بمرتبات مجزية .. توفير فرص عمل في القليوبية    أحمد موسى: توريد القمح إلى وزارة التموين يوفر الدولار للبلد.. فيديو    الإسكان: إصدار 4 آلاف قرار وزاري لتخصيص قطع أراضي في المدن الجديدة    طائرات الاحتلال تقصف عدة مدن جنوبي لبنان    منافس الأهلي.. سقوط جديد للترجي قبل نهائي أفريقيا على يد الملعب التونسي (فيديو)    إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص على طريق شبرا بنها الحر    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    والده مات بسببها منذ 10 سنوات.. خلافات على أرض زراعية تنهي حياة شاب في المنوفية    حكم الاحتفال بشم النسيم.. أمين الفتوى: عادة شكر لله عند القدماء المصريين    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    عضو الجمعية المصرية للحساسية: يمكن تناول السمك المملح والرنجة في تلك الحالة    العالمي للسياحة: 270 مليار يورو أرباح متوقعة لإيطاليا في 2024    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    الهلال يطلب التتويج بالدوري السعودي في ملعب المملكة أرينا    سيد علي مهاجما يوسف زيدان بسبب طه حسين: "مجهول الاسم والهوية"    السلطات الإسرائيلية تداهم مقرا لقناة الجزيرة فى القدس المحتلة بعد قرار وقف عملها    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان وتلقيه العلاج في باريس    أصالة تهنئ الأقباط بعيد القيامة    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على موقع صوت أوروبا لبثه دعاية مؤيدة لروسيا    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    طريقة عمل الميني بيتزا في المنزل بعجينة هشة وطرية    التحية لأهالى سيناء    الخارجية الفلسطينية تطالب بتفعيل نظام الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    كل سنه وانتم طيبين.. عمرو سعد يهنئ متابعيه بمناسبة شم النسيم    يوسف زيدان يرد على اتهامه بالتقليل من قيمة عميد الأدب العربي    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    لتجنب التسمم.. نصائح مهمة عند تناول الرنجة والفسيخ    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    خوفا من الإغراءات الخارجية .. الأهلي يسعي لتمديد عقد مصطفى شوبير بعد نهائي دوري أبطال أفريقيا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد ثبوت حالة «الانقسام».. سوريا بين التدخل العسكري والحرب الأهلية
نشر في القاهرة يوم 06 - 03 - 2012

أصبحت جميع المساعي والجهود المبذولة بشأن الأزمة السورية تأخذ وصف "محاولات اللحظة الأخيرة "التي تتراوح نتائجها بين النجاح النسبي والفشل التام، بدون أن يترتب علي ذلك أي حسم أو تغيير يذكر في الموقف الداخلي في سوريا حيث يستمر نظام بشار الأسد في دك المدن السورية، واستخدام كل ما في ترسانته من أسلحة ثقيلة ضد الشعب السوري المنتفض ضده والمطالب برحيله نهائيا عن السلطة . وبينما كان الأمل في الأيام الأخيرة ينعقد علي نتائج مؤتمر "أصدقاء سوريا " الذي انعقد في تونس في 24 فبراير والذي شارك فيه ممثلو 60 دولة، لبحث الأزمة السورية، فقد انتهي المؤتمر بإدانات وتأكيدات ومطالبات اعتبرتها المعارضة السورية دون المستوي المطلوب، حيث تجاوز الموقف الداخلي في سوريا هذه المطالبات، ووصف البعض نتائج المؤتمر بأنها تقترب من "الفشل "وإن كان مؤتمر "أصدقاء سوريا "قد أعلن اعترافه بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي للسوريين الساعين إلي إحداث تغيير ديمقراطي سلمي في بلادهم، لكن ليس الممثل الوحيد . وعلي الصعيد الدولي، فقد سار الموقف في اتجاهين، الأول: تعيين الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثا مشتركا للأمم المتحدة والجامعة العربية للأزمة في سوريا، لبحث سبل إنهاء العنف ووقف تجاوزات حقوق الإنسان والتوصل إلي حل سلمي للأزمة . أما الاتجاه الثاني فقد تمثل في إعلان مصدر عسكري أمريكي أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) شرعت في إعداد سيناريو للتدخل في سوريا اعتمادا علي سيناريو شبيه من جانب حلف شمال الأطلسي (الناتو) في كوسوفو سنة 1998، بعد أن فشل مجلس الأمن في إصدار قرار لوقف عمليات القتل التي كانت تقوم بها حكومة يوغوسلافيا وأيضا إثر معارضة روسيا مشروع القرار وامتناع الصين عن التصويت . من ناحية أخري، أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حكومة الرئيس بشار الأسد لما تقترفه من الانتهاكات التي ترتكب في سوريا التي تصل إلي مستوي "جرائم ضد الإنسانية ". حصاد الأصدقاء 1- لم يبد علي أي طرف من الذين شاركوا في مؤتمر "أصدقاء سوريا "أية علامات بالرضا عن نتائج المؤتمر بالرغم من أن عدد الدول التي شاركت قد اقترب من حوالي 70 دولة، وتراوحت الانطباعات التي صدرت عن غالبيتهم بين القبول النسبي بالنتائج، وبين من اعتبرها نوعا آخر من العجز الدولي عن اتخاذ قرارات قوية تجبر الرئيس السوري بشار الأسد علي وقف المجازر اليومية التي تجري حاليا في سوريا . والحقيقة أن نص البيان الذي صدر عن "مؤتمر الأصدقاء "لم يأت بأي جديد، حيث تكررت مقولات من قبيل الالتزام الثابت بسيادة سوريا ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها، وإدانة النظام السوري لمواصلة انتهاكاته الواسعة والممنهجة لحقوق الإنسان، وتأكيد مجموعة الأصدقاء علي إيجاد حل سلمي للأزمة السورية بما يحقق آمال الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، والتأكيد علي الدعم الكامل للمبادرة العربية حول سوريا لتيسير الانتقال السلمي للسلطة، هذا إلي جانب ترحيب مجموعة الأصدقاء بجهود الأمم المتحدة لتنسيق الإغاثة الإنسانية بما فيها التمويل تحت إشراف منسق الإغاثة الطارئة، وإنشاء المنظمات الإنسانية الدولية لمراكز إيواء إنسانية في الدول المجاورة، والتعهد بالمساهمة في عملية بناء سوريا في المرحلة الانتقالية، كما طرحت قضايا منها إنشاء صندوق دولي لنجدة الشعب السوري، ومحاولة الوصول إلي إقرار ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلي المناطق المنكوبة، وقد اتفق الأصدقاء علي عقد لقاءات مماثلة كل شهر، حيث ينعقد المؤتمر التالي في تركيا في القريب العاجل، وتستضيف فرنسا المؤتمر الذي يليه . 2- بالرغم من أن مؤتمر أصدقاء سوريا لم يناقش مسألة التدخل العسكري أو تسليح هذا الطرف أو ذاك من المعارضة السورية، وتبين أنه في الجلسة المغلقة لأعمال المؤتمر ثارت عدة خلافات حول هذه المسألة حيث رفضت تونس والجزائر فكرة تسليح المعارضة، غير أنه علي هامش المؤتمر ظهر واضحا تأييد هذه الفكرة بقوة من عدة أطراف في مقدمتها السعودية وقطر مع تصريحات أمريكية غير واضحة بشأن هذه الفكرة . وكان من أكثر المنتقدين لنتائج مؤتمر أصدقاء سوريا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي أكد أن النظام السوري فقد شرعيته وبات أشبه بسلطة ( احتلال ) فلم يعد بإمكانه التذرع بالسيادة والقانون الدولي لمنع المجتمع الدولي من حماية شعبه الذي يتعرض لمذابح يومية يندي لها الجبين، ولم يعد هناك من سبيل للخروج من الأزمة إلا بانتقال السلطة، إما طوعا أو كرها. 3- تمكنت المعارضة السورية ممثلة في المجلس الوطني السوري من عرض وجهة نظرها علي المجتمع الدولي، وإسماع صوتها للعالم، حيث حدد برهان غليون رئيس المجلس عدة خطوط محددة مشيرا إلي أنه لا مجال للتنافس الإقليمي حول سوريا، أو تداول قضيتها من معسكر إلي آخر، لأن القضية الرئيسية تتمثل في تلبية طموحات الشعب السوري في الانتقال إلي نظام حكم لا يقوم علي أساس السيطرة بالقوة، وترويع المواطنين، وأن يكون للسوريين حاكم يعرف معني المساءلة والمسئولية، ما يعني العمل علي إنهاء حكم المافيا العائلية وإقامة نظام حكم ديمقراطي مدني يواكب العصر الجديد، وبالرغم من ذلك لم يتطور أمر الاعتراف الدولي بالمجلس إلي إنجاز حقيقي. مبادرات أخري 1- علي هامش الجهود الدولية من جانب المعنيين بالأزمة السورية تتردد الأنباء حول اتصالات سعودية روسية، لم تقتصر فقط علي التأنيب السعودي لموقف موسكو من سوريا ووقوفها وراء الرئيس بشار الأسد الذي لا يكف عن القمع الدموي للسوريين ، ولكنها امتدت إلي بلورة مبادرة سعودية روسية مضمونها يدور حول حل الأزمة وتقريب أطرافها من خلال الوقوف في منتصف الطريق، بمعني الإبقاء علي نظام بشار الأسد مع ضمانات بمشاركة المعارضة في الحكم وتسليمها رئاسة الوزراء، ويبدو أن الجانب الروسي يحاول نشر هذه الفكرة وإقناع الجميع بها، ولكن هذا كله لا يعني أن موسكو لا يمكن أن تصل إلي لحظة تبيع فيها بشار الأسد ونظامه، ذلك أن السياسة والدبلوماسية الروسية سبق أن لعبت هذه المناورة في أحداث سابقة، وهناك تكهنات بأن موقف روسيا من سوريا قد يتغير بعد انتخابات الرئاسة القادمة في 4 مارس القادم، وبعد أن يستقر فلاديمير بوتين في سدة الرئاسة ويتولي مقاليد الكرملين، ويبدأ في اتخاذ خطوات لتغيير السياسة الخارجية لبلاده . 2- غير أن الموقف بالنسبة للسعودية يرتكز علي أبعاد سياسية واستراتيجية أبعد من ذلك، وقد بدا واضحا أثناء مؤتمر الأصدقاء تفضيل السعودية لخيار تمويل وتجهيز الجيش السوري الحر، ربما بتعاون مشترك (خليجي تركي غربي ) ، علي خلفية وحدة الهدف الذي يربط بين ( ضرب سوريا والنفوذ الإيراني) في الشرق الأوسط، بضربة واحدة، وهي مصلحة سعودية / غربية مشتركة، ولا يخفي هنا قيام إيران بالاستعراض العسكري بإرسال بوارجها الحربية للشواطئ السورية. علي كل، فبالنسبة للسعودية لديها أسبابها الخاصة التي تدفعها للسير في هذا الطريق، ففي الداخل السعودي، بدأت مناشدات لعناصر جهادية تشجع علي توجيه الأفراد المقاتلين لمناصرة إخوانهم في سوريا ضد نظام بشار الأسد (ربما بدوافع طائفية) علي غرار ما سبق في تشجيع الجهاديين للسفر إلي العراق، وهذا الأمر يزعج السلطات السعودية، ومن ناحية أخري، فقد بدأت الأصابع الإيرانية تثير القلاقل في المنطقة الشرقية للسعودية، وفي مناطق أخري في منطقة الخليج، لإلهائهم عما يحدث في سوريا، وتحاول السعودية الإمساك بزمام الموقف في سوريا حتي لا يترك الحبل علي الغارب لإيران لابتلاعها علي غرار ما حدث في العراق، بل إن السعودية توجه النظر حاليا إلي العراق لمحاولة استعادتها من المخالب الإيرانية، ويبدو أن بغداد تبدي بوادر إيجابية مشجعة ربما تمهيدا لقمة بغداد القادمة . 3 - وإذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه، فقد تدعم السعودية المبادرة التركية / الغربية لإنشاء ممرات آمنة لإنقاذ المناطق المحاصرة في سوريا وتوصيل المساعدات الإنسانية، وتبدأ الممرات الآمنة من تركيا لمنطقة أدلب، ومن لبنان لحمص، ومن الأردن لدرعا، وهناك تكهنات وتوقعات بأن يكون ذلك مقدمة لصدام عسكري وشيك مع قوات الأسد، مما أثار تساؤلات عن احتمال وقوع مواجهات خليجية /إيرانية وشيكة علي الأراضي السورية، وقد أعلنت قطر أنها توافق وبصدد تزويد المعارضة بالأسلحة فعلا، وقد يبدو أن هناك اتجاها خليجيا عاما في هذا الصدد لأن البرلمان الكويتي أصدر بدوره قرارا غير ملزم يدعو حكومة الكويت إلي تسليح المعارضة السورية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق بشكل كامل . ومن المفارقات أن الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي يؤكد أن الجامعة ضد موضوع التسليح، ويركز العربي علي مطالبة مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار لوقف إطلاق النار في سوريا فورا. 4- علي الصعيد الأمريكي، يبدو أن دبلوماسية واشنطن بخصوص الأزمة السورية تنحو إلي تطبيق اتفاقات "الغرف المغلقة "بالمواكبة مع تصريحات مبهمة وغير محددة، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما يؤكد علنا أن الولايات المتحدة وحلفاءها سوف يستخدمون "كل وسيلة متاحة "لإنهاء سفك الدماء الذي تمارسه حكومة الأسد، وقد وصفت مصادر أمريكية ذلك بأنه أقوي تعليق من جانب أوباما منذ بداية الثورة السورية، أما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فقد أكدت أن نظام الأسد تجاهل كل تحذير وفوت كل فرصة وخرق كل اتفاق، فالنظام يخلق كارثة رهيبة، وعندما سئلت كلينتون عن احتمالات قيام أمريكا بتسليح المعارضة قالت "سننظر في هذه الفكرة". وعموما، فإن السياسة الأمريكية تسير بخصوص أزمة سوريا في اتجاه زيادة الضغط علي الأسد سياسيا واقتصاديا، ولكن بالمقابل، هناك آراء أمريكية تدفع في اتجاه تسليح المعارضة، ويأتي ذلك من جانب نواب جمهوريين مثل ميت رومني ونيوت جينجريتش اللذين يطالبان أوباما بتسليح المعارضة حتي تتمكن من الدفاع عن النفس ضد اعتداءات قوات الأسد، وتقوم هذه الفكرة التي ربما تكتسب ثقلا في الأيام القادمة علي أساس أن روسيا وإيران يمدان النظام السوري بالأسلحة، ويؤكد السيناتور جراهام علي هذا التوجه بالإشارة إلي أن قيام الغرب والعرب بالتدخل يساهم في إضعاف إيران، ويكسر العلاقة بين سوريا وإيران، وهذا في رأيه ( أكثر أهمية من محاربة البرنامج النووي الإيراني ) . 5- ولأن هذا التوجه عموما هو الغالب علي الموقف الأمريكي تجاه سوريا، فقد كان ملفتا إلي حد كبير أن يؤكد مصدر عسكري أمريكي بوضوح أن وزارة الدفاع الأمريكية تعد سيناريو للتدخل في سوريا وفقا لأسلوب مشابه جري تطبيقه من جانب حلف شمال الأطلنطي في كوسوفو في 1998، وحسب السيناريو، يمكن أن يبدأ بتقديم المساعدات الإنسانية ( كثغرة قانونية دولية ) لحماية فرق المساعدات الإنسانية حماية عسكرية، وأن هذا يمكن أن يتطور إلي حماية جوية لقوافل المساعدات التي يتوقع أن تنطلق من تركيا والأردن، ويمهد هذا السيناريو لإعلان منطقة حظر طيران. 6- ومع ذلك، فإن ما يتردد في الكواليس الأمريكية حول سوريا يعبر عن "حيرة "أمريكية بين مختلف المناهج والتي تتراوح بين تدبير انقلاب داخلي، أو تدخل محدود، أو تزويد الثوار بالأسلحة علما بأن هذا الحل الأخير غير مطمئن للكثيرين حيث توصف المعارضة السورية بأنها مجموعات غير منظمة وأقرب إلي الميليشيات، وتتعدد علاقاتهم إقليميا وعرقيا، وقد ألمحت كلينتون إلي أن تسليح الثوار قد يعني تقوية حركة حماس وتنظيم القاعدة وزيادة احتمالات الحرب الأهلية، ولم تتوصل كلينتون إلي رأي واضح أو موقف محدد، اللهم سوي وصف الرئيس بشار الأسد بأنه "مجرم حرب"بعد سقوط أكثر من 7500 قتيل حتي الآن. 7- هناك أيضا الطرف التركي والمعني تماما بتطورات الأزمة السورية، هذا علما بأن تركيا في الأيام الأخيرة وجدت نفسها في موقف تحاول فيه الدفاع عن نفسها مدعية بأنه ليس هناك أي طرف بذل جهودا تفوق ما بذلته تركيا بشأن الأزمة السورية . غير أن الموقف التركي شابته في الفترة الأخيرة عدة عوامل منها : ما نشرته معلومات صحفية بريطانية حول غض السلطات التركية النظر عن نشاطات ذات طابع عسكري تقوم بها شركات تركية في سوريا، وإسهامها في تهريب مواد أولية صينية وإيرانية لمركز إنتاج الأسلحة في سوريا، وتزويد شركات تركية لمعهد البحوث العسكرية السوري بالمواد
الخام التي يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة وذخائر . وطبعا، سعت السلطات التركية لنفي هذه المعلومات التي وصفتها بأنها تستهدف مصداقية أنقرة فيما يتعلق بالموقف في سوريا، غير أن المعارضة السورية توجه انتقادات مريرة لحكومة تركيا، وتصفها بالتردد والتراجع والخوف وخداع الثوار السوريين، بالرغم من أن وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو سبق أن صرح بأن كل الخيارات ممكنة بما في ذلك التدخل العسكري لوقف المذابح في سوريا، وأن هناك بالفعل مباحثات بين عدة دول لبحث التدخل لوقف حمام الدم وكبح جماح النظام السوري . وتتهم المعارضة السورية تركيا بأنها تأخرت في الانضمام إلي الدول الملتزمة بالعقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري، وترددت في تأييد مبادرة الجامعة العربية، وتسعي بكل جهدها للحصول علي غطاء دولي لأي خطوة تتخذها، علما بأن المعارضة السورية تنتظر من تركيا بحكم مسئوليتها التاريخية أن تقدم الدعم والإغاثة، وأن تعترف بالمجلس الوطني، وأن تقطع العلاقات من نظام بشار الأسد، وأن تغلق القنصليات التركية في سوريا وتطرد السفير السوري، وتتساءل المعارضة السورية : ماذا تنتظر تركيا لإقامة منطقة عازلة علي الحدود قرب منطقتي إدلب وجبل الزاوية، معللة ذلك بأنه يوجد لواء عسكري كامل مستعد للانشقاق علي الأسد، بمجرد إعلان المنطقة العازلة . ومن المعروف أن الموقف التركي عموما من أزمة سوريا مر بعدة مراحل من الإقدام والتأخر، نظرا لقائمة طويلة من حساب المصالح والتوازنات، علما بأن أنقرة تعرف تماما أن سقوط نظام الأسد سيترتب عليه إعادة رسم خطوط وملامح مناطق النفوذ والمصالح في المنطقة برمتها. مشكلات الثورة 1- علي الرغم من أن لكل ثورة من ثورات "الربيع العربي "ظروفها الخاصة التي تعكس ملامح البلد الذي تجري فيه الثورة سياسيا واقتصاديا وطبيعة تركيبة نخبة الحكم ومفاصل النظام المتسم عموما بالاستبداد والاستعداد الكامل لقهر الشعب إلي أبعد الحدود، غير أن هناك سمات مشتركة بين هذه الثورات تتمثل في عدم امتلاكها خطاباً قوياً وناضجاً وناتجاً عن خبرة سياسية قادرة علي الفهم والتعبير عن أهداف الثورة بصورة متكاملة، صحيح أن الثورات تقوم بها فئات شبابية غضة وليست مخضرمة ولا تمتلك غير الفورة الثورية الشبابية المبكرة، غير أنه في مرحلة تبلور الثورة، والتحاق الفئات الشعبية والقيادات الأكبر سنا وخبرة بصفوفها، فإنه حتي في هذه المرحلة، يبدو التعثر واضحا عن صياغة "برنامج الثورة "أو أجندتها أو جدول أعمالها، أومراحلها المتتالية، والتنوع في مخاطبة فئات الناس والجماعات والطوائف والمهن، حتي ليشعر الجميع أن الثورة تعبر عنهم وعن مشاكلهم وآلامهم وطموحاتهم، لكن ما حدث فعلا هو شيء آخر، حيث إنها في حالات تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، كان التركيز بقوة علي هدف رئيسي ووحيد هو إسقاط النظام، الذي ينتهي عادة بإسقاط رأس النظام . هذه المشكلة التي يمكن عموما اعتبارها من أهم مشكلات ثورات "الربيع العربي"يترتب عليها (بدرجات مختلفة) أن جزءا كبيرا من الشعب والفئات السكانية في كل بلد ، تظل بعيدة عن نهر الثورة وتيارها الرئيسي، وتتأخر في اتخاذ موقف محدد منها، وقد ينتهي بها الأمر إما باتخاذ موقف الحذر والترقب والبعد والسلبية والخوف ، أو باتخاذ موقف العداء والهجوم والمعارضة، ومن ثمة ندخل في مرحلة "الثورة المضادة ". 2- أيضا من مشكلات ثورات "الربيع العربي "أن طول فترة تولي الحكام العرب المستبدين للسلطة ، التي تتراوح بين 23 إلي أكثر من 40 سنة، والعيش لسنوات طويلة في ظل نظام واحد ورئيس واحد وهياكل سياسية واجتماعية متكلسة، ومعايشة ظروف حياتية جامدة ولا تنطوي علي أي استعداد للتغييرأو التطوير، هذه الظروف تورث الكثير من الناس إحساسا أقرب للبلادة والخمول الروحي، ورفض التغيير والخوف من أي جديد، ومعارضة أي جماعة تسعي لقلب المعادلات السائدة، ليظل كل شيء علي ما هو عليه خضوعا للأمر الواقع، وهي الحالة التي تسميها الأنظمة القمعية "الاستقرار السياسي "، وعندما تقوم الثورة، فإن هذه الفئات تخاف من التغيير، وتهاجم رموز الثورات، وتطالب بالعودة إلي "الاستقرار المزعوم ". 3- وفي الحالة السورية، فإن هذه المشكلات بدت واضحة تماما، وربما يتوقف عليها مصير الثورة السورية برمتها . فهناك فئات سكانية كثيرة في سوريا لا هي مع الثورة، ولا هي مع نظام الأسد، وهناك عدد كبير من المسيحيين الذين لم ينضموا للثورة لخوفهم من النظام الذي يمكن أن يعقب سقوط نظام الأسد، ويتشككون كثيرا في نوايا الثوار والمجلس الوطني السوري، وهناك من يتخوفون من اندلاع انتفاضة إسلامية، وهناك الفئات التي تخاف من عدم الاستقرار الذي ينتظر سوريا بعد الأسد، وهناك الطائفة العلوية التي ترتبط بنظام الأسد وتستشعر الخطر من سقوطه، ولم يفلح المجلس الوطني حتي الآن في طمأنة جميع هذه الفئات حتي يمكن ضمها إلي صفوف الثورة . 4- وحتي الآن، وبعد عدة أشهر من اندلاع الثورة السورية وتشكيل المجلس الوطني فإن الغالب عليه هو كونه مجرد تشكيل من أحزاب وتكتلات لديها مشروعاتها ومصالحها الخاصة، التي تأتي علي حساب المشروع الرئيسي ذي الطابع الوطني والمتعلق بإسقاط الشرعية عن نظام الأسد والإعداد الجيد للمرحلة الانتقالية وعدم التسرع في تقسيم تركة الحكم، وتعلق أطراف كثيرة من الخارج بأنها لا تستشعر أن المجلس الوطني يمثل جميع السوريين ويتصرف علي أساس أنه يمثل ثورة الشعب السوري، ومن ثمة فإن المجلس يحتاج إلي خطاب سياسي يراعي جميع حساسيات التركيبة السورية، وأن يضم إلي صفوفه خبراء سياسيين وعسكريين وقانونيين وإعلاميين لتطوير أعماله، وتوسيع التعامل مع جميع أطياف النسيج السوري بمرونة وتفهم شامل للمخاوف المثارة، ولا يقل أهمية عن ذلك أن يواجه العالم ككتلة موحدة بدون شقاقات داخلية، ويبدو أن المجلس يدرك تدريجيا كيفية تصحيح أخطائه وتطوير تجربته في العمل السياسي الجماعي لإنجاح مشروع الثورة، حيث أعلن الناشط هيثم المالح عضو المكتب التنفيذي في المجلس أنهم بصدد توفير الدعم للثوار، وسوف يتم دعم الجيش الحر سياسيا ومعنويا، كما أعلن برهان غليون رئيس المجلس الوطني تشكيل المعارضة السورية لمجلس عسكري للإشراف علي المعارضة المسلحة داخل البلاد وتنظيمها لتكون بمثابة "وزارة دفاع للثورة "، كما أصدر المجلس الوطني بيانا مفصلا يؤكد أن العلويين كانوا وسيظلون جزءا مهما من الشعب السوري، وسوف يتمتعون بحقوقهم التي يتمتع بها أبناء الوطن السوري الواحد من مسلمين ومسيحيين وباقي أبناء الطوائف الأخري، وأكد البيان أن الكثير من نشطاء الطائفة العلوية انضموا لاحقا إلي صفوف الثورة، وفي هذا الصدد تلمح أطراف دولية إلي أنه يمكن تقديم ( ضمانات حماية دولية للطائفة العلوية لتحويل موقفها نهائيا إلي جانب الثورة ) و تشكل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس الأسد 12 % من الشعب السوري، ويتوزع العلويون بين السلسلة الجبلية لمدن اللاذقية وطرطوس وبانياس، كما تنتشر قراهم في ريف حمص وحماه وإدلب . مصير النظام 1- علي صعيد الداخل السوري يمضي الرئيس بشار الأسد في طريقه لقهر وذبح الانتفاضة الشعبية التي تطالب برحيله، وفي الوقت نفسه يمضي في تنفيذ ما يعتبره خطة الإصلاح السياسي حيث تم الاستفتاء علي الدستور الجديد، الذي تضمن إلغاء المادة الثامنة التي كانت تنص علي قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، وجاء بدلا منها النص علي أن النظام السياسي للدولة يقوم علي مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطيا عبر الاقتراع، كما ينص الدستور علي انتخاب رئيس الدولة من الشعب مباشرة لولاية مدتها 7 سنوات يمكن تجديدها لمرة واحدة فقط وذلك وفقا للمادة 155 من مشروع الدستور الذي أبقي علي الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، ولا يطبق الدستور بأثر رجعي، ما يعني أن الرئيس بشار الأسد يحق له الترشح لولايتين رئاسيتين جديدتين مدة كل منهما 7 سنوات، ما يعني أيضا إمكانية امتداد حكم الأسد حتي عام 2028، وهكذا لم يدرك الرئيس السوري حتي الآن حجم وعمق غضبة الشعب السوري الذي يصر علي رحيله، ولم يتفهم بشار الأسد بعد آفاق اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة العربية، ولايزال الأسد رئيسا، يعيش علي ميراثه السلطوي وثوابت الدولة البوليسية التي سمحت له بإجراء استفتاء علي أشلاء الضحايا . 2- مع محدودية النتائج التي تمخض عنها مؤتمر الأصدقاء، فإن الشعب السوري يواجه السؤال الحرج المتمثل في الاختيار بين المطالبة بالتدخل العسكري المباشر والصريح لإنقاذة من براثن الأسد، وبين المطالبة بتدخل المؤيدين والمتعاطفين مع الثورة من الدول الكبري ودول الجوار بضرورة تسليح المعارضة ( والجيش السوري الحر ) بمنطق الدفاع عن النفس . وهنا يلاحظ أن التوجه الدولي، حتي الآن، يستبعد التدخل المباشر بالرغم من أن هذا المطلب أصبح شائعا وصريحا علي مستوي معارضي الداخل والخارج مع توحش آلة الحرب وقسوة قوات النظام في مواجهة السوريين المدنيين، ومع استبعاد التدخل المباشر، فإن مايشبه الاتفاق الضمني قد تم علي مستوي الأطراف العربية والغربية المعنية بالأزمة السورية علي الاستمرار في "استنزاف "النظام السوري، والضغط عليه بمختلف الوسائل، حتي يسقط من تلقاء نفسه . والمقصود هنا بالاستنزاف هو الاستمرار في فرض العقوبات الاقتصاديةعلي سوريا والتشدد فيها حتي يخسر النظام احتياطياته المالية التي هبطت من 18 مليار دولار قبل اندلاع الثورة، إلي مايقرب من 10 مليارات حاليا، وفي هذا الصدد يجري التشديد علي مصارف لبنان التي تتولي حتي اليوم دعم بشار الأسد، ما يمكن أن يعرضها لعقوبات دولية، أما عن الدعم الذي تحصل عليه سوريا من روسيا، فإن الأوروبيين يعتزمون اعتماد خطة للتضييق علي تعاملات البنك المركزي السوري مع المصرف المركزي الأوروبي، ما يجعل من الصعب علي روسيا نقل المساعدات إلي نظام الأسد . وقد تم بالفعل فرض القيود علي المصرف المركزي السوري وتجميد أرصدته في أوروبا، إلي جانب فرض حظر علي قطاع الشحن الجوي القادم من سوريا، والحظر علي تجارة المعادن الثمينة مثل الذهب مع سوريا، وإضافة أسماء 7 مسئولين جدد إلي لائحة العقوبات، التي تمنع حتي الآن سفر أرصدة كبار المسئولين في النظام السوري والمقربين منه . 3- علي الصعيد الميداني، يبدو أن مصير النظام السوري (جزئي، و حتي الآن علي الأقل) سيعتمد علي السجال الدائر بين الجيش النظامي من ناحية والجيش السوري الحر وتجمع الضباط الأحرار من ناحية أخري ، والمنتظر أن يحصلا علي إمدادات من عدة جهات، خاصة بعد تشكيل ما أطلق عليه "المجلس العسكري الثوري الأعلي "، الذي أصدر أوامره بالتصعيد مع القوات الحكومية بهدف تخفيف الضغط علي مدينة حمص السورية، التي تتعرض لقصف متواصل من جانب قوات الأسد منذ عدة أسابيع، وقد أعلنت قوات الثورة السورية أنها تنتظر وصول إمدادات عسكرية للقيام بقطع الطرق المؤدية إلي المناطق الشمالية، تمهيدا لإعلان حمص أولي المناطق العازلة التي يتم إقامتها .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.