في سنة 5081م بلغت مظالم الجند العثماني وفوضاهم بمصر الذروة.. وأمام ضعف الوالي العثماني »خورشيد باشا« ومظالمه هو الآخر، تصاعدت الثورة »الشعبية الدستورية« التي قادها العلماء.. فأضرب علماء الأزهر وطلابه عن حلقات الدرس.. وماجت القاهرة بالمظاهرات التي قصدت منازل العلماء. وكان »مجلس الشرع« هو القيادة الشعبية للأمة منذ الحملة الفرنسية علي مصر سنة 8971م ومن أبرز علمائه السيد عمر مكرم والشيخ محمد السادات والشيخ عبدالله الشرقاوي والشيخ محمد المهدي والشيخ محمد الأمير والشيخ مصطفي الصاوي والشيخ سليمان الفيومي. وفي صبيحة يوم الأحد 21 صفر سنة 0221ه 21 مايو سنة 5081م انعقد »مجلس الشرع« في »بيت القاضي« دار الحكمة الكبري وسط جماهير الشعب الثائرة، والتي بلغ عددها أربعين ألفا، يمثلون طبقات الأمة وأجيالها.. وكان هتاف الجماهير وصراخها: »شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم«.. »يارب يا متجلي، أهلك العثمنلي«!.. »يا لطيف يا لطيف«.. »حسبنا الله ونعم الوكيل«. ولقد طلب »مجلس الشرع« من »القاضي« استدعاء وكلاء الوالي العثماني، فحضر »سعد أغا الوكيل« و»بشير أغا« و»عثمان أغا كتخدا« و»الدفتار« و»الشمعدانجي« وأصدر »مجلس الشرع« الوثيقة التي سماها المؤرخون »وثيقة الحقوق«، والتي التزم بها أركان الدولة ووكلاء الوالي خورشيد باشا، وهي الوثيقة التي تعتبر أولي وثائق حقوق الإنسان بالشرق في العصر الحديث. ويحدد الجبرتي المظالم التي ثار ضدها الشعب، والتي اجتمع لأجل رفعها »مجلس الشرع«، فيقول انها: تعدي طوائف العسكر وايذاؤهم للناس، واخراجهم من مساكنهم، والمظالم والاتاوات التي فرضوها علي الناس، وتحصيل المال الميري قبل مواعيده، ومصادرة أموال الناس بالدعاوي الكاذبة. أما المؤرخ الفرنسي »فولابل« صاحب كتاب (مصر الحديثة) وواضع الجزء التاسع والجزء العاشر من كتاب (وصف مصر) والذي سمي هذه الوثيقة التي أصدرها مجلس الشرع: »وثيقة الحقوق«، فإنه يحدد مطالبها، فإذا هي: 1 ألا تفرض من اليوم ضريبة إلا إذا أقرها العلماء وكبار الأعيان. 2 وأن تجلو الجنود عن القاهرة، وتنتقل حامية المدينة إلي الجيزة. 3 وألا يسمح بدخول أي جندي إلي القاهرة حاملا سلاحه. 4 وأن تعاد المواصلات في الحال بين القاهرة والوجه القبلي. هكذا تحركت الجماهير ضد المظالم السياسية والاقتصادية وضد أجهزة القمع.. وهكذا كان »مجلس الشرع« السلطة القائدة للأمة منذ الثورة علي الحملة الفرنسية وحتي الثورة علي مظالم الولاة العثمانيين.