الموقف الامريكي الحقيقي من ثورة 25 يناير مازال غامضا رغم بعض التصريحات التي تصدر في واشنطن تأييدا للتغيير والديمقراطية في مصر. السبب في ذلك هو التناقض الرهيب بين اقوال الولاياتالمتحدة وافعالها.. ليس تجاه الثورة المصرية وحدها بل ايضا ازاء الانتفاضات التي تجتاح العالم العربي من المحيط الي الخليج من اجل الحرية. فالرئيس الامريكي اوباما اعلن منذ دخوله البيت الابيض نبذه لسياسة القوة وتأييده للحرية ودعوته للحوار مع الشعوب العربية والاسلامية. ورغم ذلك، لم يتغير واقع السياسات التوسعية والانتهازية واستمرت امريكا تدعم الانظمة الديكتاتورية وتنحاز بشكل اعمي لاسرائيل وتخدع الشعوب بالكلمات المعسولة! والجميع يعرفون ان امريكا ظلت تدعم النظام المصري السابق حتي لحظاته الاخيرة في الحكم ولكن عندما تأكد سقوط مبارك باعه اصدقاؤه الامريكيون، ولو بشكل مؤقت، لانهم لا يلعبون ابدا علي الجواد الخاسر. نفس الموقف اتخذته امريكا من قبل مع اكبر حلفائها وهو شاه ايران السابق الذي ظلت تدعمه ضد الثوار حتي ادركت حتمية سقوطه فتوجه اليه الجنرال الامريكي الكسندر هيج قائد قوات الاطلنطي في ذلك الحين وابلغه ان امريكا لا تستطيع ان تضمن سلامته في طهران لاكثر من ساعة واحدة لان الزعيم الديني خوميني كان بالفعل في طريقه من منفاه في باريس الي ايران علي متن احدي طائرات الخطوط الجوية الفرنسية. ووصفت الاميرة اشرف بهلوي شقيقة الشاه السابق هذا الموقف الامريكي بالانتهازية بل واتهمت واشنطن بالتورط في قتل شقيقها عن طريق الجراح الامريكي مايكل ديبكي الذي يعمل لحساب المخابرات المركزية بحجة علاج الشاه!! نفس الموقف النفعي عكسته السياسة الامريكية تجاه واحد آخر من أهم حلفاء واشنطن وهو الرئيس الراحل أنور السادات. فعندما أدرك الامريكيون ان السادات فقد سيطرته في مصر و أصبح جواداً خاسراً وعقبة أمام سياسات الرئيس الاسبق ريجان، قرروا التخلي عنه وتم اغتيال السادات في اكتوبر 1981 و تحدثت صحف امريكية عن مؤامرة تورطت فيها أمريكا لتصفية رئيس مصر الاسبق!! هكذا هي امريكا دائماً.. لارهان علي الجياد الخاسرة مهما أدت من خدمات للمصالح الامريكية. ويبقي السؤال.. كيف تتعامل امريكا في نهاية الامر مع ثورة يناير المصرية؟ اعتقد ان واشنطن تريد الامساك بالعصا من المنتصف لأطول وقت ممكن لانها لا تستطيع الرهان علي قوة مصرية بعينها قادرة علي حسم الموقف لصالحها. ورغم ذلك تحاول الادارة الامريكية بين وقت وآخر المشاركة في صنع الأحداث فيعلن اوباما امنيته بان يتولي وائل غنيم، صاحب صفحة (كلنا خالد سعيد) علي الفيس بوك، الرئاسة في مصر!! وتؤكد هيلاي كلينتون، وزيرة الخارجية الامريكية، مؤخرا الحوار الغريب بين امريكا والاخوان المسلمين! وفي كل الاحوال، سوف تتعامل امريكا مع اي طرف يستطيع فرض سيطرته في مصر حتي ولو كان هو الشيطان ذاته! اما الحديث الامريكي المخادع والممل عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان فهو مجرد هراء، او هو بمعني آخر ( موقف امريكاني ) تماما كالوصف الذي يطلقه المصريون علي الصورة التي يتم التقاطها بكاميرا لا يوجد اصلا بداخلها فيلم.. فقط بريق الفلاش المبهر الذي يعمي العيون!!