السؤالان الكبيران والخطيران في سوريا مع إتمام الثورة شهرها السادس هذا الأسبوع هما: هل هناك فرصة للرئيس الأسد للاستمرار في حكم سوريا بعد كل ما أهرق من دماء؟ والسؤال الثاني والأخطر: ما مستقبل سوريا كدولة موحدة بعد ان أصبح الشعب السوري يخرج الي الشوارع ليهتف: الجيش السوري خاين..؟ والمخيف في الشعار الاخير الذي صار يتردد كثيرا وفي أكثر من مدينة سورية انه من المعروف في تجارب الدول الفاشلة جميعها انه حين تنهار مؤسسة الجيش يصعب علي مؤسسات الدولة الاخري العمل بفاعلية وغالبا ما يتضاءل دورها وأهميتها الي ان تضمحل. في الحالة السورية وقبل الوصول الي »بوابة الكارثة الوطنية« التي يأمل الشعب ايقاف التدهور قبلها راهن سوريون كثر علي سيناريو وردي يشبه ما حصل في تونس ومصر حيث وقف الجيشان العربيان مع الشعب وليس مع النظام وكان لدور الجنرال رشيد بن عمار في تونس والمشير طنطاوي والمجلس العسكري المصري الدور الحاسم في وقف سفك دماء المدنيين. وقد كان من الممكن لوزير الدفاع السوري المقال علي حبيب ان يلعب الدور نفسه لو واتته الشجاعة مبكرا لكنه جبن في البداية ولم يتشجع علي اعلان موقف الا حين عارض اقتحام حماة فأقيل قبل صياح الديك ليأتي الأسد بوزير دفاع مسيحي وكأنه يؤكد ضمنا علي هوية طائفية للجيش وللمنصب بعد مصطفي طلاس الذي كان بامتياز أهم وزير دفاع في العالم لا يعلم ماذا يجري في وزارته ولا يد له في ادارتها وهذا سر استمراره فيها لاكثر من ربع قرن. ويقتضي النقد الذاتي وهو ما نحتاج منه الكثير في هذه الايام ان نعترف بأن بعضنا دفن رأسه في الرمال طويلا وهو يهلل لوعي الشعب السوري وتحضره ومدنيته وبعده عن الطائفية والقبلية دون ان ينتبه الي »تطييف« أخطر مؤسسة في الدولة وهي الجيش الذي لا تقوم للدول قائمة حين يتفكك أو يتشرذم. المؤشرات الأولية كانت واضحة علي هذا التوجه وان كان باتريك سيل قد أخفي بعضها بعناية عن الأعين بتركيزه علي الدور القومي للبعث في كتابه عن الأسد الأب فان الدبلوماسي الهولندي نيكولاس فاندام لم يحتج الي ذلك القناع الايديولوجي في كتاب »الصراع علي سوريا«الصادر منذ الثمانينات وفيه اكثر من المعلومات المبعثرة خريطة واضحة عن تمركز الطائفية في الجيش والامن تحديدا بخطة مسبقة ومدروسة ومبرمجة منذ ايام »اللجنة العسكرية« التي تعاقب عليها صلاح جديد وحافظ الاسد. ولماذا نذهب الي الأجانب وعندنا كتاب البعثي الأردني منيف الرزاز »التجربة المرة« وهو شاهد من أهل البعث الحاكم الذي كان حزبا له تنظيم عسكري وتحول الي تنظيم سياسي مشلول يعمل كقناع لاخفاء تسلط المخابرات والجيش علي كل شئ في البلاد في ظل غياب قوانين ملزمة وصلاحيات موسعة لرئيس الجمهورية لم يحلم بها القياصرة فقد أحتاط الاسد الأب لنفسه الي درجة النص دستوريا علي الا تتم مساءلة رئيس الجمهورية إلامن قبل قضاة يعينهم شخصيا. وميزة كتاب الرزاز انه يرصد بدايات التغلغل الطائفي في الجيش والأمن ودوائر الدولة العليا ويعيده لحقبة الستينات ولكنه ولنقص الموضوعية دوما في الرصد الايديولوجي ايا كان نوعه لا يشير الي ان الصراع الاولي في تلك المؤسسات كان بين طوائف وفروع صغيرة في قلب طائفة الأسد نفسه فهو الذي انقلب علي صلاح جديد بعد ان استخدمه ضد الجنرالين الاسماعيليين محمد عمران وعبد الكريم الجندي. ومن معرفة هذه الخلفيات يقتضي الانصاف القول إن الاسد لم يكن صانع الطائفية في الجيش والمخابرات لكنه كان مهندسها ووارثها ومكرسها بعد ان صارت له اليد الطولي في البلاد في أعقاب التخلص من خصومه السياسيين والعسكريين داخل طائفته وبعض أولئك كما يؤكد تاريخهم لم يلجأوا للطائفية لكن محاربتها داخل الجيش لم تكن ضمن اولوياتهم. والآن ومع الكشف دون لبس أو تمويه عن وجه بغيض لجيش يقتل مواطنيه ومخابرات تصفي شعبها بدل ان تحمي أمنه يزداد الوضع سوءا باعادة الاعتبار ل »جنرالات الدم« الذين ثبتوا ملك آل الاسد ومخلوف فقد أستدعي بشار علي دوبا ومحمد الخولي ومعروف النايف وعينهم مستشارين في القصر الجمهوري وبارائهم المعروفة التي لا تقيم وزنا لحياة البشر تمت عمليات الاقتحام الثانية للمدن بالجيش وحده بعد ان تم ابعاد اجهزة الامن التي ثبت عجزها عن قمع ثورة الشعب السوري مع انها توصف ب »الارهب« في الشرق الاوسط وتقف علي قدم المساواة من حيث الاجرام مع السافاك وستازي. ومع هكذا مستشارين وهكذا قرارات لا تملك مبادرة المجلس الوزاري للجامعة العربية أي أفق فحظوظها في النجاح كانت منذ اطلاقها الي تمييعها من قبل نبيل العربي والنظام السوري معا أقل من الصفر ليس لانها مؤلفة من ثلاثة عشر بندا ومحكومة برقم مشئوم انما لأنها تدعو ومنذ فقرتها الاولي الي وقف العنف وسحب الجيش من المدن والعمل علي فصله عن الحياة المدنية والسياسية. وطبعا تعرف المافيا الحاكمة في دمشق انها وبمجرد ايقاف اطلاق الرصاص علي صدور العزل ستملأ المليونيات شوارع المدن السورية ولن يعود أحد الي بيته الا والأسد سجينا او هاربا أو معلقا علي مشنقة فالسوريون أول شعب عربي يرفع شعار »الشعب يريد إعدام الرئيس« بينما الرئيس لا يزال في منصبه وليس في قفص الاتهام كما في مصر. ولا شك ان الاسد سيعدم ان لم يهرب كما انه لا شك أيضا في ان حالة الانسداد السياسي التي تشهدها سوريا لن يتم التغلب عليها الا برحيله عن الحكم فقد أصبح كما كان منذ اول يوم له في الحكم المشكلة لا الحل والموالون اليوم في الجيش والحزب امام خيارين أحلاهما علقم فإما التسليم برحيل الاسد وشقيقه وقادة اجهزته الأمنية واما التمهيد لانقسام الجيش وتفككه مع كل ما يتبع من تفكيك الدولة نفسها وهو ما تخشاه دول المحيط الاقليمي في الأردن ولبنان وتركيا ومعها دول مجلس التعاون الخليجي التي تهددها ايران بنقل الصراع الي أراضيها ان سقط الأسد. ولا مكان لسيناريو وردي في هذه المرحلة فقد خسرت سوريا الكثير من أبنائها وثرواتها وثوابت تعايشها السلمي واما خيارات محدودة يبدو لكل ذي عقل وضمير ان ترحيل الاسد عن السلطة بأي اسلوب كان هو السيناريو الأقل تكلفة والمقبول عربيا واقليمياً ودوليا كما انه المرغوب من الشعب السوري نفسه الذي لا يمكن ان يتعايش أو يسلم باستمرار قاتل محترف في أعلي هرم السلطة. مفكر سوري