مع دخول "الحرب" الليبية شهرها الثالث وتناوب موجات الكر والفر بين قوات القذافي من جهة وقوات المعارضة مدعومة بحلف الناتو من جهة أخري أصبحت الرؤية ضبابية حول المصير الذي ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا ومن هو الطرف الذي سيتمكن من حسم الصراع لصالحه. فالمعارضة التي تعاني نقصاً في التنظيم والإدارة والعتاد لا تزال تجد صعوبة في اختراق مدن الغرب الليبي الواقعة تحت سيطرة القذافي أو حتي الحفاظ علي ما تحققه من مكاسب لفترة طويلة وهو ما يرجح كفة القذافي وقواته الاكثر تنظيماً والافضل تجهيزاً. وما لم يفجر الجيش مفاجأة وينحاز للثوار كما فعل الجيش المصري فإن فرص صمود المعارضة أمام القذافي ستظل ضعيفة وستكون الغلبة للنظام كما أكد جيمس كلابر مدير المخابرات الوطنية خلال إحدي جلسات مجلس الشيوخ الامريكي، وعدد من المحللين الغرب . ولكن هل يعني انتصار القذافي عسكرياً انه قد حسم الصراع لصالحه؟! المحللون يؤكدون ان الانتصار العسكري للقذافي لن يعيد الأمور لنصابها، وان القذافي فقد وللأبد أي فرصة لاستعادة سيطرته الأمنية علي كامل البلاد . فقوات المعارضة حتي ولو هزمت واضطرت للتقهقر لعدد محدود من معاقلها في الشرق لن ترضي ثانية بالرضوخ لحكم العقيد في الغرب وستبدأ في خوض ما يمكن ان نسميه حرب مدن وشوارع لتظل شوكة دائمة في ظهر نظام القذافي . واذا كان أياً من الطرفين غير قادر علي حسم الصراع لصالحه فقد أصبح بديهياً مع تدويل الأزمة الليبية ودخول أطراف خارجية فيها، ان يكون الطرف الحاسم للصراع طرف خارجي حلف الناتو مثلاً أو الاتحاد الدولي الذي تقوده فرنسا وأمريكا وبريطانيا . المشكلة ان هذه الأطراف تري ان حسم الصراع بشكل نهائي لن يتم إلا بإقصاء القذافي عن السلطة سواء بالتراضي أو بالقوة . دروس التاريخ المستخلصة في البوسنة والعراق أثبتت ان التدخل الجوي وحده لا يكفي لخلع ديكتاتور ما لم يصحبه تدخل علي الأرض. وهو الأمر الذي اختلفت عليه الدول كما اختلفت من قبل علي قضية تسليح الثوار . ففي حين رأت كاثرين أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي ان ارسال القوات البرية سيمثل غطاء تأمينياً جيداً لتوصيل المساعدات الانسانية ، اعتبره أكسل بونيتوسكي رئيس لجنة الشئون الدولية بالبرلمان الفرنسي عاملا مساعدا في ارشاد وتوجيه الضربات الجوية للحلف للأهداف الصحيحة خاصة مع التكتيك الخداعي الجديد الذي يتبعه القذافي . وهو السبب الذي دعا عدد من الدول الاوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا للاعلان عن عزمهم إرسال خبراء عسكريين إلي ليبيا لتقديم المشورة إلي المعارضة حول طريقة تحسين تنظيمها العسكري ووسائل اتصالاتها وقدراتها العملية في محاولة لتحسين قدراتها علي التغلب علي القذافي . لكن في ظل ما تواجهه المعارضة من خلافات داخلية بين اللواء خليفة حفتر القائد الميداني واللواء عبد الفتاح يونس رئيس الأركان يواجه الائتلاف مهمة صعبة . بالتوازي مع الخط العسكري تجري مفاوضات مع القذافي حول توفير خروج آمن له ولأسرته والبحث عن ملجأ له في دولة لم توقع علي اتفاقية تسليم المطلوبين دولياً . وسواء نجحت المساعي السلمية أم لم تنجح ، فانه لم يعد هناك مجال للتراجع أو الاستسلام لحلف الناتو ودول الائتلاف فقد تكبدت فاتورة باهظة لابد وان تضمن تسديدها من رصيد النفط الليبي. المشكلة انه وحتي بعد التخلص من القذافي سيكون من الصعب علي المعارضة ومجلسها الانتقالي الاستغناء عن المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها دول الغرب . وبهذا تنعم هذه الدول بامتيازات من أي نظام جديد تفرزه الحرب ولو علي سبيل العرفان بالجميل ، هذا بالاضافة للدخول التاريخي لحلف الناتو منطقة شمال افريقيا لأول مرة في تاريخه. ريهاب عبدالوهاب