- لو سمحتي يا آنسة ..تاخدي مناديل؟ -لا.. شكرا - طب لو سمحتي..هو إلي أنا بعمله ده حرام ؟! - حرام؟!..لا مش حرام، مين قالك كده ؟ - في ناس كبار قالولي بيع المناديل حرام ! -آنت بتسرق ؟! -لا - يبقي مش حرام. كان هذا حوار دار بيني وبين عرفة، الطفل الذي لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، براءة تخفيها الحياة، ويمحي ملامحها الفقر. لم يبدو لي كمن يتمتعون برفاهية الحياة أو أي من المتع فيها، بل إنه من آولئك الذين لا يتمتعون بأبسط حقوقهم على الإطلاق.. قال إنه يخشى الله، يخشى عقابه، ويخشى النار لان أشخاصا ممن هم في مثل سني أخبروه بأن هذا العمل حرام! أخبره والده أن عليه العمل ليساعده ووالدته في البيت، فيبيع المناديل نهارا، ويذهب للمدرسة ظهرا، ثم يذاكر وينهي فروض مدرسته ليلا، أهذا حرام؟ شاهدناهما يمسكان بيدي بعضهما جيدا، فهما شقيقان، أكبرهما كريم..على الرغم من أنه فقط في العاشرة من عمره إلا أن مظاهر الرجولة المبكرة غالبة على وجه وطبعه.. يتحدث بوجه باسم: - بنشتغل علشان ناكل عيش ! يذهب كريم إلى المدرسة، فهو حاليا في الصف السادس الابتدائي، يعمل فقط ليساعد والده على ظروف الحياة، فلا يوجد احد من أقاربهم حاول مساعدتهم عندما كانوا يمرون بضائقتهم المالية، مما أضطر الوالد وأبناؤه إلى الخروج للعمل في المترو. وبسؤاله عن تعرضه لمضايقات من الشرطة، أجاب بالرفض، ثم حكى عن أصدقائه الذين لا يعملون مع والدهم وإنما مع شخص يشتري لهم البضائع، ليبيعوها لهم في المواصلات العامة وفي النهاية يعطيهم مقابل اليوم كله 50 جنيها.. وإذ لم يحضر مالا..يقتله! ويختلف أمير عن كريم كثيرا، فتبدو على وجهه سمات الخوف والتجهم، قال انه لا يعمل لحساب احد، وإنما يذهب يوميا "للموسكي" ليشتري بضاعته التي سيبيعها، ثم يذهب للمواصلات العامة. لا يحضر أمير دروسه في المدرسة بانتظام كما يفعل كريم، فهي ليست بالقاهرة، وإنما في إحدى المدن الريفية، ولا يذهب إلى هناك إلا على مواعيد الامتحانات. له أختان يعملان في نفس مهنته، ووالدهم كذلك، لا يساعدهم أحد.. اضطروا إلى هذا العمل جميعا، ولا يعملون لحساب أحد، يخشون "الحكومة" التي -بحسب كلام أمير-، أحيانا تأخذ بعض الأشخاص ولا تعيدهم أبدا !. "أرجوكِ ارحميني من عذاب آخر اليوم"،.. ما زالت كلماته تتردد في آذاني.. هذا ما قاله "عبد الرحمن" الطفل الذي لم يتعدى العاشرة من عمره، يبيع المأكولات بعربة مترو الأنفاق و يسعى لجلب رزقه اليومي حتى لا يقوم "المعلم" بتعذيبه وحرقه بجسده في نهاية كل يوم. و اعترف عبد الرحمن ذو الضحكة البريئة.بقيامه بسرقة السيدات بعربات المترو إذا لم يستطيع الحصول على المبلغ الذي يريده منه "المعلم" حتى يُرحم من التعذيب الشديد، مؤكدا على أنه يسعى فقط للحصول على "لقمة العيش" و "المعلم" هو ذلك الشخص الذي "يُسرح" الأطفال الصغار ثم يجلس بمنزله منتظراً كل واحد منهم بإيراد اليوم . ولكن من يعطي هؤلاء الأطفال إيراد حق الطفولة من هذه الحياة؟!