د. فوزى فهمى الاقتصاديون القتلة، هم موظفون مهنيون، محترفون، يتقاضون مرتبات خيالية مقابل ممارساتهم التآمر الخفي علي شعوب العالم، من خلال شركات احتكارية عابرة للجنسيات، وشبكة من الفساد المعولم، تمارس عسكرة الاقتصاد، وخصخصة الجيوش، دفعا إلي حروب اقليمية، أودينية، أو طائفية مصطنعة بين الشعوب، تنتج ارباكات تؤدي إلي ابادات عامة، تتيح لتلك الشركات نهب موارد الشعوب وثرواتها، لتصبح حكرا لنخبة صغيرة من الشركات المستحوذة، الجشعة والفاسدة، التي تستهدف مزيدا من النفوذ الوحشي سياسيا، واقتصاديا، وعسكريا، الطافح بشراسة الرأسمالية المفرطة التي تستند إلي نظرية »المليار الذهبي من البشر«، حيث تقصي هذه النظرية حق مقومات النماء الإنساني عن خمسة مليارات من سكان الأرض، البالغ عددهم ستة مليارات، وذلك لمواجهة اختلال التوازن بين التضخم الكمي للبشر، ونماء موارد الطبيعة التي لا تسمح بسوي تلبية احتياجات مليار واحدمن البشر فقط، هو ما يسمي المليار الذهبي، ويضم سكان الولاياتالمتحدة، وأوروبا، واليابان، أما المليارات الخمسة التي لاحق لها في العيش، فسكانها هم شعوب العالم الثالث. استوفت هذه النظرية قاعدتها التأسيسية، من النظرية التي طرحها العالم الإنجليزي »مالتوس« في القرن التاسع عشر، ومفادها أن الثروات في تناميها لا تتوافق مع سرعة تزايد السكان، وذلك ما يؤدي إلي تدرج في نقصان الموارد الطبيعية اللازمة لحياة سكان الأرض، لذا فإن الحروب، والكوارث الطبيعية، والأوبئة تبدو من منظوره ضرورة موضوعية للابقاء علي التوازن بين الثروات وعدد السكان. صحيح ان نظرية المليار الذهبي من البشر، عرفت »بالمالتوسية الجديدة«، التي تتأسس علي الاصطفاء البشري، وفقا لنظام فصل عنصري عالمي، يفصل قلة من مالكي الحقوق، عن شعوب العالم الثالث الفاقدة للحقوق، وصحيح أيضا أن هذه النظرية تعيد النظر في طبيعة التاريخ الإنساني، بل تسعي إلي تغيير مجراه جذريا بالقوة والحتمية، للاستيلاء علي جغرافيا العالم الثالث لتصبح ثرواتها نهبا وافتراسا لقلة من محتكري الحقوق، لكن الصحيح كذلك أن النظرية طرحت ثنائية لحدين فقط من المعادلة، هما »الثروة، والسكان«، وتجاهلت الحد الثالث من المعادلة، وهو »عدالة توزيع الثروة«، وذلك ما يؤكد امتداد اعتناقها لفكرة الالتزام بحماية الأقلية المالكة للثروات، وليظل العالم أسيرا للحواجز التمييزية مهما تضاربت مع مرجعيات أية قيم. إن تجليات احكام القبضة الأمريكية لوقف تضخم الزيادة السكانية في العالم الثالث، وتأهبها الدائم انتباها للمخاطر المتعاقبة بسبب ذلك التضحم، يتبديان واضحين فيما تفصح عنه مذكرة »هنري كيسنجر«، مستشار الأمن القومي عام 4791، بعنوان »أثر زيادة عدد سكان العالم في الأمن الأمريكي والمصالح الخارجية«، التي تكشف عن المقاصد المستترة من دعوي المناداة بضبط تكاثر سكان العالم الثالث، بوصفها قضية تشكل رأس أولويات سياسة الولاياتالمتحدة، لما يمثله اقتران ذلك التكاثر باستهلاك الموارد، والثروات المعدنية من قبل تلك الشعوب، عن طريق التطور التكنولوجي، أو بسبب الحاجة إلي إعالة الأعداد المتزايدة من السكان، وذلك ما يعد تهديدا مباشرا للأمن القومي للولايات المتحدة، وحلفائها، لاعتماد بقائهم وتطورهم مستقبلا علي تلك المواد من بلدان العالم الثالث. وقد اعتمد مجلس الأمن القومي الأمريكي ما جاء بتلك المذكرة، مثمنا المحاذير الواردة بها، بل أقرها استراتيجية قومية اتقاءً من احتمال وقوع ما لم يقع. انها حرب مفتوحة علي العالم الثالث، شعارها »كل شيء لنا، ولا شيء للآخرين«، حيث تتجلي سلطة أصحاب قناعة المليار الذهبي فوق سلطة كل البشر، إذ يمتلكون، ويتحكمون، ويهيمنون، ويبيدون البشر خارج كل حدود الحق. ويكشف عالم الاقتصاد، والناشط السياسي الأمريكي الشهير »ليندون لاروش« عن سطوة تفكيرهم »بأن هدفهم ليس استعمار مناطق معينة، واخضاعها سياسيا، بل يستهدفون إزالة كل ما يتصدي لسيطرتهم علي المصائر والأقدار، ويعوق نهبهم الحر لكل ثروات الأرض، وسحق كل بقايا السيادة القومية، وتقليص عدد سكان العالم من البشر إلي أقل من مليار، وعلي سبيل المثال، يتبدي هدفهم في أفغانستان والعراق، بأنهم لا يسعون إلي السيطرة علي هذين البلدين، بل إزالة أمم قومية عن طريق قوي الفوضي والدمار«. إذا ما كان صحيحا ان حرب الابادة المعاصرة، تعتمد علي الدفع بشن حملات »ارباكات« متنوعة، متعددة، تفجر تضليلات في توجهات المجتمعات المستهدفة وادراكاتها، ولوجا إلي الفوضي، بوصفها قلب الرحي التي تقود إلي احتراب الكل ضد الكل، فالصحيح كذلك ان هؤلاء القتلة الغزاة، الذين يمارسون اغتيال حاضر ومستقبل المجتمعات التي تقع شعوبها خارج المليار الذهبي، هؤلاء القتلة لا يرتدون زيا عسكريا، ولا يحملون في الغالب أسلحة، انهم القتلة الاقتصاديون الذين تحوطهم هالات الاحترام، والاجلال، ويصدرون عن سالف اضمار خفي، بارتكاب جرائم حرب اقتصادية تفضي إلي موت الملايين من البشر، انهم قتلة أربعة ملايين من أرواح شعب الكونغو، حيث مولت الشركات الغربية المتعددة الجنسيات، المليشيات، وزعماء الحرب، لتأمين الحصول علي الكولتان المعدن المستخدم في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، والألماس، والذهب، هذه الحقيقة الصارخة الصادمة، وغيرها من الحقائق، تناولها كتاب »لعبة قديمة بعمر الامبراطورية«، الذي اشترك في تحريره مجموعة من الكتاب، وأشرف علي تحريره »ستيفن هيات«، إذ فضح الكتاب أسرار ذلك العالم الخفي للقتلة الاقتصاديين الذين يعملون في خدمة نخبة صغيرة مسيطرة من المستحوذين، في ظل قناعة المليار الواحد من البشر الذي له حق العيش دون غيره، تري كيف يمكن الافلات من حرب الارباكات تلك؟