حين تعرض تونس منح اللجوء السياسي علي الاسد في ربوعها بعد ايام علي انعقاد مؤتمر »اصدقاء الشعب السوري« في احد منتجعاتها السياحية المملوكة سابقا لشقيق ليلي بن علي يكون الامر اكبر من محاولة فردية من رئيس تونسي علي صلة باطراف كثيرة من المعارضة السورية حين كان في باريس مناضلا في مجال حقوق الانسان لعدة عقود واصغر من مبادرة شاملة متكاملة ذات ابعاد وكواليس دولية وفي الحالتين يظل العرض اقتراحا موحي به من أطراف داخلية وخارجية تعبت من قدرة الرئيس السوري علي عدم الفهم بما في ذلك روسيا التي صارت تريد رحيله رغم التأييد الظاهري قبل ان يفني بقية اركان النظام من الذين تريد الاعتماد عليهم مستقبلا لترميم نفوذها. لقد كان »مؤتمر أصدقاء سوريا« فاشلا بامتياز ليس بسبب الدولة المضيفة وحدها واصرارها علي عدم تغيير ولو جملة واحدة من البيان الختامي الذي صيغ لينفي اي صلة للبلد بالتشجيع علي تسليح المعارضة السورية ورغم هذا الاصرار الذي دفع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل للانسحاب ظل وزير خارجية تونس رفيق عبد السلام وهو بالمناسبة صهر راشد الغنوشي وزوج ابنته ظل الي اللحظات الاخيرة يحاول تهدئة الخطاب السياسي للمؤتمر وهو غير مدرك حجم الاخطار المترتبة علي رسائل دولية من هذا النوع الذي يفهمه الاسد دوما علي انه رخصة جديدة للاستمرار في القتل داخل سوريا التي يتخذ نظامها شعبها كرهينة، وقد كان تشديد قصف بابا عمر وبقية احياء حمص وحماة في اعقاب انتهاء المؤتمر نتيجة طبيعية لتلك القراءة الخاطئة لنظام يبحث عن اي ثغرة في الموقف الدولي ليدلل بها علي نجاعة حله القمعي. ونتيجة لهذا الجو المحبط الذي سيطر علي السوريين وغيرهم منذ قراءة مسودة البيان الختامي التي صدرت لاحقا تحت مسمي »خلاصات الرئيس« كان من الطبيعي ان تكون اللقاءات الجانبية اهم من المؤتمر نفسه وقد كثرت هذه اللقاءات وكثر خروج وزراء الخارجية من القاعة الي درجة اوحت بانسحاب كثير غير انسحاب الوفد السعودي مع ان الامر لم يكن كذلك. احمد داود اوغلو وزير خارجية تركيا كان الاسبق في الخروج ثم تبعته وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون لتتحدث الي التلفزيون البريطاني وتتمشي علي »التيراس« البحري قبل ان تعود للقاعة ومع انها عادت ووزراء اخرون الا ان أوغلو لم يعد حتي حين اعلن عن قيام بلاده باستضافة اللقاء الثاني لاصدقاء سوريا في استانبول الأمر الذي أقلق بعض المتوجسين من الموقف التركي الذي لم يسبقه أحد علينا في علو الصوت المنتقد للاسد ونظامه لكن حجم الاجراءات الموازية علي الارض لعلو النبرة النقدية ظل دون المستوي. وطبعا ليس سرا ان تركيا تنسق مع ايران حول مستقبل سوريا فقد زار اوغلو طهران خمس مرات منذ بداية الازمة السورية، ومما زاد الموقف التركي حرجا بعد يومين من المؤتمر ان صحيفة »التايمز« البريطانية نشرت يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي تقريرا يثبت ان تركيا تغض الطرف عن شحنات اسلحة تصل للنظام السوري عبر اراضيها في حين تتشدد في قضية تسليح الجيش السوري الحر وهناك من يقول ان تركيا كانت ترغب بغطاء دولي للقيام بانشاء منطقة عازلة وممرات آمنة للمدنيين لكن السقف الذي وضعته تونس اغضبها كما اغضب السعودية خصوصا وان هذا السقف أتي في وقت يشهد فيه العنف في سوريا تصعيدا لم يسبق له مثيل منذ بداية الثورة السورية التي تدخل عامها الاول منتصف الشهر الحالي. ويقول بعض المطلعين علي كواليس ما يجري عربيا ودوليا ان الموقف التونسي ربما يكون قد أراح الاوربيين والامريكيين بالطريقة ذاتها التي ارتاحوا فيها للفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن في المرتين السابقتين، فهم يعرفون ان المطلوب هو القيام بتحرك ما لانقاذ المدنيين السوريين لكن ازمتهم الاقتصادية وافتقارهم للارادة السياسية الموحدة يجعل من الصعب الاتفاق علي قرار بالتدخل العسكري وهكذا يصبح من السهل عليهم ان يقنعوا الرأي العام في بلدانهم بأنه ليس هناك اجماع دولي يشجع علي اتخاذ موقف حاسم من النظام السوري. وبما ان الموقف الغربي خصوصا لن يتغير الا اذا تغير الموقف الاسرائيلي الراغب في ترك الاسد يقضي بنفسه علي الجيش السوري ويفتت وحدة البلاد، فان مؤتمر استانبول المعلن عنه هذا الشهر قد لا يكون افضل من مؤتمر تونس، ولن يعادل هذا التخاذل الدولي الا حزم عربي ظهر شفويا في خطابي وزير خارجية السعودية وقطر، وغاب عن خطابي العراق والجزائر تاركا سوريا المثخنة بجراحها تهتف كما اعتادت منذ عام: ما لنا غيرك يا الله