أسوأ ما في القرار الأمريكي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية المزعومة علي هضبة الجولان السورية المحتلة. هو أنه يعكس حقيقة السياسة التي تسيطر علي صانع القرار الأمريكي، والتي تبدي قدراً هائلا من الاستهانة برد الفعل العربي!! لم تخف الإدارة الأمريكية الحالية ذلك وهي تصدر قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها. يومها وقف الرئيس الأمريكي متفاخراً بأنه يقدم علي فعل مالم يفعله أسلافه من رؤساء أمريكا »!!» وتوالت التصريحات المهينة من أركان الإدارة وفي مقدمتهم مندوبة أمريكا السابقة في الأممالمتحدة »نيكي هيللي» تؤكد علي أن شيئاً خطيراً لن يحدث.. مجرد بعض التصريحات وبعض المظاهرات، ثم يهدأ كل شيء وتمضي الأمور إلي غايتها، ويفرض الأمر الواقع نفسه علي الأرض!! ولأن الأوضاع سارت كما توقعت واشنطون، فإن القرارات توالت علي نفس الطريق: من إغلاق مقر السلطة الفلسطينية في نيويورك، إلي إعلان الحرب علي منظمة »الأونروا» بهدف تصفية قضية اللاجئين، إلي حصار السلطة الفلسطينية مالياً وسياسياً، إلي مضاعفة العمل، مباشرة أو عن طريق العملاء لإبقاء الانقسام الفلسطيني.. تمهيداً لما هو أسوأ!! الآن تأتي الضربة في اتجاه سوريا المنكوبة. ويصدر »ترامب» قراره بإقرار أمريكا بالسيادة الإسرائيلية علي هضبة الجولان السورية المحتلة. وكما في قرار القدس يعرف ترامب أن قراره باطل، وأنه يخالف القانون الدولي والشرعية الدولية، وأنه، بتكرار قراراته الحمقاء يستفز مشاعر مئات الملايين من العرب، ويلحق الضرر بتحالفات أمريكا الحقيقية في المنطقة، ولكنه يمضي في طريقه معتمداً علي قناعة زائفة بأن كل شيء سيمر كما يريد ووفقاً لمصلحة إسرائيل ومصلحته الشخصية. وأن ما حدث في قضية القدس سيتكرر: بعض التصريحات وشيء من مهاجمة القرار الأحمق، ثم تهدأ الأمور ويقبل الجميع الأمر الواقع!! أما القرارات الدولية.. فالرجل صريح منذ البداية بأنه لايعطيها الكثير من الاحترام. ونظرة إدارته تقول إن العالم سيكون أفضل بدون الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.. وأن القانون هو ما تقرره أمريكا حتي لو اقتضي الأمر أن تقف أمريكا بمفردها في مجلس الأمن، وأن تعلن دول العالم »باستثناء إسرائيل بالطبع» أن القرار الأمريكي بشأن الجولان، مثله مثل قرارها بشأن القدس غير شرعي. وأنه لايفعل شيئاً إلا خلق المزيد من الأزمات في منطقة لم تعد تحتمل هذا العبث!! وكما وقف أركان الإدارة الأمريكية يدافعون عن حماقة القرار الأمريكي بشأن القدس علي أساس أنه يزيل عقبة كأداء في طريق السلام ويرفع هذا الملف المعقد من علي مائدة المفاوضات »!!» يفاجئنا وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بالتأكيد علي أن قرار ترامب حول الجولان سيساعد في حل الصراع الفلسطيي الإسرائيلي، وذلك كما يقول بإزالة حالة عدم اليقين »!!».. وأظن أنه يتوهم أن ما حدث سوف يجعل الفلسطينين »والعرب!!» يرضخون للأمر الواقع الذي يتم فرضه بقوة الاحتلال الإسرائيلي وبدعم أمريكا المطلق، وبتأييد الرئيس الأمريكي الذي وصفه وزير خارجي السيد بومبيو بأنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ إسرائيل!! وبدون رد عربي حاسم، فإن علينا أن ننتظر المزيد من القرارات الحمقاء التي تسير علي نهج القرارات غير الشرعية بشأن القدس وهضبة الجولان. ولابد أن يتجاوز الرد البيانات التي صدرت من الدول العربية، أو الادانة المتوقعة من قمة تونس لقرار هضبة الجولان، التأكيد علي عروبة الجولان، وعلي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة علي حدود 67 وعاصمتها القدس العربية. لابد أن يتجاوز الأمر كل ذلك بموقف عربي يفتح الباب لعودة سوريا للجامعة العربية ويؤكد علي أن وحدة الدولة السورية خط أحمر بالنسبة لكل العرب. ولابد من رسالة واضحة للإدارة الأمريكية بأن هذه القرارات الحمقاء لن يستفيد منها إلا الإرهاب بكل فصائله »بما في ذلك إرهاب الاحتلال الإسرائيلي» وأن الظن بأن اغتيال الحقوق العربية المشروعة يمكن أن يمر بدون تكلفة هو الخطأ بعينه. وأن أمريكا بهذه القرارات لا تقتل فقط فرص السلام، لكنها تضرب مصالحها في المنطقة كما لم يحدث من قبل.