كان الصراع محتدما علي رجل مصر القوي. أطراف دولية تبحث عن مصالحها في جزء حيوي من العالم، ويحاولون جذب رئيس مصر الجديد الي محاورهم الا انه قرر اختيار مصر وقرار مصر دائما مستقل. هكذا وصفت صحيفة »الجارديان» البريطانية زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأولي للبيت الابيض في ابريل 2017، والتي جاءت بعد أقل من 75 يوما من دخول ترامب البيت الابيض رئيساً للولايات المتحدة. الزيارة التي كانت الأولي لرئيس مصري منذ يناير 2011، والأولي للسيسي بعد 3 سنوات من توليه السلطة، كان لها طابع خاص استمدته من مراسم استقبال واحتفاء اتسمت بالود مما دفع العديد من وسائل الاعلام لمقارنته باستقبال بارد، سبقه بأيام، للمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل علي ابواب البيت الابيض. وتضمنت مراسم الاحتفاء بالسيسي، بخلاف قمة البيت الابيض، لقاءات رفيعة المستوي مع قادة الكونجرس ومسئولين ورجال اعمال بالاضافة الي كريستين لاجارد رئيس صندوق النقد الدولي. وقد ارجعت تحليلات الصحف والخبراء حفاوة استقبال السيسي في زيارة امتدت 6 أيام، الي اللقاء السابق الذي جمع الرئيسين في سبتمبر 2016، خلال حضور السيسي لجلسات الجمعية العامة للامم المتحدة، وقت أن كان ترامب مرشحا لرئاسة أمريكا. لكن الحقيقة ان هذا لم يكن السبب الوحيد فأحد الأهداف الأساسية للسياسة الخارجية للساكن الجديد للبيت الابيض كانت اعادة العلاقات المصرية الامريكية بعد جمود نتج عن سوء إدارة سلفه باراك اوباما لتلك العلاقات منذ 25 يناير 2011، مرورا بحكم الاخوان وانتهاء بمعاقبة الشعب المصري علي الخروج علي الحكم الاخواني في ثورة 30 يونيو حيث أوقف أوباما المعونة وخفض المساعدات العسكرية، وامتنعت ادارته عن بيع بعض قطع الغيار العسكرية الحيوية للجيش المصري. كل هذه الاجراءات أدت لدخول العلاقات المصرية-الامريكية حالة من الجمود السياسي مثّل تهديداً خطيراً لثوابت سياسة امريكا الخارجية، في توقيت كانت مصر فيه تعيد رسم خريطة علاقاتها الخارجية لتصبح أوسع نطاقاً وأكثر تنوعاً. من هنا كان حرص إدارة ترامب علي إصلاح ما أفسده سلفه والذي لخصّه مسئول كبير في البيت الابيض عندما قال ان الرئيس ترامب »يريد استخدام زيارة الرئيس السيسي لاعادة فتح العلاقات الثنائية والاستفادة من الصلات القوية التي توصل اليها الرئيسان عندما التقيا للمرة الاولي». لكن هذا الحرص الامريكي علي استعادة الجسور مع مصر، لا يعود فقط لمكانتها الاقليمية وأهميتها الاستراتيجية من حيث الحفاظ علي السلام في المنطقة، ولكن يعود بشكل كبير ايضاً لخوف واشنطن من سحب »البساط» من تحت أقدامها في بلد تعدّها امريكا من أهم اصدقائها في المنطقة، لصالح دول أخري منافسة علي رأسها روسيا. فالعلاقات الروسية-المصرية كما تقول وكالة سبوتنيك الروسية شهدت »تطورا استراتيجياً» بعد وصول السيسي للحكم بعد سنوات من الانقطاع المتعمد أشرفت عليه الإدارات الامريكية المتعاقبة وظل هذا الأمر مستمراً حتي رفع المشير عبدالفتاح السيسي في 2013 راية العصيان رافضاً الإملاءات الامريكية ببقاء الجيش علي الحياد وادارة ظهره للإرادة الشعبية في 30 يونيو، لتبدأ السياسة الخارجية في مصر عصراً جديداً يقوم علي التوازن والانفتاح علي جميع البلدان علي اساس المصالح المشتركة والتنوع . من هنا كان الانفتاح المصري علي روسيا التي لجأت اليها مصر لتنويع مصادر أسلحتها بعد قيام واشنطن بوقف توريد قطع غيار عسكرية استراتيجية لمصر وحجبت عنها بعض انواع الاسلحة التي خصت بها اسرائيل دون بقية دول المنطقة. حينها كما تقول صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، ظهرت النزعة الاستقلالية لدي السيسي حتي قبل ان يتولي الحكم، حيث قام، في نفس العام الذي علقت فيه إدارة أوباما المساعدات العسكرية لمصر ردا علي ثورة 30 يونيو، بزيارة موسكو عاقداً صفقات أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار شملت طائرات ومروحيات وصواريخ. هذا التوجّه مكّن مصر ليس فقط من تنويع وارداتها من السلاح ولكن من الانفتاح علي دول أخري. ولأن القيادة المصرية بوصلتها الوحيدة هي المصلحة الوطنية، حرص الرئيس السيسي علي أن يحتفظ بعلاقات متوازنة مع أطراف اخري بخلاف القطبين الأمريكي والروسي، فقام بشراء حاملة الطائرات الميسترال وطائرات الرافال من فرنسا، وغواصات من المانيا وأقام علاقات اقتصادية قوية مع الصين والهند، واعاد الانفتاح علي افريقيا. واليوم تصف العديد من الصحف ووسائل الاعلام الغربية السيسي بالرجل القوي الذي أعاد فتح أفق السياسة الخارجية لبلاده بما يخدم مصالحها.