كارثة بورسعيد.. لا تحتاج أن نبحث عن كبش فداء.. أو شماعة أخطاء.. أو توجيه التهم وإلقاء المسئوليات.. الجميع زائلون.. فليذهب وزير الداخلية.. وليذهب رئيس الوزراء وحكومته، وليذهب المجلس العسكري.. هذه ليست القضية.. الحساب القاسي مطلوب وسيحدث.. سوف يرحل المجلس العسكري ويتسلم السلطة رئيس مدني منتخب، سوف يحال وزير الداخلية للمحاكمة ويأتي وزير آخر، الدكتور كمال الجنزوري سيترك رئاسة الوزراء ويستريح وزراؤه، وتأتي حكومة جديدة.. هل تتصور أن هذا يكفي لإنقاذ مصر.. أبداً.. القضية ليست تغيير أسماء مسئولين أو شكل سلطة.. واهمون إذا تخيلنا ان كل مظاهر الفوضي والذعر والموت سوف تتوقف.. المراد بمصر أكبر من كل ذلك. لماذا لا تصدقون ذلك؟.. لماذا فقدنا الثقة في أنفسنا وبين كل طرف وآخر؟ ولماذا نتوقف عند كل كارثة ونعلق الأسباب علي اتهامات للحكومة والمجلس العسكري وترفض عقولنا وقلوبنا أنهم مجرد رمز لسلطة وأن الهدف الأهم والأكبر للمتآمرين علي مصر إسقاط الدولة. هذا ما يجب أن يكون واقرا في نفوسنا وعقولنا جميعا.. ان الوطن هو المستهدف.. وتكرار الكوارث لا يفيقنا وأن المسلسل قائم ومستمر، نغير الأشخاص أيا كان موقع مسئوليتهم. ونرفض التعامل بمنطق أن الوطن في خطر داهم والزمن يقترب من حافة الخطر ونحن نصر ألا نفيق إلا علي عويل نحيبنا علي أمة ضاعت. أضم صوتي إلي المنادين بانتخاب رئيس جمهورية اليوم قبل الغد.. ووضع دستور بالأمس قبل اليوم.. ولكن هل سيوقف ذلك حالة الفزع التي نعيشها وتدهور مصر خارجيا.. سياحة واستثماراً وسمعة شعبها المتحضر.. هل يملك رئيس الجمهورية الجديد ورئيس حكومته ووزير داخليته العصا السحرية للمطالب الفئوية ابتداء من سائقي الحنطور الذين يغلقون المناطق السياحية.. وعمال هويس إسنا الذين يغلقون النيل.. ومرورا بمئات الأمثلة يوميا لمثل هذه المطالب، وانتهاء بحالات الخطف لأطفالنا والأجانب والسطو المسلح في عز النهار وافتعال الكوارث الإنسانية من آن لآخر.. من حادث مسرح البالون وأحداث ماسبيرو وشارعي محمد محمود ومجلس الوزراء وحتي أخيرا كارثة ستاد بورسعيد.. وتداعياتها بمواجهات العنف بين المتظاهرين والأمن في القاهرة وبعض المحافظات.. في كل واقعة أطحنا بوزير داخلية وجميع القيادات في موقع المسئولية كل حسب مسئولياته وعمله. وغداً سنطيح بوزير الداخلية ورئيس الحكومة، وبعد غد سيترك المجلس العسكري السلطة.. وهذه قرارات أو مطالب شعبية تشفي الغليل وتساعد العقل في معرفة الأسباب وتريح الضمير أننا فعلنا ما يجب أن نفعله. ولكن كل هؤلاء ليسوا الهدف من الخطط الشيطانية.. وإنما الهدف أكبر من ذلك.. أكبر من كل هؤلاء.. وأكبر من كل فلول نظام ومساجينه مهما كان تنظيمهم وأموالهم وسم حقدهم علي الثورة وشبابها. هذا ليس دفاعا عن أي مسئول في موقع المسئولية، ولكنه ما يجب أن يقال حتي نثق جميعا أننا المستهدفون مما يحدث.. شعبا ووطنا وأرضا وتاريخا.. كل هؤلاء هم مصر.. التي يتخيل بعض العرب وهو الأمر المحزن انها في كبوة وليست في ثورة. ولابد من إطالة كبوتها لترقد إلي الأبد أو تقصر هامتها أو يخفت نورها وتضعف قوتها. وأبناؤنا المغتربون في بعض الدول العربية يروون من القصص والمواقف عن التفرقة في المعاملة وتعمد الإهانة الكثير من المواقف المخجلة والتي تكشف عن صدور موغلة ونفوس حاقدة. مصر.. التي تري إسرائيل أنها دخلت في نفق ويجب ألا تخرج منه إلا جسدا ميتا.. وأن الوقت قد حان لتنفيذ مخططاتها التوسعية واستكمال الحلقة الثالثة والأخيرة في تاريخها منذ وضعها الآباء المؤسسون الصهاينة في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 وحددوا مراحلهم الزمنية لإسرائيل الكبري بمائة وخمسين عاما، الخمسون الأولي لإنشاء الدولة وقد حدث عام 1948 والخمسون الثانية لتمكين الدولة، ويتوهمون أن الظروف مواتية اليوم للتبكير بالمرحلة الأخيرة، الخمسون الثالثة لهيمنة الدولة الإسرائيلية.. إسرائيل الكبري من البحر إلي النهر حسبما ترصدها خريطة إسرائيل في قاعة الكنيست الدولة الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.. الأكبر مساحة وقوة اقتصادية وعلمية وعسكرية. مصر.. التي تري أمريكا.. ان البوادر لاحت مع ثورتها لتنهض من جديد دولة قوية ذات سيادة حقيقية. أمريكا أول من يعلم أن صحوة المارد المصري في شعب يبحث عن الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة، إذا ما استطاع.. لن يكون تابعا قانعا، أو راضيا بالقليل.. شعب لا يقبل إلا أن يكون السيد والقادر بإبداعه وإنتاجه وحضارته.. وسكان البيت الأبيض والكونجرس لا يقبلون بذلك.. ولكن يقاومونه بكل الوسائل لتظل مصر الضعيفة الذليلة التابعة وتفسح المجال العربي لأحلام آسيادهم في تل أبيب.. »اسيادهم« ليست من قبيل البلاغة في استخدام الكلمة ولكنه الواقع الحقيقي الذي تتعامل به إسرائيل مع أمريكا.. والأمر الواقر في عقل كل مسئول داخل الولاياتالمتحدة. مظاهر تدخلاتهم في أحداث الفوضي والكوارث بكل أنواعها بمصر لا تحتاج مشقة المنطق للاقتناع بها، ما معني شعارات أصحاب دعوة الفوضي الذين يطلقون علي أنفسهم »الأناركية« في قلب ميدان التحرير وشوارع مصر وميادينها.. ما معني دخول مصر مليار و200 مليون جنيه سراً خلال الشهور الستة الأخيرة دون أن يعلم أحد من أخذها وفيم أنفقها والمعروفة بقضية التمويل الخارجي؟.. وعندما يسرع القضاء في التحقيق في القضية تستنفر الإدارة الأمريكية طاقتها لكسر أنف مصر وقانونها واعتبار رعاياها فوق القانون والسيادة المصرية. ويهدد أعضاء الكونجرس بقطع المعونة السنوية.. فلتذهبوا أنتم ومعونتكم إلي الجحيم.. الشعب المصري يأبي هذا علي كرامته حتي لو صام عن الطعام.. ولماذا لم يتجرأوا علي الإشارة لإسرائيل بكلمة نقد وليس بتهديد قطع معونة عندما صفع نتنياهو الرئيس الأمريكي أوباما بقذائف شتائم عندما ألمح إلي ضرورة التزام إسرائيل بما تم الاتفاق عليه لاستئناف عملية السلام.. رغم أن اتفاق المعونات الأمريكية لمصر وإسرائيل موقع أساسا لدعم عملية السلام.. ورغم ان إسرائيل تقوم علي مِنَح أمريكا من الرغيف إلي الصاروخ.. وإذا أعطتنا دولاراً تعطيها عشرة! مصر.. هي المستهدفة.. لا تحتاج إلي أدلة وبراهين.. وليكن لنا في التقرير المحايد للجنة تقصي الحقائق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان برهان.. وهي لجنة محايدة لمجلس مستقل.. والتي أكدت أنها توصلت إلي معلومات تكشف عن جانب من »اللهو الخفي« الطرف الثالث المجهول في الحلقة المفرغة التي ندور فيها.. حددت اللجنة شخصيات من الحزب الوطني المنحل تمارس ضغوطا بما تعرفه من معلومات ضد سياسيين حاليين لتطويع مواقفهم لصالح النظام السابق.. والمواقف عديدة ومتنوعة بدءا من الرأي وحتي إشاعة الفوضي والقتل والتدمير.. والطرف الثالث من الحزب الوطني وأصحاب المصالح، ليس ببعيد عن الأطراف الخارجية وتشابك وسائلهم لتحقيق الهدف المشترك. وحتي نتبين الموقف الصعب الذي نعايشه.. دعونا نتأمل ما العمل في حالة التناقض التي نعيشها في التعامل مع الجيش والشرطة.. إذا اضطروا للتدخل لوقف أي عنف لابد من حدوث احتكاكات واصابات واحيانا وفاة.. فينتفض الجميع في النقد والهجوم عليهم.. قتلوا الشعب.. يجضهون الثورة.. واذا اضطرت قوات الشرطة والجيش للوقوف علي الحياد وعدم التدخل نهائيا. تحدث أعمال العنف والقتل والتخريب.. ونجد أنفسنا في نفس الوقت أمام الإدانة والاتهام للأمن بعدم التدخل.. حالة من الانفصام الغريبة وعدم الثقة والتشكيك. ما الحل؟! والجميع يرفض الحوار والالتزام بالهدوء وتوفير المناخ المناسب للاستقرار وتفويت الفرصة علي أي طرف في تنفيذ مخططاته ضد مصر. ليس هذا إعفاء لكل من في موقع السلطة من المسئولية.. تجاه الكارثة تلو الأخري.. المجلس العسكري يعلم.. والحكومة تعلم.. والقضاء يعلم.. كل ما يدور في الخفاء أو يحاك ضد مصر. ولابد من إعلان جميع الحقائق والمعلومات، وهي أولي الخطوات لبناء الثقة مع الشعب.. حق الناس أن تعرف وتتدبر لنقف جميعا علي قلب رجل واحد.. إعلنوا كل ما لديكم ليكتشف الشعب الحقائق المفزعة ومؤامرات من يستهدفون الوطن.. لم يعد الأمر يحتمل حساسية علاقات مع دول أو مصالح مشتركة.. فمصر اليوم هي الأهم والأغلي لنحافظ عليها.. إما ذلك أو تكفوا عن تكرار لغة الطرف الثالث والمؤامرات الخارجية، الشعب يقبل أعذار التقصير ولكنه يرفض الكذب والخداع. وإذا كان إعلان نصف الحقائق ينقذ الوطن فإن تأخير الحقيقة كاملة يضيعه كله. ولكن تبقي إجراءات عاجلة يمكن تحديدها في بعض النقاط: تبكير موعد انتخابات الرئاسة، حتي نقضي علي الفزاعة التي تتخذها بعض المظاهرات والمليونيات مبرراً لحالة الشلل في الفترة الانتقالية. وحتي نعجل بحق وقدرة الرئيس الجديد في اتخاذ ما يلزم من إجراءات مهما كانت لمواجهة حالة الفوضي التي تعم البلاد. وحينها فقط سنعرف إن كانت دوامة الفوضي شأناً داخلياً له مبرراته أم مؤامرة أكبر. إقالة وزير الداخلية دون انتظار لاتهامات أو نتائج لجان تقصي حقائق، وهو القرار الذي كان يجب اتخاذه قبل كارثة بورسعيد بمجرد تكرار حادث السطو المسلح علي البنوك وسيارات نقل الأموال.. وإن لم تكن لديه الامكانيات المادية والبشرية لمنع ذلك، كان يجب عليه أن يعلن للرأي العام ذلك، حتي لا يصبح هو المتهم الأول إزاء أي تقصير. إزاحة جميع قيادات النظام السابق ورجال الحزب الوطني من مقاعد المسئولية في أي مكان وأي وزارة وفي مقدمتهم بالطبع رجال الشرطة، فمن تربوا في أحضان نظام فاسد وكانوا كوادره ورجاله، لايمكن أن يكونوا ثوريين في يوم وليلة.. وسيظلون مرتبطين به حتي ولو عاطفيا ونفسيا. تشتيت شمل شلة »الأنس والبغددة« لرموز نظام مبارك في سجن طرة، بنقلهم إلي سجون مختلفة في حبس انفرادي ومعاملتهم معاملة مجرمين أشقياء. وكلام الداخلية ان تجميعهم لنقص امكانيات التأمين أو حركة سيارات الترحيلات غير مقبول. نقل المخلوع من المركز الطبي العالمي إلي مستشفي سجن طرة. ومعاملته كمتهم عادي مثل أي مواطن متهم ولا فرق بينه وبين أي مريض مسجون وليذق مرة ما يعاني منه عامة الناس، والأعمار بيد الله سواء كان في طرة أو علي ريش نعام في أرقي المستشفيات العالمية. الإعلان فورا عن نتائج التحقيقات التي تمت في أي أحداث سابقة »البالون وماسبيرو وشارعي محمد محمود ومجلس الوزراء«، وإحالة المسئولين للمحاكمة مهما كانت سلطتهم.. والإعلان فوراً عن النتائج التي تم التوصل إليها حتي الآن في قضية التمويل الخارجي. علاج جميع مصابي الثورة علي نفقة الدولة وفي أكبر المستشفيات.. فهم الأحق بذلك وليس ساكني المركز الطبي العالمي.. مع تكريم الشهداء التكريم اللائق بالتضحية بحياتهم. التطبيق الحاسم للقانون علي كل مظاهر الفوضي والخروج عن القانون باعمال تضر بمصالح الناس وتهدم هيبة الدولة وكيانها.. »كفي طبطبة«.. إن حالة التراخي اشاعت مناخا أضر بمصالح الدولة والشعب. يجب ألا نبحث في كل مرة عن كبش فداء.. ونترك أصل الداء.. حتي تصبح مصر ذات يوم أو مرة هي كبش الفداء الذي نُسيل بأيدينا دمه ونقدمها وجبة شهية علي مائدة اللئام..!؟