»وما ظلمناهم ولكن ظلموا انفسهم« بل وظلموا البلاد والعباد!.. لقد عرفت مصر الثورات الشعبية في عصرها الحديث بأكثر مما عرفت كثير من البلاد. ثارت ثورة شعبية، قادها »مجلس الشرع« المكون من علماء الأزهر ضد الوالي التركي »خورشيد باشا« وخلعته عن حكم البلاد، رغم أنه من قبل السلطان.. ويومئذ أعلن السيد عمر مكرم »8611 7321ه« 5571 2281م باسم »مجلس الشرع« أن الأمة هي مصدر السلطات.. وقال: »إن أولي الأمر هم العلماء وحملة الشريعة، والسلطان العادل، ولقد جرت العادة من قديم الزمان، أن أهل البلد يعزلون الولاة، حتي الخليفة والسلطان، إذا ساروا فيها: بالجور، فإن أهل البلد يعزلونه ويخلعونه«. ولقد اختار »مجلس الشرع« باسم أهل البلاد محمد علي باشا واليا علي مصر، ونزل السلطان العثماني علي إرادة أهل البلاد. وثارت مصر ثورة شعبية كبري 8911ه 1881م بقيادة أحمد عرابي باشا 7521 9231ه 1481 1191م شارك فيها الشعب والجيش عندما طلبت البلاد الحرية والدستور، فقال الخديو توفيق »9621 9031ه 2581 2981م متحديا إرادة الأمة: »لقد ورثناكم عن آبائنا وأجدادنا، وإنما أنتم عبيد إحساناتنا«!.. فأعاد عرابي وهو علي رأس الجيش والشعب، بميدان عابدين كلمات الفاروق عمر بن الخطاب: »04ق ه 32ه 485 446م »لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا ولا عقارا، والله الذي لا إله غيره إننا لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم«!.. ولقد استمرت هذه الثورة الشعبية لأكثر من عام، حتي أخمدها الاحتلال الإنجليزي لمصر سنة 2881م. وتفجرت بمصر ثورتها الشعبية الكبري 7331ه 9191م بقيادة الشيخ سعد زغلول باشا »3721 6431ه 7581 7291« ابن الأزهر الشريف.. وتلميذ جمال الدين الأفغاني »4521 4131ه 8381 6981م والابن البار للإمام محمد عبده 6621 3231ه 9481 5091 وهي الثورة التي قامت ضد احتلال الإنجليز لمصر، والتي دامت مشتعلة لأكثر من عامين، كان الأزهر الشريف فيها منطلق الثورة وحصن الثوار، حتي لقد اقتحمه الإنجليز، وعاثوا فيه فسادا كما سبق وصنع بونابرت 9671 1281م إبان ثورة القاهرة علي الاحتلال الفرنسي لمصر 3121ه 8971م. وثارت مصر ثورتها الرابعة في العصر الحديث 1731ه 2091م بقيادة الضباط الأحرار والجيش المصري ومن ورائه الشعب ضد الاستبداد والفساد والمظالم الاجتماعية التي جعلت ثروات البلاد حكرا علي نصف في المائة من السكان. لكن الثورة الشعبية الخامسة، فجرها الشباب في 52 يناير سنة 1102م، 12 صفر سنة 2341ه هؤلاء الشباب الذين سبقوا آباءهم وأجدادهم، ثم اجتذبوا إلي الثورة الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وحتي الأطفال لكن هذه الثورة التي تفجرت في كل ربوع البلاد، والتي انخرط في أتونها كل العباد.. قد مثلت تغيرا نوعيا في مستوي الشعبية التي ميزت ثورات مصر في العصر الحديث والواقع المعاصر والمعيش.. فلماذا كان هذا التغير النوعي في مستوي العمق والشعبية لثورة »52 يناير سنة 1102م«.. ذلك هو موضوع حديث قادم إن شاء الله.