حفل اوركسترا القاهرة السيمفوني الذي قادة المايسترو أحمد الصعيدي علي المسرح الكبير بالأوبرا بعد طول غياب يعيد من الأحداث الفنية الهامة علي الساحة الموسيقية خاصة انه جاء في ختام موسم لم يحمل أي سمة من سمات الثراء الفني لهذا الفريق وتاريخه العريق فكان هذا الحفل نقطة مضيئة عادت بالفائدة عليه وعلي الجمهور.. ورغم ان البرنامج يعد بسيطاً نسبياً ولا يعتمد علي كل اعضاء الفريق من عازفين وكورال إلا انه جاء مدروساً وقدم اعمالاً نادرة بالإضافة إلي أنه جمع بين نجمين من نجوم العزف البارعين مما كان أحد عوامل الجذب الجماهيري لهذا الحفل االممتع الذي حمل في طياته التجديد والمهارة.. النجمان هما عازفة آلة "الفلوت" د. ايناس عبد الدايم وعازف "الكلارنيت" د. محمد حمدي والاثنان من اوائل الاكاديميين ومن المساهمين الحقيقيين في النهضة الموسيقية الحديثة سواء في إطار التعليم بأكاديمية الفنون أو الاحتراف الفني في فرق دار الاوبرا وقد نجح هنا المايسترو الصعيدي في جمعها سوياً من خلال عمل واحد للمؤلف العالمي فرانز ايجناتزدانزي " 1763 1826 " بعنوان " سيمفونية كونشرتانت للفلوت والكلارينت والأوركسترا" في سلم سي بيمول الكبير مصنف 41. وعلي المستوي العالمي يعد هذا العمل من اشهر الأعمال ايضا التي تجمع بين هاتين الألتين والأوركسترا السيمفوني. ومؤلف العمل والذي ايضاً لأول مرة تعزف مؤلفاته من خلال الفريق المصري هو ألماني بدأ حياته كعازف تشيللو في اوركسترا ما نهايم ثم عازفاً في ميونخ عام 1783 بديلاً لوالده الذي كان ايضاً عازف لهذه الآلة. وفي عام 1807 تقلد منصبا موسيقيا رفيعاً في شتوتجارت تعرف من خلاله علي المؤلف كارل ماريافون فيبر "1786- 1827" والذي كان له أثر كبير في اتجاهه للتأليف وفهمه لمساحات آلات النفخ التي تفوق "فيبر" في التعامل معها..والعمل مكون من 3 حركات ويعد من الأعمال الثرية حيث نستمتع بحوار جميل بين الألتين منفرديتين في عدد من المقاطع ابرزهما في الحركة الثانية كما نجد هناك تبادلاً رائعا بين الأوركسترا والأليتين سوياً بشكل قصير ومرح كما في الحركة الثالثة وايضاً هناك عزف الألتين عصباجه اوركسترالية احياناً كاملة واحياناً بالتبادل مع آلات نفخ اخري مثل آله "الكورنو" كما أن هناك مصاحبة وترية بالنبر المتقطع بالاضافة إلي ان هناك عزفاً ثنائياً مع متابعة هادئة وخفيفة من كل آلات النفخ الفاجوت والأيوا. كما أن للكونترباص والتشيللو لهما دوراً بارزاً في هذا العمل الذي يأخذك في رحلة جميلة تختم بالحركة الثالثة التي تبدأ بعزف جماعي مع الاوركسترا ثم ينبري الفلوت بلحن جميل وترد عليه آلة الأبوا ثم يتباري مع الكلارنيت في حوار يحتاج إلي مهارة واحساس من العازفين اللذين بهرا الصالة وجعلنا نشعر بالفخر خاصة عندما صفق الاجانب وعشاق الموسيقي المعروفون بحرارة لهما وخاصة انها استطاعا تحقيق ما اراده المؤلف من اظهار التلوين والتباين بين هاتين الآلتين فأحيانا يجعلهما متضاءان وأحياناً أخري يعزفان لحناً سوياً ولكن من خلال صعوبات تقنيه في الأداء وهذا برز في "الكادينزا" أي الاداء الحر والمنفرد الخاص بهما.. وقد ساعد علي هذا بدون شك قيادة المايسترو الصعيدي الذي استطاع أن يبرز لنا مهارة عازفي هذا الفريق السيمفوني ويؤكد أن القائد الواعي والمتمكن يكون قادراً علي تفسير فكر المؤلف من ناحية وعلي استخراج كل امكانيات عازفيه من ناحية أخري. برنامج الحفل بشكل عام جاء كلاسيكياً ملتزماً بتقاليد الحفلات السيمفونية وهذا يحسب للقائد فكانت البداية مع إفتتاحية أوبرا"ايدومنينيو ملك كريت" من المؤلفات الهامة لموتسارت "1756-1791" وايضاً نادراً عزفها في مصر وبها فقرة هامة لآلة الكلارينت. أما الختام فكان مع "بيتهوفن" قمة التأليف الشامخة والذي تعد مؤلفاته ايضاً عنصر جذب لدي المصريين وأدي له الأوركسترا "السيمفونية الرابعة" والتي تعد ايضاً أقل السيمفونيات تقديماً وهي من اعماله التي تغلب عليها الكلاسيكية البحتة وقد عزفت لأول مرة في مارس 1807 ويتصف هذا العمل بالهدوء والاتزان الداخلي مع نسيج اوكسترالي اتضحت فيه مواهب بيتهوفن وشخصيته المتميزة . البرنامج بالكامل كما سبق ان ذكرت جاء اختياره موفقاً ورغم كلاسيكيته إلا أنه يحمل تجديداً علي الوسط الموسيقي المصري فمعظم اعماله لا يتم اداؤها كثيراً كما أن تتابع البرنامج. جاء مدروساً ومشوقاً وارضي اذواق عاشقي الموسيقي والأهم انه جمع بين ثلاثة من خيرة الموسيقين الأكاديميين في مصر المايسترو الصعيدي ومحمد حمدي وايناس عبد الدايم بالاضافة إلي نجوم السيمفوني اذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر عازف الأبوا طارق مهران وعازفة الفيولا رشا يحيي . ولايفوتني ان اذكر انه جاء فرصه طيبة للمايسترو الصعيدي الذي ساهم في تأسيس هذا الفريق علي مدي 10 سنوات وكان قائده الرئيسي ومديره الفني وفساد العهد البائد كان وراء اقصائه ليعود له في بعض الحفلات القليلة خلال الموسم. ولهذا كان الحفل بعناصره المصرية وبرنامجه الجيد في الاختيار والأداء نموذجاً جيداً عقب ثورة 25 يناير المجيدة كما أنه وضع لنا بارقة أمل في تصحيح اخطاء الماضي ونسيان الخلافات الشخصية والاتجاه إلي هدف واحد هو النهضة بالفنون والارتقاء والتطور بفرقتنا القومية وسيرها خطوات جادة نحو العالمية.