شدني حماسه وهو يتكلم عن ذلك الصرح الصناعي، الذي فكر فيه مهندس في الستينيات، في صحراء بقنا. صحراء يحمل اسمها وصفا لشكلها (وادي الهِو) بكسر الهاء، صحراء اختفي منها قطاع الطرق بعد أن وجد الجميع فرصا للعمل . وصدقت حديث المهندس عبد الظاهر عبد الستار رئيس شركة مصر للألومنيوم وهو يصف هذا الصرح وكأنه أول كمبوند في مصر، يسع بشرا يعملون معا، ويسكنون متجاورين، ويأكلون معاً في مطعم واحد، ويلعب أولادهم في ملاعب متسعة. ويذهبون لمدارس تجاور المصنع. ويملكون ملعبا رياضيا يتسع لمواطني هذه البقعة من الصعيد. وربما هذا الحماس هو ماجعل الحوار ثريا في ذلك اللقاء الذي نظمه مكتب استطلاع مصر الذي كان سباقا في بحثه عن أثر السياسات الحمائية بين أمريكا والصين والاتحاد الأوروبي، علي صناعة الحديد والالومنيوم في مصر. وبينما كانت الدكتورة عالية المهدي المدير التنفيذي لاستطلاع مصر تتحدث عن تفاصيل معركة انقلاب الكبار علي تحرير التجارة إلي تقييدها، وتلفت النظر إلي أهمية التفكير جديا في حماية الصناعة المصرية. كنت أسترجع »خطة التنمية المستدامة« للعام المقبل التي تهتم إهتماما خجولا بالصناعة. والتي لم تزد معدلات نموها عن 5% بينما نمو قطاع الاتصالات (15%) والتشييد (9%) . وربما هذا الإهتمام الهامشي بالصناعة هو ماجعلني أميل إلي الاعتقاد بأن المسئولين قد لايكترثون بما جاء في اللقاء. الذي حمل تحذيرات ربما لم تنتبه لها الحكومة بعد. وهي تداعيات تلك المعركة الدائرة علي قمة العالم، وما قد ينتج عنها من وجود فائض في منتجات الألومنيوم مما يخفض من الأسعار. في وقت تعاني فيه الشركة الوحيدة في مصر من ارتفاع تكلفة الإنتاج، مما يتعذر معه الاستمرار في التصدير. وعندما تمثل فاتورة الكهرباء وحدها 40% من تكلفة الطن ، وتحتل مصر ثالث أعلي دولة في سعر الكهرباء، وستكون حتما الأولي بعد الزيادة المرتقبة في التسعيرة الجديدة فهذا كفيل بأن يكون التحذير من مستقبل تلك الصناعة علي جانب كبير من الجدية. ولكن لماذا يظل المستهلك ومن قبله الصناعة تدفع ثمنا باهظا لزيادة تكلفة إنتاج الكهرباء؟ . ربما كان هذا السؤال الذي طرحه الدكتور مدحت نافع رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية من أكثر القضايا المسكوت عنها . فإذا كان كل جنيه زيادة في سعر الكهرباء يحمل شركة مصر للألومنيوم 50 مليون جنيه فكم من هذه القروش يتحملها ذلك المسئول عن انخفاض كفاءة إنتاج الكهرباء، أو إهدار الموارد، أو سوء الصيانة. وكم يدخل منها في جيوب المسئولين بالقطاع كحوافز وأرباح ومزايا تزيد من التكلفة. وهنا يصبح من حقنا أن نسأل كم من دعم الطاقة الذي تتشدق به الحكومة هو دعم حقا، وكم منه باطل. ويظل السؤال مشروعا حتي ولو لم نجد له إجابة شافية.