في يوم من الأيام استيقظنا علي ثورة، هزت الدنيا، رأينا وطنا حراً مستقلا، يرسخ لمبادئ الحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية، كنا صغاراً نصطف في صفوف منظمة نصفق علي ضفتي الطريق أثناء عبوره في سيارة مكشوفة يلوح لجماهير الشعب بكل فئاته أطفالا وشباباً وشيوخاً نساء ورجالاً عمالا وفلاحين، كنا علي قلب رجل واحد، نحلم بأحلامه، ونفكر بأفكاره ونسعد بقراراته، حفظنا ميثاقه، ودرسنا فلسفة ثورته، التي عاشت في وجداننا سنين، كان يمثل صورة الزعيم والبطل الثائر الذي سوف يهدي لنا الحب والاستقرار طويلا، فجأة مات البطل بكل انتصاراته وانكساراته، بهتت صورته بالتقادم مع ظهور صور جديدة، توالت وتتابعت الاحداث في عهود مختلفة، كبرنا وعشنا بين التشكيك والتأكيد علي مصداقيته وحقيقته كبطل حقيقي أراد يوما تحقيق أحلام هذا الوطن، رغم كل ذلك ظل يمثل الشغف الأول للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، من الصعب أن تغير حلماً كان كبيرا واستيقظت منه علي تفسيرات مختلفة لواقع لم نع تاريخه تماما لحداثة السن، أو لعدم قدراتنا حينذاك علي إدراك التفرقة بين الصواب والخطأ، العقل يمكن أن يستوعب ويفكر ويدرك الحقائق لكن القلب لا يدرك ذلك ببساطة، إنه يظل عالقا بالشغف الأول، ولما فكرت أكتب قصة الفتاة التي حلمت بالحب والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية في روايتي »أهداني حبا» كان هو الذي مثل لها صورة البطل الغائب الحاضر الذي لم تستطع نسيانه، رغم وجود رجال أخرين في حياتها كل منهم يحمل أحلاما وأفكارا، وواقعاً آخر يتناسب مع زمنه، هذا الارتباك الذي أحدثه البطل الأول في حياة جيل كامل، لا يمكن محوه بسهوله، حتي ولو صدق البعض في أقوالهم عنه، لا أحد يستطيع أن يتخلص من طفولته وشبابه، ويعيش بقية حياته ناسيا ماضيه، حتي لوكان حاضره أفضل.