فلولم يخرج المصريون بهذا التعداد الهائل، في هذا اليوم المشهود الذي تابعه العالم كله من خلال التلفاز وعلي موجات الأثير، لما أمكن لأضلاع الدولة تحقيق ما تحقق. وهوالذي عليه تحدد تاريخ مصر، وهوالذي أغلق علي المتربصين بها دعاوي الانقلاب، وأثبت للعالم أن اليوم »يوم الشعب».. وهوالأصيل صاحب الكلمة التي يعنولها الجميع، حاكمين ومحكومين، فهووحده الذي يضفي الشرعية، وهووحده الذي يملك سحبها، بلا تعقيب من عاقل أومتطاول ! علي أن هذا اليوم العظيم : » يوم الشعب »، لم يجئ مفصولاً عن مقدمات سببته وأفضت إليه، ولا منفصلاً عن التداعيات التي أعقبته وحمت مصر من مصير تعس، لتسترد آمالها الكبري واستكمال بناء مصر الحديثة كما ينبغي أن يكون ! المقدمات والأسباب حتي لا ننسي ! وما إن مضت الأيام الثلاثة الأولي لحركة يناير 2011، حتي بدأت منذ 28 يناير مؤشرات خطف الثورة، وبدأ وجه الإخوان يحتل الساحة، وظهرت بوادره في أعمال عنف تخدم مآرب ملبوسة.. فتح السجون وتهريب المساجين، وضرب مراكز وأقسام الشرطة، وفرض الحصار والسلاسل والجنازير علي دور المحاكم، وتهريب محمد مرسي ورفاقه من سجن وادي النطرون يوم 29 يناير 2011، وبدا واضحًا أن هناك أجندة تستغل الثورة وما أنجزته في ثلاثة أيام، لتضرب قيمها وغاياتها. قامت الثورة لإنصاف الإنسان المصري، بلا تحيز فئوي أوطائفي أومهني، وبلا دعم لحزب مقابل أحزاب، فإذا بالتحركات المريبة تنقض علي هذه الغايات، لمأرب مغرض بدأ ينجلي مع الأيام، يهيئ لاستلاب حكم مصر لصالح فصيل الإخوان، وأخونة كافة السلطات ومؤسسات الدولة لتكون داعمة لهذا الفصيل الذي انتهز الفرصة لخطف الغنيمة والوثوب علي دست الحكم. كارثة فاجعة، ونذير لا يفوت ! وفي هذا الجوالقاتم، حمل أول فبراير 2012 نذيرًا فاضحًا لما يجري وراء أستار الخفاء ضد مصر بعامة، وقنوات شرعيتها بما فيها الأمن والقضاء بصفة خاصة. في فاجعة غير مسبوقة في تاريخ مصر، قُتِلَ أكثر من سبعين مصريًّا باستاد بورسعيد، في مباراة رياضية فإذا بالملعب يتحول إلي ساحة قتل وحصد للأرواح والأبدان، علي مشهد من شعب مصر الذي كان يتابع المباراة في التلفاز، وبدا من هذه الفاجعة المأساوية أن الأمور في بر مصر قد بدأت تنفرط انفراطًا وخيم العواقب، وامتلأت السماء بغيوم تنذر بأشد الأخطار ! بدا واضحًا أن هناك من يدفع البعض إلي التذمر والاعتراض والتدخل في تحقيقات النيابة العامة، بل وفي تشكيل المحكمة التي تنظر الدعوي، واعتصم البعض اعتصامًا مشبوهًا أمام وزارة العدل لفرض المراد، وشمل الهجوم مقر وزارة الداخلية، بل ومحاصرة وزارة الدفاع، من مسلحين بالآر بي جي والصواريخ، فضلاً عن ضرب مقارات أمن الدولة، بما فيها مقرها الرئيسي، في محاولة واضحة لإسقاط الدولة المصرية، والهجوم علي النيابة العامة والنائب العام. وضرب القضاء الذي بات جليًّا أنه مستهدف بتركيز وإلحاح. ركوب الإخوان علي الفوضي الممنهجة لضرب الشرعية في مصر وضرب القضاء ! بسلسلة طويت علي مزيج متصل متواصل من التآمر علي حركة الشعب التي اشتعلت في 25 يناير 2011، وممارسة العنف بين الكواليس وبث الفوضي المرتبة واستخدام هذه وتلك مع المظاهرات المدبرة لفرض أوضاع وترتيبات تكفل وثوب الإخوان إلي الحكم من خلال سحب فرصة الأحزاب والقوي الوطنية، وَوَاكَب الضغط الممنهج دغدغة لمشاعر الجماهير والبسطاء بشعاراتٍ خادعة وسلعٍ توزع اتشحت كذبًا بالإسلام لاجتذاب الأصوات ! الفوضي غير الخلاّقة بدا واضحًا للأفهام، أن »الفوضي الخلاقة» ما هي إلاَّ سراب خادع مقصود. وعلي مدي عام ونصف، أخذتنا هذه الفوضي - غير الخلاقة - بعيدًا بعيدًا، وعصفت بكل شيء طيب في البلاد، ولمصلحة من يعاديها ! وضح من خلال هذه الفوضي - غير الخلاقة - أن الثورة ذاتها قد أزيحت خارج المشهد، وأن الإخوان والسلفيين احتلوا كامل المشهد رافعين شعار » الشرعية الثورية » بعد سرقة الثورة ذاتها ! وعلي أسنّة الرماح، وتحت مظلة هذه الفوضي، تشكل مجلسا الشعب والشوري، تشكيلاً مشوبًا بالبطلان لعدم دستورية أساس البناء، وتحت مظلة هذه الفوضي المقرونة بزهوالغلبة ودوافع الاستقواء والاستحواذ، جرت في برلمان مصر العريق، مشاهد مؤسفة خرجت عن التقاليد وعن مبادئ التشريع علي السواء. وفي مسألة الرقابة البرلمانية ومسألة التشريع، رأينا خلطًا معيبًا فوضويًا، بهجوم مُضَري علي القضاء وعلي النائب العام ومطالبة بعزله رغم حصانته، ومطالبات بتطهير القضاء، في خلط يسقط المبدأ الدستوري بالفصل بين السلطات، وعدم جواز تدخل إحداهما في شئون الأخري. استهداف المحكمة الدستورية العليا ! وكان من الفوضي الضاربة في كل شيء، أن استُهدفت المحكمة الدستورية العليا - إلي نهاية حكم الإخوان، وفي توقيت كان معروضًا عليها فيه، عدم دستورية قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري، وعدم دستورية قانون العزل السياسي، وإلغاء المرجعية الإسلامية الأولي للأزهر الشريف، وتغيير نظام انتخاب الإمام الأكبر شيخ الأزهر ليصير الاختيار نهبًا للأهواء والتيارات والانحيازات والرجوات والإغراءات والوعود والجعول، واستهداف تحصين بعض القوانين من الرقابة الدستورية، خلافًا للمبدأ الدستوري أن المحكمة الدستورية هي التي تختص - دون سواها - بالرقابة علي دستورية القوانين. ومن هذه الفوضي أن تُحَمَّل المحكمة الدستورية العليا بجرائر تشريعات خاطئة، الذنب في عدم دستوريتها ذنب الإخوان ! والأغرب أن رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب - وهومن الإخوان - سلم وجاهر بأن قانون العزل السياسي غير دستوري، ومع ذلك لم يجد الإخوان بأسًا من شن حملة ضارية علي المحكمة الدستورية العليا التي لا يطالبها عاقل بأن تقضي بدستورية ما لا دستورية له !! ومن هذه الفوضي، الأسلوب الذي قوبل به قضاء المحكمة الدستورية العليا، وكان من هذا الأسلوب غير المشروع - إصدار قرار جمهوري بدعوة لانعقاد مجلس الشعب الذي قضي في 14/6/2012 بأنه غير قائم منذ تشكيله، لبطلان وعدم دستورية القانون الذي جرت انتخاباته - هوومجلس الشوري ! - علي أساسه، فبدا في هذه الفوضي أن القرار الجمهوري يسعي لإيجاد ما لا وجود له، ثم كان من الإمعان في هذه الفوضي التي أعطت ظهرها تمامًا للقانون وللمبادئ الدستورية، وحجية أحكام القضاء - أن يُحال حكم المحكمة الدستورية العليا إلي محكمة النقض بدعوي أن المسألة مسألة صحة عضوية، ولم تكن كذلك، وإنما هي بطلان تشكيل المجلس برمته بصرف النظر عن أعضائه، لما شاب تشكيله من بطلان وعدم دستورية القانون الذي شُكل - وكذا مجلس الشوري - علي أساسه. ولكن رئيس محكمة النقض، عقد الهيئة العامة للدوائر مجتمعة، فقضت قضاءها اليقيني بالرفض وبأنه لا اختصاص لها بما أحيل إليها ! محاولة استبقاء ما ليس بباقٍ ! ومن فوضي الإخوان التي بدا أنها ضربت في كل شيء، أنه في الوقت الذي آذن فيه حكم الدستورية العليا الصادر 14/6/2012، بأن مجلس الشوري يمضي فترة أشبه بفترة الريبة، لأن الحكم بحله أوباعتباره غير قائم قادم لا محالة لاتحاد السبب والعلّة، لأنه تشكل بذات القانون الذي قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته ومن ثم بطلان تشكيل مجلس الشعب واعتباره غير قائم منذ تشكيله، وذلك دلالة مؤكدة علي أن مجلس الشوري يمضي أيامًا انتظارًا لحكم محقق لا محيص عنه، لأن قانون تشكيله قُضِيَ فعلاً بعدم دستوريته بقضاء نهائي بات لا رجوع فيه. وبدلاً من أن يلملم مجلس الشوري أوراقه للرحيل، اندفع في همة ونشاط للانقضاض علي الصحافة القومية وتتبيعها للإخوان. الجمعية التأسيسية الملاكي لفرض الدستور المراد ! نجح الإخوان في فرض مرادهم، وتشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور لا تعبر عن مصر ومصالحها، وكان من المفارقات المؤسفة أنه مع اختيار طالب بالسنة الأولي بطب الأسنان، ولاعب كرة قدم لعضوية الجمعية التأسيسية، خلت الجمعية المتحكم في اختيارها من أساتذة القانون والفقه الدستوري علي التخصيص، ومن غيرهم من العلماء الكبار في الاقتصاد والفكر السياسي، وفي الثقافة والتعليم، وفي الصناعة والزراعة والتجارة، وغير ذلك من المجالات اللازمة لوضع التصورات العامة للدستور، الذي ينهض رجال القانون والفقه الدستوري علي صياغتها في مواد تشكل في النهاية الدستور المأمول للبلاد. لم يحتكم هذا الاختيار التحكمي إلي العقل والمصالح العامة، ولم يصدق الإخوان أن هذا العمل الضرير مخالف للقانون ومآله إلي البطلان، إلي أن أتاهم خبر اليقين في حكم محكمة القضاء الإداري الذي أوقف قرار تشكيل المجلسين لما شابه من بطلان تحدثت به الركبان، ورآه الكافة إلاّ المتحكمون في هذا الاختيار الضرير !!! وقد بدأت الجمعية التأسيسية الثانية مهمتها، بمشاكل متراكبة من جراء العجلة الإخوانية، وتجاوز الأصول والضوابط والمعايير.. استقبلتها دعاوي قضائية ببطلان تشكيلها خلافًا لحكم القضاء الإداري باختيار أربعين عضوًا من مجلسي الشعب والشوري، واستقبلتها اعتذارات وانسحابات جسدت مشكلة غياب مجلس الشعب بعد حكم الدستورية العليا 14/6/2012، ذلك أنه لم يعد هناك وجود لمجلس الشعب المنوط به استعواض من يتوفي أويعتذر أوينسحب أويستقيل من عضوية الجمعية التأسيسية. المهم أن الإخوان كانوا يدركون أن الحائل الوحيد الذي يمكن أن يعترض ضربهم للشرعية، هوالقضاء، لذلك كان تكريس الهجوم لضربه ثم أخونته!! ضرب الصحافة لأخونتها ! أتاحت هذه الفوضي الإخوانيةأتاحت لحكم الإخوان ضرب الصحافة لأخونتها، لفرض الإخوان والموالين لهم في المواقع المؤثرة، تلتها تغييرات مقصودة بوزارة الداخلية ثم قرارات عفومتتالية أصدرها الرئيس (المعزول)، شملت محكومًا عليهم من الإخوان، فضلاً عن محكوم عليهم بأحكام نهائية في قضايا أمن دولة، وشملت فيمن شملت تجار سلاح، وجانحين مدانين في جرائم خطيرة، ولم يقترن بإصدار العفوعنهم بحوث أمنية تستطلع مدي خطورة إطلاق سبيلهم علي الأمن العام للبلاد، وقد أدي الإفراج عنهم إلي ارتكابهم المزيد من الجرائم البشعة الضارة بالبلاد والعباد ! فقد تزامن مع خروج الأرتال التي أخرجها الرئيس »المعزول» عمليات عنف جرت هنا وهناك، وحملت مؤشرات دلالات خطيرة، ليس آخرها ما حددته مصادر موثوق بها من أن من هؤلاء من دبروا وخططوا ونفذوا »مذبحة رفح» التي استشهد فيها سبعة عشر شهيدًا من ضباط الصف والجنود المصريين ! زيارة مشبوهة !! تزامن مع هذه المتلاحقات، زيارة أمير قطر الذي تثار تحفظات مصرية علي أهدافه وأهداف ومشاريع قطر وأغراضها في مصر، ولم ينه زيارته إلاّ بإطلاق تصريح أنه سيودع ملياري دولار كوديعة بالبنك المركزي، لم يودع منها سوي خمسمائة ألف، وكان القصد هوالبشارة القطرية، التي كان من اللافت أنها قد اقترنت بعنف من نوع جديد، جري فيما بدا أنه من أتباع الإدارة الإخوانية، ضد الإعلاميين علي أبواب مدينة الإنتاج الإعلامي، وآخر مورس علي المتظاهرين ضد الرئيس (المعزول) عند المنصة والمقر الرئاسي، صاحبه نزع الملابس والتعليق علي الأشجار وأعمدة الإنارة !!! أمارات أخري لهدم القيم المصرية ! لم يكن المراقب يحتاج إلي أي عناء لفهم توابع هذه »الفوضي» التي رسمها الإخوان، وخاضوها بعنف وإلحاح فور وثوبهم إلي دست الحكم.. فالإدارة الإخوانية القائمة علي شئون البلاد لا تنتظر ولا تتمهل، وإنما عاجلتنا كل يوم بالجديد المنبئ عن تفشي الفوضي في الحكم وفي الإدارة بغير ضوابط إلاَّ الأخونة.. حتي القَسَم المعتاد من عشرات السنين أن يكون معبرًا عن احترام الدستور والقانون، وعن الولاء للدولة لا لشاغل منصب، رأينا رئيس المخابرات العامة وهيئة الأمن القومي، يوضع أمامه مصحف ليضع عليه يده في إشارة لا تفوت إلي أسلوب القسم بالبيعة والولاء الذي يؤديه الإخوان في جماعتهم، وتُمْلي عليه صيغة القسم التي أُدخلت عليها التعديلات التي خرجت به عن المعني العام للولاء للدولة واحترام الدستور والقانون، إلي الولاء لشخص رئيس الإخوان !! وفي مقدمة الوجبات تامة التجهيز التي دبرها الإخوان، الدستور المزمع الذي تحاور حوله المخدوعون، ظنًّا أنهم يتناقشون ويتحاورون حول مشروع دستور، بينما الدستور المتفق عليه قابع سلفًا في مكمنه في انتظار لحظة الخروج به إلي استفتاء يطمئن الإخوان إلي قدرتهم في السيطرة علي كافة المقادير ! أنا الملك المشرع وإلاّ فلا !! كان من توابع هوجة هذه الفوضي بلا أي ضابط، القرار الذي أصدره الرئيس المعزول في 12 أغسطس 2012، وتضمن إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وإصدار إعلان دستوري أعطي به الرئيس (المعزول) لنفسه بنفسه سلطة التشريع! كان من أهداف هذا »الإعلان الدستوري» الباطل المعدوم تنفيذ مأرب الإخوان في عزل النائب العام قوةً واقتدارًا، وتعيين بديله. ثم ليصير القضاء المصري برمته في مرمي المآرب والأغراض الإخوانية المريضة ! بدا أن استهداف القضاء يأتي ضمن منظور أشمل قَدَّرَ أن القضاء سيكون السلطة القادرة علي إبطال الممارسات غير المشروعة الجارية أوالمزمعة، وتيسير الإحلال الذي يستهدف » الأخونة » بصريح اللفظ والعبارة ! وبدا من مراقبة هذا الهجوم، أنه مقرون بسبق إصرار وتصميم لا يحيد، ودلت علي ذلك أدلة لا تفوت، وأنه لا تراجع بتاتًا عن الغرض المستهدف، وأن ما قد يبدو تراجعًا ما هوإلاّ » مناورة » لكسب الوقت واختيار ظرف آخر أنسب وأوفق لتحقيق الغرض المراد بتصميم وإصرار !! الإعلان الدستوري الثاني المعدوم ! في نوفمبر 2012، أصدر الرئيس (المعزول) إعلانًا دستوريًّا باطلاً معدومًا لا يملكه، ولا سند له في المبادئ الدستورية، ولا في الإعلان الدستوري 30 مارس الساري آنذاك، ولا في مبادئ الشرعية. هذا الإعلان علي ما اشتمل عليه من بطلانات هي والعدم سواء، لتحصين قرارات الرئيس (المعزول) من الطعن عليها، وتحصين مجلس الشوري رغم بطلانه المؤكد المستفاد يقينا من حكم مجلس الشعب الصادر من الدستورية العليا في 14/6/2012 لاتحاد السبب والعلّة، وتحصين الجمعية التأسيسية لوضع الدستور والتي شاب تشكيلها بطلانات عديدة ليست موضوعنا الآن. والمتابع لمسار الهجوم الإخواني علي القضاء، رأي » مناورات»، ولم ير أي مصداقية أو رغبة حقيقية في التراجع عن استهداف القضاء.. وقد احتلت المحكمة الدستورية العليا مشهدًا مستقلاً في هذا الاستهداف.. تعددت فصوله انتهاءً بالدستور المصدر 25/12/2012 - من خلال هدم هذه المحكمة العليا المعدودة ثالث محكمة دستورية عليا بين محاكم العالم الدستورية. ولكننا شهدنا في الأيام الأخيرة لحكم الإخوان مشروع قانون للسلطة القضائية أعد بمعزل عنها بليل، أعده - ظاهرًا - حزب الوسط، وتقدم به إلي مجلس الشوري الواجب حلّه كمجلس الشعب، لتفاجأ مصر بأن العبث لضرب القضاء موصول.. ومن أخطر ما تضمنه هذا المشروع الضرير النزول بسن القضاة من السبعين إلي الستين، وهذه كارثة الكوارث ولها ما بعدها !! المشروع الضرير لهدم السلطة القضائية !! أول ما صفع نظر الناظر في المشروع الضرير المعد بليل، لضرب القضاء المصري، النزول بسن المعاش من السبعين ودفعة واحدةإلي الستين، ومرمي هذا المأرب الضرير امتد إلي السلطة القضائية بكل هيئاتها. رسم المشروع الضرير، تحقيقًا لمأربه، النزول بسن المعاش، دفعة واحدة، من سن السبعين إلي سن الستين، وهذه تصفيةً للهيئات القضائية من كل خبراتها، والتهيئة في الواقع لأخونة القضاء! إن أول ما تستهدفه العملية التشريعية السويةالإصلاح لا التدمير، ولا يمكن لعاقل أن يري في هذا الاتجاه إلاّ التدمير الذي لا عفو فيه ولا خطأ أوحسن نية في تحقيق مراميه ومآربه.. والغرض مرض فيما تجري به الأوابد والأمثال، ووجه الغرض أن هذه » الطلقة » تصفي أيضًا المحكمة الدستورية تصفية تامة، فجل قضاتها فوق الستين، وتصفي ما يزيد علي ثلاثة آلاف وخمسمائة قاضٍ من أجلّة القضاء المصري بعد أن دانت لهؤلاء وأولاء الحنكة والقاعدة العلمية العريضة والخبرة الطويلة المتراكمة، فضلا عن »الملكة القانونية» التي تنمو وتتكاثف وتنجلي بمضي الزمن وطول الممارسة. لأي مصلحة إذن يتم في غمضة عين نسف كل هذه الخبرات ؟! لم يفت الغرض المريض، التغطية علي المأرب الضرير بدغدغة مشاعر الشباب بالهيئات القضائية بقالة إن هذه التصفية أوالمذبحة !! تعطيهم فرصًا للترقي، وتجاهل الغرض المغرض في هذا التمويه تجاهل »الهوة الواسعة» التي تنسف التواصل بين أجيال السلطة القضائية نسفًا، وفاته تناقض وعوده الملبوسة إلي شباب القضاة، مع الوعود المسربة لدغدغة مشاعر المحامين أن يتم التعيين منهم لملء المناصب الشاغرة بالقضاء، وهي وعود تتجه إلي فصيل الإخوان داخل نقابة المحامين ممنية إياهم بالأماني ومستنفرة انحيازاتهم بداخل النقابة للدخول في معركة لصالح الإخوان ومشروعهم الضرير الذي يرتب لأخونة القضاء بعد تمام هذه المذبحة. وظن هذا التدبير التآمري المريض أنه سيفوت علي شباب القضاة أن »الإحلال» الموعود به المحامون، ومحامو الإخوان بالذات، ينسف الوعود المطلقة لهم بأن المذبحة ستعطيهم فرص الصعود والترقي !!! لم يستوقف هذه الأفكار الشيطانية، والتدبير التآمري، أن المشروع المريض غير دستوري، وأن الموافقة البرلمانية لا تبرئ التشريع من عيب عدم الدستورية، وزيّن لهذا التدبير التآمري أنه يستهدف فيما يستهدفه تصفية المحكمة الدستورية العليا المنوط بها الفصل في دستورية القوانين، تصفيةً تامة تقضي مستقبلاً علي فرصة الحكم بعدم دستورية المشروع الضرير المعد بليل، ومعه مشروع آخر لضرب السلطة القضائية برمتها والوصول إلي أخونتها ! وكان ذلك كله سعيًا أعمي، افتقد كافة الضوابط والآليات التي يفرضها القانون والمبادئ الدستورية ! أنا ربكم الأعلي ! لا رد لرغبتي وأوامري !! أصدر رئيس الإخوان، أو مكتبه الإرشادي، في 21 نوفمبر 2012، ما أسماه »إعلانًا دستوريًّا» علي خلاف الواقع وأحكام القانون ومبادئ الدستور، وتضمن هذا الإعلان الباطل المعدوم، ثلاث كوارث لا سابقة لها في البر والبحر.. الأولي تحصين قرارات الرئيس (المعزول) لتكون »همايونيات» لا تخضع لأي طريقة من طرق الطعن القضائية، خلافًا لمبادئ دستورية مستقرة بطول الدولة القانونية في مصر وفي العالم أجمعأنه لا يجوز تحصين أي قرار إداري من رقابة القضاء، أما الكارثتان الثانية والثالثة في ذلك الإعلان الهمجي الباطل، فهما تحصين كل من مجلس الشوري الواجب لحاقه لزومًا بمجلس الشعب، والجمعية التأسيسية لوضع الدستور التي شابها البطلان من منشئها إلي تشكيلها إلي أعمالها! تدبير جهول ! تجاهلت هذه التدابير الشيطانية وتناست، أن هناك حكمين سابقين للمحكمة الدستورية أحدهما في 16 مايو سنة 1987، والثاني في 19 مايو سنة 1990، قَضَيَا بحل مجلس الشعب مرتين، حلاًّ لم يملك النظام السابق المنعوت بالاستبداد والطغيان إلاَّ أن ينفذهما: احترامًا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص اللذين خرقهما القانون، وهو ذات الخرق الذي يرتكبه رئيس وحكم الإخوان ! وفي غياب العقل والفطنة، وغرور التمييز والقوة، اجتمع المجلسان في صخب وبهجة.. بعد انتخابات مقطوع سلفًا ببطلانها لعدم الدستورية، فلما قضت المحكمة الدستورية العليا في 14/6/2012 بحكمها القاطع المتوقع بشأن مجلس الشعب وقانون العزل السياسي، لأسباب ترجع لأخطاء الإخوان الذين فرضوا الخطأ، قامت الدنيا ولم تقعد علي المحكمة الدستورية العليا وقضاتها، وظلت الحرب الضريرة مشنونة عليها لإعاقتها بل لنسفها ! وطفق مجلس الشعب، منذ إنشائه هذا الباطل ومثله الشوري، طفق يبتدع البدع في سن قوانين غير دستورية، وفي ضرب التقاليد البرلمانية، وفي مخالفة المبادئ الدستورية التي قررت من قرون مبدأ الفصل بين السلطات. صخب الإخوان ورئيسهم !! أبي رئيس الإخوان الذي بوئ المنصب بما أُعلن في 24/6/2012، إلاّ أن يشارك في المشهد المهول الصاخب، فلم يقبل إلاّ بغضاضة شديدة أن يؤدي اليمين القانونية أمام المحكمة الدستورية العليا، وبدا وكأنه يخاصمها مع أن سلطات الدول لا تتخاصم، وبدت مناصبة المحكمة وقضاتها العداء سنة متبعة بين كل الأهل والعشيرة، مع أنه لا ذنب ولا جريرة للمحكمة وقضاتها، فقضاؤها هو عين ما يوجبه القانون، وهو هو عين ما قضت به المحكمة سنتي 1987، 1990، ثم إذ بسيادته يسعي لإيجاد ما لا وجود له، فالخالق جل شأنه هو وحده الذي يخلق من العدم، أمره جل جلاله إذا قضي أمرًا أن يقول له »كن فيكون»، ولكن الرئيس (المعزول) ظن أن بمستطاعه أن يعيد مجلس الشعب إلي الوجود، فأصدر القرار الجمهوري رقم 11 لسنة 2012 في 8 يوليو2012، لتقرر مادته الأولي في جرأة غريبة علي القانون وعلي المبادئ الدستورية »سحب القرار رقم 350 لسنة 2012 باعتبار مجلس الشعب منحلاً اعتبارًا من يوم الجمعة 15/6/2012 »، ولتنص مادته الثانية في جرأة أغرب علي القانون والمبادئ الدستورية » عودة مجلس الشعب المنتخب (؟!!) لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها بالمادة 33 من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30 مارس 2011 » !! عجائب قرارات العفو الهمايونية !! لم يقتصر هجوم الإخوان علي القضاء، علي محاصرة دار القضاء العالي، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا، ومحاصرة مجلس الدولة، وشد الجنازير حول بعض دور المحاكم، أوإشعال النار في بعضها كما جري لمجمع المحاكم بشارع الجلاء، ولمحكمة جنوبالقاهرة في باب الخلق، ولمجمع المحاكم في شبرا الخيمة، ولا علي مهاجمة القضاء تحت قبة البرلمان بدعوي طلب تطهيره، ولا علي عزل النائب العام مرتين، قوة واقتدارًا، بلا سند ولا شرعية، ولا علي تفكيك المحكمة الدستورية العليا وعزل عدد من قضاتها، ولا علي ترتيب مشروع قانون للسلطة القضائية لضربها وتفريغها ثم تسييسها وأخونتها من وراء النصوص العابثة التي دبجت ! وإنما امتدت موجات الهجوم المباشر إلي هجوم غير مباشر قد لا تبدو فيه أغراض الهجوم، بينما هوغارق حتي أذنيه في إهالة التراب علي حجية أحكام القضاء والاحترام الواجب لها، تحت ستار » الإنسانيات » المدفوع من ورائها قرارات عفوجمهورية بلا سند ولا يقرها القانون ومصالح البلاد. فالعفو عن العقوبة، والعفو الشامل، كلاهما له غايات وضوابط يجب الالتزام بها. وسلطة رئيس الدولة في العفو، ليست سلطة تحكمية، وإنما هي تمارس علي أساس من ذات الاعتبارات التي يسترشد بها المشرع والقاضي حين يسن أولهما العقوبة، ويوقعها أو يطبقها الثاني في إطار ما يحكم القاضي من أدلة الإدانة والبراءة، ومواءمة وتفريد العقوبة إن حقت الإدانة. وعلي ذلك فإن العفو الرئاسي ومن باب أولي العفو الشامل، محكوم بوجوب موافقته لمصلحة المجتمع، ووجود مصالح حقيقية تبرر هذا العفو، والذي عني القانون بوضع ضوابط لممارسته تحديدًا وتقنينًا له. هناك إذن، وبأحكام ومواد القانون والدستور، ضوابط للعفو العادي، وللعفوالشامل الذي لا يصدر إلاَّ بقانون، ووفقًا لضوابط أخري يتعين التزامها بعد هذا العفو أو ذاك. إلاَّ أن قرارات العفو المتعاقبة بنوعيهاالتي أصدرها رئيس الإخوان، ضربت عرض الحائط بكل مبادئ وأحكام القانون والدستور. دون أن يرعوي ومن وراءه بما صادف تشكيل مجلس الشعب من حكم ببطلانه وعدم وجوده، وما صادف بعض ما أصدره من قرارات من أحكام قضائية قضت بإبطالها. لم يرعو رئيس الإخوان بشيء من هذا كله، فأقدم إمعانًا في هدم كل مقومات الدولة القانونية أقدم بشهية مفتوحة علي إصدار كم متلاحق من قرارات العفوالعادي ثم الشامل.. صدرت تباعًا في يوليو2012، وجاء بعض ملاحقها في اغسطس.. وكان اللافت، أن عدد القرارات، وعدد ونوعية من شملتهم بعفو الرئيس، لا سابقة له في مصر ؛ سواء في أيام الخديو والملكية، أو في عهد محمد نجيب وعبد الناصر المتزامنين مع الشرعية الثورية لثورة يوليو1952، أو منذ عهد السادات الذي استقرت وقويت فيه الشرعية الدستورية !! وقد اقترن بانفتاح شهية الإخوان ورئيسهم لقرارات العفو الرئاسية الهمايونية، أخطاء فادحة لا يتسع المجال لتفصيلها، ويمكن لمن يشاء الرجوع إلي ما كتبناه في هذا الشأن في كل من الكتابين 6، 7 من تراب الطريق، ومن كتاب القضاء والإخوان. أصل الحكاية. أما العفوالشامل الذي أصدره رئيس الإخوان، فحسبه أنه معدوم، حيث لا يصدر العفو الشامل إلاَّ بقانون وكان من كبائر هذا العفوالشامل المعدوم، ما أصدره محمد مرسي لنفسه من عفو شامل عن جريمة هروبه ورفاقه من سجن وادي النطرون وما اقترن بها من جرائم تخابر وسلاح كانت لا تزال آنذاك قيد التحقيق وهي الآن قيد المحاكمة، ولا يجوز من ثم العفو عنها ولا بعفوشامل، وممن لا يملك سلطة التشريع ! لم يعد في قوس الصبر منزع ! كانت هذه بعض المقدمات والأسباب التي أدت لليوم العظيم »يوم الشعب»، يوم خروج المصريين عن بكرة أبيهم في أربعة وثلاثين مليونًافي يوم 30 يونيو 2013،ليقولوا »لا»لحكم الإخوان. وقد كان ما أَمَرَ به الشعب، صاحِبُ الاختصاص الأصيل في أن يولي، وفي أن يعزل، وكان لهذا اليوم التاريخي العظيم ما بعده، فيما آمل أن أتناوله في المقال القادم إن شاء الله .