لم يعرف طعم الحب إلا حينما وصل إلي بكالوريوس التجارة.!! دق لها قلبه بعنف حينما رأها لأول مرة في إحدى الحفلات بالجامعة.. وبادلته راندا الحب بجنون.. وما أن تخرج حتى فاتح أسرته برغبته في الزواج من زميلته طالبة الطب.. فرح الأب المريض وهللت الأم أجمل سيدات النادي الشهير بالقاهرة.. لكن ما أن نطق شريف باسم زميلته حتى هاج وماج الأب وصاح ثائرا: هل ضاقت بك الدنيا فلم تجد إلا بنت الرجل الذي حاربني في الانتخابات وشوه سمعتي واستخدم كل نفوذه ضدي.. لو دخلت هذه الفتاة حياتك لا أنت ابني ولا أعرفك إلى يوم الدين! ساءت صحة الأب ونصح الأطباء شريف بأن يغلق هذا الملف تماما إن كان حريصا على حياة أبيه!.. بكى الشاب وحكي لراندا ما حدث.. لم تتخل عنه.. جففت دموعه وهمست له في حنو: "أنا لك مهما جرى!".. دعنا ننتظر هدية الزمن لنا ذات يوم!.. وبذكاء الأنثى اخترعت راندا حديثا وهي تجالس أبويها زجت فيه باسم والد شريف فتكهرب الجو وارتفع صوت أبيها في غضب وهو يسألها: كيف عرفت هذا الرجل.. إنه والفساد وجهان لعملة واحدة.. لقد فكرت يوما في أن أقتله.. هو -أيضا- فكر في أن يقتلني.. لولا أن كل منا ذهب لحال سبيله! كتمت راندا أحزانها وأقسمت لأبيها أنها سمعت اسم هذا الرجل بالصدفة باعتباره والدا لزميل لها.. بادرها أبوها قائلا في ثقة: لابد أنه شاب سيئ.. ومن شابه أباه فما ظلم! رفضت راندا بعد أن تأزمت الأمور فكرة شريف في أن تهرب معه.. اتهمها بالسلبية والخيانة وكل الأوصاف التي يمكن أن ينطق بها عاشق مجروح!.. وقررت هي أن تختفي من حياته وأن تجعل للعقل مساحة أكبر من العاطفة! بعد عام واحد نشرت الصحف صورة زفاف راندا إلى أحد رجال الأعمال.. وزلزل الخبر كيان شريف الذي كان يعيش على وعد راندا بأن تكون له مهما جرى!.. لكن الشاب تماسك وقرر أن ينجح في مشروعه الجديد.. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، مات أبوه ولحقت به أمه من فرط حزنها على شريك عمرها.. وصار شريف وحيدا، حزينا، لكنه لم يهمل شركته التي بدأت تحقق نجاحات متتالية بفضل الدعم المالي الذي ورثه شريف عن والديه.. الشيء الوحيد الذي كان ينغص عليه حياته اختفاء أية أخبار عن راندا رغم المراصد التي زرعها شريف في كل مكان.. لا هي تعمل طبيبة ولا هي تظهر مع زوجها في أية مناسبة! ذات مساء.. تعرف شريف على مذيعة تحت التمرين بإحدى الفضائيات الخاصة.. جذبه إليها الشبه الشديد براندا حتى ظنها في البداية أنها هي.. نسخة متطابقة لامرأتين لا يختلفان إلا في الاسم وربما تفاصيل أخرى قد تكشف عنها الأيام.. ضاعفت من دلالها وحنانها وأخرجت كل أسلحة الأنوثة من مخازنها حتى لحست عقل شريف فكان أمامها كالمسحور! طلب يدها فاشترطت عليه أن يجعل منها نجمة، لم يتردد، أنفق عليها مئات الألوف من الجنيهات، خاصة أنها كانت تخفي عن الجميع أنها من أسرة تحت خط الفقر!.. اشترى لها شقة باسمها.. وسيارة أحدث موديل.. واستأجر لها شغالتين.. واستخرج لها دفتر شيكات!.. ولم تقتنع صاحبتنا بكل هذا..بل طالبته بمجوهرات أمه التي لم تخرج من علبتها القطيفة منذ وفاة صاحبتها.. منحها لها عن طيب خاطر بعد أن صارت زوجته.. تألقت هي في عملها بينما تراجعت شركة شريف وحاصرتها الديون.. وخلال سنوات تنبه شريف إلى الكارثة، أنه غارق في عشق زوجته التي ترفض الإنجاب وتعامله كزوج بالقطعة! بينما شبح الإفلاس يهدد الشركة.. أفاق شريف من غيبوبته.. صارحها بأن أحكاما بالسجن صدرت ضده في قضايا شيكات دون رصيد، وأن الحل الوحيد هو رصيدها في البنك ومجوهرات أمه التي يكفي ثمنها لإنقاذه من السجن وإنقاذ الشركة من الإفلاس.. لكن شريف فوجئ بالرد الحاسم من زوجته: حل مشاكلك بعيدا عني!.. أرجوك أنا نازلة عندي هوا ومش عايزة دمي يتغير هيبان على وجهي فوق الشاشة! حاول شريف أن يبحث عن حلول مع أصدقائه دون جدوى حتى انتهى الأمر بحبسه ثلاث سنوات.. وكانت الطامةالكبرى يوم وصله إعلان القضية التي رفعتها زوجته تطلب الطلاق.. وحصلت عليه بالفعل!.. عاش في السجن يجتر ذكرياته ويتذكر أبواه ونجاحه الساحق في الماضي وفشله السحيق في الحاضر، أدرك أخيرا أنه لم يكن على علاقة منتظمة مع السماء.. بللت دموعه سجادة الصلاة في السجن.. بدأ يحفظ آيات القرآن وكأنه يقرأها لأول مرة!.. رغم مرارة السجن إلا أنه تحول مع الوقت إلى محطة انطلاق للصلح مع الله! خرج شريف إلى الحرية منذ عام.. كان محطما.. لا بيت ولا مال ولا شيء على الإطلاق.. بدأ يتردد على المساجد ويبيت فيها حتى تعطف عليه صديق قديم يمتلك فندقا بحي الحسين فألحقه بإحدى الغرف.. ولأنه أصبح إنسانا آخر يهرب من الماضي كيلا يتحطم كان سعيدا بقرب الفندق من مسجد سيد الشهداء.. كان يصلي ويرفع يديه إلى السماء طالبا من الله أن يلهمه الصبر ويفتح له طريقا يتعيش منه! ذات يوم أخبره صديقه أنه أسند إليه إدارة الفندق.. طار شريف من الفرحة.. لكنه في نفس اللحظة تلقي من موظف الاستقبال رسالة أخبره فيها أن امرأة كانت تركب سيارة فارهة توقفت أمام الفندق وسلمته الرسالة.. ومضت! ارتعشت يداه وهو يقرأ سطرا بعد سطر: .. شريف.. لاتسألني كيف عرفت مكانك، فأنا لم أنقطع عن متابعتك منذ أزمة شركتك.. لا وقت للعتاب.. ولا وقت للحساب.. المهم أن قلبي معك.. وليس قلبي وحده.. كل أموالي تحت أمرك.. مرفق بالرسالة شيك بمليون جنيه قابل للصرف فورا.. أعد الحياة لشركتك واعتبر المبلغ دينا تسدده لي حين ميسرة.. لا تحاول البحث عني.. أنا زوجة ولا تهدد حياتي.. وأعلم أن المبلغ من مالي الخاص ولا علاقة لمال زوجي به.. أرجو أن أسمع عنك كل خير.. وإذا كانت في الدنيا امرأة سيئة فلا تظلم كل النساء! راندا بدأت شركة شريف تضخ الإنتاج من جديد.. ومع هذا لا يشعر بالسعادة، فقد كان يتمني لو انحني أمام راندا وطبع قبلة فوق يدها، قبلة احترام من الحاضر فوق يد الماضي!