أكد وزير العدل السابق المستشار أحمد مكي، أنه استقال من الوزارة لأنه فشل سياسيا، وأغضب السلطة التي خرج مؤيدوها للمطالبة بإقالته. وأشار إلى أنه حرص على استقلال القضاء، وكان هذا شغله الشاغل طوال فترة توليه منصبه، مضيفًا خلال استضافته في برنامج "جملة مفيدة"-: "وفيت باستقلال القضاء، فما من شكوى وردت إليّ كان يتعين تحقيقها إلا وأمرت بالتحقيق فيها، ولكني فشلت كسياسي، واعترافي بذلك ليسا عيبا". وتابع:"فشلت كسياسي لأن القاضي لا يصح أن يخرج عن ثوبه، القاضي يقول ما يعتقد أنه صواب، ولكن السلطة تحاول أن تستعمل القضاة كأداة من أدواتها". وقال مكي، إن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ليسوا كلهم على رجل واحد، وإنما تدب الخلافات داخل الجماعة، نتيجة لوجود وجهات نظر متعددة، مؤكدا أن هناك غياب واضح لخطط إدارة الدولة. وأضاف مكي، "أحيانا تقوم الخلافات حتى بين من يتولون المسؤولية من جماعة الإخوان، وبين من يراقبون ويتابعون، أي أن الخلاف ليس معي وفقط، ولكن بين الجماعة والرئيس، والجماعة بعضها وبعض، لا هم شياطين ولا هم ملائكة، ولا هم على قلب رجل واحد". وتابع: "هناك عشوائية في القرارات، الباب مفتوح لاجتهادات شتى، وكل شخص واجتهاده، لكن ليس هناك خطة محددة لإدارة الدولة، هذا لم ألمسه". وأشار مكي إلى أن السيطرة على القضاء هو توجه في أغلب الأنظمة، وليس مقصورا على مصر فحسب، وقال:"أول توجه لأي إنسان يمسك بزمام أي أمر، أن يبحث عن حدود سلطاته، وأن يرسخ إمكانات تأثيره في كل مكان، ولكن هل وضع خطة ورسم خريطة لتحقيق هذا الهدف؟.. هذا غير موجود في مصر". واعتبر وزير العدل السابق أن قانون السلطة القضائية الذي يقضي بتخفيض سن معاش القضاة إلى 60 عاما اجتهادا خاطئا، وتوقع أنه لن يمر حتى بعد خروج مكي من الوزارة. وقال مكي "مشروع قانون السن هو اجتهاد خاطئ، ولا أعتقد أنه سيمر، وسيكون بمثابة إعادة تفكير كيف نحسن علاقة السلطة القضائية والدولة. وأضاف: "طُرحت فكرة السن، ولو تم تنفيذها ستكون هناك مذبحة، لذلك قلت لهم إن بدأتم بهذا فأنا غير موجود في السلطة". وأشار مكي إلى ضرورة التنسيق بين السلطات الثلاث، وقال: "في الدول المحترمة لابد أن يكون هناك تنسيق بين الصلاحيات، حتى تكون الدولة متجانسة، لابد من أن تكون هذه السلطات محددة". وانتقد وزير العدل السابق فكرة خروج القضاة في مظاهرات ضد الرئيس والمطالبة بإسقاطه، وتساءل:"هل يجوز للقضاء في بلد من البلاد أن يحشدوا مجموعات من زعماء سياسيين وناشطين وغيرهم ويهتفون الشعب يريد إسقاط النظام؟.. أعتقد أنهم تعجلوا النتائج أو حكموا بالفشل على النظام، ولكن طرح خفض سن التقاعد كرد من السلطة، هو أمر خاطئ". وقال مكي إنه لا يرى أن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي كرس للديكتاتورية، مشيرا إلى أن بعض المواد كانت ضرورة وقت إصداره، مستنكرا أن يكون في يد المحكمة الدستورية إقالة الرئيس أو حل مجلس الشعب. وأضاف مكي، "لحظة صدور الإعلان الدستوري كنت في القصر، عرفت أن هناك شيء طارئ، ولكن لم أكن قد اطلعت على تفاصيله، أبديت تحفظاتي، ودخلت في نقاش كبير حول ما يتضمنه الإعلان من عدوان على القضاء واستقلاله". وتابع: "في المجمل الإعلان الدستوري لا يكرس للديكتاتورية، فالرئيس حينما يسعى إلى تحصين اللجنة التأسيسية حتى تنجز الدستور فله وجهة نظر لها احترامها، وليس معقولا أن أعطي قاضيا سلطة عزل رئيس الجمهورية أو حل البرلمان، وهناك بلاد متقدمة كثيرة في العالم لا توجد فيها محاكم دستورية مثل فرنسا وإنجلترا". ورفض وزير العدل السابق فكرة أن تكون المحكمة الدستورية قد حوصرت من قبل التيارات الإسلامية، مشددا على أنها كانت مظاهرات عادية ولم يمنع أي قاض من الدخول مثلما قالت وسائل الإعلام. وأضاف مكي "أنا مختلف على مسألة حصار الدستورية، وهذا الموضوع أخذ مني "راقات" وفي كل جلسة من جلسات مجلس الوزراء كنت أتحدث عن هذا الموضوع، ووزير الداخلية يؤكد لي أنه تظاهر وليس حصارا كما تروج وسائل الإعلام". وتابع: "لم يبلغني أي قاضي من المحكمة بأنه منع من الدخول، وهذا ليس تنصلا من المسؤولية، لأن مهمتي هي حماية القضاة ووكلاء النيابة، فما بالنا بقضاة الدستورية؟.. هم كبار رجال القضاة وزعمائهم، ولو حدث أي شيء ينال منهم كنت سأقف بجوارهم، ولكن هذا لم يحدث". وعاد مكي ليستنكر الوقفات الاحتجاجية أمام المحكمة، وقال: "الاعتصام هناك عيب، ومسيء للبلد وقضاتها ولكل رموزها، ولكن الوقفات هناك كانت تعتمد على مبدأ حرية التعبير، وهذا ما جعلني أقدم مشروع تنظيم التظاهر، الذي يؤكد على أهمية مؤسسات الدولة وضرورة التظاهر بعيدا عنها". ونفى وزير العدل السابق أن يكون هناك جفاء بينه وبين أعضاء المحكمة، وقال: "الجفاء بيني وبين المؤسسة نفسها بسبب موقفي الثابت من رفض حل مجلس الشعب، وهذا الموقف سأظل أتمسك به، ولكن القضاء هم زملاء أفاضل". ودعا المستشار أحمد مكي خلفه في وزارة العدل المستشار أحمد سليمان بأن يستكمل ما بدأه، بتنفيذ تصورات للنهوض بالقضاء وأهمها مؤتمر العدالة الانتقالية، الذي توقع مكي أن يكون حلا لمشكلة القضاء. وقال مكي: " استفدت من تجربتي في الوزارة، ووضعت بمعاونة إخواني تصورات للنهوض بالقضاء ولكن لم يلفت إليها أحد، أول ما بدأنا به هو أهمية بناء النظام الجديد، أسقطنا نظام حسني مبارك، والنظام الذي يليه كان لابد أن يقوم على المشاركة، لذلك وضعنا قانون حرية تداول المعلومات، وقانون الجمعيات الأهلية، وتنظيم حق التظاهر". وأضاف: "أطمح من إخواني وفي الزميل الذي خلفني أن يستكمل أشياء كثيرة بدأناها، ليس فقط بالنسبة للتشريعات، ولكن أيضا مؤتمر للعدالة الانتقالية أعتقد أنه سيكون حلا لمشكلة القضاء ومشاكل المرحلة في مصر". واعتبر المستشار أحمد مكي أن تغيير صورته لدى البعض بسبب توليه وزارة العدل أمر صحي، ولا يضيره في شيء، لأنه بشر يصيب ويخطئ، مشددا على أن أخطاءه قد تكون ذات فائدة لمن يأتي بعده في الوزارة. وقال مكي ل"جملة مفيدة": "معرفة الحقيقة أفضل من العيش في الوهم، لا أريد أن يعتقد أحد أنني بطل من الأبطال، الناس أسرى ظروفها وأوضاعها، الله أعلم بهم". وأضاف: "حاولت أن أؤدي واجبي ما استطعت، وأديت عملي ما استطعت، كون الحصيلة في نظر البعض أن صورتي اهتزت، فلعل ذلك يساعد من يأتي بعدي ويُلتمس له العذر، ويقال إن هناك شخص أخطأ".