تراجع المفكر السياسي د.مصطفي الفقي عن مقولته الشهيرة التي أكد فيها أن رئيس مصر القادم يحتاج إلي تفاهم أمريكي إسرائيلي حوله، مؤكداً أن الأمور تغيرت بعد ثورة 52 يناير، حيث أصبحت الإرادة الوطنية هي الفيصل. وأكد د.الفقي في حواره مع »أخبار اليوم« أن الرئيس القادم لابد أن ترضي عنه كل القوي السياسية وليس التيار الإسلامي فقط، معرباً في نفس الوقت عن قلقه مما يُثار حول اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. واقترح د.الفقي بأن يتولي فقهاء القانون الدستوري صياغة الدستور بمشاركة ممثلي كل القوي والطوائف المصرية علي أن يكون 05٪ من أعضاء اللجنة التأسيسية من داخل البرلمان و05٪ من خارجة.. تفاصيل الحوار في السطور التالية.. قبل الثورة بشهور قليلة أكدتم أن رئيس مصر يحتاج إلي تفاهم أمريكي إسرائيلي، وهو التصريح الذي أثار جدلاً واسعاً.. فهل مازال الرئيس القادم يحتاج للتفاهم الأمريكي الإسرائيلي؟ هذه العبارة قلتها في ظروف سابقة، ويجب أن تؤخذ في سياقها، حيث كان ملف التوريث في قمة تأثيره عام 9002، وكنت أشير إلي ذلك مباشرة علي اعتبار أن مسألة الاستسلام المصري لمطالب الولاياتالمتحدةالأمريكية والسياسات الإسرائيلية كانت واضحة تماماً.. أما الآن فالأمور تغيرت، وبعد ثورة 52 يناير أصبحت الإدارة الوطنية هي الفيصل وتغيرت المعايير، ولهذا فأي رئيس قادم أو مرشح للرئاسة لا يرتكز علي أرضية وطنية فلا نجاح له. رضاء العسكر والإخوان والأن.. هل لابد أن يرضي عنه المجلس العسكري والإخوان المسلمين؟ لا.. الرئيس القادم لابد أن ترضي عنه كل القوي السياسية، وإن كان الإخوان المسلمين قد حازوا علي أغلبية برلمانية، فهذا لا يعني أنهم هم من يحددون رئيس مصر القادم لأن مصر بلد له خصوصية الرأي العام وهو أقوي من المؤسسات الديمقراطية، بمعني أن مصر هي صانعة الرأي العام في المنطقة كلها، وهي التي تقودها، ولذلك فإن الشارع المصري ليس بالضرورة »صندوق الانتخابات« لأن الصندوق مقصور علي من يقترعون، ولهذا نجد قوي أخري تؤثر في الرأي العام ولكنها لا تشارك في الانتخابات، ويجب ألا نستهين بهذه القوي فمع وجود الإخوان المسلمين والسلفيين يوجد اليسار المصري، والقوي الليبرالية الحديثة، والناصريين، والأقباط، ويجب أن نعترف بضعف مشاركة هذه القوي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة مما أثر سلباً علي تمثيل المرأة في البرلمان، ولم يعكس دورها وتمثيلها كنصف المجتمع، وتلك مسألة لا تليق بثورة 52 يناير، وينسحب نفس الأمر علي الأقباط والشباب بالرغم من وجود قائمة نسبية كنظام انتخابي. وأؤكد أن تركيبة الناخبين في معركة انتخابات الرئاسة تختلف تماماً عن ناخبي البرلمان، وقد تحدث مفاجآت غير متوقعة نتيجة لذلك، وهذه ملاحظة أريد أن ألفت النظر إليها ونحن نستعد للانتخابات الرئاسية. أحزاب ورقية ولكن.. أين تقع الأحزاب السياسية التقليدية من هذه القوي الموجودة علي الساحة الآن؟ للأسف الشديد أثبتت الانتخابات الأخيرة أنها أحزاب ورقية أكثر منها جماهيرية، وأن بعضها واجهة صحفية تختفي وراءها بعض الشخصيات وأن تأثير الأحزاب السياسية في الشارع مازال محدوداً، وباستثناء حزب الحرية والعدالة والنور السلفي لم تتمكن الأحزاب السياسية بل وبعض القوي السياسية مجتمعة في إحداث نفس التأثير في الانتخابات البرلمانية الماضية، والحقيقة أن ما حدث في انتخابات مجلس الشعب الماضية يجب أن يكون درساً للجميع، علي الأحزاب أن تبدأ في إعادة حساباتها لكي تقوي، ولاسيما أن القراءة الحديثة لحزب سياسي تجعلها بمثابة مدرسة لإعداد وتخريج كوادر سياسية مدربة بالدرجة الأولي، وليس مجرد تجمع هلامي يتشدق ببعض الشعارات السياسية. حزب الثورة ومتي نري حزباً يمثل ثورة 52 يناير تمثيلاً حقيقياً؟ أشعر بالأسف الشديد لأن الثوار قاموا بثورة، ولم يتمكنوا من تشكيل تنظيمهم السياسي، وكانت النتيجة أنهم تشرذموا، وتوزعوا بين ائتلافات كثيرة، وضعف تأثيرهم إلي حد كبير مع أنهم أصحاب الثورة الحقيقية، وأنصحهم حالياً بأن يجمعوا صفوفهم، وأن يبحثوا مع العناصر الوطنية الناضجة إنشاء مجلس حكماء كبار يمدونهم بالمشورة، ويقفون وراءهم بالنصح، وأعتبر أن جيلي مستعد لذلك، وليست لدينا طموحات سياسية ونكتفي الآن بقصة »الدور المسحور« الشهيرة، وهذا كان حكم عصر مبارك علينا، وبالرغم من ذلك نحن مستعدون لإبداء الرأي عندما يُطلب منا، وإسداء المشورة عندما تكون هناك حاجة إليها. الرئيس القادم وما رأيك في كثرة عدد مرشحي الرئاسة؟.. وماذا عن الدعوة لاختيار رئيس توافقي؟ كثرة مرشحي الرئاسة تأتي مع الحرية التي تشهدها البلاد، وأتوقع أن يتساقط عدد من مرشحي الرئاسة نتيجة عدم حصول البعض منهم علي 03 ألف توكيل من عدة محافظات أو 03 نائباً من البرلمان وسوف تحدث عملية »غربلة« يخرج بعدها بعض المرشحين من حلبة السباق وذلك مع فتح باب الترشيح وانقضاء مدته القانونية. أما المرشح التوافقي فهذه قضية مرفوضة نهائياً لأنها تحمل معني الاتفاق الجانبي علي حساب إرادة الشعب المصري، وهي أقرب ما تكون لمرحلة الاستفتاء علي الرئيس في العصر السابق، وهي فكرة لا تعبر بالضرورة عن الأوضاع الجديدة، وهي أوضاع ما بعد ثورة 52 يناير، فلنترك الانتخابات مفتوحة ليقرر الشعب المصري بإرادته من هو الرئيس القادم دون وصاية من أحد مهما كان. وأي المرشحين الأقرب للفوز بالمنصب الرئاسي؟ هناك عدة أسماء أولهم منصور حسن بتاريخه المشرف، واحترام الشارع المصري والعربي له وهو صديق يحظي بحب واحترام واسع النطاق، وأذكر أن رئيس وزراء لبنان الحالي نجيب ميقاتي قال لي بالنص يا أخ مصطفي لماذا تبحثون عن رئيس ولديكم الأستاذ منصور حسن وعلي مرأي ومسمع من شخصيات عديدة، أعتقد أن منصور حسن أثبت علي مر تاريخه سواء في عصر السادات أو مبارك أنه رجل دولة، وسياسي علي أعلي مستوي، وصاحب موقف يشهد له الجميع، وأتصور أن ترشيح منصور حسن منح الحيوية والجدية لانتخابات الرئاسة. كما أري أن عمرو موسي جاهز ولديه خبرة طويلة، كذلك يتمتع د.عبدالمنعم أبوالفتوح بشعبية كبيرة واحترام لمواقفه السياسية في أمور كثيرة سابقة، وتجارب سجنه صقلته سياسياً.. وأيضاً يحظي حمدين صباحي المرشح الناصري بشعبية كبيرة في القاهرة والأقاليم ويتردد بااشارع أحياناً إمكانية اتفاق بين مرشحين يمكن أن تؤدي لتوليفة.. تدفع كلا من أبوالفتوح وصباحي لمنصب الرئيس ونائبه، وهذا يمكن باعتبارهما أصغر المرشحين سناً وتقارباً وهو تصور يناقش في الجلسات المغلقة. أيضاً يتمتع أحمد شفيق بشعبية، ويبذل جهداً ملحوظاً بالمحافظات بالإضافة إلي د.سليم العوا الفقيه القانوني والديني علي المستوي المصري والعربي والعالمي، والمستشار هشام البسطويسي رجل ملائكي النزعة، وتاريخه القضائي مشرف ودافع عن استقلال القضاء. البرادعي رئيساً للوزراء وما رأيك في إنسحاب د.البرادعي من سباق الرئاسة؟ د.البرادعي مفجر ثورة 52 يناير من وجهة نظري، وأحد أركانها الحقيقية، وانسحابه من الانتخابات الرئاسية لا يعد نهاية للمطاف، ولا لدوره الوطني، وربما يأتي به الرئيس القادم أياً كان رئيساً للوزراء نظراً لخبراته الدولية، ومكانته وقربه من شباب الثورة والنخب السياسية والطبقة المتوسطة والأحزاب أيضاً كما أنه يمتاز بسعة صدره ووصوله للناس وتواصله معهم. ربما يقبل المصريون رئيساً فوق الستين فهل يقبلون رئيساً للوزراء فوق السبعين؟ السن ليست قضية جوهرية لأننا في مرحلة انتقالية، ورئاسة الوزراء لكبار السن ليست بدعة ولا خطيئة، ونستطيع بعد سنوات أدعو الله أن تكون سنوات قليلة عندما تنضج الأحزاب السياسية ونصل إلي نظام برلماني أن يكون لنا رئيس يملك ولا يحكم وبالتالي يصبح رئيس الوزراء شاباً يتم انتخابه بالبرلمان، ويأتي من أغلبية، وهنا يحضرني مزيج من النمط الهندي والتركي وأراه نظاماً أفضل بدلاً من الخلطة الفرنسية والتي يتشدق بها البعض في هذه الأيام، فالنظام البرلماني يحطم فكرة الفرعون التي ارتبطت بالتاريخ المصري، وعندما نطبق هذا النظام تصبح لدينا دولة عصرية لو صدقت النوايا، وقويت الحياة الحزبية والأحزاب، وتفاعل الناس مع السلطة ونظام الحكم، وراقبوا كل الأحداث والقرارات. البرلمان والحكومة وكيف تتابع أداء برلمان الثورة؟ البرلمان الإخواني، وأداء مجلس الشعب لا اعتراض عليه، وأقول للناس إن الصوت العالي وتبادل السباب طبيعة وتحدث في برلمانات العالم كله، ويجب ألا نقف عند هذه الأمور لأنها سوف تقل، وربما تختفي تماماً مع الممارسة ويحدث في بعض برلمانات العالم التشابك بالأيدي والضرب أحياناً، وأنا مع رأي الدكتور سعد الكتاتني عندما أكد أن سبب ما يحدث ونراه من تجاوزات تحت القبة يرجع لإذاعة الجلسات علي الهواء مباشرة، وبالرغم من أن هذا القرار ينطوي علي الشفافية والحرية إلا أنه أحد أسباب الميول الاستعراضية لبعض النواب وحب الظهور أمام الناخبين. وكيف تقيم أداء د.الكتاتني كرئيس لمجلس الشعب؟ أنا سعيد جداً بأداء د.الكتاتني، وتوقعت نجاحه في إدارة الجلسات، ولكني فوجئت بقدرته علي الأداء الرائع واحترامه لنفسه وللنواب وللقوانين واللوائح، وسرعة تصرفه، وهو يمارس عمله بقدر عال من المسئولية البرلمانية وروح الإسلام، ودليلي علي ذلك تصرفه إزاء واقعة »الأذان« بقاعة مجلس الشعب، حيث اتسم بروح الاسلام وتسامحه والقيم البرلمانية المصرية الأصيلة مع رفضه التام للمزايدة علي الإسلام والمسلمين.. وبالمناسبة د.الكتاتني حاصل علي الدكتوراه من جامعة كبري بألمانيا وأيضاً د.محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة يحمل الدكتوراة من جامعة أمريكية محترمة، ولهذا يمتاز الإخوان بقدر عال من التعليم، ومن حملة الدكتوراة من الخارج، ومعظم أعضاء مجلس الارشاد من هؤلاء، وهم أكبر تيار سياسي الآن وبه كوادر مدربة، وعلي قدر كبير من العلم والمعرفة ولديهم روح الإسلام السمحة والوسطية، وأنا شخصياً اعتز بصداقتي للعديد من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة. وهل تتمتع بصداقة مع السلفيين؟ نعم، لي صداقات مع بعض السلفيين، وهم من الاتجاهات المعتدلة، ولكنني أري أن السلفيين لو قارناهم بالإخوان المسلمين في التطبيق العملي فإن الإخوان لديهم 08٪ سياسة و02٪ دين، والسلفيون العكس لديهم 02٪ سياسة و08٪ دين، وهما يطبقان هذا في تصرفاتهم اليومية دون أن انقص من قدر الجميع تحت عباءة الاسلام الحنيف. حكومة ائتلافية هل من حق البرلمان سحب الثقة من الحكومة وتشكيل حكومة ائتلافية؟ البرلمان الحالي ليس من حقه تشكيل وزارة في ظل دستور لنظام رئاسي، ولكنه فقط يستطيع أن يعترض علي الوزارة، ودوره في تشكيل وزارة يأتي في رأيي من قدرته علي تغيير قرارات تعيين الوزارة واستبدال الحكومات، والإعلان الدستوري الحالي لا يسمح بذلك بشكل صريح حتي الآن. وبالنسبة لتشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما يعني إشراك كل القوي السياسية فيها، فهذا لا يحل مشاكل مصر الآن، والتي تحتاج لخبراء ومتخصصين لحل مشاكل متراكمة ولا تحتاج لمندوبي قوي سياسية وأحزاب وجماعات، فنحن الآن في ظروف صعبة، ويجب أن نفكر فيها، ونختار للوطن أفضل عناصره ودون إقصاء أو استبعاد أي مصري وطني تحت أي مسمي، وعلي الجميع تقديم كل ما يستطيعون من جهد، وخبرة وتجربة حتي نجتاز هذه الفترة الحرجة. معركة الدستور وكيف تتابع معركة الدستور ولجنة إعداده؟ أنا منزعج مما أسمعه ولا يمكن أن تقوم جماعة معينة أو اتجاه واحد أو أغلبية برلمانية وفي وقت محدد بوضع دستور مصر القادم، وإذا افترضنا أنه بعد سنوات حدث تغيير في الشارع المصري وجاءت أغلبية من قوي سياسة أخري فهل تكتب لها دستوراً جديداً؟.. وهل يُعد الدستور من أجلها؟ ان الدستور يعده كل القوي السياسية وطوائف الأمة، وكل الاتجاهات المجتمعية وبدون استثناء، وأدعو الله أن تعود مصر لديمقراطيتها ونضجها السياسي الذي عاشته أثناء إعداد دستور 3291، والذي اشترك في إعداده بطريرك الأقباط وحاخام اليهود في مصر في ذلك الوقت وهذا كلام أوجهه للجميع وبصفة خاصة الأجيال الجديدة لتقرأ تاريخ مصر الحضاري.. علي أن يصيغ الدستور لجنة من فقهاء القانون الدستوري بمشاركة كل ممثلي القوي المصرية، وأري تشكيل اللجنة بنسبة 05٪ برلمانية و05٪ علماء وخبراء بكل المجالات. وفي النهاية قال د.مصطفي الفقي أدعو علي صفحات »أخبار اليوم« المصريين جميعاً أن يبشروا بالنظام البرلماني ولو بعد سنوات بمعني أن تصبح مصر كلها دائرة انتخابية واحدة، ونختار رئيساً للدولة هو الأول بروتوكولياً فقط بينما رئيس الوزراء هو الأول سياسياً وبذلك يحدث التوازن الذي تمضي عليه الدولة البرلمانية الحديثة التي أريدها لمصر حتي ولو طال الانتظار.