مدبولي: نعمل مع الوزارات المعنية على تسهيل إجراءات التسجيل العقاري للوحدات السكنية    تعاونيات البناء والإسكان تطرح وحدات سكنية ومحلات وجراجات للبيع بالمزاد العلني    برنامج الأغذية العالمي: الوضع الإنساني بقطاع غزة كارثي.. ومخزوننا الغذائي بالقطاع نفد    بيروت ترحب بقرار الإمارات بالسماح لمواطنيها بزيارة لبنان اعتبارا من 7 مايو    رئيس حزب فرنسي: "زيلينسكي مجنون"!    فاركو يسقط بيراميدز ويشعل صراع المنافسة في الدوري المصري    سيل خفيف يضرب منطقة شق الثعبان بمدينة طابا    انضمام محمد نجيب للجهاز الفني في الأهلي    أوديجارد: يجب استغلال مشاعر الإحباط والغضب للفوز على باريس    زيزو يخوض أول تدريباته مع الزمالك منذ شهر    إسرائيل تدرس إقامة مستشفى ميداني في سوريا    التموين: ارتفاع حصيلة توريد القمح المحلي إلى 21164 طن بالقليوبية    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    حرس الحدود بمنطقة جازان يحبط تهريب 53.3 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    استشاري طب شرعي: التحرش بالأطفال ظاهرة تستدعي تحركاً وطنياً شاملاً    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    البلشي يشكر عبد المحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين والجمعية العمومية    ترامب يطالب رئيس الفيدرالي بخفض الفائدة ويحدد موعد رحيله    الهند وباكستان.. من يحسم المواجهة إذا اندلعت الحرب؟    حادث تصادم دراجه ناريه وسيارة ومصرع مواطن بالمنوفية    التصريح بدفن جثة طالبة سقطت من الدور الرابع بجامعة الزقازيق    ضبط المتهمين بسرقة محتويات فيلا بأكتوبر    تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال    مفتي الجمهورية: نسعى للتعاون مع المجمع الفقهي الإسلامي لمواجهة تيارات التشدد والانغلاق    23 شهيدًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مديرية العمل تعلن عن توفير 945 فرصة عمل بالقليوبية.. صور    رسميًا.. إلغاء معسكر منتخب مصر خلال شهر يونيو    مورينيو: صلاح كان طفلًا ضائعًا في لندن.. ولم أقرر رحيله عن تشيلسي    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    نائب وزير الصحة يُجري جولة مفاجئة على المنشآت الصحية بمدينة الشروق    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    الداخلية تعلن انتهاء تدريب الدفعة التاسعة لطلبة وطالبات معاهد معاونى الأمن (فيديو)    رابط الاستعلام على أرقام جلوس الثانوية العامة 2025 ونظام الأسئلة    رغم توقيع السيسى عليه ..قانون العمل الجديد :انحياز صارخ لأصحاب الأعمال وتهميش لحقوق العمال    في السوق المحلى .. استقرار سعر الفضة اليوم الأحد والجرام عيار 925 ب 55 جنيها    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    كندة علوش: دخلت الفن بالصدفة وزوجي داعم جدا ويعطيني ثقة    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    إعلام الوزراء: 3.1 مليون فدان قمح وأصناف جديدة عالية الإنتاجية ودعم غير مسبوق للمزارعين في موسم توريد 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : انت صاحب رسالة?!    تقرير المعمل الجنائي في حريق شقة بالمطرية    بالفيديو.. كندة علوش: عمرو يوسف داعم كبير لي ويمنحني الثقة دائمًا    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    غدا.. الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" للموهوبين بالبحيرة    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون بين البلدين    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق شوشة يلقي القفاز في وجه الإعلام والمثقفين والجامعات الأجنبية ومجا مع اللغة العربية ومؤلفي الگتب المدرسية
اطلقوا سراح الثورة المحبوسة
نشر في أخبار اليوم يوم 22 - 07 - 2011


في ميدان التحرير
57 عاما.. وهو ينساب في نهر الحياة، موجات تتزامن لتتواصل، يتطارح عليها الإبداع والإعلام والثقافة واللغة، والأخيرة هي الغطاء الذهبي لمنظومة المثقف الكبير فاروق شوشة الذي تختزله جملة مكثفة للكاتب الراحل أحمد بهاء الدين»إن فاروق شوشة وزارة ثقافة قائمة بذاتها«.
57 عاما.. وهو يتنقل من غصن الي غصن علي شجرته الإبداعية تتدلي قطوفها محملة ب 44 ثمرة يانعة دالة علي شخصيته التي تشكلت في مهاد سياسي واجتماعي وثقافي لفترة سائلة القوام، ثوابتها أكثر من متغيراتها .. 57 عاما.. وهو يخلق ولا يختلق، يسير علي » حد السيف« ويدرك »شعرة معاوية« ويتدثر بعيون وحدس »زرقاء اليمامة« حتي ليشكل »نيلا موازيا« يفيض ولا يغيض، ويتدفق وقد يترفق.. ذلكم هو فاروق شوشة أحد الذين يحملون عذابات المجتمع وأشواقه ويشعلون مصابيحهم التنويرية لمصر اليوم وغدا، تجديدا وتحديثا.. وهو في هذا الحوار أشبه بانفجار نجم كبير في عامه الخامس والسبعين
طوال عهدي به منذ نصف قرن في عنفوان الشباب وهو صفحة نيلية المنبع والجريان والسكن والعمل والثقافة والمصب، هادئ في السطح، يجمع بين ثنائية الوقار والإبهار، لكنه يحمل في طبقاتها غليانا، ويتشظي في طياتها انفجارا، لاسيما في الآونة الأخيرة، بعد أن تحرر من سطوة الوظيفة التي تقلد آخرها كرئيس للإذاعة حتي أنه قال لي »انفجرت، لأنني تحررت، فأصبحت...«
نعم.. غاضب هو في كل كتاباته وأحاديثه وعطاءاته، غضب علي غضب ومثله قليلا ما يغضب، هل يمكن استقطار هذا الغضب لمفكر يعي جيدا أن ثورة الفكر، كما يقول المفكر الراحل د.زكي نجيب محمود، أخطر من ثورة السياسة يغلب عليها أن تجئ كقطرات الماء تفتت الجبل الصلد، وهي التي بصوتها الخافت تحرك النفوس علي مدي الزمن القصير أو الطويل.
لا يتوقف علي الأطلال باكيا، ولا ينظر إلا إلي المستقبل، لديه مشروعه الثقافي الذي يحتوي أبنية المسارات الأخري، قل هو الغضب النبيل، قل هو ثورة مكبوتة علي التوهان في عصر الاستعارة، قل هو الوهج المنبعث من »ثقافة الأسلاك الشائكة« قل هو التتويج ل »عذابات العمر الجميل« ودموع »العيون المحترقة« واختراق »الدائرة المحكمة« والحلم بتحقق »انتظار ما لا يجئ« بعد أن عثر النيل »علي وليفته« بعد طول سؤال تجلت الإجابة عنه في أجواء 52 يناير.
أطلقوا سراح الثورة
كنت ولا تزال أول الفرحين بالتحول الثوري الضخم، وإذا بك الآن تعلن شعار »أطلقوا سراح الثورة« أهو نكوص؟ أم تخوف؟ أم اتساع في الرؤية؟ أم فرحة تحاول أن تكتمل قبل أن يختطفها الغربان؟
الثورة حتي الآن مختنقة لم تغادر ميدان التحرير، نريد أن نسمح لها بأن تتجاوزه إلي الشوارع والأسواق كل مكان في مصر، في الصعيد والريف والوجه البحري وأن تدخل بيوتنا في كل وقت، بدون استئذان، لتنام معنا في بيوتنا، وتنام ونستيقظ علي صوتها,لأن جموع الشعب المصري، كثير منها حتي الآن لا يدري أن هناك ثورة، وإن كانوا قد سمعوا بها ، مجرد سماع ، فلن تتعدي معرفتهم ما حدث لشخص رئيس الجمهورية، وبعض أعوانه الذين كانوا رموز العهد البائد.ومن يدري لا يريد أن يعترف، هناك ثورة هي أهم الثورات وأخطرها وأبعدها أثرا في تاريخ مصر الحديث، قامت من أجل استعادة عزة الوطن والمواطن وكرامتهما، بعد أن عصف بهما العار والهوان، وغرقتا في مستنقع للفساد، لم تعرفه مصر في تاريخها كله، ثورة ترفع شعارات الحرية والعدل والديمقراطية والمساواة، وترفع معها رءوس المصريين جميعا إلي عنان السماء، فهذا أمر لم يصل إلي هذه الجموع من مواطنينا، بالرغم من أننا نعيش عصر الاتصال في كل صوره وآلياته.
إن حلم الثورة يظل أكبر وأعظم من كل ما تحقق حتي الآن، وما تحقق حتي الآن لا ينكره إلا مكابر. لكن روح الثورة تتطلب المزيد، الذي لا ينبغي أن تضيق صدورنا بقفزاته وسرعة إيقاعه ونفاد صبره في كثير من الأحيان. ذلك أن إيقاع الثورة وشبابها، وصناعها الحقيقيين، يتجاوز بكثير إيقاع كيانات مترهلة، تكتفي بأن تركب الموجة، وتتصدر المشهد، وهي عاجزة عن خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح.
يستعيد الإنسان العربي هويته، يستعيد لغته علي الفور، فالمدخل إلي اللغة هو الهوية والانتماء، كما تؤمن دائما، ولغويا.. أراك تنظر نظرة جديدة ومغايرة لبعض النتائج السريعة للثورة التي لم يلتفت إلي دلالاتها الكثيرون ؟
من أهم النتائج التي ترتبت علي ثورة 52 يناير هو إحياء فكرة الانتماء، أول ما يصحو في وجدان الإنسان إحساسه بالانتماء والهوية، يصلح لغته، ولذلك شعارات هؤلاء الشباب من أول يوم: »الشعب يريد اسقاط النظام« أربع كلمات سليمة من البداية ومضت، لذلك عندما نطق الشباب نطق بالصواب اللغوي، فلا يمكن أن أهتف وأعلن: أنا وطني وأنا مؤمن بمصر ومنتم لهذا البلد وأريد حريته وخيره، ويكون تعبيري بلغة مهشمة، ولذلك فإن المدخل لتعليم اللغة العربية من جديد في العالم العربي، لابد أن يكون مدخلا ثوريا وطنيا مرتبطا بأن هذه الشعوب تستعيد حريتها وانتماءها وتستعيد لغتها الصحيحة، وهذا ما يحدث الآن، لذلك أنا متفائل بمستقبل اللغة العربية في مصر.
لغتنا الجميلة دائما
في هذا السياق والشئ بالشئ يذكر، منذ 44 عاما والمتلقي الإذاعي يرتبط بك عبر ذبذبات برنامجك الأشهر »لغتنا الجميلة«
كنت أحس أن الدائرة التي بدأت عندما قدمت برنامج »لغتنا الجميلة« لأول مرة في أول سبتمبر 7691 بعد النكسة بشهور قليلة وكان فكر»محمد محمود شعبان« مدير عام برنامج الإذاعة في ذلك الوقت أن مثل هذا البرنامج سيعيدنا إلي جذورنا، لأننا انهزمنا بسبب ابتعادنا عن المكونات الأولي والجذور الأولي، فكان فكره أن مثل هذا البرنامج سيربط المواطن المنهزم المنكسر الوجدان والخاطر بتراث أمته وحجم البطولات فيه، وحجم الفتوحات، وحجم المكاسب المعرفية، وحجم الإنجاز العلمي والإبداعي.. وحجم.. وحجم.. كل ذلك من خلال اللغة، لأن اللغة هي إطار كل هذا، فالدخول من منفذ لغتنا الجميلة لم يكن القصد منه أن يكون برنامجاً تعليمياً، يعلم الناس اللغة، وإلا لانصرفوا عنه، ولكن كان الولوج من باب جمالي يتأمل بعض النماذج الجميلة التي توقف عندها الناس، وتوقفت أنا عندها بصورة شخصية، هي جميلة ليست فقط لأنها كتبت بصيغ جميلة ولكن بما تحمله من قيم وتجسده من معان وتشير إليه من دلالات.
ولذلك، عندما أخبرتني السيدة هدي عبدالناصر أن أباها كان يحرص علي سماع البرنامج كل ليلة، قبل أن يستمع إلي نشرة الحادية عشرة وينام، وهي تهيئ له الراديو بدءاً ببرنامج »لغتنا الجميلة« أنا فزعت وقلت الحمد لله اني عرفت هذه المعلومة بعد رحيله، لأني لو أدركت وقت تسجيل البرنامج في السنوات الأولي أن رئيس الدولة يستمع إليّ لما كنت جرؤت علي أن أضع فيه أشياء اعتبرها خروجاً، أذكر ذات مرة أني أذعت رسالة للقاضي » أحمد بن يوسف « وهو أشهر قاض في العصر العباسي - يوجهها إلي »هارون الرشيد« ويقول له: لقد فسدت عندما سمحت للرعية بإفسادك لقد حجبوك عن الناس، فأصبحت تستمع إلي الناس من خلال هذه الرعية الكاذبة الغاشة المضللة الفاسدة ال .. ال .. لو تصورت أني أقول هذا الكلام، وقد يكون موجهاً لأي حد، عبدالناصر لم يكن هكذا بالطبع، كان مثالاً للشرف والنزاهة، ومات فقيراً كما بدأ فقيراً ولم يترك لأولاده ما تركه الآخرون، لكن بالرغم من هذا اني كنت أحس من الذي يسمع البرنامج، لا أدري، هم الناس البسطاء، إنما مسئول المسئولين يسمعني.هذا البرنامج استمر، وهو الآن في العام الرابع والأربعين. وقد طلبت الدوحة وهي عاصمة الثقافة العربية 1102 أن تنشر بعض مادة هذا البرنامج، ونشرت وزارة الثقافة القطرية أربعة مجلدات كبيرة، وستصل مجلداته إلي عشرة من بين مادة قدمت في أربع وأربعين سنة مضروبة في 563 يوماً، وبالتالي أنا انتقي وأربط الأجزاء ببعضها في سياق.
في مجمع الخالدين
أسألك سؤالا بل هو كمية تساؤلات بعضها فوق بعض، باعتبارك أمين عام مجمع اللغة العربية:لقد تعبنا حتي درجة اليأس من المطالبة بتقريب لغة مجمع الخالدين الي لغة الناس، توصياته غير ملزمة، وملفات هذه المطالبة تتجاوز أية مليونية منذ عقود طويلة، متي تصله الروح الثورية؟.
المجمع كان يصدر توصيات بالفعل، وهي مطروحة وموجودة في مطبوعات المجمع وفي مجلته ويرسلها إلي الصحافة وإلي الجهات المعنية، ينظر فيها الناس، قد يعمل بها أحد وقد لا يعمل، لكن أردنا تعديل قانون المجمع، ليقول إن ما يصدر عن المجمع هو قرارات ملزمة، يبعث بها إلي وزير التعليم العالي لأنه المسئول الدستوري عن المجمع، ولأنه لا يتبع أية هيئة، فنحن في بنود العلاقة مع الدولة قائمة من خلال وزير التعليم العالي، وقديماً كانت قائمة من خلال وزير المعارف ثم وزير التعليم، فطالبنا بأن ينص في قانون المجمع عند الحديث عن تنفيذ التوصيات أن تكون قرارات ملزمة، ترفع إلي الوزير المسئول، ليحولها إلي قرارات في الجريدة الرسمية، ويخاطب بها وزير التربية والتعليم، ووزير الإعلام ووزير الثقافة، ويصبح هؤلاء الوزراء الثلاثة مسئولين عن تنفيذ هذه القرارات، وبدأنا بالفعل منذ ثلاث سنوات نرسل بها إلي وزير التعليم بكل أسف لم يتحقق شيء، وأنا في انتظار قرارات هذا العام التي صدرت منذ عدة أسابيع لنجرّب مصر ما بعد ثورة 52 يناير، يعني إذا كانت قرارات السنين السابقة عن هذا العام لم يعمل بها، خصوصاً أن فيها إشارات إلي أشياء مهمة جداً، كل ما هو عناوين مكتوبة بلغات أجنبية لمحلات ومؤسسات لفنادق وقري سياحية، قلنا إن هذا لا يليق ولا يصح، وهناك قانون في مصر منذ عصر عبدالناصر كانت مسئولة عن تنفيذه وزارة التموين والتجارة الداخلية لأنها المعنية بإعطاء تصاريح فتح المحلات لم يعمل به منذ عام 8591 ولم ينفذ، بل كثرت العناوين وتضاعفت الأسماء بحجة أننا الآن منفتحون علي العالم والسوق العالمي ومتطلبات الشركات الأجنبية، فقلنا علي الأقل يكتب الاسم باللغة العربية وتحته باللغة الأجنبية، وهناك دول عربية تفعل هذا، هناك قانون ونحن جددناه من خلال التعديل، إنما التنفيذ بيد من؟ المجمع ليس في يديه سلطة قضائية إذ سلطة الضبطية القضائية التي تذهب إلي مكان وتقول له غير هذه اللافتة، هذا صنع الحكومة والدولة، فالجزء الخاص بالمجمع يفعله، يبقي الجزء التنفيذي، والدستور وهو أبو القوانين ينص علي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، من يراعي هذا إذا لم تنفذه الدولة من ينفذه؟
عشرات الجامعات الأجنبية
لدينا الآن 052 مدرسة أجنبية، وحوالي المليون طالب في الكليات العلمية، و81 جامعة أجنبية؟
سيكون لدينا طرز شتي من المواطنين من ذوي البينات الثقافية، أشرنا إلي هذا في توصيات المجمع، المشكلة عندما يتشكل المواطن، اللغة مواطنة. أنت عندما تبدأ في حياتك بتعلم اللغة الفرنسية، مثلك الأعلي هناك في باريس، شئت أم لم تشأ، وتظل فرنسا إذا ذكرت في أية لحظة من حياتك هي المكان الذي تحلم بأن تراه وتكون فيه، إذن اللغة تخلق مواطنة من نوع ما مع الثقافة التي تجسدها هذه اللغة، أن يكون لديك لغة صينية أو فرنسية أو انجليزية أو.. أو.. معني هذا أن تستبدل بمواطنتك الأصلية التي تشكلها قاعدة الثقافة العربية، مواطنات أخري أجنبية، وانظر إلي أسرة بعد عشر سنوات أو عشرين سنة، عندما يكون فيها أربعة أو خمسة من الشباب، كل منهم ينتمي لعالم لا علاقة له بالآخر، هذا خطر ينبغي إعادة النظر فيه، وإذا كان قد تم في عصر ما قبل 52 يناير، بوجهات نظر لا تستمع ولا تستجيب إلي الضرورة الوطنية، فقد آن الأوان أن يناقش الآن.
مأساة اسمها الكتب المدرسية
مادامت جذورنا في الهواء فماذا تتوقع، أسأل وعيني علي مهزلة الكتب المدرسية، والكراهية المزمنة لها في الشكل والمضمون عبر كل مراحل العملية التعليمية الضالة والمضللة؟
هذه الكتب كان يؤلفها في أيامنا طه حسين وأحمد أمين وعلي الجارم، ومجموعة من كبار الأدباء، وكان ما تضمه هذه الكتب هو شعر شوقي وحافظ ابراهيم والبارودي وكتابات المنفلوطي، وعيون الأدب القديم، أي أن مادة الكتب كانت تصنع من مادة أدبية حقيقية، أما الآن فيؤلف هذه الكتب المسئولون عن تعليم العربية في وزارة التعليم، وبدلا من قصيدة لشوقي قصيدة لموجه في الوزارة! واعتبروا أنفسهم أدباء وشعراء، هذا مدخل لهبوط المستوي، استبدال قصيدة لأمير الشعراء بشاعر نكرة، يؤلف القصائد والأناشيد التي سيحفظها الطلبة في المدارس، كنا في العاشرة من العمر نحفظ شعر شوقي مع كتاب المطالعة بسهولة ويسر، وشوقي لديه ديوان كامل للأطفال لم يسمعوا عنه ولم يستفيدوا منه، هذا باب للفساد في الكتب المدرسية!
الأمر الآخر.. كيف تعلم اللغة العربية، إذا كنت مستمرا في أن يدخل المدرس ويكتب علي السبورة »المفعول المطلق« ثم يبدأ بقول ان المفعول المطلق اسم منصوب، إذا كان مفردا منصوبا بالفتحة وإذا كان مثني منصوبا بالياء.. إلخ وتنتهي الحصة ويخرج التلاميذ وقد سمعوا عن كائن وهمي اسمه المفعول المطلق دون أن يكون الدرس النحوي مرتبطا بنص أدبي أو علمي، ثم أن التلميذ لا يعرف ماذا سيفعل بهذا النحو في الحياة. كان لدينا أساتذة للنحو في الجامعة يحفظون القواعد حفظا تاما ولا يستطيعون ان يتكلموا دقيقتين بلغة عربية سليمة، لماذا؟ لأن حفظ القاعدة شيء، والارتجال اللغوي والقدرة عليه أمر آخر.
اللغة العربية والمجتمع المدني
خطاب مجمع الخالدين يسعي الآن فقط الي مؤسسات المجتمع المدني ؟
نحن لجأنا إلي مؤسسات المجتمع المدني، ومؤتمرنا الأخير هذا العام كان موضوعه »اللغة العربية ومؤسسات المجتمع المدني« لدينا في مصر ثلاث جمعيات الجمعية المصرية لتعريب العلوم، وجمعية لسان العرب، وجمعية حماة اللغة العربية، في هذه الجمعيات الثلاث شباب ينشر رسائل هذه الجمعيات ويحتك بالناس وبالمواقع، ويذهب إلي نشاطهم قطاعات عريضة من شباب المجتمع.ومجمع اللغة العربية بحاجة لأن يمد يده إليهم، ماذا يريدون من امكانات المجتمع ومن مطبوعاته ومن أعضائه، من كل ما يتصل بالعمل المجمعي، والمجمع يدخل إلي المجتمع كله عن طريقهم، لأنه لا يستطيع أن يقف علي ناصية الشارع ويقول أيها الناس أصلحوا لسانكم، ولكن يصل من خلال قنوات هؤلاء وغيرهم في الوطن العربي يمثلون قنوات شرعية لنشر الصواب اللغوي في كل المجتمع.نحن عندما نفعل هذا فإن المجمع يغير من سلوكه في الأداء ويخرج من كونه برجا عاجيا كما كان يسمي في القديم، ليتعامل الآن مع مؤسسات حية واقعية شابة في المجتمع يلتف من حولها الناس.وعندما كنا نقيم جلسات مفتوحة في المؤتمر، كان يأتي إلينا شباب كل يوم، من مختلف الأعمار والتوجهات والثقافات ويناقش أعضاء المؤتمر، هذا التواصل أدي بنا في النهاية إلي أن نصنع دليلا لغويا صغيرا يضعه المواطن في جيبه، والإعلامي علي وجه الخصوص، صحفيا أو مذيعا، ما عليه إلا أن يفتح هذا الدليل ليصحح لسانه، قل كذا ولا تقل كذا.
لغة الفضائيات
من لغة الصحافة إلي لغة الفضائيات داخل المنظومة الإعلامية ككل.. ما مرئياتك؟.
لابد أن يكون الحديث عن الفضائيات في اطار عدة اعتبارات:
أول شيء أنه كان تعطش لدي عدد من الدول العربية لأن يري لهجته المحلية مستخدمة وشائعة، كانت العامية المصرية هي لغة العرب منذ قامت السينما المصرية، ثم الإذاعة المصرية، ثم انتشر الغناء المصري، اللهجة المصرية هي اللهجة الوحيدة الشائعة المفهومة التي لا يختلف عليها مغربي أو عراقي أو خليجي أو شامي، وقد أدخلت السينما هذه اللهجة إلي ألسنة الأسرة العربية، ومن ثم كان لدي العربية تطلع لأن يصبح لها هذا الذيوع، خصوصا الدول التي كانت لهجتها توصف بأنها »ضيقة« وصعبة الانتشار. قامت الفضائيات وعند أصحابها اصرار علي أن كلما كان استخدام العامية متاحا فهو مفيد لهوية أو شخصية البلد، باستثناء قنوات كان لها توجه خاص، مثل قناة »الجزيرة« الفصحي المنضبطة في كل ما يصدر عنها، فهي أكثر فضائية عربية التزاما باللغة العربية الصحيحة، يليها قناة »العربية« وبقية القنوات تتوزع مستوياتها، وبكل أسف قنواتنا المصرية ليست لها هوية لغوية، وفكرة الهوية اللغوية لها منعدمة من الأساس.
وما مساحة الفصحي علي الخريطة الاعلامية ؟
بالرغم من كل ما يقال، الإعلام المصري فيه سلبيات كثيرة، لكن له ايجابية وحيدة طوال تلك السنوات انه أبقي نسبة من اللغة العربية »منطوقة« فمشكلة أية لغة أن تتحول إلي لغة مكتوبة، كتاب مغلق، هذه لغة ميتة، لكن أن تتكلم اللغة، وتوقظ هويتها، وتجعل غيرك ينطق بها كما تنطق ويقلدك في الأداء، فاللغة تصبح حية، لذلك أين توجد اللغة العربية حية؟ لا في المدرسة ولا في الجامعة ولا في أي مؤسسة ولا علي ألسنة المسئولين طوال نصف قرن، انها توجد حية في أجهزة الإعلام علي ألسنة بعض المذيعين والمذيعات ممن يحرصون علي الصواب اللغوي، هذا وحده فضل يذكر لأجهزة الإعلام العربية، القرآن الكريم وقراءاته، المواد الدينية، المواد الثقافية، البرامج التسجيلية والوثائقية، بعض القصائد المغناة، لو بحثت عن مساحة المادة الفصيحة التي تؤدي، ستجدها ليست قليلة.
المؤسسات اللغوية الكسيحة
سمعتك تصف المؤسسات اللغوية بأنها »كسيحة«؟
أقصد بالكسيحة مجامع اللغة العربية في العالم العربي، لأنها لا تعمل ولا تنتج كما هو مطلوب منها وهي عاكفة علي الماضي، ومنكفئة إلي الوراء، وآن الأوان ان تلتفت إلي اليوم، وإلي الحاضر وإلي الواقع اللغوي وأن تبادر بمغامرات، وبإعادة تشكيل اللجان وباستدعاء خبراء يكونون في العمر أكثر شبابا ليعملوا في اللجان المختلفة، ما معني فكرة أن يكون المجمعيون دائما من كبار السن وممن تجاوزوا الثمانين والتسعين، هذه فكرة غير مفيدة للبحث العلمي، أحيانا نستقبل عالما جليلا لكنه في التسعين، السنة الماضية استقبلنا عالم البيئة العظيم الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص، في المجمع 0102 عندما وقف الرجل يستقبل، وقال كنت أتمني أن يكون هذا الاستقبال منذ عشرين عاما حتي اتمكن من أن أعطي هذا المجمع جزءا من صحتي ووقتي، أنتم تستقبلونني وأنا في التسعين وهو أكثرنا شبابا في العمل العلمي، إن ما أريد أن أقوله آن الأوان لأن يصبح النظر إلي الشباب من المبدعين العلماء والمفكرين والباحثين هم القاعدة، وليست الاستثناء، وآن الأوان لديناميكية العمل في المجامع تجعلها أكثر ارتباطا بالواقع اللغوي في الحياة.
كنوز التليفزيون
أنت شاهد عل ثروة مصر الفنية ، كيف تكونت وتشكلت ، وكيف ساهمت في الذائقة العامة ؟
كنوز التليفزيون بعضها سرقت وبيع لفضائيات خاصة وعامة أخري، وبعضها خرج بطريق رسمي علي أساس ان اتحاد الإذاعة مساهم في قنوات أخري، ويكون هناك نوع من التعاون، لكن في كل الأحوال مكتبة التليفزيون تحتاج إلي إعادة جرد وتبويب واكتشاف، لأن فيها من الأشياء النادرة ما لا يعرفه القائمون الآن علي العمل، يعرفه عجوز »لما تيجي لواحد يقولك ان سنة 5691 اتذاعت تمثيلية كان طيب مين فاكرها« مكتبة التليفزيون تحتاج بعثا لا جردا أن أري شريطا مسروقا أو غير موجود ينبغي أن أشاهد المادة وأعرض منها للناس الآن، عندك مسرح بكامله أهمله التليفزيون مثل روائع نعمان عاشور وسعد الدين وهبة وألفريد فرج وميخائيل رومان ومحمود دياب كان هذا المسرح متجنبا .
ثروة مصر الغنائية بيعت بالقانون، تقدم مشتر، واتحاد الإذاعة والتليفزيون بدون عقل، المسئولون عنه وفي مقدمتهم الوزير قال لهم نبيع؟ ايه يعني؟ وكان هناك شرط أنك لا تستطيع أن تذيع فيلما فضائيا إلا بأمر منهم، لكن فقط تذيع أرضيا وأصبحت ثروتك في يد غيرك!!
المثقف الحقيقي
أوجاعك الإعلامية وعذاباتك الفنية لا تنفصل عن الهموم الثقافية.. من الأكثر أثرا والأطول عمرا والأبقي .. المثقف أم السياسي؟
المثقف طبعا يدوم مادم قلنا المبدع فهو الأطول لسبب أن الإبداع إذا كان حقيقيا فلا تنتهي قيمته اطلاقا، المثقف قد يؤلف كتابا في الثقافة هذا الكتاب بحاجة إلي تعديل وتغيير بعد عشر سنوات أو عشرين سنة، أما السياسي فقيمته تسقط في اليوم التالي.
لم يدرك كثير من رجال الثقافة والفكر هذه الحقيقة؟
إذا لم تكن لديه بوصلة الانتهازية، والوصول إلي ما يسمي بالمناصب وكثيرا من مفكرينا ومثقفينا امتحنوا بنشوة المنصب فسقطوا في الاغراء فقضي عليهم المنصب في أسبوع، لأنهم ليسوا مثقفين حقيقيين، المثقف الحقيقي هو الذي يتنبأ ويشعر ويري ويكتب ويتحمل نتيجة كتابته.
ربما كانت هناك غشاوة العصر علي كثير من العيون، لأن بعد سقوط الطاغية، كان هناك من المثقفين من يقول » اعمل ايه أصل أنا بحبه ذنبي ايه« وهو كان خادما في البلاط، مشكلة مصر في الثلاثين سنة الأخيرة تلخص في كلمة واحدة »الفساد« في تقييم الناس، الفساد في تحقيق الرغبات البعيدة عن مصلحة البلد والوطن، الفساد في أن النماذج التي كانت الناس تنظر لها علي أنها ذات قيم وجدتها واقعة، هذا العصر كتب فيه قصائد اسمها »شبيه زماننا« و»خدم« وخدم كهنتها من فئة من كبار المثقفين كانوا خدما في بلاط الهانم وخدما مع وزير الثقافة الذي هو بدوره خادم للهانم، فكانوا خادما عند خادم، أن يكون لإنسان خادم في بلاط خدام هو وزير الثقافة، وهؤلاء يتشدقون بأنهم يعيدون أمجاد طه حسين، أقول لهم طه حسين برئ منكم جميعا، طه حسين لم يكن بكتبه وأبحاثه فقط، طه حسين لم يهادن حاكما ولم يعمل في بلاط أحد من عظماء مصر وسادتها، أيام ما كان في مصر عظماء وسادة، كان طه حسين رأسه برأس مصطفي النحاس باشا زعيم حزب الوفد، يقول له نعم ولا، أوافق ولا أوافق، ولم يكن طه حسين خداما فاتركوه نقيا شريفا فلا تقولوا انكم ورثة طه حسين، أو امتداد طه حسين أو بدلاء طه حسين، لقد كان طه حسين شيئا آخر!
هلا نتناسي في الزحام الراهن المبدعين الذي يتمايزون بالثورية في إبداعاتهم التي تمهد لتثوير المجتمع وتنويره علي المدي البعيد؟
لا شيء ينسي في الزحام، الثورة لا يمكن أن تقوم في يوم، وتنجح في يوم، ويلتف حولها الشعب في يوم، الثورة جاءت لتجد مجتمعا جاهزا للتلقي والاحتضان، جميع الأعمال الأدبية والفنية وآخرها »هي فوضي« لخالد يوسف وأفلام وحيد حامد والأفلام الأخيرة ليوسف شاهين كانت تتحدث عن مجتمع سيثور بين لحظة وأخري.
وهذه غضبة أخيرة يطلقها فاروق شوشة :الفرعونية متجسدة في »يحكم الحاكم « لا أنسي التعبير الذي قاله لي الشاعر الراحل عبدالفتاح مصطفي عندما تولي حسني مبارك بعد مقتل السادات، »الحمد لله أصبح عندنا رئيس معدل« ولما استفسرت منه قال مثل سيارة الفيات المعدلة علي قدنا فلا جبروت ولا تعال، والسادات قال في آخر أيامه »أنا ربكم الأعلي« و»عنده دار لاستقبال الوحي« فالحاكم الذي يصل إلي هذه المرحلة يصبح إلها(!!) فالحمد لله ان لدينا رئيسا معدلا، هذا الرئيس المعدل في دورة الزمان خلال ثلاثين عاما أصبح أشنع فرعون في تاريخ مصر، منذ عهد مينا لم يحدث في مصر فساد بحجم عصر مبارك، لا في العصر المملوكي ولا العثماني، ولا في العصر الذي كانت الناس تأكل فيه الناس، وتأكل الكلاب، وفي عصر مبارك الناس أكلت الحمير والكلاب!! هذا ليس استعارة بل حقيقة. حدث فعلا.. كانوا يأتون من تحت كوبري الجيزة بجثث الحمير ويبيعونها لحوما للناس! لم تشهد مصر فسادا مثل هذا الفساد، من الذي نجا من جعل الناس تكاد تشك في كل واحد.. فالفساد مستويات وبالكيلو!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.