عازفات النور والامل مع العازفين الفرنسيين نور في وجوههم.. وامل في عيونهم.. وحب للحياة يتجاوز الاعاقة والظلمة.. يملكون ارادة من حديد ويمثلون معجزة كبيرة.. هكذا وصف الصحفي الفرنسي »صمويل هوركس« عازفات النور والأمل في مقال نشره بجريدة »اوليست فرانس« في نجاح جدير تحققه الاوركسترا مع ثالث زيارة لها لفرنسا. ففي ظل اجواء ساخنة تشهدها فرنسا ما بين الاستعداد لانتخابات رئاسية ومناظرات سياسية وبين الحادث الارهابي في تولوز الذي راح ضحيته سبعة فرنسيين.. دفعت السلطات هناك لرفع حالة الطواريء في المطارات.. فهم يجبرونك علي تجرع زجاجة المياه أو إلقائها قبل صعود الطائرة وعلي خلع معطفك وحذائك قبل المرور من البوابات الالكترونية ويخضعونك للتفتيش الذاتي اذا لزم الامر. وسط هذه الاجواء جاء الحضور المصري مختلفا ومميزا محققا صدي كبيرا في مدينة »سوجريه« الواقعة غرب فرنسا والتي تبعد عن باريس بنحو 006 كم وهي مدينة هادئة لا يتجاوز عدد سكانها ستة آلاف نسمة لكنها مثل كل المدن الفرنسية تحمل طابعا ثقافيا وفنيا وقد كون سكانها جمعية »الاوفاس« التي تعني بنشرالموسيقي واكتشاف المواهب من جميع الاعمار فكونت اوركسترا سيمفوني وفريق كورال للكبار وآخر للاطفال وتعمل علي التواصل مع المواهب الفنية في كثير من دول العالم. وقد دعت لذلك اوركسترا النور والامل لتقديم ثلاث حفلات .. وكان النجاح الكبير لحفل الاوركسترا في »كوفريه« مسقط رأس »لوي برايل« عام 8002 دافعا لاستضافتها مرة ثالثة حيث سعي الفرنسي دانيال كوريور لاستضافة الاوركسترا وقدمت ثلاث حفلات في سوجريه عزفت فيها بمفردها ثم انضمت لها اوركسترا الاوفاس حيث عزفت الفرقتين معا (08 عازفا وعازفة) علي المسرح ثلاث قطع موسيقية فرنسية ومصرية. الاطفال يسألون.. في اول ايام الاوركسترا في سوجريه كانت العازفات علي موعد مع الفنانين الصغار من العازفين والكورال ومن طلبة ستة مدارس ليحضروا اولي حفلات الاوركسترا المصري.. وقد جلسوا في مقاعدهم منصتين ومع نهاية كل فقرة ترتفع صيحات وتصفيق الأكف الصغيرة في تقدير كبير للعازفات اللاتي اثرن دهشة الصغار وكان اجمل شيء اتاحه منظمو البرنامج ان يلقي الصغار بأسئلتهم واستفساراتهم علي العازفات.. لتتوالي اسئلة تكشف عن براءة وذكاء في آن واحد.. فقد سألوا عن كيف يعزفن معا في هارمونية وكيف يتعاملون مع قائد الاوركسترا ومتي يبدأن التدريب؟ وكيف يحفظن كل القطع الموسيقية التي يعزفنها بدون نوتة؟ ولماذا لا تضم الاوركسترا سوي البنات؟ ومن ينفق علي اسفارهن؟ وسأل احدهم ببراءة وكم عمر كل منهن؟ فتصدي للاجابة مطرب الاوبرا المهاجر المصري جورج ونيس والذي كان احد ابرز المساهمين في اقامة هذه الاحتفالية وقال ضاحكا وهل يسأل احد امرأة أو فتاة عن سنها. ثم تحدثت السيدة امال فكري نائب رئيس الجمعية التي تتمتع بحضور كبير وطلاقة في الحديث بالفرنسية مؤكدة ان العازفات يحفظن بعد تحويل النوتة العادية إلي طريقة برايل وان لديهن قدرة كبيرة علي الحفظ وان وزارة الثقافة المصرية تساهم في تكاليف سفرهن واضافت ان هناك جمعيات اخري ترعي المكفوفين من البنين. 80 عازف علي المسرح وفي الحفل الاول الذي حضره جمهور كبير امتلأ به المسرح قدمت اوركسترا سيجريه التي تضم عازفين من مختلف الاعمار فقرتها التي شارك فيها عازف عود فرنسي وهو يتمتع بموهبة كبيرة في العزف ويتشبه في شكله واسلوب ادائه بالموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب. ثم جاء دور اوركسترا النور والأمل لتقدم علي مدي اكثر من نصف ساعة عزفا موسيقيا رائعا من الموسيقي الكلاسيكية لكبار موسيقيي فرنسا مثل جورج بيزيه وسان صانس وديليه إلي جانب مقطوعات كلاسيكية شرقية لابوبكر خيرت واحمد ابوالسعيد وراجح داود لتثير حالة من الاعجاب التي عبر عنها الحاضرون بتصفيق استمر لدقائق متواصلة التهبت فيها ايدي الجمهور. وفي تأكيد علي دور الفنون في التواصل بين الشعوب عزفت الفرقتان معا علي المسرح الذي استوعب 08 عازفا وعازفة نصفهم من اوركسترا النور والامل والنصف الآخر من اوركسترا سوجريه وعزفوا معا »لونجا« لرياض السنباطي ومقطوعتان فرنسيتان فاختلط العازفون الفرنسيون بالمصريين علي المسرح وتواصلوا مع لغة الموسيقي.. وقام المايسترو الفرنسي بتوجيه الاوركسترا الكبير بنفس اسلوب المايسترو المصري الذي يكتفي بالهمس للاوركسترا بصوته ليعزفن القطعة الموسيقية ويبدأن العزف ثم ينسحب من المسرح. وبينما كان العازفون الفرنسيون يعتمدون علي النوتة الموسيقية كانت العازفات المصريات يعزفن دون نوتة ويحفظن اللحن ويعزفن ببراعة اثارت اعجاب ودهشة الجمهور والعازفين الفرنسيين. ولم يخل المهرجان الفني من الشعر اذ تباري 4 من الفرنسيين في إلقاء قصيدة شعرية طويلة عن مصر تناولت كليوباترا والتاريخ الفرعوني والاهرامات والنيل. ليلة المفاجآت في الحفل الثاني الذي اقيم في الظهيرة »ماتينيه« والذي شهد حضورا اكبر فقد كانت الصحف قد صدرت معلنة عن وصول اول اوركسترا في العالم من الكفيفات لذلك لم يكن هناك مقعد خال واضطر اعضاء الوفد المصري لمشاهدة الحفل وقوفا.. وحقق الحفل نجاحا كبيرا وتسابق الجمهور الفرنسي لالتقاط الصور التذكارية مع العازفات.. وفي نهاية الحفل كان الفرنسيون قد اعدوا اكثر من مفاجأة للعازفات حيث أقاموا حفل استقبال علي المسرح تحدثت فيه استيفاني بلخ رئيس الاوفاس عن الصدي الكبير الذي حققه الاوركسترا المصري والسعادة التي منحها للفرنسيين بحضوره إلي سوجريه.. وقدمت هدية عبارة عن 04 ايشارب بعدد العازفات بعد ان لاحظن ان كلهن محجبات . وشهد الحفل غناء من العازفات المصريات اللاتي قدمن اغنية الفنانة يسرا »والله مالينا غيره« ورددها معهم العازفون الفرنسيون كما غنوا معا اغنيتان فرنسيتان. اما اكثر المفاجآت اثارة فكانت في ختام الحفل عند مغادرة الاوركسترا المصري متجها ليستقل الاتوبيس فقد اصطف العازفون الفرنسيون ومسئولو الاوفاس علي الجانبين يحملون الزهور ويلوحون بايديهم وبدموع طالت الحضور جميعا من الفرنسيين والمصريين الذين وحدت بينهم الموسيقي في مشهد انساني رائع.