غفر اله للشيخ النبيل مصطفي عبد الجليل ما ضره لو أجل الحديث عن إلغاء قانون منع تعدد الزوجات الي يوم آخر غير يوم الإعلان عن تحرير كامل التراب الليبي من »المحتل الوطني« الذي لا يعرف أحد قبره الآن غير ثلاثة اقسموا ألا يبوحوا بالمكان، وقبل أن ينتهي الخطاب الذي لفت النظر الي مساحات مبهمة عن العلاقة بين الحروب والثورات وقوانين تعدد الزوجات كنت اسمع من اصدقاء في بنغازي وطرابلس تبريراً لإشارة الشيخ للربا وتعدد الزوجات في مناسبة يفترض أن تكون بالغة النقاوة سياسيا، فهؤلاء يشيرون الي ضرورة التخلص وبضربة واحدة من قروض بنوك القذافي الذي كان يأخذ النقد ودخل البترول لنفسه وأولاده وقذاقته، ، اما تعدد الزوجات ووجوب الإشارة اليه منذ أول لحظة، فيبرره من منظورهم الأعداد الهائلة من الأرامل في الحرب التي أخذت ما تبقي من زهور شباب ليبيا بعد أن كان العقيد الذي ختم حياته في أنبوب للصرف الصحي قد شرد الملايين وسجن عشرات الألوف حارما ربع الامة من تكوين أسرة. وفي يوم خلط فيه الشيخ عبدالجليل السياسي بالاجتماعي بالاقتصادي كانت طائفة أخري في أمريكا تدافع عن تعدد الزوجات وعن حقها في أن يتولي فرد منها رئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية، فطائفة المورمون التي قدمت »ميت رومني« لانتخابات 8002 وقبله هاري ريد تريد اعادة الكرة مع رومني لترشيحه ضد أوباما لكن هذه الفئة التي بالكاد يعتبرونها من المسيحية لن تناضل لالغاء قانون عدم الزواج بأكثر من واحدة، فهم قوم عمليون يتزوجون مثني وثلاث ورباع وبعدد لا محدود خارج إطار القوانين. وحين يتم القبض علي أحدهم بوشاية احدي الزوجات الغيورات تتنصل الطائفة من تبعات كسره للقوانين بالقول إنه من المنشقين عن الطائفة. وللمورمون وهم بالمناسبة أكثر الناس تخصصا في علم الوراثة رأيهم العلمي بالتعدد وضرورته لبعض المميزين لانتاج فصائل نسل متفوقة، وهو يختلف عن رأي »ستر الأرامل« الذي يسوقه المدافعون الليبيون عن قرار شيخهم الذي يخشي آخرون أن يلحقه قرار تونسي مماثل يلغي إنجازات بورقيبة الذي لم يكن له وهو -بخصية واحدة - في النساء مأرب لذا لم يكن صعبا عليه أن يلزم التونسيين بالغاء التعدد والاكتفاء بزوجة واحدة. عملياً كان القذافي معددا والحديث هنا ليس هن الحارسات الجميلات، ولا الممرضات الأوكرانيات بل عن ذوات الولد اللواتي حفظن نسله الذي لم يبق منه الاهارب أو مطرود، ومع معرفة تلك الحقيقة لم يجرؤ أحد علي القول للعقيد: لم تحلل لنفسك ما تحرمه علي غيرك؟، فالزعيم في السياسة كالشاعر في العروض يجوز له مالا يجوز لغيره وفق قوانينه الخاصة مسلما كان أو غير مسلم فلا يمضي يوم الا ونسمع عن أولاد شرعيين وغير شرعيين لهذا القائد أو ذاك، وما قصة ميتران الفرنسي ببعيدة عن الاذهان لكن لنحصر الحديث في مجتمعاتنا وعقائدنا حتي نعرف كيف نصل الي نتائج صحيحة وليس »خلطات ديماغوجية« كتلك التي يروجها كتبة الاحجبة والتعاويذ باسم الدين. صحيح ان الاسلام اباح التعدد، ومع اباحته وضع له شروطا قاسية تكاد تشبه شروط عقوبة اثبات الزاني المحصن، وبين المسلمين طائفة تمنعه منعاً باتا، فالدروز وهم مسلمون بفتوي من الأزهر الشريف وليسوا علي أطراف الاسلام كالمورمون بالنسبة للمسيحية افتوا منذ القرن الخامس الهجري بتحريم التعدد علي منتسبيهم، وجعلوا ذلك ضمن احترام كينونة المرأة وزوادوا علي ذلك بمساواتها في الحق بالميراث، وهو ما وافقتهم عليه طوائف ومذاهب أخري، فالمرأة بعرف الموحدين - وهو الاسم الذي يفضله الدروز - تساوي الرجل فيكل شيء ولها ذات الحقوق والواجبات نفسها الامر الذي يلغي ضمنا مبدأ »القوامة« فالرجال بعرفهم ليسوا قوامين علي النساء إلا في ظرف استثنائي فرضته الاعراف والتقليد ولا يشكل قانونا اجتماعياً ملزما في المطلق.لقد آمن الدروز كالمورمون بنقاوة العرق، ومع هذه المساواة كلها لم يبيحوا للمرأة الدرزية ان تتزوج بغيرالدرزي، ومن ترتكب ذلك الاثم في عرفهم يباح دمها أوتنفي من الطائفة للابد لتعود الي اصلها، فهي بهذه المعني دخيلة علي العرق والمذهب، والمبدأ ذاته لا يطبق علي الرجال، فزواجهم من غيرالطائفة مكروه، والطلاق عندهم اصعب من الطلاق في الكاثوليكية، وهذا يعيدنا الي أصل القصة التي يجيد شرحها العلمانيون أكثر من غيرهم، فالقوامة ليست افضلية ولكنها حالة رعاية يقدمها الاقوي للأضعف الي أن يستعيد الاقل قوة قوته، وبنظر هؤلاء فإن القوامة في أصل الكون في العصور الطوطمية الأولي كانت للأنثي لكن ظروف حملها وولادتها وطمثها، جعل الرجل أقدر علي التحكم، وبالتالي استطاعوا أن يسنوا القوانين التي تخدم جنسهم، وتؤسس لمنظومة متكاملة لصالح المتسلط والأقوي.ولأن المسألة تعود في النهاية الي القوانين الوضعية الدنيوية، وما يترتب عليها من التزامات طغت تصريحات الشيخ مصطفي عبد الجليل علي كل ما قيل في تلك المناسبة الجليلة، واضطر صاحب الخطبة الي سحب تصريحاته وطمأنة الناس بأن القوانين لن يتم تغييرها في الظروف الحالية إلا بعد دراسات قد تأخذ عمرا قبل أن نري قانونا صريحا يسمح لليبي بالزواج من أكثر من امرأة. وما جري في ليبيا ينطبق علي تونس بفارق أيام قليلة، فحزب النهضة الاسلامي الفائز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التونسية سارع تطمين الغرب والشرق والرجال والنساء بالقول فور تأكيد تفوقه أنه سيحكم بقوانين مدنية علمانية، ولا داعي للخوف من إمكانية تبديل قوانين الأحوال الشخصية التي استفادت منها اجيال من النساء التونسيات اللواتي اختفين في هذه الانتخابات من الواجهة السياسية، فخرج المجلس التأسيسي التونسي بالرغم من عراقة تلك القوانين التاريخية الحامية للنساء مجلسا بشوارب غليظة لا أثر فيه للنواعم. ومن الدروز للمورمون للشيخ مصطفي لا نستطيع الا أن نلاحظ ان القوانين تسن لتكرس التقاليد والأعراف في منظومة مفهومة في مرحلتها التاريخية وظروفها، ودوما في مثل هذه الظروف يكون للطرف الغالب والمتحكم اليد في فرض المفاهيم والقوانين، ومن الآن والي أن تتحسن نسب تمثيل النساء في المجالس النيابية العربية ستظل المخاوف قائمة من المساحات المبهمة والمسكوت عنها، ومن الانقلاب علي أعراف وقوانين سادت ثم بادت لأن المستفيدات منها لم يدفاعن بشراسة عن حقوقهن في المساواة الكاملة التي هي اصل دولة المواطنة المدنية التعددية التي حمل شعارها الثوار العرب الجدد من سيدي بوزيدالتونسية إلي صنعاء اليمنية بلد توكل كرمان أول امرأة عربية تحمل جائزة نوبل للسلام مروراً بحمص عاصمة الثورة السورية ومدينة سهير الاتاسي، ورزان زيتونة، وغيرهن من المناضلات السوريات اللواتي يقدمن للثورة أضعاف ما يقدمه الرجال.