سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اخبار اليوم تنشر صفحات من مذكرات عادل حمودة «45» مبارك استسلم لضغوط الأزهر والكنيسة وقطر والسفير الأمريكي في القاهرة وأخرجني من روز اليوسف ٫٫٫ نشرت تقريرا عن تطهير مطبخ السفير الأمريكي واستيراده الطعام «الكوشير» فحرض الصحف والنقابة والرئاسة ضدنا!
امتلك محسن محمد موهبة الكتابة الجذابة التي امتلك سحرها جيله من الصحفيين في »أخبار اليوم».. ولكن.. الأهم أنه صنع تجربة ناجحة في الجمهورية رفعت توزيعها بعد شبه موات.. وكان أول من وزع الجريدة الصباحية ليلا.. وسرعان ما قلدته الصحف الأخري. بعد إخراج الدكتور كمال الجنزوري من منصبه وبالتحديد في يوم الجمعة 8 أكتوبر 1999 كتب محسن محمد في جريدة المساء يعدد الأخطاء التي وقع فيها : وأولها حرصه علي أن تكون كل خيوط الدولة في يد واحدة.. »وثاني هذه الأخطاء أنه لم يؤمن أبدا بحرية الصحافة.. ولعل المثل الواضح هو اقصاء عادل حمودة عن مجلة روز اليوسف وكان رئيس تحريرها الفعلي.. أما منصبه الرسمي فهو نائب رئيس التحرير». قال محسن محمد : »والسبب في ذلك أن عادل حمودة ظن أنه يستطيع أن يخاطب في مجلته وفي الاجتماعات رئيس الحكومة وأن ينتقده مباشرة في مجلة قومية». واستطرد : »ولم يجد عادل حمودة سوي التليفزيون اللبناني ليكشف علي شاشته حقيقة ما حدث له». كان محسن محمد يقصد الحوار الذي أجرته معي المذيعة اللبنانية الشهيرة جيزل خوري وعرضته في برنامج »حوار العمر» الذي كانت تقدمه في تلك الأيام. والحقيقة ان ضغوط التحالف بين السلطة ممثلة في كمال الجنزوري والثروة ممثلة في نجيب ساويرس لم تكن الضغوط الوحيدة التي تعرض لها مبارك لإقصائي عن روز اليوسف بسبب ما كنت انشر فيها.. كانت هناك ضغوط سياسية وصحفية من داخل وخارج مصر جعلت الرئيس يتخذ قراره بعد أن طال صبره وتحمله. كنت في طريقي إلي القاهرة عائدا من الساحل الشمالي عندما تلقيت مكالمة من إبراهيم نافع.. طلب مني أن ألقاه علي عجل في مكتبه بالأهرام التي كان يرأس تحريرها ومجلس إدارتها. وصلت إلي مكتبه في الساعة الثانية ظهرا لأجد عنده أنيس منصور الذي كان عائدا من رحلة علاج في الخارج بعد ان عاني من آلام شديدة في ساقيه.. وراح في زهو يروي تفاصيل المكالمة التي تلقاها من مبارك لتهنئته بالشفاء. قال أنيس منصور : أن مبارك داعبه قائلا : »نقدر نسميك دلوقتي أبورجل مسلوخة».. لكنه رد عليه : »لا يا ريس تقدر تقول أبورجل مرفوعة».. فقد نصحه الأطباء برفعها. ثم التفت نحوي قائلا : »أكثر من مرة قلت لمبارك كيف تترك عادل حمودة ينتقد الحكومة في مجلة حكومية.. هذه يا ريس كارثة لا يجوز السكوت عليها وإلا انقلبت باقي الصحف عليك». بهت مما سمعت فلم أتصور ان كاتبا كبيرا مثله يمكن ان يحرض رئيس الدولة علي حرية الصحافة ويخيفه منها.. ولكنه كان في الحقيقة موجوعا مما نشرته روز اليوسف عنه ولم تحتمله نرجسيته التي تصل بسهولة إلي كل من يقترب منه. كان أنيس قد هاجم روز اليوسف في الأهرام ووصفها بأنها مجلة جنسية. وفي مكتب إبراهيم نافع بدا أنيس منصور منتشيا مما يجري لي ولم يتردد في أن يقول : »أنت زودتها واحرجت الجميع ». ولم اشأ أن أرد فقد كنت اريد أن اسمع من إبراهيم نافع ما عنده ولم يتح لي ذلك إلا في سيارته وهو يتجه إلي موعد مع الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب. بنص كلماته قال نافع : »شوف.. السحب السوداء تكاثرت فوق رأسك منذرة بسوء لا أتصور انك ستنجو منه هذه المرة وقد اقترحت علي الرئيس أن تنقل إلي الأهرام كاتبا متفرغا بعد أن اشتكي منك الأزهر والكنيسة والحكومة الأمريكية وإمارة قطر مما نشرت ». فيما بعد عرفت من الدكتور أسامة الباز أن اقتراح نقلي إلي الأهرام جاء من الرئيس شخصيا. وفيما بعد أيضا رحت استرجع ما كتبت عن الجهات الغاضبة التي عددها نافع وكانت قطر اول ما جاء من ذاكرتي. علي غلاف العدد الأول من عام 1998 من روز اليوسف نشرت عنوانا رئيسيا يتحدث عن الفجور السياسي في قطر والانقلابات العائلية التي شهدتها. كنت قبل أسابيع قليلة قد دعيت لحضور مؤتمر القمة الخليجية المنعقدة في الكويت عندما جاءت مندوبة روز اليوسف هناك تعرض عليَّ إجراء حوار مع أمير قطر حمد بن خليفة الذي انقلب علي والده خليفة بن حمد بعد أن غادر الدوحة إلي أوروبا لقضاء شهور الصيف فيها.. وأجبر حمد شيوخ القبائل علي الاعتراف به علنا أمام كاميرات التليفزيون ومن رفض منهم سحب الجنسية من قبيلته. وجدت في الحوار فرصة لمواجهة حمد متسائلا عن سر هجوم إعلام بلاده علي شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي ووزير الخارجية عمرو موسي كما وجدتها فرصة لسؤاله عن سر اتجاهه ناحية إسرائيل ولماذا وافق علي وجود قاعدتين أمريكيتين في بلاده ؟. واتذكر انني قبل الانقلاب بعدة شهور تلقيت مكالمة تليفونية من صحفي قطري يدعي أحمد علي يعرض عليَّ السفر إلي سويسرا للاطلاع علي حادث سيغير وجه المنطقة وعرض في المقابل مساعدة روز اليوسف بما تشاء من ملايين الدولارات في الصورة التي تراها مناسبة لها أو للمسئولين عن تحريرها وأبلغت محمود التهامي بما سمعت وطلبت منه إبلاغ الجهات المختصة وفي اليوم التالي أبلغت بنفسي الدكتور أسامة الباز لكنني لم اتلق جوابا فنسيت الموضوع. التقيت بحمد في قصر بيان.. قصر الضيافة الرسمية في الكويت.. وكان حوله عدد من مساعديه يجيبون علي اسئلتي نيابة عنه.. ومن جانبه حاول أن يكون خفيف الظل.. سألته مثلا : كيف يجمع بين الرياضة والسجائر ؟ فقال : »ارجوك لا تكتب انني ادخن حتي لا تكرشني زوجتي ». وكتب الحوار بكل خلفياته السياسية والشخصية فلم يعجب حمد ووجدت هجوما يتجاوز مرحلة السباب شنه علي احمد علي نفسه وكان قد اصبح رئيسا لتحرير جريدة الراية.. ولم اشأ الرد بنفس الطريقة ورحت اجمع ما استطيع من معلومات عن ما حدث في قطر مستعينا بخبرة الدكتور عبد المنعم سعيد الذي كان مستشار سياسيا في ديوان الأمير الأب المخلوع فكان المقال الذي نشرته بعنوان »الفجور السياسي في قطر». بعد نشر المقال جرت اتصالات بين القاهرةوالدوحة للصلح بينهما وكان الثمن علي ما يبدو رقبتي. ودخل الأزهر علي الخط ليزيد من حجم الغضب علينا. كنا في شهر رمضان فخصصنا ملزمة لموضوعات غير تقليدية تقرأ بعد الإفطار.. منها موضوع عن اللذة في الجنة كتبه عبد الله كمال.. وموضوع بعنوان نساء من عالم الله كتبه عصام زكريا.. وموضوع عن الله في السينما كتبه محمد هانئ.. وكتبت عن سهرة مع ماجدة الرومي بعد أن تناولت السحور معها في حضور عبد الرحمن الأبنودي. اعتبر الأزهر الكتابة في مثل هذه الموضوعات رجسا »من عمل الشيطان» وتحريضاً علي الفجور ووصلت الرسالة إلي مبارك لتزيد من قناعته بالتخلص مني. وجاء معرض الكتاب لنجد الأزهر يصادر قائمة طويلة من كتب مؤلفين مؤثرين مثل نجيب محفوظ وفهمي هويدي وسيد القمني ويوسف إدريس ونصر أبوزيد وسعيد العشماوي وعندما وصفنا المصادرة بأنها سيف علي رقاب الجميع غضب الأزهر واشتكي للرئيس. ومن جانبها لم تقصر الكنيسة في الشكوي للرئيس. كانت الفضائح الجنسية للرئيس الأمريكي وقتها بيل كلينتون قد فاحت رائحتها فخرجت مجلة بانوراما بغلاف يصور كلينتون مصلوبا علي ساقي امرأة عارية الا قليلا وفاز مصمم الغلاف بجائزة بوليتزر.. وأعدنا نشر الصورة المركبة بفن الكولاج علي غلاف روز اليوسف فاحتجت الكنيسة وكان ما كان. وجاء الغضب الأمريكي ليزيد من شعور مبارك بالاحتقان والاختناق. علي الصفحة الثالثة في عدد 19 يناير 1998 انفردت روز اليوسف بخبر عن بحث السفير الأمريكي الجديد دانيال كيرتز عن طباخ يقدم الطعام الحلال أو »الكوشير» بما يتناسب مع ديانته اليهودية التي يلتزم بتعاليمها الصارمة. وواضح من سيرته الذاتية انه متشدد دينيا فقد ترك وزارة الخارجية ليتولي عمادة معهد الدراسات اليهودية لينتقل بعدها للعمل في وكالة المخابرات المركزية قبل ان يختار سفيرا لبلاده في القاهرة. وتلقفت الصحيفة اليهودية الأمريكية »جويش ويكلي» ما نشرته روز اليوسف وأضافت من عندها تفاصيل رصدتها المحررة مارسيا اتش ونقل تقريرها الينا مراسلنا في واشنطن توماس جورجسيان وجاء في التقرير أن حاخاما اسمه موني سبرنج جاء من إسرائيل خصيصا ليشرف بنفسه علي مطبخ السفير وزوجته شليا فهما عضوان في معبد كيب ميل كما انهما كانا يستوردان الطعام الكوشير من سوق شالوم الأمريكي. سبقت روز اليوسف الصحافة الأمريكية فيما جري في مطبخ السفير ولكن ذلك لم يمنع تلقي الخارجية المصرية احتجاجا رسميا من واشنطن عما نشرنا ووصل الاحتجاج للرئيس فكان ما كان. ولكن يبدو أن السفير خشي ان يندثر الاحتجاج في الكواليس فكتب بنفسه رسالة بدت غريبة وغامضة وبعث بها الي العديد من الصحف ونقابة الصحفيين ووكالات الانباء قال فيها : »لقد فزعت وتألمت من موضوع غلاف روز اليوسف الصادر يوم 8 مارس.. فهذه ليست وسيلة معاملة صديق وضيف في بلادكم وسفير أجنبي وواحد كرس حياته لتحسين العلاقات المصرية الأمريكية وهي أيضا ليست وسيلة معاملة إنسان يحاول التمسك بإيمانه بنفس اعتزاز واحترام المسلمين والمسيحيين في التمسك بممارسة عقيدتهما. »إن بيتي ومطبخي مفتوحان امام المصريين.. وأنا أسعي إلي إسعاد أصدقائي المصريين في بيتي.. وآمل أن يدين الصحفيون والمسئولون في مصر ما هو في الحقيقة مجرد هجوم شخصي عدائي يفقد مصداقية مهنتهم. »هؤلاء المسئولون في روز اليوسف يجب أن يخجلوا من أنفسهم ». ووقع السفير رسالته بالمخلص د. س. ك. وتولي محمود التهامي الرد علي الرسالة في افتتاحية عدد 16 مارس التي نشرها بعنوان »السفير الأمريكي يدق الأسفين ذبح روز اليوسف لصالح إسرائيل ».. وتحته عناوين فرعية شارحة تقول : نشرنا قصة التطهير اليهودي لمطبخ السفير فأرسل إلي الصحف ووكالات الأنباء معترضا ولم يعترض علي الجريدة الأمريكية التي نقلنا منها مزيداً من التفاصيل.. يطالبنا بالخجل ويحاول الافتراء علينا ويعاملنا بنفس أساليب الغطرسة الأمريكية التي تمنح صحفهم الحرية وتحجبنا عنها.. هل يخجل السفير بالفعل مما حدث في مطبخه وهل يخجل من طقوسه الدينية لدرجة انه يراها عورة لا يجوز لغير الأمريكيين الاطلاع عليها.. المصريون يقدسون الأديان السماوية بما في ذلك اليهودية ولكن السفير يدق اسفينا ضدنا انتقاما من مواقفنا الوطنية.. هل يريد الانتقام بسبب مواقفنا من قضية الرسام لوري والمفكر روجيه جارودي واعتراضنا الدائم علي سياسات إسرائيل.. روز اليوسف لا تخضع للإدارة الأمريكية والسفير يحاول أن يذبح لنا القطة ويؤلب علينا النقابة والسلطات ودور الصحف ». كانت روز اليوسف قد وقفت الي جانب المفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي اسلم وغير اسمه إلي راجا جارودي في محاكمته بتهمة »معاداة السامية» بعد نشر كتابه »الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل» ونشرت في روز اليوسف حوارا مع زوجته سلمي التي كشفت لي أن المعركة التي يخوضها زوجها البالغ من العمر 84 سنة معركة عمرها 15 سنة منذ أن ادان الغزو الإسرائيلي للبنان وهي معركة في رأيها لن تتوقف إلا إذا قتلوه ودفنوه بعد الحكم عليه بغرامة 150 الف دولار. أما قصة فنان الكاريكاتير اليهودي لوري فتبدأ عندما تعاقد معه الأهرام علي نشر رسوماته الساخرة بالتزامن مع مجلة نيوزويك ثم تراجعت الأهرام عن النشر بعد أن اثبتت روز اليوسف أن لوري كان مجندا في الجيش الإسرائيلي وحارب العرب علي الجبهة اللبنانية. وسبق رسالة السفير هجوم علي روز اليوسف شنته الصحف الأمريكية الأكثر شهرة وتأثيرا فوصفت واشنطن بوست ما جري للسفير بأنه إهانة كبري واعتبرت نيويورك تايمز السفير مبعوثا أمريكيا جديدا لمصر يقاوم التحامل وعدم الثقة. والمثير للدهشة أن المكتب الإعلامي المصري في واشنطن انضم الي الحملة علينا ووصف رئيس المكتب عبد العليم الأبيض روز اليوسف بأنها مجلة مارقة لن تتركها الدولة تعبث بالعلاقات الطيبة مع الدول الصديقة مثل الولاياتالمتحدة. أتصور أن هذه الأسباب مجتمعة افقدت مبارك صبره علينا فلما جاءت أزمة المنشور الوهمي الذي نسب الي الجماعة الإسلامية ضد رجال الأعمال الأقباط استغل الجنزوري وساويرس الموقف فاتخذ مبارك قراره بنقلي الي الأهرام. وفيما بعد عوقب التهامي بإخراجه من روز اليوسف ولكنه لم ينقل الي صحيفة اخري وانما ذهب الي بيته.. وعرفت بخبر إقالة التهامي من إبراهيم نافع عندما طلب مني بتكليف من مبارك ترشيح رئيس تحرير جديد لروز اليوسف واقترح اسم الدكتور أسامة الغزالي حرب علي ان يساعده ثلاثة مديرين للتحرير هم عبد الله كمال وإبراهيم خليل وأسامة سلامة وقد تولي الثلاثة رئاسة التحرير فيما بعد. لم اتردد في نصح التهامي بالحذر في تحرير المجلة بعد خروجي منها فقد كان هدف اقصائي تهدئة خواطر كل من انزعجوا مما كنت أنشر ولكن التهامي حاول اثبات ان المجلة يمكن ان تحافظ علي سخونتها بدوني فغضب مبارك منه فكان أن لحق التهامي بي بعد أسابيع قليلة. لم يقبل مبارك بترشيحاتي لإدارة تحرير روز اليوسف وتدخل لطفي الخولي في ترشيح محمد عبد المنعم ليتولي رئاسة مجلس الإدارة ورئاسة التحرير وكان عبد المنعم شريكا للخولي في جمعية تروج للتطبيع مع إسرائيل وكان ممن تحمسوا لنشر رسومات لوري في الأهرام. وشاء القدر أن اجلس علي مكتبه في الأهرام بينما هو يسيطر علي بيتي ومدرستي في روز اليوسف.