»مصر هي اللي عملتني.. هي اللي صنعت مني كل حاجة.. النجمة والإنسانة.. مصر هي اللي خلقت الأسطورة.. هنا اتعلمت كل حاجة اتعلمت الفن والدنيا كلها.. انا عمري ما أنسي مصر.. مصر في دمي دايما وأنا باعتبر ان يوم ميلادي هو يوم ما وصلت مصر«. ومن أهم مميزات صباح أنها دائماً صادقة مع نفسها ومع الاخرين زي ما هيه صادقة وهي تغني أو وهي تمثل.. وقد اكتسبت صباح صدق الإحساس الفني بممارسة المهنة سنوات طويلة بدأت حينما أحضرتها المنتجة الكبيرة آسيا الي القاهرة عام 1943 وهي عندها 16 سنة أحضرتها آسيا لتنافس بها نور الهدي التي كان قد استوردها يوسف وهبي من لبنان سنة 1942 وقدمها معه في فيلمين »جوهرة - برلنتي« وحقق إيرادات كبيرة جداً ففي ذلك الوقت كانت السينما المصرية عايشة علي الأفلام الغنائية بنجومها الكبار من أم كلثوم وعبد الوهاب إلي ليلي مراد وفريد الأطرش ونجاة علي ورجاء عبده!! وأحضرت آسيا الفتاة الصغيرة جانيت فغالي او »جانو« كما يناديها المقربون من أصدقائها أحضرتها بالقطار الي القاهرة واقترح الأستاذ عبد الشافي القشاشي صاحب مجلة الصباح ان يسمي الاكتشاف الجديد صباح فهو أسهل من جانيت!! ووافقت أسيا وقدمت صباح بطلة لفيلم »القلب له واحد« من إخراج شريكها المخرج الكبير بركات وأمام فتي الشاشة الأول في ذلك الوقت أنور وجدي ويلحن أغاني فيلمها الاول العظماء الكبار في عالم النغم زكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي ويشاء القدر ان ينجح الفيلم نجاحاً كبيراً واستطاعت صباح ان تدخل قلوب الناس ببراءتها وببساطتها خاصة بعد فيلمها الثاني »هذا جناه أبي« مع العملاق زكي رستم والذي أكدت به صباح وجودها كممثلة في عالم السينما وأصبحت صاحبة أكبر عدد من الأفلام السينمائية الغنائية حتي أن شركة نحاس فيلم عندما أرادت أن تعيد البريق الفني إلي فريد الأطرش بعد تقديمه ثلاثة أفلام فاشلة (شهر العسل: جمال ودلال) قررت أن تكون البطلة أمامه صباح لإعادة الحياة الي فريد الأطرش وكان ان قدما معاً أول أفلامهما الثلاثة »بلبل أفندي« الذي اعاد لفريد فعلا نجوميته وقد كتب اسم صباح في مقدمة الفيلم قبل اسم فريد وفي السينما مثلت صباح مع أكبر المخرجين ومع معظم نجوم السينما الكبار حتي وصلت الي مرحلة الكمال الفني بفيلمها الأخير »ليلة بكي فيها القمر« الذي أخرجه المخرج الكبير أحمد يحيي وقدم فيه بدايات ما نطلق عليه حالياً الفيديو كليب فكل أغاني الفيلم تعتبر فيديو كليب قائما بنفسه ومنهما طبعاً »ساعات ساعات« للأبنودي وجمال سلامة وهذا الفيلم أصبح هو خاتمة لمشوارها السينمائي الكبير الحافل بالعطاء الفني المتميز! سألت الصبوحة خلال آخر زيارتها لمصر في الاسابيع الماضية كنت تفضلي تبقي مرات راجل بتحبيه زي رشدي أباظة مثلاً وتعيشي كزوجة فقط تمارس هوايتها المفضلة كست بيت تطبخي لجوزك أكلات لبنانية بعيداً عن الفن ولا مشوار الفن الصعب الطويل بالنسبة لك أروع؟ قالت: السمك ميقدرش يعيش برة الميه يا سمير وأنا زيه مقدرش أعيش بعيدة عن الفن بعيدة عن الأضواء عن فلاشات كاميرات الصحافة أنا حياتي كلها في الضوء وأكره الضلمة ودايما بقول ياريت اودع الدنيا وأنا واقفة علي المسرح بغني وعلي فكرة أنا رغم سني برضه ليا صوت وبعرف أغني وأحسن من كتير من اللي بيغنوا اليومين دول الغنا الحلو خلص من زمان مع حاجات كتيرة حلوة خلصت في الفن!! اللي بيغنوا دلوقتي كلهم شبه بعض في الشكل والصوت والحركات عاملين زي الهامبورجر زي الفراخ الكنتاكي كله غناء »تيك أواي« إنما أيامنا إحنا كان الغنا زي ما تقول كده أكل بيتي مسبك وله طعم!! قلت: كنت تفضلي مين يعمل دورك في المسلسل غير كارول سماحة اللي مش شبهك خالص؟ قالت: نانسي عجرم تعرف يا سمير أنا بعدت عن مصر ولكني عمري ما بعدت عنها بروحي ساعات دلوقتي وأنا لوحدي في البيت بالليل ببقي خايفة.. خايفة أوي مش عارفة ليه مع اني مبخفش من الموت.. ساعات أحس أن أخواتي وأمي بيكلموني.. انا حاسة يا معلم أني دي يمكن آخر مرة آجي فيها مصر!كلمتها دي وجعت قلبي جداً لأنني علي مدي سنوات معرفتي بصباح كانت دائماً مثالا للتفاؤل لا تعرف الحقد ولا الغيرة.. قلبها أبيض.. تسامح ولا تنتقم رغم انها من مواليد برج العقرب! وقررت أن احتفل بصباح وكأنه عيد ميلادها ودعوت نخبة من الزملاء والزميلات اللي اشتغلوا معاها أيام الزمن الجميل زي عمر الحريري وليلي طاهر ومريم فخر الدين أو اللي حبوها وهي النجمة الأسطورة الصبوحة زي نبيلة عبيد وأصرت صباح أن تدخل القاعة علي قدميها رغم أثر الشلل في قدمها اليمني ووقف الحضور حوالي 003 شخص لتحية صباح ومنهم د. خالد زيادة سفير لبنان في مصر وأمسكت صباح الميكروفون وأرادت ان تثبت للحضور إن لسه عندها صوت وغنت ساعات ساعات.. ورأيت الدموع في عينيها وهي تمسك بالميكروفون بشدة وبإصرار في يدها وكأنها تقول للناس كلمات أغنيتها الشهيرة ساعات.. ساعات.. أحب عمري وأعشق الحاجات.. وبعد الحفل قالت لي صباح والدموع في عينيها شكراً يا معلم رجعتني للحياة تاني أنا مسافرة بكرة بيروت.. ياريت تيجي يومين عندنا! قلت: متخليكي أنتي معانا حتسافري ليه؟ بنت اختك نجاة عايشة هنا وهنا حبايبك وأصحابك! قالت: أنا محبش أبقي حمل تقيل علي حد ولا حتي اولادي عارف ابني الدكتور صباح اللي عايش في شيكاغو دايماً يقولي تعالي يا ماما عيشي معايا في شيكاغو وأنا باموت في احفادي عنده 3 قمرات وهويدا كمان بطلت المخدرات وعايشة في لوس أنجلوس وبتشتغل وتقولي ماما تعالي جنبي سيبي الفن اللي خدك مني العمر كله لكن أنا مبحبش أمريكا ولا الحياة فيها.. مفيش الحرارة والحب والدفء اللي موجود هنا في مصر وفي لبنان! عارف يا سمير حب الناس ليا اللي شوفتوا في الحفلة دي هو الأوكسجين اللي مخليني عايشة لحد دلوقتي هو اللي بيخليني أنسي أني عندي 48 سنة وتصفيق الجمهور بيرجعني خمسين سنة وبحس إني عندي عشرين سنة!! العمر يا معلم مش بالسن أبداً!! العمر يا معلم يتحسب أنت عملت ايه في حياتك! صبوحة كان لها فلسفة خاصة في حياتها عاشت بيها.. زي ما كانت عاشقة للحياة والاستمتاع بها بدرجة امتياز.. عاشت حياتها كلها FIRST - CLASS.. احترمت واخلصت لمهنتها ولأصدقائها ولأهلها.. اللي أخذوا من كل حاجة.. وهي بكل الرضا اديتهم كل حاجة.. الشحرورة عاشت أحلي سنوات زمن الفن الجميل.. إلي عصرنا هذا اللي هيه مسمياه عصر غناء »التيك اواي«. الصبوحة ستبقي الأسطورة التي لن تغيب عنها الشمس أبداً!!