مابين مؤيد ومعارض ومتحفظ إختلف مفكرو الإسلام سنة وشيعة حول قرار المنتج الايراني محمد مهدي حيدريان لإنتاج ثلاثية سينمائية تجسد شخصية النبي " صلي الله عليه وسلم " وذلك بالتعاون مع السيناريست كامبوزيا باطروفي والمخرج المعروف مجيد مجيدي . وفي الوقت الذي إعترض فيه فريق من العلماء والمفكريين علي تجسيد شخصية النبي في أعمال فنية ، واعتبروا ذلك الأمر حراما شرعا، رأي فريق آخر أنه لا بأس من هذا العمل إذا توافرت فيه المصداقية العالية ، وراعي الضوابط الشرعية والتاريخية والخلافية، حيث قد يكون في هذا العمل منفعة للدعوة إلي الإسلام الحنيف ووسيلة لنشر قيمه ومبادئه بين العامة والنخب المفكر الإسلامي د. محمد كمال إمام إستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أعرب عن رفضه لإنتاج فيلم سينمائي يجسد حياة الرسول " صلي الله عليه وآله وسلم " في إيران ، مؤكدا أن هذا الأمر ممنوع شرعا ،لانه لايمكن لممثل أو لكاتب مهما كانت قدراته أن يعبر عن سيدنا محمد " صلي الله عليه وسلم " باعتباره رسولا في علاقته مع الله تعالي ، ولكنه سوف يركز عمله علي محمد الإنسان ، ومحمد الرسول لاينفصل مطلقا عن محمد الإنسان . وأشار د. إمام إلي أن هناك إستحالة أن يكون النبي " صلي الله عليه وسلم "ضيفا في عمل إبداعي تتجسد فيه شخصية الرسول بالصوت والصورة ، موضحا أنه لابأس أن نكتب عنه " صلي الله عليه وسلم " كتابا أو قصيدة شعرية أو مقالة صحفية . أما أن نجسده إنسانا ورسولا في عمل تلفزيوني أو سينمائي فهذا لا يجوز شرعا . نصوص مانعة وفيما يتعلق بالصحابة فأشار د. إمام إلي أنه حتي ولو لم توجد نصوص مانعة من تجسيدهم في أعمال فنية إلا أن مقامهم الرفيع في مدرسة النبوة يجعلنا نعارض تجسيدهم لكي تبقي شخصيتهم ومكانتهم مصونة لا تمس من قريب أو بعيد، كنوع من الأدب الإسلامي الذي يجب تحققه عند تناول شخصية من هؤلاء الصحابة . وقال : ما يحدث في أي عمل فني سواء من جانب الممثلين ، أو المخرجين ، أو المنتجين من إسقاطات كثيرة تقتضيها ظروف العصر ، أو توجهات المؤلف ، أو طبيعة الفن في حد ذاته ، يجعل هناك مخاطرة تحدث إذا ما سمحنا بتجسيد الصحابة في أي عمل فني ، وبالتالي فإنه من باب سد الذرائع أري ضرورة منع تجسيد الصحابة ، ويمكن الاستعانة بطريقة الرواية عنهم بدلا من تجسيد شخصياتهم . ومن جانب أخر دعا د. عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية إلي إخضاع مسألة تجسيد الانبياء والصحابة في الاعمال الفنية إلي مبدأ المقارنة بين المنافع والمضار ، مؤكدا أنه إذا روعيت الضوابط التي تحفظ الهدف والغاية ممثلة في صيانة صورة الانبياء والصحابة ، فربما يكون في تجسيدهم منفعة للدعوة إلي الإسلام الحنيف ، ووسيلة لنشر قيمه ومبادئه بين العامة والنخب . واشترط د. بيومي مراعاة الضوابط الشرعية والتاريخية التي تحفظ الكمال البشري الذي كانت عليه حياة الانبياء والرسل والصحابة لإجازة تجسيد شخصياتهم في الاعمال الفنية ، مؤكدا أنه يمكن أن يظهر الرسول " صلي الله عليه وسلم " في عمل فني في حال روعيت ضوابط الكمال البشري للنبي الكريم وعدم تعرض هذا الكمال للنقص . أوجه القصور وأدان د. محمد أبو ليلة الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية فكرة إنتاج عمل سينمائي يتناول حياة الرسول " صلي الله عليه وسلم " ، مشددا علي ضرورة تنزيه شخصية النبي الكريم ، والذي ارتبط اسمه باسم رب العزة منذ فجر الدعوة الإسلامية إلي قيام الساعة . وأكد د. أبوليلة أنه لا يليق بأي حال من الأحوال أن تجسد شخصية الرسول الكريم " صلي الله عليه وسلم " في عمل فني قد تشوبه أوجه النقص ، رافضا العلل التي يسوقها القائمون علي العمل الايراني ، والذين يدعون أن العمل يهدف لخدمة الدعوة الإسلامية . وأشار د. أبوليلة إلي أن هذا العمل لا يخدم الإسلام في شيء وإنما قد يسيء إليه ، وإلي شخص الرسول " صلي الله عليه وسلم " ، متسائلا كيف يمكن لممثل أن يؤدي دور الرسول "صلي الله عليه وسلم " وفي عمله التالي دور لا يخلو من الميوعة والاسفاف ؟ . وطالب د. أبوليلة بضرورة اتخاذ جميع الاجراءات الحاسمة لردع الراغبين علي القيام بهذه الخطوة الجريئة وغير المحسوبة والتي قد تُثير مشاعر وعاطفة ملايين المسلمين شرقا وغربا سنة وشيعة . وأشار د. أبوليلة إلي القرارات والفتاوي السابقة التي تُحرم تمثيل حياة الرسول " صلي الله عليه وسلم " وصحابته وآل البيت وتجسيدها في أعمال تلفزيونية أو سينمائية ، موضحا أن كثير من فتاوي كبار العلماء والهيئات اعتبرت هذا العمل مخالفاً للشريعة الإسلامية ، ولعل أهمها الفتوي الشرعية التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف مع دار الإفتاء المصرية عام 1950 والتي تحرم تمثيل أو تجسيد شخصية الأنبياء وصحابة الرسول والعشرة المبشرين بالجنة، والتي ترفض ظهور صورهم أو سماع أصواتهم . موقف الشيعة وعن رؤية الفكر الشيعي لمسألة تجسيد الانبياء والصحابة في الاعمال الفنية أكد المفكر الشيعي د. أحمد راسم النفيس أن موقف الشيعة من هذه المسألة لا يختلف عن موقف السنة حيث يحرص كل من الطرفين علي عدم الإساءة لشخصيات ومكانة أنبياء ورسل الله تعالي بأي شكل من الأشكال . وشدد د. النفيس علي أن الشيعة لا يقبلون بأي حال من الأحوال الإساءة لشخص النبي الكريم " صلي الله عليه وسلم " في أي عمل فني سينمائي أو تلفزيوني ، ولكن لو خرج العمل الفني بمصداقية عالية وراعي جميع الأبعاد الشرعية والتاريخية والخلافية فلا بأس منه ، وقد يكون خادما ونافعا للقضية الأم . وكان د. علي جمعة مفتي مصر أصدر في وقت سابق فتوي تحرم تجسيد الأنبياء ، وأمهات المؤمنين ، ومشاهير الصحابة، وتحديدا العشرة المبشرين بالجنة، وآل بيت النبي " صلي الله عليه وسلم " في أعمال فنية لما في ذلك من المفاسد التي تفوق جانب المصلحة في تمثيل حياة تلك الفئة من الصحابة، مع مخالفة ذلك لنصوص الكتاب والسنة المقيدين لحظر تمثيل حياتهم، ومع عدم توافر الداعي لتلك الوسيلة في إبراز حياتهم، وانتفاء الضرورة لها لوجود غيرها من وسائل التعليم والتثقيف التي تتجرد من مساوئها. وقال د. جمعة : أما عموم الصحابة يجوز تمثيل أدوار حياتهم بشروط ثلاثة تتضمن سلامة الغرض وصدق العرض واستقامة المنهج، وحسن سمعة الممثلين وسلامة سيرتهم. وشدد مجمع البحوث الإسلامية في أحد إجتماعاته الدورية برئاسة فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر علي عدم جواز تمثيل الرسل والأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة وآل البيت في الأعمال الدرامية. وأكد المجمع أن ظهور الأنبياء وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة علي الشاشة سواء التلفزيونية أو السينمائية حرام شرعاً ، مشيرا إلي أن الممثل مهما أتقن دوره ، ومهما كان العمل الفني يتميز بأعلي درجة من الجودة والإتقان ، فلا يستطيع أن يظهر هذا الممثل بالصورة نفسها التي كان عليها أحد الأنبياء ، أو العشرة المبشرين بالجنة ، أو أي شخصية من آل البيت.