النيل نجاشي .. هو اسم أغنية تكاد تكون من التراث.. وسقطت في طي النسيان لمحمد عبد الوهاب .. غير أنها تحمل دلالات روابط ووشائج قوية وعميقة إذا ما عرفنا أن كلمة »نجاشي« تعني إمبراطور بلغة الحبشة في العصور القديمة !.. استحضرت مطلع الأغنية العميق والبسيط في آن واحد والتي تقول : " هيلا هوب هيلا " فتدعو إلي شد الهمم والعزائم علي ضفاف هذا الشريان الحيوي اليانع .. وراودني السؤال : تري ما الذي جعل فنانا كبيرا مرهف الحس مثل موسيقار الأجيال أن يتغني بهذه الكلمات .. اللهم إلا إذا كانت تعبرعن عواطف جياشة ومشاعر دافئة تجمع بين مصر هبة النيل كما قال عنها هيرودوت .. ودول حوض النيل من المنبع جنوبا وحتي المصب شمالا ؟! .. هذه الأفكار راودتني .. وأنا أتابع باندهاش الخلافات القائمة اليوم بين الأشقاء !! فلم أتصور ولم يخطر علي بالي وأنا مواطنة مصرية إفريقية .. أن يأتي يوم ينشب فيه خلاف أو حتي يدور حوار حول حصص المياه ونصيب كل دولة وتقسيم قطرات النيل !! .. وإنما النهر الخالد مثل لي دائما العمق والامتداد الطبيعي لمصريتي .. فهو يسري في دمي وروحي وعقلي وقلبي .. وهو ملهم الكاتب والفنان .. وتوأم العاشق والفلاح والنخلة والشجرة.. ومنذ طفولتي واكتمال وعيي عرفت النيل العظيم .. وفي ثقافتي وفي تعليمي كان نهر النيل دائما حاضرا .. فهو جزء لا يمكن أن ينفصل أو يتجزأ عني .!! وعندما كنا صغارا .. وكان يروي لنا .. أن أجدادنا كانوا يقدمون العرائس العذاري للنهر الأزرق المهيب في يوم وفاء النيل كقربان حتي لايغضب فيغرق البلاد والعباد .. كان يشطح بي الخيال في دنيا الأساطير مستغربة هذه العادات والمعتقدات بينما رهبة عجيبة تتملكني !! فأجري معه »ديالوجا« طويلا أغازله وأصالحه وأنا جالسة علي ضفافه .. وأرجو أبي أن يأخذنا في نزهة نيلية فأبتهج وتملأوني الفرحة عندما يستجيب .. لأمضي الفسحة بأكملها مائلة بجسدي الضعيف .. مادة يدي لتلامس مياهه المسحورة الباردة .. وأحاول أن أمسك بقطراته بين أصابعي المبتلة لأرتشف منه بينما تهتز بنا المركب الشراعية وهي سابحة فوق سطحه المتلألئ .. أكيد فيه حاجة غلط أو مش مفهومة .. لابد أن هناك من يريد أن يعكر صفونا نحن الأفارقة .. وصفو مياهنا الواحدة ونسيجنا الواحد .. لابد أن هناك من يحاول بث الفرقة بيننا .. ولكن هيهات.. لأن تاريخنا طويل وحافل ومصيرنا لا يتجزأ .. لقد ألفت النيل واعتدته وعشقته .. كما أحبه من قبلي عبد الوهاب.. وكما سيعشقه من بعدي الملايين .. حقا صدق من قال أن من شرب من مياهه لابد وأن يعود إليه .. فما بالكم بمن تربي عليها !! يا نيلي العظيم .. لاتخف ولاتحزن فمجراك أبدا لن يجف .. ونبعك أبدا لن ينضب !