عندما تحط قدمك في سلطنة عُمان.. فأنت في العالم الآخر.. والعالم الآخر يعني شيئين لا ثالث لهما.. الجنة أو النار.. ولا أبالغ أن قلت أنك في الجنة ربما تكون الطبيعة سر هدوء الإنسان العُماني وعقلانيته في تحليل الأمور.. ربما تكون التربية العربية الأصيلة وراء ذلك. المتتبع لتاريخ سلطنة عُمان يلاحظ أن هذا الشعب عاني الكثير من الظلم والاستبداد والمهانة.. لكن صبره كان شديدا مثل الجبال القاسية التي يسكنها.. ولازلت أذكر كلمات بليغة تصف حال عُمان قبل 32 يوليو 0791 حين ثار السلطان الشاب قابوس بن سعيد علي الظلم والهوان والاستبداد.. قال الكاتب العُماني أحمد سالم آل جمعة »مرت علي عُمان سنين كوالح مظلمة.. سنين من المهانة والمذلة والمسغبة.. سنين انكسرت فيها النفوس.. وران علي الأفئدة والوجوه الذل والهوان.. فتحطمت القلوب وتصدعت الأفكار وتشتت شمل الأسر.. وتقوض ركن المجتمع.. وتفرق الإنسان العُماني في بقاع الأرض تائها ضائعا مبلبل الفكر والحواس.. يتجرع الآلام ويتذوق المرارات.. وليس من ذنب اقترف.. ولا سيئة ارتكب ماعدا صبره وقوة تحمله«، ويمضي الكاتب في وصفه لحالة العُمانيين في أرضهم لايواسيهم سوي الصبر.. حتي جاء اليوم الميمون ومعه نسمات الحرية.. وتعود للإنسان العُماني كرامته ومكانته وروحه علي يد جلالة السلطان قابوس والذي بدأ معركة طويلة ممتدة واجه فيها الجهل والتخلف والظلم.. وأعلن التحدي مع الشعب حتي نجح وتحولت عُمان إلي جنة.. حيث كان اهتمامه الأول بالتعليم.. واستجاب الشعب.. وبدأت مسيرة النهضة العُمانية حتي أصبحت الآن بلدا سياحيا من الطراز الأول.. وبلداً اقتصاديا لديها الاكتفاء الذاتي من الثروات الطبيعية والبشرية التي تمكنه من الصمود أمام التحديات الاقتصادية إضافة إلي أنه بلد ذو طعم خاص في القرار السياسي.. فعمان لا تتحالف ولا تتكتل مع أحد ضد أحد.. ولها استقلالية وشفافية في مواجهة جميع القضايا السياسية.. لا تعمل بوجهين.. بل تعمل في النور للمنطقة والمصلحة التي تؤمن بها.. لهذا وقفت مثلا مع مصر في محنتها ضد الجامعة العربية وقرار قطع العلاقات مع مصر عندما أبرمت اتفاقية السلام مع إسرائيل والتي بالمناسبة يحفو العرب للوصول إلي ربعها الآن واستمرت العلاقات المصرية العمانية بفضل السياسة الحكيمة للسلطان قابوس. وسط الناس وليس غريبا ان يستمر السلطان قابوس في أداء مهامه بنجاح في السلطنة منذ عام 0791 وحتي الآن.. السر في أنه غير مستبد ولا ديكتاتور ولا ظالم.. ولا يتربح علي حساب شعبه.. يعيش وسط الناس في خيامهم وكهوفهم يسمع طلباتهم ويحققها علي الفور.. يؤمن أن البلد بلد كل عماني.. وحق كل عُماني أن يحصل علي ما يطلبه ويستحقه. هو إذن نموذج للقائد الناجح.. يختار الحكومة من الشباب المثقف.. يختار رؤساء المؤسسات والهيئات من الشباب الكفء.. ليس لديه أهل الثقة.. بل لديه أهل الخبرة.. هكذا تحيا الشعوب وتنعم في بلدها.. وطبعي ألا أحب النفاق.. ولا أزايد علي أحد.. ولا أميل إلي السياسة وأفعالها.. لكنها كلمة حق في بلد زرته لحوالي 27 ساعة فقط. ولذلك أنتقل معكم إلي انطباع أهم عن الزيارة السريعة. العالم الآخر عندما تحط قدمك في سلطنة عُمان.. فأنت في العالم الآخر.. والعالم الآخر يعني شيئين لا ثالث لهما.. الجنة أو النار.. ولا أبالغ أن قلت أنك في الجنة.. ناسها من الملائكة الطيبين.. وأرضها جميلة وشاطئها جميل.. ولا أبالغ أن قلت إنك لو بقيت ساعات قليلة في أرض عُمان فأنت قد ارتحت من هموم الدنيا.. وشممت هواء نقياً.. ونسيت القلق والتوتر.. الناس هناك غير متوترين.. والهدوء سمتهم.. والكلمات لا تخرج إلا بمنطق هادئ وترو.. والابتسامة علي كل الوجوه.. ترحب بك في كل مكان وأي مكان.. والقفشة لا تغيب عنهم.. والسماحة أهم صفاتهم. هكذا بقيت في عُمان ساعات قليلة أشاركهم فرحتهم بالعيد الأربعين لأول جريدة تصدر في عُمان.. وذلك بدعوة كريمة من الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحُسني وزير الإعلام.. والدكتور إبراهيم الكندي الرئيس التنفيذي لمؤسسة عُمان.. ووسط ترحيب كريم من أسرة التحرير برئاسة سيف المحروقي رئيس تحرير جريدة عُمان. ورغم أن جدول أعمال ساعات الزيارة كان مشحونا.. حيث لقاءات مهمة مع كبار المسئولين صاحب السمو فهد بن محمود نائب رئيس الوزراء لشئون مجلس الوزراء والوزير المخضرم للشئون الخارجية يوسف بن علوي.. والرجل الذي أسس الإعلام في السلطنة عبدالعزيز الرواس مستشار السلطان قابوس للشئون الثقافية.. وقد نوهت عن هذه اللقاءات في تقرير نشرته »الأخبار« صباح الجمعة الماضية. أقول رغم أهمية هذه اللقاءات إلا أننا شاهدنا العاصمة مسقط وضواحيها خاصة منطقة »نزوي« التي تتميز بالجبال الشاهقة.. إضافة إلي القلعة المسماة باسمها.. وقد كانت سجنا رهيبا أيام البرتغاليين المحتلين وأيام اليعاربة.. كان المسجون يدخل الزنزانة لا يدري ما يحدث خارجها.. هو في قبو بلا هواء ولا نور ولا فتحة علي طريق.. ولكي يصل إلي القبو يتم الاحتفال به بصب العسل والزيت فوق رأسه من فتحات علوية للممر الموصل للقبو.. هكذا يصل إلي قبره! كانت »نزوي« عاصمة لعُمان في الفترة بين القرنين الثامن والثاني عشر.. لأنها تمثل حصنا ضخما للدولة لها برج دائري ضخم به فتحات مثبت بها مدافع لمواجهة أي اعتداء من أي اتجاه.. وتتميز مدينة نزوي بالعلم والمعرفة.. وكثرة العلماء والشعراء. وتتميز عُمان بأنها الدولة العربية الثانية التي شيدت دارا للأوبرا بعد مصر.. وتعتبر دار الأوبرا السلطانية بمسقط من أهم المعالم السياحية والفنية والثقافية.. حيث تقدم بها عروض من كل دول العالم مثل أمريكا وإيطاليا وألمانيا ومصر والمكسيك. هذه هي عُمان التي تستحق الزيارة. القلق والتوتر أعود إلي الحياة المتوترة التي نعيشها في مصر.. والسؤال هو السؤال منذ عام ونصف العام إلي أين نحن ذاهبون.. وكأننا في طريقنا إلي الجحيم.. لأنه لا يمكن تصور استمرار التخريب والتدمير وقطع الطرق واستخدام السلاح وأخذ الحق باليد وسقوط هيبة القضاء.. ونقول مع كل هذا إننا في طريقنا للبناء والنمو.. لقد بدأنا مشوار الهدم.. بدأت أجهزة الإعلام تلعب علي المصالح الشخصية.. ولا تضع في اعتبارها مصلحة الشعب.. مصر كانت دائما أولا.. الآن مصر آخر ما نفكر فيه.. مؤسسة الرئاسة تراوغ المعارضة.. والمعارضة تراوغ مؤسسة الرئاسة.. ولا حوار وطني ولا يحزنون.. والناس الغلابة لا حول لها ولا قوة.. الاتهامات متبادلة.. الشباب ترك الدراسة وتفرغ للمليونيات.. هل هذا هو المستقبل؟! أجبني السيد البرادعي.. أو السيد موسي أو البدوي أو صباحي أو غيركم.. هل هذا ما تريدون.. أجبني السيد رئيس الجمهورية.. أجيبوني أحزاب الإخوان والنور و.... و... ماذا تفعلون؟ ألا تدرون ماذا تفعلون بمصر.. إنكم تأكلون من جيفة مصر.. مصر ماتت بسببكم وأنتم تتكالبون علي قصعتها لتأكلوها.. أفيقوا يرحمنا ويرحمكم الله.. الشعب يريد انتهاء التمثيلية السخيفة التي تتبادلون فيها الأدوار.. الشعب يريد أن يتطهر من أمثالكم.. هل تذكرون مصر.. مصر صاحبة الفضل عليكم.. أنتم الآن أعداء مصر.. لا تريدون الحرية والديمقراطية للشعب.. بل تريدون تخريبها.. كفاية مهانة وإذلال للشعب المصري المطحون بين سندان رئيس وزراء لا يفقه شيئا.. ومعارضة حمقاء لا تريد إلا مصلحة شخصية.. لمصلحة من هدم قصر القبة أو قصر الاتحادية أو ترويع الآمنين بميدان التحرير والشوارع المؤدية لمجلس الوزراء وقصر العيني والداخلية ومجلس الشوري.. لمصلحة من تهجير سكان مناطق مثل التحرير والميرغني وفي المحافظات من مساكنهم إلي الشارع.. حرام.. كل ما تفعلونه حرام.. أنتم تتآمرون علي مصر.. لقد انكشفت ألاعيبكم.. الآن عرف الشعب الطيب كل شيء انتظروا هبة الشعب ضد ظلم المعارضة والحكومة واستبدادها وديكتاتوريتها.. لابد أن يتطهر الشعب منكم.. لقد انتهي الدرس! آسف جداً أنا آسف جداً.. ما كنت أود أن أنفعل في الكتابة هكذا.. ودائما أري أن اليوميات خواطر إنسانية اجتماعية.. لكن الأمور تفلت مني حين أشاهد ما يحدث في هذا البلد الطيب وأشاهد جدلا عقيما حول حلول وشروط للحوار الوطني.. إنها مأساة يعيشها كل مصري.. ولها مكان آخر في »الأخبار«.. أما اليوميات فنحب أن تكون دائما بعيداً عن السياسة.. لهذا رأيت أن تكون يومياتي أشبه بالمعالجات السياسية الممزوجة بالنواحي الثقافية والأدبية والاجتماعية.. الدرس الخالد أسأل الله العظيم أن يهبنا وإياكم في هذه الأيام نفوساً راضية وصدوراً من الهموم خالية وقلوباً بحبه صافية.. وأن يتم علينا وعليكم العفو والعافية. آمين يارب العالمين.