في المقالين السابقين كان الحديث عن مظاهر استغلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية واستكمالاً لبيان هذه المظاهر ينبغي ان نعلم »انه في كفالة مرتب القاضي كفالة لاستقلال المصدر الذي يتلقي منه القاضي وسيلته في الحياة« من أجل ذلك يتعين ان تكون ميزانية القضاء مستقلة من كل قيد وتدرج رقما واحدا في ميزانية الدولة علي غرار ميزانية السلطة التشريعية وتعفي من سائر الرسوم والضرائب وتلتزم الدولة بتدبير المورد اللازم لها متي أعدت وأقرت من مجلس القضاء الاعلي بعد موافقة الجمعيات العمومية للمحاكم عليها وان يعدل النص في قانون السلطة القضائية علي هذا النحو بدلا من تعليق الميزانية علي شرط التنسيق مع وزير المالية مع إلغاء كل نص يتعارض مع النصوص الواردة في قانون السلطة القضائية سواء في قانون المجلس الاعلي للهيئات القضائية أو أي قانون آخر يخص ميزانية القضاة بالاضافة الي النص علي إنشاء صندوق للرعاية الصحية والاجتماعية خاص بالسلطة القضائية وتؤول اليه موارده ومخصصاته الموجودة في صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لاعضاء الهيئات القضائية مع إلحاق الإشراف عليه لمجلس القضاء الاعلي أسوة بصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا ونقل تبعية وإشراف وزارة العدل علي صندوق أبنية المحاكم لمجلس القضاء الاعلي فيما يتعلق بأبنية محاكم القضاء العادي ومقار النيابة العامة. وحتي تكتمل دائرة الاستقلال عن السلطة التنفيذية فإنه يتعين إلغاء النصوص الخاصة في قانون السلطة القضائية التي ينتدب بمقتضاها رجال القضاء الي غير العمل القضائي في أي من اجهزة الدولة ومرافقها المختلفة سواء كانت لجهات سيادية أو غير ذلك من الجهات الحكومية ويقتصر الندب علي العمل القضائي أو الاداري المتعلق بإدارة المحاكم والمكاتب الفنية التابعة لها وان كان الندب لرئاسة المحاكم الابتدائية يتعين مراعاة الاقدمية المطلقة من بين رؤساء محاكم الاستئناف. ثانياً: إذا كان استقلال السلطة القضائية لا يعني استقلال القضاء حيال السلطة التنفيذية والمؤثرات الخارجية فقط وإنما يعني استقلالها كسلطة في مواجهة السلطة التشريعية إذا لجأت السلطة الاخيرة الي أساليب أخري مستترة في التشريع من شأنها العدوان علي استقلال القضاء في الصور التالية: - إصدار تشريعات بإعادة تنظيم القضاء ولا يكون المقصود منها في الواقع إعادة التنظيم وانما إخراج بعض القضاة عن طريق عدم ظهور أسمائهم في قوائم القضاء بعد اعادة تنظيمه كما حدث في مذبحة القضاء عام 9691 أو إصدار قانون المجلس الاعلي للهيئات القضائية وجعل رئاسة الهيئات القضائية فيه لرئيس الجمهورية أو لوزير العدل وهما من السلطة التنفيذية مما يتعين معه إلغاء هذا القانون لعدم الحاجة اليه ولاستقلال كل هيئة قضائية بقانونها الخاص. بأن تصدر السلطة التشريعية تشريعات لا تقل في خطورتها عن المواجهة المباشرة لسلطة القضاء كالاعتداء التشريعي علي حق التقاضي كقصر حق الطعن بالنقض في المنازعات المدنية الذي حدث في التعديلات الاخيرة في قانون المرافعات علي تلك التي لا تقل قيمتها عن مائة ألف جنيه.. بما ينبئ عن حرمان فئة من المواطنين من حقها الطبيعي في التقاضي والطعن في الأحكام مع أن الحق في اللجوء للقضاء هو حق محتوم كالحق في الحصول علي الخبز كما جاء في المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات كما قد تلجأ السلطة التشريعية الي إصدار تشريعات تنتهك بها مبادئ أساسية في القضاء كمبدأ عدم رجعية القوانين والمساس بقوة الشئ المقضي، ذلك إذا ما أصدرت قانونا يطبق بأثر رجعي فتمس المراكز القانونية المستقرة وتناقض الأحكام النهائية الحائزة علي قوة الشئ المقضي كقانون جريمة الغدر الذي صدر عام 2591 وطبق علي وقائع سابقة عليه بأثر رجعي. قد تلجأ السلطة التشريعية أو القائمة بأعمال التشريع بإصدار تشريعات بمحاكم استثنائية أو تنشئ قضاء عسكريا لكي يحاكم أمامه المدنيون عن بعض الجرائم سواء في الظروف العادية أو غير العادية كما تتضمن هذه التشريعات انفراد القضاء العسكري بنظر جرائم العسكريين حتي ولو كانت عن جرائم ارتكبوها تخالف القانون العام والكسب غير المشروع وتضفي عليهم هذه الحماية باختصاص القضاء العسكري بجرائمهم حتي ولو تركوا الخدمة مما يشكل افتئاتا علي سلطة القضاء ويخالف الأصول الدستورية بمنح امتياز للعسكريين من حيث إخراجهم من ولاية القضاء العادي التي تثبت له وحده في الجرائم العادية ولا يخفي ما في إثبات الاختصاص للقضاء العسكري في محاكمة العسكريين عن جرائم خارج وحداتهم العسكرية وتخالف القانون العام من تمييز وطائفية لا تتفق مع المبادئ القانونية العامة التي لا تجيز ان تنفرد كل طائفة بمحاكمة المتهمين المنتمين اليها حتي عن جرائم في القانون العام ومن ثم فإنه يجب تعديل المادة 51 من قانون السلطة القضائية التي تختص القضاء الطبيعي بالفصل في جميع المنازعات والجرائم العادية وذلك بحذف عبارة »إلا ما استثني بنص خاص« وإضافة فقرة بدلا منها تنص علي إلغاء كل نص يتعارض مع نصوص قانون السلطة القضائية سواء في قانون الاحكام العسكرية أو أي قانون أخر ينتقص من اختصاص القضاء العادي تحقيقا لاستقلال القضاء وانطباق القانون علي الجميع. وتلك في النهاية مقترحات تمثل رأيا لكاتبها نحو تحقيق الاستقلال الكامل للقضاء في قانون السلطة القضائية المقترح تعديله وهو أول من يعلم ان تلك المقترحات أو اي مقترحات أخري لفرد أو لجنة مهما كانت لاقيمة لها ولا يعول عليها إلا إذا عرضت علي الجمعيات العمومية للمحاكم لدراستها ومناقشتها طالما ان تلك الجمعيات العمومية هي صاحبة الاختصاص الأصيل بالبت في كل ما يتعلق بقانون السلطة القضائية طبقا للمادة 03 من القانون القائم وطالما ان استقلال القضاء ليس منحة من أحد أو اكتشافا جديدا تحتكره فئة من رجال القضاء بل هو هدف كل قاض في مصر ويسعي لتحقيقه فمن حسن الفطن ألا يصدر هذا القانون المهم الذي يعبر عن سلطة من السلطات الثلاث بمرسوم بقانون من المجلس العسكري الذي يدير البلاد مؤقتا وليأخذ حقه في المناقشة والمداولة بين القضاة في جمعياتهم العمومية حتي انتخاب أعضاء البرلمان وعرضه علي السلطة التشريعية لإقراره من المجلس الجديد ونوابه وليخرج معبرا عن تأييد الشعب له بكل طوائفه. نائب رئيس محكمة النقض