهير تركت حقيبة سفرها واحتفظت فى حقيبة يدها بمفتاح الشاليه الذى يمتلكه ابوها ومبلغ كبير من الدولارات والأوراق المهمة التى ستكون مرشدها ودليلها فى أهم لحظات الرحلة!.. وخلال نصف ساعة وصلت الشاطئ المرصود!
وقفت كريستينا فوق الرمال حائرة.. الكافتيريا المرسومة فى الأوراق اصبح مكانها كازينو كبير.. الاسماء لا وجود لها.. العلامات اختفت.. لم يبق شيئا من الماضى سوى البحر!.. مشت بطول الشاطئ تتأمل الوجوه بحثا عن عجوز يتذكر شيئا مما سطره ابوها فوق الأوراق.. عادت يائسة..
فتحت الشاليه واستأجرت عمالا لتنظيفه وجلست خارج الشاليه تفكر وتتأمل مياه البحر.. لابد أن الجزيرة هناك خلف هذه الامواج الهادرة !.. فجأة.. شاهدت عجوزا قهره الشيب وابطأ من حركته.. اسرعت اليه.. أذهلها تركيزه وقوة ذاكرته..
انفرجت اساريرها وهو يحكى لها صورة طبق الأصل مما حدثها به ابوها.. شرح لها كيف تغير شكل الشاطئ، وتبدلت فيه الاسماء والاماكن فى العشرين سنة الأخيرة.. استراحت له واستفاض هو فى حكايات الماضي وفتاة الجزيرة صاحبة اشهر مايوه بكينى فى العجمي..
ضحكت كريستيناوقاطعته: هى امي؟!
قاهرة الدوامات..امك ؟!
نعم .. ولكن كيف عرفتها ؟!
انا شيخ الصيادين.. وكثيرا ما شاهدتها مسترخية فوق الجزيرة.. وآخر مرة شاهدتها كان معها صديق أو
حبيب وكنت أنا فى قاربى وجرى بينهما ما جعلنى اغض البصر!
هو أبي.. ومن أجلهما حضرت لأحفر اسمى أنا الأخرى فوق الصخرة الكبيرة بوسط الجزيرة وفى نفس التاريخ!!
واين هما يا بنتى العزيزة؟!
رحلا عن الدنيا.. هل يمكن ان اطلب منك خدمة، لقد استرحت لك ؟!.. كن بجوارى حتى اغادر مصر!
عينى ياستى !
فجر 24 يناير 2010 اغلقت كريستينا الشاليه وخرجت بلباس البحر وهى تقفز فوق الرمال فرحا.. انتظرت شيخ
الصيادين حتى وصل وهو يتوكأ على اكبر احفاده.. واصرت كريستينا على الوصول للجزيرة سباحة وركب شيخ
الصيادين وحفيده زورقا ليرشداها إلى مكان الجزيرة..
كان العجوز شديد الاعجاب بكريستينا وهى تعوم كسمكة متعطشة للمياه، رشاقة ومهاره ونسخة جديدة اكثر جمالا من فتاة الجزيرة الأولى!.. لكن فجأة يصيح الحفيد، ويصرخ العجوز .. ويتوقف الزورق.. خطفت الدوامة كريستينا وراحت تلف بها وتدور وكأنها تعاقبها على شىء ما!..
لحظات عصيبة اختفت معها كريستينا.. ساعة.. ساعتين.. ثلاث ساعات.. وعاد الزورق الحزين الى الشاطئ..
ابلغ شيخ الصيادين الشرطة.. وطار الخبر إلى كل رواد الشاطئ.. وقفوا جميعا على حافة البحر فى انتظار ان تحمل اليهم الامواج جثة كريستينا!.. لكن تأتى الامواج كل يوم.. ولا تأتى كريستينا!
فتحوا تحقيقات مع شيخ الصيدين وحفيده!
طالت التحقيقات حتى تم حفظها.. لكن شيخ الصيادين لازال حتى الآن يزور الشاطئ على امل أن ترجع كريستينا..
ذات صباح.. يجلس حوله الناس ليحكى لهم القصة.. وتتجه عيون الجميع نحو الجزيرة التى تحجب عنها الأمواج الرؤية!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.