بالأمس مرت الذكري السابعة والعشرون علي وفاة الشاعر الكبير أمل دنقل ورغم مرور السنين ، مازال يعيش في القلوب والفكر لان كلماته كانت ومازالت تعيش بداخلنا ، فهي ببساطة مثلت جزءا حقيقيا من تاريخنا المعاصر بلغة صادقة دخلت منذ لحظة ولادتها القلب وسكنت فيه فأوجعتنا الذكري ولم يمهلنا النسيان علي تخطي ما كان يؤمن به شاعرنا الذي عاش ومات علي شيئين هما الألم والشعر لقضية فلسطين والوطن الحزين، ترك لنا تراثا غاليا لن يقوي احد علي تبديده لأنه ثروة قومية في حياتنا الثقافية . أمل دنقل له خمس مجموعات شعرية مطبوعة وهي: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، تعليق علي ما حدث، مقتل القمر، العهد الآتي، أحاديث في غرفة مغلقة، وله مجموعة شعرية كتبها خلال فترة مرضه، وهي بعنوان أوراق الغرفة رقم 8، وقد جمع شعره في ديوان واحد بعنوان ديوان أمل دنقل. من بين أشعاره اخترت قصائد تعكس إنسانية الشاعر للإنسان العادي منها الورقة الأخيرة يقول أمل : هل أنا كنت طفلاً أم أن الذي كان طفلاً سواي هذه الصورة العائلية كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلي يداي رفسة من فرس تركت في جبيني شجاً، وعلَّمت القلب أن يحترس أتذكر سال دمي أتذكر مات أبي نازفاً أتذكر هذا الطريق إلي قبره أتذكر أختي الصغيرة ذات الربيعين لا أتذكر حتي الطريق إلي قبرها المنطمس أو كان الصبي الصغير أنا ؟ أم تري كان غيري ؟ أحدق لكن تلك الملامح ذات العذوبة لا تنتمي الآن لي و العيون التي تترقرق بالطيبة الآن لا تنتمي لي صرتُ عني غريباً ولم يتبق من السنوات الغربية ألا صدي اسمي وأسماء من أتذكرهم -فجأة- بين أعمدة النعي أولئك الغامضون : رفاق صباي يقبلون من الصمت وجها فوجها فيجتمع الشمل كل صباح لكي نأتنس
وفي قصيدة "مرأة" يقول شاعرنا : هل تريد قليلاً من البحر ؟ -إن الجنوبي لا يطمئن إلي اثنين يا سيدي البحر و المرأة الكاذبة سوف آتيك بالرمل منه وتلاشي به الظل شيئاً فشيئاً فلم استبنه هل تريد قليلاً من الخمر؟ إن الجنوبي يا سيدي يتهيب بشيء قنينة الخمر و الآلة الحاسبة -سوف آتيك بالثلج منه وتلاشي به الظل شيئاً فشيئاً فلم استبنه بعدما لم أجد صاحبي لم يعد واحد منهما لي بشيئ -هل نريد قليلاً من الصبر ؟ لا فالجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه يشتهي أن يلاقي اثنتين: الحقيقة و الأوجه الغائبة
" من أوراق " أبو نواس يقول الشاعر أمل دنقل في الورقة الأولي: "ملك أم كتابة ؟" صاح بي صاحبي، وهو يلقي بدرهم في الهواء ثم يلقفه (خارجين من الدرس كنا .. وحبر الطفولة فوق الرداء و العصافير تمرق عبر البيوت وتهبط فوق النخيل البعيد) "ملك أم كتابة؟" صاح بي .. فانتبهت، ورفت ذبابه حول عينين لامعتين فقلت : الكتابة فتح اليد مبتسماً، كان وجه المليك السعيد باسما في مهابة