كلنا تابع الزلزال العنيف الذي ضرب سواحل اليابان الشمالية الشرقية الشهر الماضي.. ورأينا حجم المأساة الإنسانية التي تعرض لها سكان تلك المنطقة.. ولكن غريب أمر الشعب الياباني لم يصدروا إلينا مشاكلهم وآلامهم.. بالرغم من هول الكارثة! فلم نشاهد منهم سوي »الاحترام« من خلال طوابير محترمة للحصول علي الماء والاحتياجات الضرورية،لم نر مشاجرات ولاتصرفات خارجة عن الآداب العامة. رفعوا شعار »الرحمة« للجميع فالناس اشترت فقط احتياجاتهم الوقتية حتي يتمكن كل المضارين من الحصول علي مايحتاجونه أيضا. رأينا كيف كان »الرفق والتكافل« هو سلوكهم وقت الأزمة: المطاعم خفضت أسعارها ولم تستغل الظروف،وأجهزة الصرف الآلي لم تتحطم ولم يتم نهبها،والقوي ساعد الضعيف في قضاء مطالبه. ورغم هول ماحدث شاهدنا »الهدوء« في التعامل مع المأساة فلم نر من يشق الصدور أو يرتفع صوته بالنواح.. حتي الحزن له عندهم قدره وجلاله. وبالرغم من الفوضي التي أحدثها الزلزال والإعصار إلا أن »النظام« لم يختف من حياتهم فلم نشاهد الفوضي تسود في الطرقات أو المرافق العامة.. فالكل يدرك ويتفهم ويقدر الظروف. مات الآلاف من البشر ولكن أبدا لم يمت »الضمير« عند من كتبت لهم الحياة فعندما انقطعت الكهرباء في المحال أعاد الناس ما بأيديهم إلي الرفوف وانصرفوا بهدوء،لم نسمع عن حالات نهب أو سرقة. وأثناء المأساة اختفي من اختفي ونجا من نجا ولكن لم تختف »التضحية« ممن نجوا شاهدنا العمال الذين ظلوا في المفاعل النووي يضخون ماء البحر فيه في محاولة لإنقاذ أرواح من بقي علي قيد الحياة غير عابئين بما قد يصيبهم هم أنفسهم؟ وبالرغم من حالة الدمار التي خلفها الزلزال إلا أن »التدريب وتوزيع الأدوار« ظهرت في أعظم صورها فالكبار والصغار الكل يعرف ماذا سيفعل بالضبط،وما المطلوب منه وتم تدريبه علي أكمل وجه للقيام بمهام المكلف بأدائها. لقد انتهج اليابانيون،سلوكيات إنسانية راقية في أصعب المحن التي يمكن أن يمر بها شعب،وقليلا ماتجدها في أمم أخري. ولكن المنصف حقا سيقول علي الفور إن هذه الصفات والسلوكيات التي جاء ذكرها في السطور السابقة،هي صفات المسلم الحقيقي،وهي من صميم الدين.. ولكننا أهملنا اتباعها وتركناها لغيرنا ولليابانيين! أما نحن فتفرغنا لسلوكيات أقل مايمكن وصفها بأنها سلوكيات غوغائية ودخيلة علي إسلامنا. فبعد ثورة 25يناير استبشرنا خيرا،لقد سقط الفاسدون ويالها من فرصة عظيمة للانطلاق إلي أفق الحرية والعدالة المنشودة ولكن الكثيرين تفرغوا لخزعبلات غريبة وصراعات ممجوجة وإذا كان ذلك مقبولا من بعض طوائف المجتمع،إلا إننا لانقبله مطلقا من جماعات تنتسب إلي الإسلام فالإسلام برئ مما يفعل البعض،وبدلا من الالتفاف حول الدين تفرقنا باسم الدين! ثم بماذا يمكن تفسير ما حدث في قنا؟ فليس من المنطق أن نعترض علي اختيار مسئول لمجرد اختلاف ديانته،ولم نر بعد كيف يؤدي وظيفته؟ والطائفية شبح بغيض،وليس مقبولا من أي مسلم أو مسيحي العزف علي أوتار هذه الآلة اللعينة. والقانون هو الحكم بين المصريين. ومن أهداف الثورة التي قامت تفعيل دور القانون في دولة المؤسسات.. ولاأحد فوق القانون مهما كانت صفته أو ديانته. فإذا كان اعتراض أهلنا في قنا علي تعيين اللواء عماد ميخائيل محافظا لهم لأسباب تتعلق بذمته أو شرفه المهني،فلابأس من الاعتراض عليه وتقديم مايثبت اتهاماتهم أمام القانون وليس بقطع الطرق وتعطيل مصالح المواطنين والتهديد والوعيد وترويع الآمنين. أما أن يكون الاعتراض علي المحافظ لمجرد ديانته فهذا تخلف فكري مقيت يرفضه أي عاقل رشيد،وليتنا نرجع إلي سلوك اليابانيين في مواجهة الأزمات،إنه السلوك الإسلامي الصحيح الذي يفتقده الكثيرون عندنا! كلمات ومعان: الثورة المضادة نوعان: النوع الأول يقوده »هلافيت« النظام البائد. والنوع الثاني يقوده »هلافيت« المجتمع المستفيدون من نتائج الثورة »بالدراع«.. والنوع الثاني بالطبع أخطر علي الثورة من النوع الأول،لأنه مثل الورم السرطاني،لايشعر الإنسان بآلامه إلا بعد أن يتمكن منه،ولأننا نتركه ينخر براحته في عظام المجتمع باعتباره ليس من النوع الأول.