دعت باحثة مصرية إلي "إعادة قراءة" تاريخ مصر وفق وثائق وسجلات الدواوين باللغة التركية في القرن التاسع عشر، والمحفوظة في دار الوثائق القومية في القاهرة. وقالت الباحثة ناهد محمد علام في كتابها "استخدام اللغة التركية في كتابة الوثائق في مصر"إن الوثائق التركية الموجودة في دار الوثائق القومية تزخر بالكنوز التاريخية التي لم يتم الكشف عن الكثير منها حتى الآن، ولم يستفد من قيمتها التاريخية في إثراء كتابة التاريخ المصري". واختارت ناهد الباحثة بجامعة الأزهر السجلات التركية لأهم الدواوين الإدارية في النصف الأول من القرن التاسع عشر موضوع دراستها الأكاديمية، نظرا لانعدام الاهتمام بهذا "الكنز التاريخي الهام"، على حد وصفها. وتعتبر المؤلفة أن "سجلات الدواوين التركية لا تزال مجالا بكرا وخصبا لقراء التاريخ، وخاصة أنها لم يسبق نشرها رغم كونها أقدم وحدات أرشيفية متكاملة في تاريخ مصر". ويتناول الكتاب - الذي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة في 591 صفحة من القطع الكبير مقسما لخمسة فصول وسبعة ملاحق - العلاقة بين الدولة العثمانية ومصر في القرن التاسع عشر واللغة التركية التي استخدمت في دواوين مصر، ثم يعرض الكتاب للوثائق التركية والأرشفة لمجموعة السجلات الوثائقية، وأخيرا يقدم نماذج من تلك الوثائق والأختام المستخدمة وقتها. وتقول ناهد في كتابها: "من خلال دراسة وثائق تلك الفترة، فإن مصر شهدت تغيرًا بارزًا في عهد محمد علي باشا والذي امتد عمر حكمه في الفترة من 1805 وحتى 1848، حيث إنه لأول مرة لم يعد دور السلطة مقصورا على الجباية وحفظ الأمن وإقامة العدل فحسب، بل امتد إلى تنظيم الموارد الاقتصادية للبلاد، كما أقام قطاعاً إنتاجياً، وآخر خدمياً، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بالجيش المصري الحديث، والذي كان يعد حجر الزاوية في مشروع محمد علي السياسي في مصر. وتضيف الباحثة أن "محمد علي كان يؤثر اللغة التركية على العربية في بادئ الأمر، حتى جعلها اللغة الأساسية في مدارسه، ودواوينه، وأصبحت اللغة التركية هي اللغة الرسمية الأولى في مصر، واعتبرها لغة الدولة الحاكمة، ولغة الإدارة المركزية". وتستعرض ناهد علام عددًا من أبرز الدواوين الإدارية في مصر في تلك الفترة حيث كانت كلمة ديوان في مصر العثمانية تطلق على كل المجالس الخاصة بالحكم والإدارة. ومن أشهر وأهم تلك الدواوين؛ ديوان المعية السنية التركي، وهو معني بتبادل الآراء في شؤون الحكم، ومكون من عدد من الشخصيات، الذين يعقدون عددًا من الاجتماعات برئاسة وكيل الوالي، الملقب بالكتخدا، وكانت له اختصاصات مجلس الوزراء، ووزير الداخلية في الوقت الحالي. وهناك أيضا الديوان الخديوي، أو الديوان العالي، وكانت من بين اختصاصاته؛ إعلان ولاية الباشا، والتقرير لمدة حكمه، وكانت له سلطات قضائية، وكان مختصاً بالحكم في جرائم القتل والسرقات. أما ديوان شورى المعاونة فكانت مهمته الإشراف والمتابعة لسير الأعمال الحكومية في الدولة، ووضع القواعد التي تنظمها، ونشر الأوامر العليا لمختلف الجهات. وتطالب ناهد علام بضرورة توفير الدعم اللازم للعمل على إتاحة الوثائق التركية التي تزخر بها دار الوثائق القومية بالقاهرة من أجل إتاحتها للباحثين بسهولة ويسر، مع ترجمتها ونشرها. ويأتي كتاب الباحثة المصرية لإلقاء الضوء على أهمية الوثائق التركية في إعادة قراءة التاريخ المصري بعد أشهر قليلة من صدور دراسة توثيقية حافلة استمرت سنوات طويلة قام بها أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، تحت عنوان "الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي". وتناول إحسان أوغلو بالعرض والتحليل الطباعة في مصر وتاريخها وما طبع بها من آثار الثقافة التركية وتاريخ مطبعة بولاق "وسط القاهرة" والكتب التركية التي طبعتها والمطابع الأخرى التي مارست طباعة الكتاب التركي مثل مطبعة ديوان الجهادية ومطبعة سراى الإسكندرية، ليقترب مما يتم طباعته في إسطنبول في ذلك الوقت، لافتا إلى أن الكتب المطبوعة في بولاق كانت تلقى استحسانًا ورواجاً في تركيا والدليل على ذلك وجود نسخ منها في العديد من المكتبات والمجموعات الخاصة في تركيا.