قال أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي “إن كانت مصر أم الدنيا حقًا فدار الكتب هي قلب تلك الأم الحنون وهي ذاكرتها الحية وحاملة تراث بنياها الواسعة التي شملت الشرق والغرب". جاء ذلك أمس خلال حفل افتتاح مؤتمر "دار الكتب والوثائق القومية 140 عامًا من التنوير" والذي تنظمه دار الكتب بمناسبة مرور 140 عامًا على إنشائها. ووصف أوغلو مبنى دار الكتب والوثائق القومية "العريق ذو الشخصية المعمارية المتميزة في باب الخلق"، بالذي يربط بين قاهرة ما قبل القرن التاسع عشر وما بعد القرن العشرين، ويرمز إلى مرحلة تتميز فيها مصر بريادة حفظ التراث الإسلامي وخدمته ونشره بأسلوب حديث أقامته على أساليب علمية راسخة. ويرجع تاريخ "أوغلو" مع دار الكتب إلى أواخر الخمسينات، حيث كان يذهب مع والده -الذي عمل بتحقيق التراث العثماني بدار الكتب- إلي مكتبتها، وكان وقتها طالبًا بالمرحلة الثانوية، ويشير إلى أنه بعد موت أبيه، وكان مايزال طالبًا في كلية العلوم بجامعة عين شمس، شاء قدره أن يلتحق بالعمل في دار الكتب، حيث تتلمذ على أيدي اثنين من أهم روادها هما: عبد المنعم عمر، وصلاح الدين الحفني، وعن تلك الفترة التي استمرت لأربع سنوات قضاها في قسم الفهارس بدار الكتب، يقول: “وجدت نفسي أعمل في أكاديمية رفيعة تعلمت فيها مالم أتعلمه في أي مكان من معاهد العلم التي انخرطتُ في سلكها؛ طالبًا أو باحثًا أو عضوًا في هيئة تدريسها، على اتساع ذلك بين بلدان الشرق والغرب. لقد تعلمت في قسم الفهارس الشرقية الشيء الكثير، ونهلت من منابع دار الكتب معلومات لا تدرس في أي جامعة، ولكنك تتعلمها بالممارسة ومزاملة الخبراء، والتعامل مع مجموعات المخطوطات والمطبوعات النادرة وأوائل الدوريات ونودار الكتب والخرائط". وقد أنشأت دار الكتب من أجل حفظ رصيد عظيم من الكتب والمخطوطات الثمينة والتي كانت مبعثرة هنا وهناك، حيث يشير أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي إلى أن: "دار الكتب حفظت ذلك الرصيد العظيم الذي جمعه علي مبارك أيام الخديوي إسماعيل، وحفظه سراي الأمير مصطفى فاضل قبل إنشاء مبنى الدار بباب الخلق أيام الخديوي عباس حلمي الثاني، بالإضافة إلى تلك المجاميع الثمينة التي كانت موزعة بين معاهد العلم والقصور والمساجد، وتلك المجاميع الخاصة التي كانت في ملكية مصطفى فاضل باشا بإسطنبول، وما أهداه كبار العلماء أمثال أحمد تيمور وأحمد ذكي، وهواة جمع الكتب أمثال أحمد طلعت والأمير إبراهيم حليم"، ثم تساءل قائلا: "هل من مكتبة تتبع أي من معاهد العلم في العالم يمكن ألا تحوي تلك المراجع العلمية التي بدأت الكتب خانة الخديوية تُعنى بها لإحياء الآداب والعلوم العربية منذ عام 1910؟ ومَنْ مِن علماء الثقافة الإسلامية يستطيع الاستغناء عما نشرته دار الكتب منذ ذلك اليوم من مراجع مثل: الأغاني للأصفهاني، وصبح الأعشى للقرقشندي، والنجوم الزاهرة لابن تغر بردي، وعيون الأخبار لابن قتيبة، وما إلى ذلك من أمهات الكتب ونفائس الموسوعات؟" وأوضح: "فقد تميزت مطبعة دار الكتب بتلك النشرات العلمية الرائدة التي أصدرتها في فن تحقيق التراث التي تميزت بالدقة البالغة في توثيقها العلمي، والمستوى الفني العام بطباعتها وحروفها الجميلة وإخراجها الأنيق المصرية، وصارت علمًا ثانيا في مجال الطباعة بعد مطبعة بولاق التاريخية." واستكمل: “أنظر إلى المستقبل الذي نتطلع إليه جميعًا حيث يستكمل جيلنا مرحلة الرواد العظام الذين حفلت بهم دار الكتب وأولئك العلماء الذين قصدوها من كل أنحاء العالم، إنني في موقعي هذا كأمين عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وأحد أبناء هذه الأرض، أدعو جميع العلماء والمبدعين أن يمدوا يد العون ويحرصوا على التعاون معها والوفاء لرسالتها، وأن نرد بعض الدين لها". وفي كلمته قال محمد صابر عرب، رئيس مجلس إدار دارة الكتب والوثائق القومية: "إن قرنًا وأربعة عقود من تاريخ هذه المؤسسة العريقة، يثير في الذاكرة الكثير من المعاني الكبيرة، ودار الكتب والوثائق القومية هي أول من عُني بتحقيق التراث الذي اكتملت كل عناصره الفنية على يد رواد ارتبطوا بجمع الكتب ونشروا أعمالهم العلمية في مطابع الدار التي تأسست عام 1921، ومنذ هذا التاريخ وهي تواصل نشر مصادر المعرفة في شتى المجالات". وأضاف: "لقد وفرت الدولة المصرية لهذه المؤسسة منذ بدايات دار الكتب كل مستويات النجاح، وهو مادفع العديد من كبار العلماء والشخصيات العام إلى التسابق نحو إهداء مكتباتهم الخاصة إلى الدار، من أمثال: أحمد طلعت بك، وأحمد ذكي باشا، والعقاد، ومحمد عبده، ومحمد الشنقيطي، والأميرة نازلي، والأمير محمد توفيق، والأمير سعيد طوسون، وعباس حليم، وقوت القلوب الدمرداشية، وعبد الرحمن صدقي وغيرهم الكثيرون، وهو ماجعل من هذه المؤسسة قبلة لطلاب المعرفة من طلاب الجامعة المصرية والأزهر وكذلك المستشرقون الذين ارتبطوا بدار الكتب باعتبارها المكتبة الشعبية الكبرى لدرجة أن كل المبدعين الكبار سواء من مصر أو من العالم العربي أو المستشرقين الأجانب، كانت دار الكتب هي المصدر الأول لمعرفتهم العربية والإسلامية". واستكمل: "إننا ونحن نحتفي بتاريخ هذه المؤسسة العريقة نتذكر تاريخًا عريقًا من التكوين الثقافي والمعرفي لمجتمع كان يتحرق شوقًا إلى القراءة التي جعلت من هذا الوطن قيمة ثقافية كبيرة شهد لها العالم كله، بل لن نكون مبالغين إذا قلنا إنها كانت أحد المقومات الرئيسة التي جعلت مصر تحتل مكانتها اللائقة بها في العالم".