لا أعرف من أين أبدا قصتي، لنقل إنها قصة حب بين أب وابنه أدت إلي صدام رهيب بينهما في مرحلة مهمة من حياة الابن.. وهذا ما حدث.. أنا أم في الخمسينيات من عمري، رزقني الله بولد وابنتين، استطعت أنا وزوجي أن نربيهم ونعلمهم علي ما يرام، حتي بات كل منهم في مكانة يحسد عليها في المجتمع. ابني الكبير طبيب في مستشفي كبير، ولي بنت مهندسة معمارية والأخري مهندسة كمبيوتر، وعلي غير العادة نال ابني نصيبا كبيرا من التدليل من والده، رغم أن الطبيعي أن تكون الأم أكثر قربا لأبنائها والأب ميالا أكثر لبناته. سارت الأمور بدون مشاكل إلا من نظرات حسد بين الحين والآخر من البنتين إلي شقيقهما، وتساؤلات عن سبب تمييز الوالد له علي حسابهما، من ناحيتي كنت أحاول تعويضهما بجرعات زائدة من الحنان قدر الامكان. كبر ابني والتحق بكلية الطب وتخرج، وحان الوقت لكي يكمل نصف دينه، طبعا لا أستطيع أن أصف لك فرحة والده عندما فاتحه بأنه قد وجد بنت الحلال التي اختارها لكي يكمل معها مشوار حياته، لكنني لمحت في أعين زوجي وسط تلك السعادة الغامرة، نظرات غيرة رهيبة لم يستطع أن يخفيها، صراحة لم أكن مطمئنة لها، وقد كنت علي حق. ذهبنا إلي بيت عروسة ابني للتعارف، واتفقنا علي موعد مبدئي لقراءة الفاتحة، وبينما نحن في طريق العودة لاحظت علي زوجي انه صامت تماما، لدرجة أنه لم ينطق كلمة واحدة طوال الطريق. دخلنا إلي البيت وعلامات الاستفهام تحيط بي وتكاد تقتلني، حتي دخل زوجي إلي غرفة مكتبه ودعا ابني الكبير للجلوس معه، دارت بينهما مناقشة هادئة، لكنها سرعان ما اشتعلت وارتفع صوتهما، حتي تحولت إلي ما يشبه المشاجرة اللفظية، ثم ترك ابني الحجرة وذهب إلي حجرته وهو يبكي. لحقت به لأسأله ما الأمر، فقال لي ان والده غير رأيه بشأن موضوع زواجه، وانه يرفض أن يحدث هذا الآن دون أن يبدي أسبابا مقنعة. ما خفت منه حدث، وأنا الآن أطلب مساعدتك سيدتي، فأنا محاصرة بين أب وابن كل منهما أعند من الآخر، الأب يرفض هذه الزيجة ويصر علي ألا تتم، والابن مصمم علي اتمامها حتي دون وجود والده، والخياران كلاهما شديد المرارة علي الأسرة ككل. بالله عليك دليني ماذا أفعل؟ الحائرة »ت« الكاتبة: أقدر ما تعانين منه سيدتي، فيبدو أن مشاكل الأولاد لا تنتهي بمجرد أن يكبروا ويتخرجوا، ويحصلوا علي وظيفة محترمة. بل تظل تطاردنا نحن الكبار حتي آخر العمر! المشكلة كما فهمتها من خطابك تكمن في ارتباط زوجك المبالغ فيه بابنك الكبير، وأنت تعتقدين ان هذا الارتباط الشديد قد تحول إلي ارتباط مرضي لذلك يرفض الأب زواج الابن حتي لا يبتعد عنه، وينشغل بحياته، وينفصل عن بيت الأسرة، مستقلا ببيته مع زوجته. بالطبع إذا كان الأمر كذلك، فلابد أن يكون مقلقا، وغريبا. لكنني أعتقد أن هناك أسبابا أخري لرفض أو تحفظ الأب علي ارتباط ابنك بهذه الفتاة، فلماذا لا تتمهلي، وتسألي زوجك بشكل هادئ عن سبب رفضه لهذه الفتاة. أرجو أن يتسع صدرك له، حتي وان بدا كلامه غير منطقي، ومجرد تبرير لرفضه لا يستند إلي أسباب حقيقية أو مقنعة. استمعي إليه جيدا، واظهري اهتماما به وبكلامه، وتعاطفا مع ما يقول. هذا مطلوب منك حتي تستوعبي مشاعره أيا كانت. وبعدها يمكنك أن تناقشيه بهدوء، وتسامح في وجهة نظره، وأن تقنعيه بأن ابنكما من حقه أن يختار كما يشاء، فهو طبيب، كبير، وناضج. ثم أنه هو من سيقع عليه نتيجة اختياره سواء كانت ايجابية أو سلبية. حاولي أن تستوعبي زوجك بذكاء وهدوء.. ثم تقدمي تدريجيا نحو اقناعه بأن الأولاد مهما كبروا فمصيرهم إلي الزواج والاستقلال بحياتهم بعيدا عن الآباء والأمهات. وتلك هي سُنَّة الحياة التي لا مفر منها. وسعادة الأهل يجب أن تبارك حياة الابن أو البنت الجديدة.. وأن تكتمل الفرحة بمباركة الأهل والأحباب كوني صبورة مع زوجك.. وقومي بدور الزوجة والأم التي تحتوي الجميع، وتظلل علي الكل بقلبها الكبير.. وقدرتها علي لم الشمل، وتذويب الثلوج بين أفراد أسرتها. المشكلة ليست صعبة.. لكن المطلوب هو الصبر.. والمحاولة الدؤوبة الذكية في الاقناع. وأنت قادرة علي ذلك.