كان يوما طريفا حين فوجئت بذكريات مؤجلة حاضرة أمامي دون مقدمات، ساقتها الصدفة البحتة وأنا أرتب أوراقي القديمة في ادراج مكتبي الجديد، اكتشفت كما هائلا من الكتابات واليوميات، كنت أدونها في أوراق ملونة، بعضها قديم جدا من أيام الدراسة في المرحلة الثانوية والجامعية بعضها من بدايات حياتي الصحفية ، الطريف والذي اضحكني حد البكاء كمية الشجن والحزن والوجع التي صورها لي خيالي في تلك الأيام ، التي من المفترض أن تكون من أجمل سنوات العمر، كأن العالم كله كان واقفا ضدي، وجدت شرائط كاملة لحوارات مع نجيب محفوظ وفتحي غانم واحسان عبد القدوس والرسام صلاح طاهر والفنان بيكار،وأحمد مظهر ونادية لطفي وفؤاد المهندس وأحمد زكي وغيرهم بأصواتهم اثناء حواراتي معهم. ومن الأوراق التي لم استطع الاقتراب منها تلك الرسائل والرسومات التي كانت تصلني من بعض الأصدقاء من مشاهير الأدب والفن التشكيلي وأيضا تلك المقولات المأثورة التي كانت تعلق في ذهني اثناء قراءة الروايات والقصص والكتب التي قرأتها في هذه السن المبكرة ، من أجمل الأوراق التي عثرت عليها جوابات عاطفية جدا من اولادي تفيض بالحب ورسم القلوب والورود الملونة، من بين السطور التي أنعشت وجداني وأكدت لي أنني لم أتغير - رغم مرور كل هذه السنوات- كانت سطورللكاتبة كوليت خوري مرفقة بكلمة اعتراف تقول فيها:» أنا من نوع النساء الذي يبقي ببساطة أويمضي ببساطة فإذا ما بقي يكون ارتباطه جدياً ..وأما إذا ما مضي فهولن يعود..»وأغمض عيني قليلا وأتذكر كم من علاقات حب وصداقة انتهت لأسباب تافهة وكم من علاقات بقيت لأسباب وجودية بحتة، ايقنت للحظة لماذا تأثرت بكلمات كوليت خوري رغم مرور كل هذه السنوات ومع ذلك مزقتها. ثم وجدت ورقة مطوية نصفها مفرود ونصفها »مكرمش» من عوامل الزمن وكأن الأوراق تلحق بها الشيخوخة أيضا مكتوب فيها حوار قصير جدا :»رغم المسافة العاطفية بين مشاعرك المرسلة لي عبر الهواء وقلة حيلتي في لقائك العاثر احبك بقدر الفراغ العاطفي بيني وبينك. ويقول لها: أنا في قمة عقلي أحلم ببساط الريح أوطاقية الإخفاء أوحتي بأن اتحول إلي - باتمان كي احلق فوق جبينك واطبع قبلة عليه.. وتقول له: أنا في انتظارك أيها الرائع ولوإنك لا تحتاج لهبوط وصعود فأنت تسكن قلبي ووجداني وصورتك لاتفارق خيالي » .. كم أضحكتني هذه السطور وأعادتني إلي عمر بعيد . استغرقت هذه الحالة ثلاث ساعات أوأكثر عشت معها ذكريات منسية بعضها أبكاني وأكثرها أضحكني. وفي النهاية مزقت معظم أوراقي الملونة.