هي امرأة رائعة الجمال ! متوسطة الطول.. قوية الشخصية.. نالت نصيبا من الشهرة حينما قامت بالبطولة الثانية في بعض الأفلام السينمائية قبل سنوات.. وكانت مرشحة بقوة للتربع على عرش أدوار الإغراء الساخنة، فقد كان أكثر فساتينها حشمة ووقارا مليئة بالفتحات والثغرات التي كانت أقرب إلى نوافذ شقة بالدور الأرضي، لا يكاد من يمر بجوارها يلتفت نحوها حتى يرى كل محتويات الشقة !! فجأة انسحبت من الوسط .. توارت.. وانزوت حتى اختفت تماما، ونساها الناس! وأخيرا ظهرت.. وبالتحديد منذ بضعة أيام.. وكنت محظوظا بلقائها! أخبرني موظفو الاستعلامات في "أخبار اليوم" عبر الهاتف أن الحاجة "بدوية" تريد مقابلتي لأمر مهم!.. فتشت في ذاكرتي بحثا عن امرأة أعرفها بهذا الاسم فلم أجد في حياتي كلها امرأة اسمها بدوية .. اعتقدت أنها قارئة تحمل شكوى، وما أكثر الزائرين الذين يأتون إلينا بعد أن تخذلهم الحياة معتقدين أن الصحافة تمتلك الحلول السحرية لمشاكلهم! صعدت الحاجة بدوية إلى مكتبي.. بهرتني منذ الوهلة الأولى، فقد كانت تبدو ملكة جمال المحتشمات.. لا شيء يظهر منها غير وجه مثل زهرة الفل وخصلة ذهبية تتسلل من تحت الإيشارب الأسود الذي يغطي رأسها فيزيدها جمالا! .. قالت لي: - "أنت لا تعرفني من قبل، لكني أعرفك جيدا، وأعذرني لحضوري بغير موعد مسبق، ليست عندي مشكلة.. لكن لي رجاء!.. ومن الأفضل أن أعرفك بنفسي أولا! قدمت لي نفسها.. ولا أخفي أن الدهشة أخذتني للحظات حينما علمت أنها "بطلة الإغراء السابقة".. وقبل أن استرد ذاكرتي راحت تنقلني من مفاجأة إلى أخرى كأنها تصوب الكلمات من مدفع إلى فوق لسانها.. قالت: - "أعرف أن واحدا من أصدقاء عمرك رحمه الله "..."و تعرف أنت مثلي ومثل كل الذين عرفوه كم كان كتوما لا يذاع له سر.. وربما لا تعرف مثلما أعرف أنا كم كانت زوجته بليدة المشاعر، سليطة اللسان .. مستفزة السلوك.. وأنه فكر كثيرا في أن يطلقها لولا حبه الجنوني لأولاده منها، خاصة آخر العنقود الذي خرج إلى الدنيا مريضا ميئوسا من شفائه.. وكان صديقك ينفق كل راتبه على علاج هذا الصغير ولا يرجو من الدنيا غير شفائه!.. لا أريد أن أطيل عليك عرفت صديقك الضابط في إحدى المناسبات.. تبادلنا حوارا ظننت أنه سينتهي سريعا بحكم المناسبة.. لكنه فجر في أعماقي مشاعر هزتني وهزته فتكرر اللقاء، ورفع كل منا الراية البيضاء مؤكدا استسلامه لقصة حب أهداها إلينا القدر! المفاجأة أذهلتني فانعقد لساني وأنا أصغي باهتمام لحديث الحاجة بدوية، وهذا هو اسمها الحقيقي الذي لا يعرفه أحد!.. واستطرت قائلة: ** ".. قررنا أن نتزوج بعد ستة شهور فقط.. كانت الرجال لعبتي هوايتي وتخصصي، لكن صديقك الضابط كان اكتشافي المثير، هل تعرف كم تكون فرحة دولة فقيرة اكتشفت أن تحت أرضها ملايين الآبار من البترول.. إنها نفس فرحتي بآبار الحنان والرجولة والدفء والأمان وكل ما تحتاجه الأنثي..! قررنا أن نتزوج سرا مثلما ظل حبنا سرا.. لم يطلب مني أن اعتزل أو أن احتشم أو أن أنعزل عن الناس، لكن صدقني المرأة حينما تحب حبا حقيقيا فإنها تتطهر وتحرر نفسها من عبودية الشهرة والمال والأنانية.. لا تندهش أن أذعت عليك هذا السر. لقد أخبر صديقك زوجته البليدة أنه مسافر في مأمورية عمل لنعيش معا ثلاثة أيام في العسل بعد أن حرر لنا أحد المحامين الكبار عقد زواج عرفي، مازال هو أهم عقد في حياتي وأهم ورقة أعيش عليها حتى الآن.. وأنا أروي ظمأ الحب كلما وقعت عيناي على توقيعه!.. لقد عاد صديقك بعد الأيام الثلاثة إلى بيته في المساء فاستقبلته زوجته بوصلات من الردح التي اشتهرت بها.. أخبرته أنها علمت أنه كان في إجازة من عمله، وأنها لن تترك الأمر حتى تعرف أين كان ومع من كان يخونها!.. وبينما هو يحاول أن يهدئها سقط مغشيا عليه، تركته الجاحدة بعض الوقت ثم طلبت من جيرانها أن ينقلوه إلى المستشفى.. لكن الجميع اكتشفوا أنه قد فارق الحياة في ريعان شبابه!.. وكادت الصدمة تقتلني وأنا أقف وسط النساء وقد تخفيت في ملابس المنقبات أشاهدهم يحملونه إلى باطن الأرض ودعته بدموع كانت تنهمر من عيني كالسيل.. وعدت إلى بيتي محطمة.. وعرفت الله منذ هذه اللحظة.. وعشت على الوهم الكبير لعله يمنحني الصبر.. الوهم بأن حبيبي في مأمورية وسوف يعود يوما.. ظللت أتابع أخبار أولاده كل هذه السنوات التي مضت.. عرفت أنهم يعيشون حياة بائسة بعد أن تزوجت أمهم مرتين من زملاء زوجها الأول الذي دمرته ثم بددت كل ما حصلت عليه من مال بعد وفاته!.. لكن الذي ينغص على حياتي هو ابن صديقك، آخر العنقود الذي كان قرة عينيه، لقد أصبح شابا ويحتاج إلى جراحة تتكلف أكثر من مائتي ألف جنيه عجزوا عن تدبيرها.. إلا أن المبلغ جاهز معي وأريد توصيله إليهم دون أن أظهر في الصورة عملا بالوعد الذي قطعته على نفسي مع صديقك بأن يظل زواجنا سرا إلى الممات!.. أعرف أنه كان من أقرب الأصدقاء إليك وأنكما نشأتما معا في حي شعبي واحد.. وأعرف أنه كان يعتز بأخته الكبرى التي كانت تعيش بنفس الحي، لكني لا أعرف لها عنوانا، فهل يمكن أن تساعدني لتوصيل المائتي ألف جنيه إليها! سألتها: لماذا لا تذهبين إلى بيت المرحوم وتسليمهم المبلغ بنفسك دون أن يعرفوا شخصيتك الحقيقة؟! قالت بعفوية شديدة مش طايقة أشوف مراته! بينما كانت ضيفتي جالسة تجفف دموعها أسرعت ببعض الاتصالات الهاتفية حتى توصلت إلى شقيقة صديقي الراحل منذ ستة عشر عاما ثم أعطيت السماعة لضيفتي التي اتفقت على موعد في نفس اليوم لتسليم المبلغ إلى شقيقة صديقي! وغادرت بدوية مكتبي وهي تعيد خصلة شعرها الذهبي إلى مكانها تحت الإيشارب الأسود، ثم سألتني فجأة: ألم تفكر في زيارة صديقك أبدا قلت لها في خجل ياريت.. قالت في حياء.. لو فكرت في زيارته أي يوم سوف تجدني هناك في مقابر الغفير قبل الغروب!